مى سمير تكتب: بلجيكا.. «الضحية الثانية»

مقالات الرأي



كتاب «الدعوة من أجل مقاومة إسلامية دولية» دليل داعش فى هجماتها الإرهابية على الغرب

■ عملية بروكسل قللت من فخر بلجيكا بالقبض على «الصيد الثمين» صلاح عبدالسلام

 بين هجمات بروكسل، ونظيرتها فى باريس، تشابه كبير، يدل على أن الجهة التى خططت للحادثتين واحدة، بينما اختلف المنفذ فقط.

وقد تكون هجمات بروكسل إشارة لبدء حملة لحرب عصابات بقيادة تنظيم داعش فى الغرب، وهو ما أكده موقع الدايلى بيست فى تحليله للأحداث الإرهابية الأخيرة التى شهدتها بلجيكا.

أضاف التقرير التحليلى أن التفجيرات التى هزت المطار والمترو فى بروكسل وأسفرت عن مقتل ما يقرب من 34 شخصا وإصابة 136، قد أتت بعد أربعة أيام فقط من إلقاء القبض على صلاح عبدالسلام أحد أعضاء الخلية الإرهابية التى قامت بهجمات باريس فى نوفمبر الماضى وأسفرت عن مقتل 130 شخصا.

وكان وزير الخارجية البلجيكى قد حذر فى يوم الأحد الماضى من أن عبدالسلام كان يخطط للقيام بهجوم جديد.


1- حرب الميليشيات

وعن انعكاسات هذه الهجمات على أوروبا على المدى الطويل، أشار الباحث والمتخصص فى شئون الإرهاب جليه كوبيل إلى أن تنظيم داعش الذى خطط لهجمات باريس ويعتقد حتى الآن أنه متورط فى تفجيرات بروكسل ينفذ على نحو دقيق ما كتبه الإرهابى السورى أبو مصعب السورى فى كتاب حمل عنوان «الدعوة من أجل مقاومة إسلامية دولية».

ويعرف أبو مصعب السورى أوروبا على نحو جيد، فقد عاش لفترة فى بريطانيا وكان قريبا من مجتمعات العرب والمسلمين الذى يعيشون فى منفى هناك، يتلخص جوهر فكرته فى أن المسلمين فى الغرب، على الرغم من أعدادهم المتزايدة، قد تركوا أنفسهم للعزلة والحياة تحت الضغط، وهذ الأمر من الممكن استغلاله لإصابة المجتمعات الأوروبية بحالة انهيار، وتطوير احساس بالتمرد لدى المسلمين ثم إطلاق الشرارة لحرب أهلية سوف تنتصر فيها قوات الإسلام فى النهاية.

ويضيف التقرير أنه منذ 13 نوفمبر والعملية يتم التجهيز لها، مع زيادة حالة الرفض والشك المرتبطة بتدفق أعداد هائلة من المهاجرين العرب، ولم تعد مشاعر الكراهية والخوف من الإسلام قاصرة على أوروبا فقط بل امتدت أيضا للولايات المتحدة الأمريكية واستغله على نحو كبير المرشح الرئاسى دونالد ترامب الذى أصبح الحصان الأسود فى سباق الرئاسة الأمريكية.

وقد تبدو هجمات بروكسل رسالة تهديد لكل الدول الأوروبية خاصة أن العاصمة البلجيكية تضم المقر الرئيسى للاتحاد الأوروبى.


2- المشتبه فيهم

وبحسب جريدة الدايلى تليجراف فإن المشتبه فيهم الرئيسيين فى هذه الهجمات هما نجيم الشعراوى ومحمد ابرينى وكلاهما متهم أيضا فى هجمات باريس، وكانت السلطات البلجيكية قد أعلنت بالفعل أن اثنين من المتهمين بالمشاركة فى هجمات باريس وهما نجيم الشعراوى ومحمد ابرينى هما المسئولان عن الهجمات التى تعرضت لها بروكسل يوم الثلاثاء، غير أنها ظلت تطارد ابرينى والشعراوى منذ إلقاء القبض على صلاح عبدالسلام.

الشعراوى هو سورى الأصل يبلغ من العمر 24 سنة، وكان الشعراوى قد سافر إلى سوريا فى فبراير 2013 ثم عاد إلى أوروبا تحت اسم مستعار هو سفيان كايل وهو الاسم الذى استخدمه للسفر مع صلاح عبدالسلام فى سبتمبر الماضى إلى المجر.. وأكدت الشرطة أن الحمض النووى للشعراوى قد تم العثور عليه فى عدة أحزمة ناسفة تم استخدامها فى هجمات باريس فى نوفمب الماضى.

