عمار على حسن: المشهد "ضبابي" وآن الأوان أن يكون رئيس مصر مدنيًا.. (حوار)

بوابة الفجر


- أعراض "الديكتاتورية" أصابت "السيسي" مُبكرًا 
-"الإخوان تخترق الأحزاب.. وتحيا على إخفاقات النظام" 
- قوس الثورات مازال مفتوحًا والمعارضة لم تتشكل بعد
-محاسيب "مبارك" مازالوا مستمرين.. والشعب لن يتراجع إلى الوراء
-"البرلمان سينهار.. واختيار "عبدالعال" لرئاسته "أزاد الطين بلة"

فجَّر الدكتور عمار علي حسن، الباحث في العلوم السياسية، وعضو اللجنة التحضرية لتوحيد القوى الوطنية، العديد من الأسرار والتصريحات في حواره الناري لـ الفجر"، حول بداية تحالف الإخوان مع التنظيمات الإرهابية وتمويلها ضد نظام "مبارك"، كما انتقل إلى تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي رئاسة مصر، موضحاً أنه نجح في تدريب وتأهيل الجيش، في حين فشل في إدارة الحياة المدنية، إضافة إلى تأكيده بأن برلمان 2016 يشكل عبئاً كبيراً على الحياة السياسية، لافتاً إلى أن نوابه جاءوا ليؤكدوا أنهم مع "السيسي" ولا يدركون أنهم يمثلوا أهمية أكبر من الرئيس، إضافة إلى التطرق لمبادرة "لنصنع البديل" لتطرح حلولا شعبية بديلة للخروج من الأزمات، وإلى نص الحوار..
بدايةً.. ما تعليقك على المشهد السياسي بوجه عام؟
المشهد السياسي يمكن أن نصفه بكلمة واحدة، وهو أنه "ضبابي"، وهذه الرؤية الضبابية نتجت عن وجود سلطة بلا رؤية أو استراتيجية، والمعارضة التي لم تتشكل بعد حتى هذه اللحظة، لأنها كانت جزءً من كيان أكبر تحت لافتة 30 يونيو، الطرف الآخر الذي يعارض بالسلاح أو بالإرهاب هو خارج المعادلة السياسية، لأنه لا يعمل وفق المشروعية القانونية، والشرعية الدستورية، ومن ثم لا يمكن أن نصفه في طرف المعارضة، القوى الثورية منهكة، وذلك لأن التشويه المنظم الذي تعرضت له الثورة خلق جداراً عريضاً بينها وبين قوى الشعب، والتي أنهكت أيضاً خلال الخمس سنوات الأخيرة، حتى أصبحت تعتقد أن جمود الأوضاع على وضعها الراهن أفضل بكثير من العودة إلى حالة من السيولة عاشتها مصر منذ 25 يناير وحتى شهور قليلة مضت.
بما تفسر اختراق أعضاء جماعة الإخوان للأحزاب السياسية؟
هذا ليس جديداً، الإخوان لديهم خطة منذ الثمانينيات لاختراق الأحزاب السياسية، هذه الخطة معروفة لدى مكتب الإرشاد، وبدأ الإخوان التفكير فيها منذ عام 1984، منذ أن تحالفوا مع حزب الوفد عام 1984، ثم مع العمل والأحرار عام 1987، وهم أدمنوا فكرة اختراق الأحزاب السياسية، ومن خلالها أصبحوا أكبر طرف لديه أعضاء في البرلمان من خارج الحزب الوطني الذي كان يحكم في هذا الوقت.
بعد ذلك وُضعت خطة لاستمرار التغلغل داخل الأحزاب السياسية كلها، وهذا التغلغل أثمر حتى بعد ثورة يناير للإخوان مكاسب كثيرة جداً.
