في الذكرى الـ 12 لاغتيال "أحمد ياسين".. قعيد أشعل المقاومة فقتلته "الأباتشي"

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

لم يمنعه الشلل وكبر السن من إشعال المقاومة الإسلامية ضد إسرائيل، ناهيك عن صفته الاعتبارية على الصعيد الفكري والديني، فهو شيخ مُسن ومقعد وله تاريخه الكفاحي الطويل فهو زعيم روحي لاسيما عقب عملية اغتياله التي حولته إلى رمز نضالي.

كان رجل ضعيف الجسد مكدود البنية وبالكاد يستطيع الإبصار يتهدج صوته إذا ما تكلم، وعلى الرغم من ذلك فإنه تمتع بنفوذ واسع جداً بين أوساط الفلسطينيين الذين فقدوا الأمل في عملية السلام التي لم تفعل شيئاً لتحسين الظروف التي يعيشونها تحت حكم إسرائيل، كما أن شعبيته استمرت في التزايد، وكان آلاف المؤيدين له قد خرجوا مهللين لرؤيته بينما كان يهدد الانتقام بعد تعرضه لمحاولة اغتيال أصيب فيها بجروح في سبتمبر عام 2003 من قبل القوات الإسرائيلية.

فهو الشيخ «أحمد إسماعيل ياسين»، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وقائدها وزعيمها الروحي، والذي ولد في قرية «جورة» قضاء المجدل، في يونيو عام 1938، ونزح مع عائلته إلى قطاع غزة بعد حرب عام 1948 ميلادية، أصابه الشلل في جميع أطرافه أثناء ممارسته للرياضة في عامه السادس عشر.
وكان يعاني ياسين، القصير القامة من شلل في الساقين منذ كان في الثامنة عشرة عندما أصيب في العمود الفقري أثناء لعب كرة القدم في مخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة ، ويتنقل ياسين بواسطة كرسي متحرك . وتتعارض نظرته الثاقبة والمتقدة وصوته الذي تعتريه البحة مع جسده النحيل.

وبالرغم من إصابته بالشلل، توجه« ياسين» إلى القاهرة حيث أمضى عاما في جامعة عين شمس، لكنه اضطر إلى التوقف عن الدراسة بسبب النقص في الأموال، لكن السنة التي أمضاها في القاهرة غيرت مجرى حياته تماما بعد لقائه الإخوان المسلمين، وفي السبعينيات، أسس ياسين المجمع الإسلامي، وبدأ بتجنيد شبان تغمرهم الحماسة.
وفي تلك الفترة، لم تعترض إسرائيل لا بل حتى شجعت بشكل خفي الإسلاميين الذين وسعوا نفوذهم في قطاع غزة، لمواجهة حركة فتح بزعامة ياسر عرفات.
 
حياته الفكرية والسياسية
وفي مطلع الثمانينيات، وفي خضم الثورة الإيرانية، أسس ياسين منظمة باسم «مجد المجاهدين»، لكنه اعتقل عام 1984 وأدين بتهمة حيازة أسلحة ومتفجرات، لكنه لم يبق في السجن سوى عام واحد بعد أن شملته عملية تبادل للأسرى.

عايش « ياسين» الهزيمة العربية الكبرى المسماة بالنكبة عام 1948 وكان يبلغ من العمر آنذاك 12 عامًا وخرج منها بدرس أثر في حياته الفكرية والسياسية فيما بعد مؤداه أن الاعتماد على سواعد الفلسطينيين أنفسهم عن طريق تسليح الشعب أجدى من الاعتماد على الغير سواء كان هذا الغير الدول العربية المجاورة أو المجتمع الدولي.

ويتحدث« ياسين» آنذاك عن تلك الحقبة فيقول «لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب إسرائيل السلاح من أيدينا بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هزمت هزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث».

بداية نشاطه السياسي
شارك أحمد ياسين وهو في العشرين من العمر في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956 وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، حيث نشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة مؤكدا على ضرورة عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم.

اعتقاله
كان صوته قد بدأ يظهر بقوة عقب خطاباته، ومعها بدأ نجمه يلمع وسط دعاة غزة، الأمر الذي لفت إليه أنظار المخابرات المصرية العاملة هناك، فقررت عام 1965 اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية والتي استهدفت كل من سبق اعتقاله من جماعة الإخوان المسلمين عام 1954، وظل حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان، وقد تركت فترة الاعتقال في نفسه آثارا مهمة لخصها بقوله: «إنها عمقت في نفسه كراهية الظلم، وأكدت (فترة الاعتقال) أن شرعية أي سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحق الإنسان في الحياة بحرية».

التحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين
مع تصاعد أعمال الانتفاضة بدأت السلطات الإسرائيلية التفكير في وسيلة لإيقاف نشاط الشيخ أحمد ياسين، فقامت في أغسطس 1988 بمداهمة منزله وتفتيشه وهددته بالنفي إلى لبنان، ولما ازدادت عمليات قتل الجنود الإسرائيليين واغتيال العملاء الفلسطينيين قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي يوم 18 مايو 1989 باعتقاله مع المئات من أعضاء حركة حماس، وفي 16 أكتوبر 1991 أصدرت إحدى المحاكم العسكرية حكما بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى، وجاء في لائحة الاتهام أن هذه التهم بسبب التحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.
 
