أحمد فايق يكتب : فى عشق البنات

مقالات الرأي


وقفن حائط صد لحقن دماء المصريين فى جمعة كشف الحساب وواجهن مشايخ «قريش»


تتحمل بنات مصر الكثير، لم يسلمن من سخرية الشباب فى مواقع التواصل الاجتماعى، يواجهن مقارنات ظالمة ببنات من كوكب آخر شاهدنا صورهن فى بطولة أوروبا لكرة القدم، يعانين فى حياتهن اليومية من مضايقات المارة فى الشوارع وتحرشات الجهلة وتحكمات الأخ وسطوة الأب والنخوة الكاذبة لكل رجل يقابلنه، أصبحن متخصصات فى سماع اسطوانات الحب «المشروخة» والأفلام المصرية القديمة، يتحملن كذب الرجال عليهن، يواجهن يوميا مشايخ «قريش» الذين يظهرون يوميا فى التليفزيون. مشايخ يريدون أن تكون المرأة وعاء للجنس لا أكثر، يحللون انتهاك كرامة بنات مصر، يريدون وضعهن فى خيمة من السواد.. صوتهن عورة.. المصافحة باليد جريمة.. حقهن فى الوجود كفر.. الحب بدعة.. والزواج لعنة لو لم يكن مصاحبا لزوج يطلق لحيته حتى الأرض،

يسمعن يوميا كلمات مثل «ممنوع» و»مايصحش» و»عيب» و»حرام» و»لازم تعرفى إنك بنت»، وكأن الأنوثة صنف أخر من الكائنات الحية.. منزوع الحق فى الحياة، يتناولن المسكنات يوميا من أغنية العظيم صلاح جاهين والسندريللا سعاد حسنى «البنت زى الولد»، إلى أن أصبح مصيرهن الآن «شيكولاتة جالاكسى»، فمعظم أغانى نصر أكتوبر كانت للرجال فقط وتجاهلت أرامل الشهداء وأمهاتهم وبناتهم، حتى شريفة فاضل حينما غنت «أم البطل» بكت ابنها الشهيد، ولم تبك نفسها، فالشهيد فى الجنة والأم هى من تتعذب فى الدنيا، حتى أغانى ثورة 25 تجاهلت بناتها اللاتى تحملت أجسادهن الرصاص وقنابل الغاز، فى وقت كان هناك «رجالة بشنبات وذقون» يحرمون الخروج على الحاكم، ويكفرون الثوار، وقفن مثل الأسود فى شارع محمد محمود يحمون الثورة، والرجال يتهمونهن بالعمالة والوقيعة بين الجيش والشعب فى مجلس الشعب على بعد خطوات قليلة منهن.

فى جمعة كشف الحساب التى أجهضها الإخوان وحولوها إلى موقعة جمل ثانية، وقفت البنات يدافعن عن الثورة بأجسادهن، لم يلتفتن لنظرة المجتمع الذكورى تجاههن، وقفن فى المنتصف بين الفريقين كحائط صد دفاعا عن مبادئ الثورة، نزعن ورقة التوت الأخيرة من على أجساد أنصاف الرجال، فى الصور التى التقطتها عدسة مصور «الفجر» الفنان أحمد حماد، نجد 3 فتيات وقفن فى مقدمة الخطوط، وضعن حياتهن رهن إشارة الوطن، أسرعت إحداهن إلى شاب يمسك بالحجارة أخذتها منه، رفضت أن يتبادل المصريون القذف بالحجارة، والأخرى وقفت فى المنتصف رافعة يديها الاثنتين وتطالب الفريقين بوقف الاعتداء، تعلمان جيدا أن حياتهما فى خطر، وسمعتهما أيضا، فقد يستلم الصورة أحد مشايخ قريش، ويرسم مصيرا لهما مثل مصير الفتاة التى سحلتها الشرطة العسكرية وعرتها فى التحرير، ياالله.. ما هذا الجمال وإنكار الذات والفدائية دفاعا عن شرف الوطن، ألا تستحقان قلادة النيل والتكريم، أليس ما فعلتاه يوازى من حمل على كتفه سلاحه وحياته وهو يعبر خط «بارليف»، أم أن قلادة النيل تكريم خاص للقتلة، وكل من أفسد ثورة المصريين.

