في ذكرى وفاته الرابعة.. شنودة الثالث "الوطني وناصر المسلمين"
"مصر وطن يعيش فينا وليست وطن نعيش فيه".. لا يمكن أن نذر البابا شنودة الثالث، ولا نذكر تلك المقولة الخالدة المؤثرة وهو يتحدث عن وطنه ووطننا جميعاً.
كان البابا شنودة الثالث واحداً من أهم الباباوات في تاريخ الكنيسة، حيث لم يكن شخصاً عادياً. بل كانت مواقفه تجاه كل شيء موقف رجل وطني قبل أن تكون مواقف رجل دين مسيحي، فقد ناصر المسلمين، وأقام صداقة مع الشيخ الشعراوي رغم سوء الفهم، وأخمد الفتنة الطائفية، ودافع عن القضية الفلسطيني.
هو باسم نظير جيد روفائيل، درس التاريخ الفرعوني والإسلامي وتاريخ مصر الحديث بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول، وبعد أن تخرج فيها التحق بالكلية الإكليركية، عمل مدرساً للتاريخ، ودرس ودرّس في كلية اللاهوت القبطي.
كان خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم، ثم رسم راهباً باسم (انطونيوس السرياني) في 18 يوليو عام 1954،ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة قضى كل وقته فيها بالصلاة والتأمل.
وبعد أن تمت سيامته قساً لبث بالدير 10 سنوات لا يغادره، وعمل سكرتيراً خاصاً للبابا كيرلس السادس.
تم تتويج البابا شنودة الثالث على كرسي الباباوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في 9 مارس 1971، وذلك بعد وفاة البابا كيرليس السادس وإجراء انتخابات البابا الجديد.
كان للبابا شنودة مواقف وطنية وإنسانية عدة منذ جلوسه على كرسي الباباوية وحتى نياحته.. فمثلاً كان للبابا شنودة موقفاً من القضية الفلسطينية، وكان يقول "أننا لن ندخل القدس إلا وهي في أيدٍ عربية"، فرفض معاهدة السلام، وكان هذا بداية الصدام بينه وبين الرئيس السادات.
كما كان له دور كبير في وأد الفتنة الطائفية التي اشتعلت بين المسلمين والمسيحيين في الصعيد في فترة السبعينيات، والتي لم يكن لها سبب واضح، لكن السبب المزعوم كان أن المتشددين والجماعات الإسلامية قاموا باضطهادهم، بعد أن سمح لهم "السادات" بالخروج للحياة السياسية والحياة العامة، ليحارب بهم الشيوعيين واليساريين.
وفي عام 1977 كان للبابا شنودة موقف واضح وقوي من قانون الردة، وهو قانون تم اقتراحه ينص على أن الردة عن الإسلام جريمة يعاقب مرتكبها بالإعدام، ويتم قتل أي شخص تتم استتابته لمدة شهر ولم يستجب يقتل، وأنه إذا شهد شخصان على آخر أنه مرتد يعاقب بالإعدام أيضاً
بالطبع لم يوافق البابا شنودة على إقرار مثل هذا القانون معللاً ذلك بأنه في حالة أن مسيحي أسلم تحت ضغوط وأراد العودة لدينه المسيحي، سيعتبر مرتد ويعدم.. أو الأولاد القُصّر الذين أسلم أبيهم بالقانون سيعتبروا مرتدين لو أرادوا الحفاظ علي مسيحيتهم.. مسلم بالشهادة أي شهد عليه اثنان أو أكثر أنه أسلم!.. مثلا لو اعتنق رجل الاسلام ثم كلمه كاهن او اهله للعودة للمسيحية في هذه الحالة سيعتبرون محرضون للردة ويطبق عليهم القانون، ويعتبر رجال الدين في هذه الحالة محرضين على الردة.
وبعد مشاوراته مع ممدوح سالم رئيس الوزراء تم إلغاء المقترح، ولم يطبق القانون.
البابا شنودة الثالث والمحبة..
بعد أن أمر الرئيس السادات بتحديد إقامته بدير وادي النطرون، وإلغاء القرار الرئاسي بتعيينه بابا للكنيسة، قال سكرتيره الأنبا بسنتي، إنه في السن الأولى من القرار كان ممنوع على أي خص زيارته حتى الآباء والكهنة، فكان يقضي وقته بالدرس والتعلم والصلاة والتأمل والقراءة، وفي وقت فراغه كان يذهب معي لتقليم الأشجار.
وعندما اتخذ الرئيس السادات قراره بتعيين لجنة خماسية لتسيير أمور الكنيسة، استقبل البابا شنودة الخبر بهدوء وسكينة ورضا، حيث قال حينها أنه كان قرار متوقع.
ورغم كل خلافاته وصدامه مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلا أنه عندما تلقى نبأ اغتياله لم يشمت ولم يفرح، بل ظل يردد "يا رب.. يا رب.. استر على البلد"، فقد كان قلقاً على مستقبل مصر أكثر من أي شيء آخر.
ولقصة صداقته مع الشيخ محمد متولي الشعراوي من الجمال والمحبة والتسامح عبرة لما جميعاً حيث كان يخرج الشيخ الشعراوي في خطبه يوم الجمعة ويهاجم المسيحيين، وعندما مرِض الشيخ الشعراوي لم يكن من البابا شنودة سوى أن ذهب وتمنى له الشفاء، وأرسل له باقة من الورود.
وعندما خرج الشيخ الشعراوي من المستشفى ذهب إلى الكنيسة في زيارة ودية وعرفاناً بالجميل، فتم استقباله أبهى استقبال هناك، وبدأت منذ ذلك الوقت علاقة صدقة قوية جمعت بين الشيخ والبابا.
وكان لهما لقاء شهير ظهرت فيه المودة والمحبة بشكل عميق بينهما، وكان الاتفاق على ان يجتمعوا ليتناقشوا فيما يلتقون فيه من الأمور للوقوف على مصلحة الجميع.
وفي نهاية اللقاء قال الشيخ الشعراوي: "إن مساحة الاتفاق تسعنا لخير الوطن"، ورد البابا شنودة قائلاً: "إن الفكر الوحيد الذي يجب أن يشغل به الناس أنفسهم هو حقيقة واحدة، هي حقيقة الله الذي خلق الكون"، وتبادلوا القصائد الشعرية، حيث كان الاثنان يكتبان الشعر.
وقدم البابا شنودة هدية قيمة للشيخ الشعراوي كتاب "لسا العرب" بإجرائه العشرين، وقدم له الشيخ الشعراوي عباءة سوداء، قال البابا شنودة وهو يتسلمها.. "لابد أن يجمعنا الوطن تحت عباءة واحدة".
وعندما مات الشيخ الشعراوي ذهب البابا شنودة إلى العزاء، وقال في حزن.. "لقد خسرنا شخصية نادرة في إخلاصها ونقائها وفهمها لجوهر الإيمان".
توفي البابا شنودة الثالث في 17 مارس 2012 عن عمر يناهز 89 عاماً، وأعلنت وفاته في بيان رسمي، "المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية يودع لأحضان القديسين معلم الأجيال قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، نياحا لروحه والعزاء للجميع ".
وتم وضع جثمانه بكامل هيئته الكهنوتية على كرسي الباباوية في يوم 18 مارس وحتى يوم 20 مارس، للسماح لأكبر عدد من المسيحيين لإلقاء نظرة الوداع عليه.