هل ترى أن الإخوان ما زال لهم تأثير على الشارع المصري؟
الإخوان في حد ذاتهم، ليس ليهم مصداقية ولا تأثير كبير، لكن هم يستفيدون من إخفاقات السلطة الحالية، كل توعك أو فشل أو إخفاق أو فساد في العلاقة بين الجمهور والسلطة التي تحكم الآن، الإخوان يجنون آثار كل هذا، وهم يحاولون أن يستفيدوا من طرح أفكار حول ذلك كقولهم، كان يجب أن نتريث من قبل، ممكن أن نعتذر، من الممكن أن نمد أيدينا، كان من الممكن أن تنتظروا أو تعطوا فرصة أطول للمعزول محمد مرسي، كل هذه آراء يبثونها في المجتمع العام، وتلقى صدى أحياناً عند البعض، نتيجة غياب المشروع الوطني الجامع لدى "السيسي"، نتيجة أن علاقته حتى بالجبهة التي تشكلت حوله قبل انتخابه وفور انتخابه بدأت تتحلل وتتفكك، فالإخوان ينقاضون على فشل الآخرين، وهم بارعون في هذا المسار، لكن ليس لديهم قدرة على انتهاج مسار مستقل أو قيادة دولة.
الوثيقة الأمريكية أكدت أن الإخوان تعاونت في الفترة الأخيرة مع "داعش".. ما تعليقك على ذلك؟
الإخوان علاقتهم بالتنظيمات الجهادية قديمة جداً، علاقات على مستوى الأفكار والتنظيم والتمويل، عل مستوى الأفكار، وفيما يتعلق بعلاقة التمويل، هناك شهادات من قبل بعض الجهاديين، أن تنظيم الإخوان كان يمول بعض التنظيمات الجهادية التي تقوم بأعمال عنف وإرهاب ضد النظام المصري أيام "مبارك" في الثمانينيات والتسعينيات، وهناك شهادة من الجهادي السابق "نبيل نعيم" يقول فيها أن شخصاً يُدعى عز الدين، كان يأتي من أوروبا بشنطة مليئة بالدولارات يسلمها لكتائب طلائع الفتح.
وفيما يتعلق بالعلاقة التنظيمية، الإخوان عقب ثورة 25 يناير، بدلاً من أن ينتقلوا إلى المعسكر المدني، ويضعوا أيديهم في أيدي التيار المدني كما كانوا يزعمون قبل ثورة يناير، عولوا على التنظيمات الجهادية. 
منذ أن تولى "السيسي" رئاسة مصر.. في أي المجالات حقق نجاحاً أكثر؟ 
أنا أعتقد أن "السيسي"، نجاحه الحقيقي في إعادة تأهيل وتدريب الجيش المصري، أما فيما يتعلق بإدارة الحياة المدنية فهو ينتقل من فشل إلى فشل، ويخطيء حين يعتقد أن إدارة المجتمع الذي يقوم على التنوع والتعدد مثلها مثل إدارة المعسكرات التي تقوم على السمع والطاعة العمياء.
"السيسي"، يعتقد أنه ملهم، وأنه صاحب رؤية ونظرية  لا يستطيع أحد أن يصل إليها، وأنه فيلسوف، وأنه ليس بحاجة إلى آراء الآخرين، وأنه طبيب، وأنه وحده هو الذي يعرف مشاكل مصر وحلولها، وأن الشعب المصري يجب ألا يستمع إلا منه، وهذه كلها أعراض الديكتاتورية، وأصابته مبكراً للأسف الشديد، وهو يخسر يوماً تلو يوم، ويصر على الفصل التام بين القرار السياسي وبين العلم، ويفتقد إلى الثقة في المدنيين، وهذه مشكلة الرئيس السيسي، وهو يعتقد أن المدنيين تنقصهم الوطنية والكفاءة والثقة.

ما أخطاء "السيسي".. وبما تنصحه للعدول عن تلك الأخطاء؟
 أنا لا أوجه نصائح للسلطة أبداً، وإذا جاز لي أن أتحدث فأنا أتحدث إلى المواطنين، وأعول عليهم في التغيير، لأنهم هم أصحاب الشرعية وأصحاب السيادة ولديهم القدرة على التغيير.
