د. رشا سمير تكتب: وعلشان صاحب البيت يعرف ناس مهمين!
حين يُصبح المنصب لغما انفجاره قد يودى بحياة صاحبه..وحين تتحول المسئولية إلى فخ يقع فيه هؤلاء الذين يأخذونها على عاتقهم..وحين تتحول الكراسى إلى مقاعد من شوك تُدمى من يجلسون عليها..وحين تنزوى كل الكفاءات تاركين الساحة على المشاع لمن لا يمتلكون البصيرة.
حين تتحول المجتمعات إلى هذا المزيج من الخلط المفزع وتفتقر المرحلة الرؤية الواضحة..حتى تتفكك مفاصل الدولة من فرط التخبط..فما الحل؟.
راودتنى تلك الصورة وأنا أتابع عن كثب التغييرات الوزارية التى تحاول الدولة أن تنقذ بها الحكومة التى هى بدورها تحتضر من شدة التعثر، فأصبح الحل المعتاد هو الإطاحة ببعض الوزراء من أجل بقاء الآخرين.
وأصبح من الواضح أيضا أن الكفاءات الحقيقية فى الدولة أصبحت تُعد على أصابع اليد الواحدة..
تتوالى اعتذارات المحترمين عن المناصب وتنحصر الأسباب فى ثلاث نقاط بحسب أقوالهم..إن الدولة لا تمتلك نية حقيقية للتغيير والتغيير لا يتبعه آليات مضبوطة تدفعهم لإنجاح المنظومة، كما أن الأدوات والصلاحيات الممنوحة لهم لا تُطلق لأيديهم العنان فى طرح الحلول وتنفيذها..والأهم والأخطر من هذا وذاك أنهم يخشون هجمة الإعلام عليهم وتلويث سمعتهم عقب توليهم المناصب!..
النقد أصبح من حق الجميع..والتُهم جاهزة لإطلاقها دون رحمة.. والإساءة لا تطول سوى المحترمين لأنهم لا يتدنون إلى مستوى الرد!.
هكذا تلجأ الدولة إلى الأقل قدرة وكفاءة..وهؤلاء بالقطع يجرون ماراثون طويلا دون أن يلهثوا للوصول إلى أى منصب أيا كان.. لأن الشخص عديم الكفاءة يبحث دائما عن سبوبة المصلحة الشخصية التى سوف تأتيه من الكرسى، ولا ينظر ولو بطرف عينه على أى إنجاز من الممكن أن يقدمه للمكان الذى سيتولاه..لأنه ببساطة لا يمتلك نية التغيير حتى لو امتلك الآليات..وهكذا تقع الدولة فى أحضان المستفيدين والهواة..
حتى تحولت أغلب مؤسسات الدولة إلى سيرك..البقاء فيه لصاحب الحيل والمعارف والصوت العالى والواسطة..
ويظل شعار الدولة تلك المقولة التى أطلقها مؤلف فيلم (جاءنا البيان التالى) وهى من وجهة نظرى أخطر آفة تواجه المجتمع المصرى اليوم..وهى (وعلشان صاحب البيت يعرف ناس مُهمين..حسبى الله ونعم الوكيل)!.
فلو لم يستفد الوزير لاستفاد أصدقائه..وإن لم يستنفع رئيس الوزراء لاستنفع أقاربه..وإن لم يرتش المسئولون ارتشى معارفهم..ويجعله عامر إن شاءالله!.
ومازال الشرفاء فى كل مكان هم سر تعاسة الدولة..فالشريف دائما (بتاع مشاكل ومش عايز يكن)!..ولأنه عادة لا يعرف ناس مُهمين فهو قد رمى حموله على الله سبحانه وتعالى، لكنه لا يسمح بالخطأ ولا يوافق عليه (طب ما نلم يا جماعة الخمسة ستة الشرفاء اللى فى البلد ونسمُهم ونخلص من دوشتهم)!.
وعلى الصعيد الآخر يبقى صاحب البيت اللى يعرف ناس مُهمين هو الطوفان الذى يبتلع كل شىء وكل مكان..فالترقيات والعلاوات والإعارات والمناصب والامتيازات لا تذهب إلا لصاحب البيت!..
حتى وصل الأمر إلى أن صحفية اليوم السابع التى أقامت الدنيا بسؤالها الساذج فى الأوسكار ودافع عنها رئيس التحرير بشدة، دخلت عالم الصحافة من باب (الواسطة) والمؤكد أن سفرها لتغطية الأوسكار كان من باب المجاملة المتخفية فى صورة مهمة صحفية..وما أكثرها!..
الجو العام أصبح مُحبطا للغاية وطارد للكفاءات الحقيقية..وأصبحت الاعتذارات عن تولى المناصب لا تأتى إلا من أصحاب الفكر المهذب المهندم الذين يخافون على سمعتهم وتاريخهم..ومن هنا تسابق الهواة الفاشلون من أجل تولى الوزارات والإدارات والمؤسسات..
إن الوزارة أصبحت بالنسبة لمن يتولاها..معاش وزير وطاقم حراسة وفرصة لتعيين الأبناء وتصريحين فى الجورنال!..
هل قتلنا الكفاءات بأسلحة التشويه والتُهم جاهزة الصنع؟ هل جرف مبارك الدولة من العقليات المحترمة وأبقى فقط على من التفوا حوله بالباطل؟ هل تحول الوطن إلى سبوبة للمرتزقة الفاشلين وسحق كل المحترمين؟ أم هى مجرد مرحلة للتصفية سوف تنتهى بالقضاء التدريجى على العاهات العقلية الإنسانية التى ابتلى الله بها مصر.
إيمانى الوحيد يأتى من قراءاتى فى صفحات التاريخ التى تؤكد أن مصر اجتازت محنًا أكبر بكثير وأسوأ بكثير مما نحن فيه اليوم وهى لقادرة بمشيئة الله على أن تجتاز كل المكايد الحالية.
الفارق الوحيد بين الأمس واليوم أن وقتها صاحب البيت ماكنش يعرف ناس مهمين!.
