صراع المشايخ فى الاتحادية.. الرئاسة تخالف البروتوكول وتقدم شاباً على «الشيخ والوزير والمفتى»

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


كان إلقاء الدكتور أسامة الأزهرى، خطبة الجمعة الماضية، فى مسجد المشير طنطاوى، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، رغم وجود كل من الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر والدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف والدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، سابقة هى الأولى من نوعها، إذ إن الأزهرى، مجرد مدرس مساعد، بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع الزقازيق، وهو ما شكل خرقاً لبروتوكول جرى عليه العرف منذ زمن بعيد فى تعامل رئيس الجمهورية مع المؤسسة الدينية.

العرف والتقليد المعروف أن يلقى شيخ الأزهر خطبة الصلاة التى يحضرها مع الرئيس وإن لم يكن موجوداً، يقوم وزير الأوقاف بدلاً منه أو مفتى الجمهورية بهذه المهمة بالترتيب ولكن فى تلك الواقعة، تحديداً قام بالمهمة الأزهرى وهو مجرد مدرس مساعد بجامعة تتبع الطيب، كما أنه– الأزهرى- ليس مسئولاً فى المؤسسة الدينية بأطرافها الثلاثة، الأزهر والأوقاف والإفتاء، ولم تصل مؤهلاته لأن يكون عضواً بهيئة كبار العلماء أو مجمع البحوث الإسلامية على الأقل.

وقوف الأزهرى لإلقاء خطبة الجمعة فى حضور جميع هؤلاء المشايخ والرئيس، كانت بمثابة الشرارة الأخيرة لإشعال النيران وفتيل الأزمات داخل المؤسسة الدينية من ناحية والكشف عن وجود فتور فى العلاقة بين مؤسستى الرئاسة والأزهر ، خاصة فى ظل الدعم المطلق للرئاسة لشخص الأزهرى.

1- غضب الطيب من تقديم الشاب الصغير

واقعة تقديم الأزهرى على شخص الدكتور الطيب، ليست الأولى، حيث سبقتها وقائع كثيرة منها على سبيل المثال، المؤتمر العالمى لدار الإفتاء الذى دعت له مصر 50 دولة من مختلف دول العالم، وهدد الشيخ بعدم حضور المؤتمر عندما علم أن كلمة الافتتاح سيلقيها الأزهرى، لكن الدكتور إبراهيم نجم، مستشار الشيخ، استطاع احتواء الأزمة بشكل كبير وأخر كلمة الأزهرى لتصبح فى ترتيب متأخر بالمؤتمر كى يرضى الطيب، وليحفظ كيان المؤسسة الدينية خاصة فى ظل حضور أكثر من 55 مفتياً من أنحاء دول العالم الإسلامى.

فى إحدى الوقائع أيضا قام الدكتور أسامة الأزهرى عضو الهيئة الاستشارية لرئاسة الجمهورية، بإمامة المصلين وإلقاء خطبة صلاة عيد الفطر، فى حضور الرئيس السيسى، فى ظل وجود الشيخ والوزير، والمفتى، الحالى والسابق، على جمعة، الأمر الذى أثار حفيظة عدد كبير من علماء الأزهر، وحاول البعض تدارك الأزمة، مثل الدكتور محيى الدين عفيفى، الذى قال إن إمامة أسامة، للرئيس فى الصلاة لا تجعل المشايخ يحملون أى ضغينة له فى نفوس المشايخ.

على عكس الواقع والمسرب من داخل مكتب الطيب، يشعر الشيخ بغصة كبيرة فى نفسه، خاصة مع انتقاد الرئيس الدائم للمؤسسة الدينية فى كل المناسبات وفى نفس الوقت، يدفع بأحد الشباب فى المؤسسة الدينية متجاوزا جميع العمائم والقامات فى المشيخة وهيئة كبار العلماء، خاصة أن الطيب يرى أنه يحافظ على هيبة ومكانة شيخ الأزهر بكل ما أوتى من قوة ويرى فيما يحدث تجاوزاً لمنصبه وشخصه ولهيئة كبار العلماء.

2- استحداث منصب المستشار الدينى لـ«الرئاسة»

ظهرت الفجوة بين الرئاسة والمشيخة عندما استحدثت الأولى، منصب المستشار الدينى لرئاسة الجمهورية، دون أن يقع الاختيار على أى من علماء الأزهر المعتبرين وكأن المنصب استحدث خصيصاً لحديثى العهد والعلم كما ترى المشيخة فى أسامة الأزهرى، الذى اصبح مستشاراً للرئاسة بعد الترويج له، باعتباره الشاب الفقيه والمجدد، وحامل لواء التنوير فى المؤسسة الدينية، خاصة أنه فى النهاية يحمل عباءة الأزهر.