أما محمد ابرينى فهو بلجيكى من أصول مغربية يبلغ من العمر 30 سنة، وقد شوهد مع عبدالسلام صديق طفولته قبل هجمات نوفمبر، حيث تم التقاط صورة لهما عبر كاميرات المراقبة فى إحدى محطات البنزين بالطريق إلى باريس حيث كان يقود سيارة تم استخدامها فيما بعد بهجمات باريس. وتشير التحقيقات إلى أن ابرينى سافر إلى باريس مع مجموعة من الإرهابيين قبل أيام من تنفيذ الاعتداءات، ولكنه غادر باريس قبل يوم واحد من القيام بالهجمات، وحتى الآن غير معلوم على وجه التحديد دور ابرينى فى هذه العملية، وكان عدد من أقاربه قد أكدوا أنه كان متواجدا فى بروكسل فى ليلة القيام باعتداءات باريس.

كمراهق.. عمل أبرينى فى إحدى ورش الميكانيكية، قبل أن يندمج فى دوائر المتطرفين والإرهابيين، ولديه سجل بالشرطة البلجيكية يتضمن اتهامات باستخدام المخدرات وتهماً أخرى صغيرة، وفى 2014، توفى شقيقه الأصغر سليمان 20 عاما فى سوريا أثناء مشاركته فى ميليشية عسكرية بقيادة عبدالحميد أباعود العقل المدبر لهجمات باريس.

وهناك تقارير تزعم أنه فى العام السابق على الهجمات، سافر إلى سوريا، وكذلك زار بريطانيا، حيث يعتقد أنهم مع بقية الإرهابيين الذين شاركوا فى هذه الهجمات قد وطدوا علاقاتهم بغيرهم من الإرهابيين فى أوروبا.


3- عملية انتقامية

من جانبها أشارت جريدة الجارديان البريطانية إلى أن اعتداءات بروكسل تطرح الكثير من التساؤلات حول ما إذا كانت هذه العملية هى انتقام على قيام السلطات البلجيكية بالقبض على صلاح عبد سلام؟ أم هى دليل عن وجود خلية إرهابية جديدة تعمل فى ظل عدم كفاءة الأجهزة الأمنية؟ أم أنها دليل على أن الشبكة التى أسسها عبد السلام ونفذت هجمات باريس لا تزال تعمل بقوة؟ أو أن كل هذه التحليلات غير صائبة خاصة أن ساعات قليلة مرت على الحادثة.

وأضافت الجريدة البريطانية أن هجمات بروكسل تلقى الضوء على مجموعة من الحقائق الرئيسية.. أولا، تهديد تنظيم داعش لأوروبا قد يزداد أو يقل ولكنه لن يختفى بمجرد إلقاء القبض على أفراد بعينهم، فعملية إلقاء القبض على صلاح عبدالسلام والتى وصفها الشرطة فى بلجيكا بالعملية الكبرى لا تبدو بعد الهجمات الإرهابية بتلك الأهمية أو الضخامة.

ثانيا، بالنسبة لكل من الإرهابيين وكذلك الذين يحاولون إيقافهم، من المهم الأخذ بزمام المبادرة، لهذا الأمر تأثير عملى وسيكولوجى، بالنسبة لوكالات مكافحة الإرهاب، فإن الهدف الرئيسى هو جمع معلومات كافية تساعدهم على إلقاء القبض على المشتبه فيهم قبل قيامهم بالعمل الإرهابى، فالشبكات الإرهابية من السهل تفكيكها تحت مثل هذا النوع من الضغط المستمر.. أما بالنسبة للإرهابيين. وبالنسبة للإرهابيين، فإن الهدف هو إظهار أنهم قادرون على القيام بأعمالهم الإرهابية وكذلك الحشد والاستقطاب بالعنف.. فالأمر لا يتعلق فقط بالقيام بعملية انتقامية ردا على اعتقال أحد عناصر الخلية الإرهابية ولكن التأكيد أن هذه الخلية قادرة على العمل والاستمرار.

ومن الجائز أيضا أن الخلية الإرهابية أرادت أن تنفذ العملية الإرهابية قبل أن تتلقى الأجهزة الأمنية أى معلومات من عبدالسلام.

ومع أحداث بروكسل ومن قبلها هجمات باريس، تشعر أوروبا أنها بصدد موجة من العمليات الإرهابية التى تشترك فى عدد من السمات لعل أهمها الحرص على توجيه الضربات فى أماكن عامة وبالتالى ضمان إصابة أكبر عدد من المواطنين، فالأماكن العامة والتجمعات التى تشهد كثافة سكانية هى المستهدفة بشكل أساسى، أما السمة الثانية فهى أن منفذى هذه العمليات على درجة عالية من التدريب ولديهم الدعم المالى الكافى إلى جانب الدعم اللوجستى الذى يجعل هذه الخلية على الرغم من صغرها قادرة على التحرك بحرية والأهم تنفيذ عمليات ضخمة.

والمؤكد أنه بعد هذه العملية سوف تتجه الدول الغربية نحو اتخاذ المزيد من التدابير الاحترازية، وقد ينعكس رد الفعل العالمى للهجمات التى وقعت فى بلجيكا إلى تدخل عسكرى أوروبى أو أمريكى ضد داعش سواء فى سوريا أو ليبيا.