عادل حمودة يكتب: الزند رجل يستحق أن نقول له شكرًا!

مقالات الرأي



تعرض لانتقادات عليا بسبب تأخر مساعديه فى التسويات المالية بين شخصيات هاربة وجهاز الكسب غير المشروع

أكان سيخرج من الحكومة فى التعديل الوزارى القريب

لم يستطع تفسير تزايد قضايا الحسبة التى طالت المبدعين ووصلت إليه بعد اتهامه بازدراء الأديان

لن يقبل بضغوط نوادى القضاة على الرئاسة لإعادته إلى منصبه احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات

ماطل محلب فى اختيار الزند وزيرًا للعدل حتى أمرت الرئاسة بحضوره لحلف اليمين أمام الرئيس


يمتلك المستشار أحمد الزند كاريزما وضعته فى اختبارات سياسية ومهنية شرسة خرج منها أقوى مما دخلها.. أشدها ضراوة معركته ضد الرئاسة الإخوانية التى سعت جاهدة لترويض السلطة القضائية.. وكاد يدفع حياته ثمنًا لها.

وفى نادى القضاة الذى رأسه منذ عام 2009 احتضن حركة تمرد وطبع بشجاعة نادرة استماراتها التى طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة تمهيدًا لثورة يونيو.

ولا يعرف سوى عدد قليل من أصدقائه أننا عرضنا عليه الترشح للرئاسة.. لكنه.. طالبنا بالانتظار حتى يحدد عبد الفتاح السيسى وأحمد شفيق موقفهما.. فقد كان يرى أنهما ــ قبل أى شخص آخر ــ أحق بالمنصب الرفيع فى ذلك الوقت الصعب.

وعند تشكيل الحكومة الثانية للمهندس إبراهيم محلب فى 17 يونيو 2014 نقلت له رغبة فى أن يتولى وزارة العدالة الانتقالية.. لكنه ــ بعد مناقشة امتدت ساعتين فى بيته ــ أصر على الرفض.. فقد كان يرى أنه أحق بمنصب وزير العدل من غيره.

وفى ذلك اللقاء سألنى: هل أقبل أن يتولى وزارة مثل العدالة الانتقالية ليس لها وظيفة محددة.. وكان رأيى: إنها وزارة مهمة فى صياغة التشريعات التى يصدرها الرئيس فى غياب البرلمان فإذا ما انتخب البرلمان أصبح وزيرها جسر الاتصال بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.. لكنه.. لم يقتنع.. وظل على موقفه.

وللإنصاف فإن هناك فى الدوائر المؤثرة فى صنع القرار من تحمس لتوليه منصب وزير العدل وقتها.. لكن.. حسابات التيارات المختلفة فى مؤسسات القضاء رجحت ترشح المستشار محفوظ صابر.. فقد كان رأيها أن الزند ــ المشهور بصداقاته وخلافاته ومواقفه ــ سيفجر التناقضات حوله فى أوساط القضاة.. وأنه كلما كان وزير العدل بعيدًا عن السياسة هدأت الخواطر وسكنت النفوس.

ولوحظ.. أن أصدقاء للزند فى صحف خاصة تطوعوا بكتابات عاجلة لنسف فرص محفوظ صابر فور ترشحه، ولكن الزند أنكر أنه كان وراءها.. وكان صادقا.

لكن.. بعد أقل من سنة أجبر المستشار محفوظ صابر على الاستقالة بعد أن صرح فى برنامج تليفزيونى يوم 4 مايو 2015 بأن ابن عامل النظافة لا يمكن أن يصبح قاضيًا.. وهدأت العاصفة برحيله من الحكومة.. فاتحًا الباب على مصراعيه أمام أحمد الزند لدخول مجلس الوزراء.

بقيت وزارة العدل بلا وزير نحو أسبوعين.. فقد كان رئيس الحكومة إبراهيم محلب يماطل فى إعلان اختيار أحمد الزند ترضية للنائب العام وقتها المستشار هشام بركات الذى لم يكن يرحب بالاختيار.. وفى يوم 19 مايو أمر الرئيس محلب بحضور الزند إلى الرئاسة فى اليوم التالى لحلف اليمين أمامه.

انضم الزند إلى الحكومة وسط ترحيب من الصحفيين والقضاة وهما من جماعات الضغط المناصرة له.. وسرعان ما انضمت إليهما مجموعة ثالثة من الوزراء فقد نجح الزند فى خلق شعبية مؤثرة وسط زملائه.

ولكن.. فى الشهور العشرة التى قضاها وزيرا تراجعت علاقاته بالصحفيين بعد أن أحال بعضهم إلى الجنايات فى قضايا سب وقذف.. وضعفت مساندة اللوبى الرئيسى المساند له.. لوبى الميديا الذى كان على علاقة متينة بنجومه ورموزه.

وعندما سئل: هل تحبس صحفيين؟.. أجاب بزلة لسان وصفت بأنها إساءة للرسول.. ولم يشفع له اعتذاره الفورى الذى لم يتأخر ثانية واحدة.

ويصعب القبول بأنه تعمد الخطأ فهو دارس للشريعة فى جامعة الأزهر وتخرج فيها عام 1970 بجانب أنه انتدب رئيسا للمحكمة الشرعية فى إمارة رأس الخيمة فيما بعد.

اشتعلت شبكات التواصل الاجتماعى بنقد حاد لما وقع فيه.. وربما.. استغلت المواقع الإخوانية الحادث وراحت تصب المزيد من الوقود على النار انتقاما وثأرا منه.