فى نفس الوقت ومع الدور الكبير الذى منحته مؤسسة الرئاسة للأزهرى بأن يصبح الخطيب فى حضور الرئيس، فإن المؤسسة لم تسند له أى دور داخلها أو أى مسئولية سواء فى الداخل أو الخارج كما أنه ليس عضوا فى هيئة كبار العلماء ولا مجمع البحوث الإسلامية ولا علاقة له بالمشايخ الكبار نهائياً سوى أنهم يعلمون أنه تلميذ من تلامذة الدكتور على جمعة، المفتى الأسبق.

3- معركة تكسير عظام

فى الوقت الذى يتصارع فيه المشايخ على نيل رضا مؤسسة الرئاسة، التى منحت امتيازاتها لشاب فى العقد الرابع وتلك النقطة تحديدا تدفع المشايخ لصراع كبير فيما بينهم تارة وصراع مع مؤسسة الرئاسة تارة أخرى وصراع محتوم مع الأزهرى نفسه.

لوبى المشايخ الكبار شن حرباً شرسة على الأزهرى لسحب تلك الامتيازات منه، بداية بالترويج بأنه ليس مجدداً، كما يظن البعض وأنه لم يقدم دليلاً واحداً على ذلك، لكنه هو من أكد أن إسلام بحيرى ليس مجدداً ولا مصلحاً ولا يسير على خطى الأزهر، ولا يحمل منهجه عكس الدكتور على جمعة، الذى يحاول دائما تحريك الدماء فى عروق الخطاب الدينى.

ويروج لوبى المشايخ بأن الأزهرى نفسه لم يستطع التصدى للفكر الوهابى المتشدد الذى روجه السلفيون والإخوان ولم يستطع التصدى لهم لا بالقول ولا بالفعل، مثل الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف الذى حمل لواء تطهير المساجد من الجماعتين وسحب بساط المساجد من أيدى السلفيين.

على نفس الدرب سار الدكتور شوقى علام مفتى الديار المصرية الذى قاد دار الإفتاء للعالمية ونجح فى وقت بسيط أن يكون هو المنبر والمنصة الدينية التى ترسم وتخطط وتفضح الدواعش على رءوس الأشهاد ليس فى مصر ولكن فى العالم.

4- أزمة تعيين الأزهرى وزيرا للأوقاف

أزمة الأزهرى مع جيل المشايخ الكبار ليست وليدة اللحظة لكن مع قربه من مؤسسة الرئاسة انطلقت عليه منصة الصواريخ، خاصة مع قدوم حكومة شريف إسماعيل، واشتعال الصراع بين كل من الدكتور الطيب، وتلميذه وزير الأوقاف، وتوقع البعض إبعاد جمعة، ولكن الدكتور الطيب خالف التوقعات رفض استبدال الأزهرى بتلميذه فى المنصب، دون أن يوضح الأسباب للمقربين منه، باستثناء أن الرئاسة لا ترغب فى تولى الأزهرى حقيبة الأوقاف نهائياً وترى له مكانة أرفع وهذا ما أشعل الغضب المكتوم فى نفس المشايخ.

5- الأزهرى يغرد بعيدا ومنفردا

لا أحد ينكر على الأزهرى المولود فى مدينة الإسكندرية وتعود أصوله للصعيد، ذكاؤه فى التعامل مع المشايخ الكبار ونجاحه فى علاقته القوية بمؤسسة الرئاسة فهو لا يخطو خطوة واحدة دون مباركة المؤسسة، ولا يخطو أى خطوة دون ترتيب مسبق، ويثق فيه الرئيس لدرجة تكليفه بعدد من المناسبات الدينية مثل إنابته بتوصيل تأشيرة الحج والعمرة من مؤسسة الرئاسة لسيدة تجاوز عمرها المئة عام وكانت ترغب فى زيارة بيت الله الحرام فسافر الأزهرى بنفسه بتكليف من الرئاسة لمحافظة الدقهلية ومنح تلك السيدة التأشيرة، ليس هذا فقط لكنها منحته ثقتها فى تعيينه بمجلس النواب.. الأزهرى لا يقترب من المشايخ فلم يخرج مرة ويهاجم أياً من مشايخ مؤسسة الأزهر ولم يدع يوما أنه تتلمذ على يد أحد من مشايخها لكنه دائماً ما يعلن أنه ابن المؤسسة الأزهرية قلباً وقالباً، ونجح فى عدم تمكين أى من المشايخ من رقبته ولم يتطاول على أحد ولم يدخل أى معركة جانبية.