وأنا أدعو الشعب المصري إلى التبصر وإلى إعادة التفكير في كل ما جرى خلال الخمس سنوات الأخيرة، ليعرف أن ثورة يناير كانت ثورة حقيقية، وكانت هناك رغبة في التغيير إلى الأفضل، لكن هناك ثعالب سبعة تحالفت ضد هذه الثورة وتآمرت عليها وهم؛ جماعة الإخوان، المجلس العسكري، النظم الإقليمية التي أدركت أن مصر إن تغيرت ستهتز عروشها، الأحزاب القديمة التي رأت أن البساط يسحب من تحت أقدامها، فلول نظام مبارك بجوانبها المادية والإعلامية والأمنية، وأيضاً الأمريكان الذين خافوا أن تأتي الثورة بنظام لا يتبع الولايات المتحدة أو يدور في فلكها، مثلما فعل السادات ومبارك، وأخيراً المراهقون الثوريون أو الانتهازيون الذين اعتقدوا أن الثورة ممكن أن يغتنموا منها ويحصلوا على مكاسب شخصية.
الشعب المصري عليه أن يعيد النظر في هذه المسألة ويؤمن أن مصر قد آن لها أن تحكم حكماً مدنياً، وأن الذي سينهض بمصر رجل يجب أن يكون من قلب الشارع المصري، ومن قلب الحياة السياسية المصرية، ولديه رغبة في أن يسخر كافة الطاقات الكامنة لدى المصريين من أجل دفع هذا البلد للأمام، أما فكرة إعادة إنتاج الماضي، أو التعامل مع الثورة باعتبارها مجرد انتفاضة ضد التوريث، ثم يستمر الحكم في يد المؤسسة العسكرية، أو النظر إلى المصريين باعتباره شعب قاصر، يحتاج إلى نصف قرن آخر حتى يكون بإمكانه أن يحكم بالديمقراطية، أو أن شخص كـ "السيسي" يعتقد أنه الأكثر فهماً ومعرفةً بأوضاع الناس، كل هذه الأمور على المصريين يدركوا أن بها هذا البلد لن يتقدم إلى الأمام، نصيحة للشعب المصري أن يعيد تقييم الفترة الماضية، وأن يُحسن الاختيار في الانتخابات الرئاسية المقبلة، آن الأوان أن تُحكم مصر برئيس مدني.
هل معنى ذلك أنك تتنبأ بثورة جديدة قادمة ؟
ما أؤمن به أن ثورة يناير قد فُتح قوسها الأول في 25 يناير 2011، والقوس الثاني لم يُغلق بعد، ومن ثم كل الاحتمالات واردة، ولدي اعتقاد وفق ما أراه وما أعرفه من تاريخ الثورات، وتاريخ المجتمع المصري، أن هناك دينامية أو طاقة كامنة لدى المجتمع المصري يجعله يتمسك بالتغيير للأفضل، وأنه لن يتراجع للوراء تحت أي ظرف من الظروف، وأعول في ذلك إلى جيل جديد، لا يقبل بالمعادلات القديمة التي كان من الممكن أن يقبل بها الجيل السابق.
ما أبرز المشاهد الحالية التي تعيدك إلى عصر "مبارك" بشكل عام؟
الفساد المالي والإداري والسياسي، التحجر والجمود البيروقراطي، ممارسات جهاز الشرطة ضد المصريين، وعودة الخوف مرة أخرى من دخول الأقسام والتعامل مع الجهاز الشرطي، الاحتقار في الأسواق وارتفاع الأسعار، وجود فجوة بين خطاب السلطة والواقع، عودة الدولة الجابية، استمرار ما كانت تحصل عليه الطبقة المطرفة والرأسمالية الطفيلية ورأسمالية المحاسيب أيام "مبارك"، هذا مستمر الآن بطريقة أو بأخرى، الذين يحصلون على أراضي الدولة ثم يحولونها إلى عقارات ويبيعونها على حساب الشعب المصري الفقير، تراجع وانهيار الطبقة الوسطى، احتقار الثقافة والمثقفين من قبل السلطة.
