معوض عادل.. "شهيد الثورة" الذي عاد للحياة بعد 5 سنوات "غيبوبة"

تقارير وحوارات

بوابة الفجر



يحرك "معوض عادل" يده بخفة وبحركات رشيقة متوالية، فعلى الإثر تنتفض الأم التي كان فمها يتثاءب وسط وجهٍ منهك من طيلة السهر، ترى الرعشة الأولى ليده فلا تكاد تبين، تتكرر الرعشات فتهز رأسها وتطرد عنها بقايا النوم والإرهاق، تتسع حدقة الأم الرءوم دهشةً ويلمع الأمل في عينيها، وتحتضن بسرعة أصابعه الدقيقة بباطن يدها الدافئة.
 ترمي بثقل جسدها وتحتضنه بقوة وتصرح بهدوء "ابنى ..معوض حبيب قلبي حمدالله ع السلامة، الحمد لله والشكر ليك يارب" يستوى ظهرها وماتزال تحتضن عينيه التي ما تفتأ تتحرك دائرة في محجريهما بثقل وخدر، لا تكاد تصدق نفسها، أخيرًا سيفيق ابنها وأن ساعة استجابة دعائها أزفت وها هي تراها بأم عينها، تتعثر الكلمات، لا تدري ماذا تفعل، هل تنادي الطبيب؟ هل تغالب شغفها المتوقد لتظل جانبه كديدنها منذ خمس سنوات، عندما أصيب.
 "معوض عادل"، الطالب في الفرقة الرابعة بكلية الصيدلة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا في 2011، الذي أصيب برصاصتين في الرأس خلال أحداث محمد محمود الأولى يوم 20 نوفمبر 2011، والتي أدت لإصابته بكسر في عظام الجمجمة وارتشاح في المخ وشلل كامل بالأطراف، دخل على إثرها الشاب الثوري في غيبوبة طويلة ليعيش ما بين الحياة والموت، ويعيش بين المتناقضات "شهيدًا حي" .
لا يسمع دعاءها، يغلق عينيه ببطء، فتنطفأ عينيه مجددًا، تخبو شعلة الأمل التي لم تستمر لثوان معدودات، لا مفر من مناداة الطبيب، تهرع مسرعة إلى غرفة الطبيب بمركز رافيال الطبي بالعاصمة البريطانية بلندن حيث يعالج معوض على نفقة الدولة، تنسى الأم المتلهفة أن تقرع الباب فلا تلبث أن تدير مقبضه وتدخل، يعلو صدرها ويهبط، المفاجأة تثقل لسانها لكنها تتشجع وتقول بطريقة آلية باللغة الإنجليزية "دكتور تعالى بسرعة ابنى صحا يا دكتور قوم معايا"، يهديء الدكتور من روعها ويطالبها بالهدوء، يمضي مع الأم ويذرعان الردهة معا للغرفة، فيجدان "معوض" على هيئته بالسرير الذى لم يبارحه لخمس سنوات متواصلة، يحدق الدكتور في عيني معوض ويكاد يكذب نفسه، المريض مفتح العينين ويحرك رأسه بثقل يمينًا مرة ويسارًا مرة أخرى دون أن يعي ما حوله تمامًا.
"معوض" الآن يستطيع  أن يسمع وأن يرى، ولكنه حتى هذا التوقيت لم يسترد كامل ادراكه، وأمامه حوالى من 5 إلى 6 أشهر حتى يصل إلى مرحلة الإفاقة التامة، ربما تتابع الأحداث وغرائبها طيلة مدة غيابه ستدفعه إما للجنون وإما لطلب "النوم الرحيم" حتى وإن ظلت أنفاسه تتردد في جوفه، فمبارك ونظامه الذى خرج الشباب وهو واحد منهم ثائرين صاخبين في ثورة يناير لم يعد خلف القضبان، وأن رجال نظامه عادوا للعيش بين ظهرانية، ورجل إخوانى يتقلد أعلى منصب بالدولة ويصبح رئيسًا للجمهورية ثم يئول مصيره إلى غيابة الجب، دستوران يتم الاستفتاء عليهما أحدهما سقط وفقد مصداقيته والآخر قائم، برلمان يأتي بأغلبية ذات خلفية دينية يحل ويتشكل برلمان جديد ويتحدث باسمه نائب لم يدر هل كان سيمنحه صوته أم لا، سيلقى العديد من رموز السياسة والفن  اما ووروا التراب وإما تبدل بهم الحال، أحلام عريضة كان يأمل أن يراها تبنى أمام ناظريه، وكم زاخر من الأحداث الأخرى التى لن تفاجئه فحسب، بل ستصعقه بالتأكيد، الدكتور المتابع لحالته يأمل أن يعود "معوض" لحالته الطبيعية وأن يستوعب الأحداث وتواليها برفق، ويمنى نفسه أن لا يدخل في منفى اختياري يصنعه لنفسه.