وبينما أصدر الأزهر بيانا يحذر من التطاول على الرسول خرج الشيخ خالد الجندى على الهواء ــ يدعو الناس إلى ما أسماه فضيلة التماس العذر كى لا نتحول إلى محاكم تفتيش.. فالخطأ وارد حتى من الأنبياء ــ على حد قوله ــ مضيفا: ألم يكسر النبى موسى الألواح عندما وجد اتباعه من اليهود يعبدون العجل؟.. وبعدها طلب من الله أن يغفر له ولأخيه هارون.. حسب سورة الأعراف.

اتصل المهندس شريف إسماعيل بالمستشار أحمد الزند تليفونيا وطلب منه تقديم استقالته.. دون أن ينسى التعبير عن شكره وتقديره.. لكنه رفض قائلا: إنه لم يفعل ما يوجب الاستقالة.

واستطرد: إنه لا يجوز أن يتحدد مصير الوزراء بما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعى من هجوم مهما كانت حدته.

ولكنه.. الإعلام الذى يرفع المسئول إلى القمة فى سنوات ويلقى به منها فى ساعات.

وعندما رفع رئيس الحكومة الأمر إلى الرئيس تقرر إقالة الزند.

وأغلب الظن أن الإقالة كانت طلب الزند نفسه.

والحقيقة.. أن زلة لسان لم تكن سبب إقالته.. بل يمكن القول إنها عجلت من الإقالة.. فقد كان اسمه من بين الوزراء المرشحين للخروج من الحكومة فى التعديل الوزارى المقرر قبل إلقاء بيان الحكومة أمام مجلس النواب فى نهاية الشهر الجارى.

لكن.. سواء كان ذلك حقيقة أم اجتهادا فإنه كان من الطبيعى تأجيل قرار خروجه إلى يوم التعديل الوزارى لتجنب الضجة التى عشناها ونعيشها وترتب عليها انقسام الناس حول ما جرى وكأن ذلك ينقصنا.

يضاف إلى ذلك أن إقالته بسبب إساءة للرسول غير مقصودة فتحت الباب أمام سؤال مهم عن هوية السلطة القائمة فى البلاد.. هل هى سلطة مدنية أم سلطة دينية؟.. إن كثيرًا من المؤشرات والوقائع توحى بأن نفوذ القوى غير المدنية متنام ومؤثر أكثر من غيره.. بل.. وتوحى بأن سطوة الجماعة ــ ولو كانت تحت الأرض مستترة فيما يوصف بالطابور الخامس ــ متصاعدة أيضا.

على أنه كانت هناك أسباب أخرى غير معلنة للتخلص منه.

لقد أبدت الدولة رغبتها فى التصالح مع شخصيات هاربة فى الخارج مقابل تسويات تعتقد أنها مرضية.. خاصة فى وقت تعانى فيه من متاعب اقتصادية واضحة.. منها حسين سالم ورشيد محمد رشيد وجمال وعلاء مبارك وزكريا عزمى.. ولكن.. لوحظ أن موظفين فى جهاز الكسب غير المشروع يعطلون التسويات.. بما يوحى بأن الوزير غير مسيطر عليهم.. وبعد شهور من المماطلة وضعت الملفات أمام مجلس الوزراء.

ولم يستطع الوزير تفسير تضخم قضايا الحسبة التى نشطت من جديد وطالت كتابا وشعراء وروائيين ورسامى كاريكاتير ومخرجى سينما.. وتسببت فى تشويه سمعة البلاد فى الخارج.. بجانب أنها صرفت أعدادا من المبدعين عن مساندة النظام فى الداخل.

وربما.. كان على الزند التقدم باقتراح ما للحد من تلك الظاهرة التى طالته هو أيضا بعد تصريحه الأخير.. فقد تقدم ثلاثة محامين للنائب العام ببلاغات ضده تتهمه بالإساءة للرسول وازدراء الأديان.. نفس التهمة التى سجن فيها إسلام بحيرى وتهدد فاطمة ناعوت.

وما أن أعلنت إقالة الزند حتى سارع مجلس إدارة نادى القضاة لعقد اجتماع عاجل انتهى ببيان يؤيد الزند ويرفض ما جرى له ويطالب باستمراره فى منصبه وتكرر الشىء نفسه مع مجلس قضاة مجلس الدولة.

ولم تكن مثل هذه البيانات لتعبر عن رأى غالبية القضاة فقد أعلن بعضهم ــ فى مداخلات هاتفية لبرامج تليفزيونية ــ أنه ضد أن يعمل القاضى بالسياسة.. واصفا بيان النادى بأنه تدخل فى شأن السلطة التنفيذية.. فالوزير فى النهاية موظف عام.. للرئيس وحده حق تعيينه.. وله وحده أيضا حق إقالته.. ولو ضغط القضاة لتغيير قراره فإنهم يلغون مبدأ الفصل بين السلطات المقرر دستوريا.. وهم المنوط بهم احترامه وتوقيره والدفاع عنه والالتزام به.

وبمعرفتى الوثيقة بالزند لا أتصور أنه سيقبل العودة إلى منصبه وإن أصبح علينا تكريمه.. فقد نجح فى الشهور القليلة التى قضاها وزيرا للعدل أن يحقق إنجازات يصعب تجاهلها.

إنه رجل يستحق أن نقول له شكرا.