بعد مرور أكثر من شهرين على البرلمان، ما تقييم لأدائه؟
أداء البرلمان يثبت المعادلة التي تقول إن المقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة، هذا البرلمان أنتجته انتخابات معوجة، استخدم فيها المال السياسي بإفراط، ووفق قوانين لم تكن عادلة، انفردت بها السلطة ولم تشارك القوى السياسية في صناعتها، فجاء البرلمان على شاكلة كل هذه الإجراءات، وحُرمت القوى السياسية المعارضة من خوض الانتخابات، أو الشباب نتيجة الاستخدام المفرط للأموال وهم غير قادرين على مواجهة هؤلاء الأباطرة في الإنفاق على الحملات الانتخابية، وقطعاً هذا المنتج لا نتوقع منه أداءً ساحراً ولا مهماً ولا كبيراً ولا انحيازاً للمصلحة الوطنية، وللأسف الشديد البرلمان يثبت يوماً بعد يوم أنه يشكل عبئاً كبيراً على الحياة السياسية المصرية، خاصةً أن السلطة السياسية التي تتحمس دائماً للضعاف وقليلي الكفاءة، انحازت لرجل ضعيف وغير قادر على إدارة البرلمان لكي يكون رئيساً للبرلمان، وهو غير مؤهل لهذه المهمة إطلاقاً، وهو ما زاد "الطين بلة"، لأن دور رئيس البرلمان مهماً في ضبط إيقاع الجلسات، وتحديد أولوياته وقضاياه، ونتيجة أن هذا الرجل بلا أدنى قدرة على الإدارة ولا خبرة في هذا المجال، فهنام حالة من الفوضى والارتجالية وجعجعة بلا طحن نراها في البرلمان، وأتصور أن هذا البرلمان إذا لم يدرك أن صورته باتت مجروحة، وعليه أن يضبط إيقاعه من خلال التخلص أولاً من العناصر التي تسيء إليه أمام الرأي العام، وتستغله في معاركها الشخصية، من خلال تفعيل لجنة القيم داخل البرلمان، ثم بعد ذلك تحديد أولويات مناقشاته وفق مصالح المصريين، ثم بعد ذلك قيام البرلمان بممارسة صلاحيته كاملة في الرقابة والتشريع على الحكومة، بدون ذلك هذا البرلمان سينهار في أعين الشعب، وإذا انهار في أعين المواطنين سينهار في الواقع كما جرى في برلمان الإخوان.
وعلى سبيل المثال، حينما حدثت مشكلة الأطباء في المطرية، لو البرلمان قام بدوره وقدم استجواب لوزير الداخلية، كان من الممكن أن يفض الأزمة قبل أن تنفجر، لكن البرلمان تباطؤ وتكاسل وكان مشغولاً بأمور أخرى، وترتب على ذلك أن الأمور من الممكن أن تنفجر، فالبرلمان حتى الآن لا يدرك أنه أهم طرف في المعادلة السياسية، وأنه أهم من رئيس الجمهورية، وتمثيله للشعب أقوى من تمثيل الرئيس، لكن  للأسف الشديد لا يوجد عضو واحد في البرلمان يدرك ذلك، هم جاءوا يقولون نحن جئنا لنريح الرئيس، نحن جئنا لنطيع الرئيس، نحن جئنا لندافع عن الرئيس، وهذا يعني أنهم أتوا إلى أماكنهم مفرطين في اختصاصاتهم وصلاحياتهم، فكيف نتوقع منهم أن يمارسوا تلك الصلاحيات والاختصاصات فيما بعد؟! لا اعتقد.
من من النواب تريد أن تعطيه كارت أحمر من البرلمان؟
هناك قله داخل البرلمان وصلت بعرقها وجهدها وكفاءتها واقتناع الناس بها، ما دونهم جميعهم يستحقون كروت صفراء وحمراء.