د. بهاء حلمى يكتب: الضرائب الأمريكية تلزم البنوك المصرية للكشف عن حسابات مزدوجى الجنسية

مقالات الرأي

بوابة الفجر

يفرض تطبيق قانون الامتثال الضريبى الأمريكى الجديد المعروف باسم فاتكا (FATCA) التزاما على البنوك المصرية إبلاغ مصلحة الضرائب الأمريكية عن الحسابات المصرفية لعملائها ممن يحملون الجنسية الأمريكية وكشف حساباتهم فى أى بنك أو مع أى بنك آخر فى مصر أو أى مكان آخر خارج الولايات المتحدة، لمنعهم من التهرب الضريبى

وقد بدأ تطبيق القانون وأصبح نافذا فى ضوء الاتفاقات التى أبرمت بين البنوك المصرية ومصلحة الضرائب الأمريكية بعد إعلان الجانب الأمريكى ذلك فى يوليو 2013، ويتضمن القانون حق مصلحة الضرائب الأمريكية فى فرض العقوبات على غير الملتزمين فى جميع دول العالم من خلال فرض (ضريبة بنسبة30٪ تخصم من أى حسابات بين الجانبين)، أى تقوم باقتطاع 30٪ من التحويلات الجارية بواسطة المصارف الأمريكية من حسابات البنك الذى لا يلتزم بالتصريح عن العملاء حاملى الجنسية الأمريكية وتعاملاتهم وحساباتهم حتى لو تعارض ذلك مع القوانين الوطنية.

ولا يقتصر الأمر على البنوك فحسب بل يمتد ذلك إلى كل المؤسسات المالية بالدول المختلفة، وهنا تثار التساؤلات الآتية:

ما مدى حرية البنوك المصرية فى رفض الامتثال لهذا القانون نظرا لمخالفته لقانون البنك المركزى رقم (88) لسنة 2003 فيما يتعلق بسرية حسابات البنوك وعدم الكشف عنها إلا بأمر قضائى؟ وما دور البنك المركزى المصرى؟

وهل يجوز للبنوك المصرية الكشف عن التعاملات الخاصة بالمتعاملين معها من حاملى الجنسية الأمريكية وضمان سداد الضرائب عنهم، وما الوضع بالنسبة للمصريين حاملى الجنسية الأمريكية؟

للإجابة عن ذلك نجد أن غالبية بنوك دول الاتحاد الأوروبى بادرت بعمل اتفاقات تعاقدية مباشرة مع مصلحة الضرائب الأمريكية للمعاملة بالمثل، مع مباركة دول العالم المختلفة لهذا الاختيار الذى عرف بـ(الاختيار الأوروبى) مع إجراء بعض التعديلات على تشريعات البنوك فى تلك الدول، وإدخال التقنيات والتكنولوجيا اللازمة لتنفيذ تلك الاتفاقات، كما شجع اتحاد المصارف العربية ذلك الخيار الذى اتبعه العديد من الدول العربية مثل: الإمارات العربية، الكويت، السعودية التى اتجهت للتنفيذ فى أول عام 2015 بعد توقيع اتفاقية مع مصلحة الضرائب الأمريكية.

وفى مصر فقد ترك البنك المركزى الخيار للبنوك لتتبع المنهج الفردى أى توقيع كل بنك على حدة مع الجهات الأمريكية بدلا من توقيع البنك المركزى عن المؤسسات المالية.

فبادرت معظم البنوك فى التنسيق مع مصلحة الضرائب الأمريكية التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية لتنفيذ هذا القانون على الرغم من التعارض القائم مع التشريع الوطنى بالنسبة لسرية الحسابات لتتخذ الاختيار الأوروبى، مع جلب التقنيات والتكنولوجيا الحديثة وتدريب الكوادر الفنية اللازمة لنقل المعلومات إنفاذا لقانون فاتكا الأمريكى، ولم نسمع عن نية إجراء أى تعديل تشريعى على قانون البنك المركزى يسمح بنقل المعلومات الخاصة بالحسابات للخارج، كما قامت الهيئة العامة للرقابة المالية بتعميم كتاب دورى فى 2014 يتضمن كيفية تنفيذ القانون، وفى ضوء ذلك يتضح عدم حرية البنوك بالجهاز المصرفى المصرى فى اختيار الالتزام بالقانون الأمريكى، بسبب عدم قدرة هذه البنوك الوقوف فى مواجهة الهيمنة الأمريكية ونفوذها العالمى واسع النطاق يساندها فى ذلك الدولار، كما ان البنوك تخشى تعرضها للعقوبات والحجز على أصولها إذا تقاعست فى تنفيذ القانون وبالتالى سوف تتأثر تعاملات البنوك المصرية مع نظيراتها الأمريكية وخطوط الائتمان العالمية، وبناء عليه لجأت البنوك المصرية إلى عمل اتفاقيات تعاقدية ملزمة مع مصلحة الضرائب الأمريكية بعد فض البنك المركزى يده وسلطته من هذا الموضوع حتى لا تقع عليه التزامات أو عقوبات من مصلحة الضرائب الأمريكية.

أما التساؤل المهم حول موقف المصريين حاملى الجنسية الأمريكية، والتزام البنوك فى الكشف عن حساباتهم لمصلحة الضرائب الأمريكية إذا طلب منها ذلك، طالما كانوا يحملون الجنسية الأمريكية، فإن البنوك لا تملك سوى الانصياع لقانون فاتكا الأمريكى بالكشف عن حساباتهم وتعاملاتهم، وإلا تعرضت للعقوبات وسداد الضرائب والغرامات المقررة بدلا عنهم.

فإذا أعدت مصلحة الضرائب الأمريكية كشوفا بأسماء المصريين الحاصلين على الجنسية الأمريكية لمطالبة البنوك الكشف على حساباتهم واستثماراتهم وتقاعست، فستقوم بخصم نسبة 30٪ من أرصدة تحويلات تلك البنوك، دون النظر لموضوع الازدواج الضريبى، فالقانون يوجب على كل من يحمل الجنسية الأمريكية أو المقيم فى الولايات المتحدة أو المولود فيها، أو حامل جوازها أو حامل البطاقة الخضراء إبلاغ مصلحة الضرائب الأمريكية بتعاملاته ومتحصلاته وجميع مصادر الدخل فى أى مكان فى العالم.

ويوقع القانون غرامة لكل حساب خارجى لم يتم الكشف عنه، تفرض سنويا على الأجانب من مواليد الأمم المتحدة حتى لو لم يدخلوا أمريكا بعد ولادتهم فيها

ولكن الأخطر من ذلك كله ما يفرضه قانون الضرائب الأمريكى من ضرورة قيام المواطنين والمقيمين على الأراضى الأمريكية بما فى ذلك حاملى (الجرين كارت) بالإبلاغ عن الدخل والأصول التى يملكونها، وعلى الميراث والتركات التى تؤول إليهم بما فيهم الأبناء.

وهنا تبرز إشكالية المولود المصرى أو الأجنبى على الأراضى الأمريكية بالصدفة التي يمنح بموجبها الجنسية، فيتضح أن أمريكا لا تسعى لتحصيل الضرائب من مواطنيها فحسب، بل تقوم أيضا بتحصيل الرسوم والضرائب على من يحمل جنسيتها وعن كل ما يرثه من أموال تؤثر فى زيادة أمواله فى الدول الأخرى، كما أنها تجبر البنوك والمؤسسات المالية فى الدول المختلفة لتكشف معاملات مواطنيها وحاملى جنسيتها بطريقة تلتف فيها على سيادة الدول، إنها حقا بلطجة أمريكية اقتصادية.