محاولات الإفراج عنه
حاولت مجموعة فدائية تابعة لكتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحماس- الإفراج عن الشيخ ياسين وبعض المعتقلين المسنين الآخرين، فقامت بخطف جندي إسرائيلي قرب القدس يوم 13 ديسمبر وعرضت على إسرائيل مبادلته نظير الإفراج عن هؤلاء المعتقلين، لكن السلطات الإسرائيلية رفضت العرض وقامت بشن هجوم على مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة الإسرائيلية المهاجمة ومقتل قائد مجموعة الفدائيين.
وفي عملية تبادل أخرى في الأول من أكتوبر 1997 جرت بين المملكة الأردنية الهاشمية وإسرائيل في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في العاصمة عمان وإلقاء السلطات الأمنية الأردنية القبض على اثنين من عملاء الموساد سلمتهما لإسرائيل مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين، أفرج عن الشيخ وعادت إليه حريته منذ ذلك التاريخ.
محاولة الاغتيال
وتعرض الشيخ أحمد ياسين في 6 سبتمبر 2003 لمحاولة اغتيال إسرائيلية حين استهداف مروحيات إسرائيلية شقة في غزة كان يوجد بها الشيخ وكان يرافقه إسماعيل هنية، ولم يكن إصاباته بجروح طفيفة في ذراعه الأيمن بالقاتلة.
وفي يوم الإثنين غرة صفر 1425هـ الموافق 22 مارس عام 2004م قامت الطائرات الإسرائيلية بإطلاق عدة صواريخ استهدفت أحمد ياسين بينما كان ياسين عائداً من أداء صلاة الفجر في مسجد المجمع القريب من منزله في حي صبرا في غزة بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، و قامت مروحيات الأباتشي الإسرائيلية التابعة الجيش الإسرائيلي بإطلاق 3 صواريخ تجاه ياسين المقعد وهو في طريقه إلى سيارته مدفوعاً على كرسيه المتحرك من قبل مساعديه، فسقط ياسين شهيداً في لحظتها وجرح اثنان من أبنائه في العملية وقتل معه سبعه من مرافقيه، وقد تناثرت أجزاء الكرسي المتحرك الذي كان ينتقل عليه ياسين في أرجاء مكان الهجوم الذي تلطخ بدمائه ومرافقيه خارج المسجد، مما أدى أيضاً إلى تناثر جسده وتحويله إلى أشلاء وهنا ارتقت روحه إلى بارئها ومات كما كان يتمنى.
والجدير بالذكر أن أنجال الشيخ ياسين ومرافقوه قد توقعوا وفاته الطبيعية قبل حوالي 36 ساعة على اغتياله، فقد سقط الشيخ ياسين ليل السبت عن كرسيه المتحرك بعد إصابته بالتهاب رئوي حاد، نجم عنه عجز عن الكلام وضيق شديد في التنفس وحشرجة وصفير في الصدر. ونقل على الفور إلى مستشفى دار الشفاء، واخرج من المستشفى بعد العلاج رغم عدم تحسن صحته خوفاً على حياته بعد مشاهدة تحركات عسكرية إسرائيلية نشطة.
عقب الاغتيال
اعترضت إسرائيل على أن يبحث مجلس الأمن قضية اغتيال أحمد ياسين بحجة أنه إرهابي، وفي نفس يوم الاغتيال ولد ستة أطفال في قرية أحمد ياسين وتسموا جميعاً بأحمد ياسين، عم الحزن والغضب كافة أرجاء العالم العربي والإسلامي وخرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الشوارع للمشاركة في تشييع جثمان أحمد ياسين وقد صلي عليه صلاة الغائب في عددٍ كبيرٍ من مساجد العالم، نعت وأدانت آلاف الدول والمؤسسات اغتيال أحمد ياسين، واعتبرت تلك الدول والمؤسسات أن استهداف جسده يعتبر جريمة حرب وتجاوزاً خطيراً. وقد تصاعدت التفاعلات في كافة البلدان العربية والإسلامية حيث تفننت كل جهة في تخليد ذكرى اغتياله.
شيع جثمانه آلاف الفلسطينيين ورفاقه الذين اغتيلوا معه وسط غضب ودعوات بالانتقام والثأر. وما أن شاع نبأ مقتل أحمد ياسين حتى خرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين الغاضبين إلى الشوارع وهم يهتفون بدعوات الانتقام ومواصلة المقاومة والعمليات الفدائية. ووصف مراسلو الجزيرة الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة بأنها متوترة جداً وقالوا: «إن حالة من الغليان الشديد والصدمة تسيطر على الفلسطينيين الذين خرجوا إلى الشوارع وقاموا بمسيرات غاضبة.» ودعت المساجد في الضفة والقطاع إلى الإضراب العام وقد أخذت مكبرات الصوت في مساجد غزة تصدح بتلاوة القرآن الكريم بينما سمعت أصوات إطلاق نار في حي صبرا الذي يسكنه ياسين. وأغلقت المتاجر والمدارس بشكل تلقائي في وقت سابق في غزة، كما أعلن الحداد العام في الأراضي الفلسطينية لمدة ثلاثة أيام فيما علقت الدراسة في كافة المدارس.