هل تتذكرون ما فعلته نساء مصر أثناء الثورة.. ففى الوقت الذى كان يتقهقر فيه الثوار الرجال للخلف أمام حشود الأمن المركزى وبلطجية الحزب الوطنى المنحل، كانت النساء تتقدم للأمام، ألم تنقذ حقيبة بنات مصر آلاف الشباب من الاختناق بقنابل الغاز، فقد كانت حقيبة سحرية فيها الخل والبيبسى وأدوات الإسعاف الأولية والشيكولاتة والبسكويت بالإضافة إلى العصائر، أمهاتنا ألقين بزجاجات المياه من نوافذ البنايات على المتظاهرين، كى يرحموهم من الظمأ، أمهاتنا كن يتواطأن معنا ويظهرن لنا أنهن يصدقن كذبنا، حينما نذهب للتحرير وندعى أننا فى مكان اخر، هل تتخيل هذا الشعور؟.. أم قلبها يكتوى بالنار والشيطان يلعب بخيالها.. ترى فى كل لحظة ابنها وهو فى النعش، ورغم ذلك تدعى انها تصدقنا، فهى تعلم من داخلها أن الابن فعل الصحيح، ونفذ المبادئ التى تربى عليها، ولا تستطيع أن تغير قناعاته الآن فقد أصبح فدائياً يحمى وطنه ومشروع شهيد محتملاً، أما نحن فقد حولنا كل هذه المشاعر إلى مزحة وكتبنا على الفيس بوك: «نحن لا نخشى مدرعات طنطاوى ولا رصاص مبارك ولا قنابل حبيب العادلى ونشعر بالرعب حينما نبلغ أمهاتنا أننا ذاهبون للتحرير»، أتذكر شقيقتى يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011حينما هربت من المنزل لتصلى مع البرادعى فى الجيزة رغما عنى، فقد كنت مثل كل رجل فى مصر أخشى عليها من الموت، أتذكر تلك الفتاة التى ألقت بجسدها أسفل «عجل» سيارة ميكروباص يوم 12 فبراير، لأنه كان يسير عكس الاتجاه فوق كوبرى أكتوبر، وكانت تقول له «خلاص مبارك مشى.. والبلد لازم تنضف».

هل تعلم شيئا عن رشا عزب تلك الفتاة التى وهبت حياتها كلها من أجل القضية تقف فى المظاهرات قبل الثورة بأعوام، وسجنت بتهمة حب مصر بجوار تجار المخدرات، لقد جعلتنى أشعر بالإحراج حينما نزلت ميدان التحرير وقت الثورة، واستقبلتنى مع أصدقاء لى» جاى تهتف بس يا خيبة.. اشتغل أحسن روح هات عيش من واحد صاحبنا فى رمسيس وخليه فى العربية عندك علشان نوزعه على الناس»، شعرت بأننى صغير حينما رأيتها بمائة رجل وهى تفض مشاجرة بين الشباب فى الميدان قائلة لهم «استرجلوا.. العدو هو مبارك.. ولسه قاعد على قلبنا.. وهانمشيه حتى لو على جثثنا».

على رجال مصر أن يستمدوا قوتهم من شجاعة ميرى دانيال شقيقة الشهيد مينا دانيال، فقد حولت موت شقيقها إلى قضية وطن بكامله يغتصب، عليهم أن يعرفوا معنى التضحية وحنان الأم من والدة الشهيد خالد سعيد، علينا أن نتعلم الرجولة من فتيات مصر فهن أرجل من رجالها