"الثعلب" رفعت جبريل.. صاد الجواسيس وساعد "السادات" في اكتشاف الدولة التي تتجسس على مصر لصالح "إسرائيل".. (بروفايل)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


زرع رأفت الهجان بإسرائيل، وقبض على الجاسوس الإسرائيلي باروخ مزاحي، كما استدرج العميلة هبة سليم ذات الأصول المصرية إلى مصر، ووضع كرسي للسادات حول طاولة مخابرات الموساد السرية بأحد العواصم الأوربية.
ليس الرجل الخارق، لكنه الثعلب المصري "رفعت جبريل"، الذي ولد في مثل هذا اليوم 15 مارس 1928، وبعد كل تلك العمليات المخابراتية الناجحة شغل "جبريل" عدة مناصب مهمة في جهاز المخابرات العامة المصرية، حيث شغل منصب رئيس هيئة الأمن القومي، ووكيل أول المخابرات العامة المصرية، بالإضافة إلى شغله منصب المستشار المخابراتي لمصر في المملكة العربية السعودية، كما حصل على نوط الامتياز من الدرجة الأولى والثانية.
كانت حياته حافلة بالإنجازات الهامة، وفي السنوات الأخيرة من حياته قرر العودة إلى قريته بكوم حمادة بمحافظة البحيرة، مفضلاً حياة الريف على شغل أية مناصب رفيعة أخرى.
دخوله الحربية وانضمامه للضباط الأحرار
كان حلمه دخول الكلية الحربية، ودخلها عن طريق "الواسطة" بعد أن كاد يتبدد حلمه بدخولها بسبب عدت اكتمال أوراقه، حيث توسط له "حيدر باشا" مدير عام التجنيد لدخول الكلية الحربية رغم كل العقبات التي واجهته في سبيل دخوله الكلية، حتى تخرج في عام 1950 وبسبب تفوقه في الفروسية والرماية أصبح "أمباشا" أي رئيس مجموعة، وفي العام التالي دخل سلاح المدفعية، وانضم لتنظيم الضباط الأحرار.
وفي ليلة 23 يوليو كان مسؤولاً عن أمن نقاط التفتيش بمنطقة العباسية، التي كانت تعج بمعسكرات وثكنات الجيش، وشارك في القبض على عدد من أصحاب الرتب الكبيرة التي كانت تمثل عائقاً كبيراً أمام نجاح الثورة.
 انضمامه إلى جهاز المخابرات
وقبل انضمامه لجهاز المخابرات العامة المصرية عام 1957 كان ضابطاً بجهاز "مخابرات الحرس الوطني"، ويرى أن جهاز المخابرات العامة تم إنشاؤه على يد زكريا محيي الدين، لكن البداية الحقيقية للجهاز كانت منذ تولي صلاح نصر.
 يتحدث رفعت جبريل عن بدايات العمل بجهاز المخابرات العامة قائلاً، إنه وضِع تحت التدريب لمدة عامين كاملين، وأن القائم على تدريبه في هذه الأوقات كان شخص مصري يعمل بوزارة الأوقاف ويهوي قراءة كتب عن الحرب العالمية، حيث كانت كل معلوماتهم عن المخابرات مستمدة من كتب أمريكية، فليس هناك دولة تساعد الأخرى في هذا الشأن، وهكذا استمد جهاز المخابرات العامة خبراته من الصراع الدائر حول مصر، واستعان بالمثل المصري "الشاطرة بتغزل برجل حمار". 
موقفه من روسيا
 كان "جبريل" يكره روسيا لأنها كانت واحدة من الدول التي كانت تكره مصر وتتجسس عليها الستينيات، وكان سعيد بقرار السادات عندما طرد السوفييت من مصر.
حكاياته مع الجاسوسية
وشارك "جبريل" في عملية زرع رأفت الهجان في إسرائيل، وبرغم ذلك قال إن مسلسل رأفت الهجان قدم العميل ببريق مبالغ فيه، فقد ساعده الإسرائيليون كثيراً، وكانت له العديد من الاستثمارات في أوروبا، حيث يرى "جبريل" أن العميل المخابراتي يعمل أربع سنوات فقط ثم يتحول إلى عميل مزدوج.
 أما عن عملية القبض على الجاسوس الإسرائيلي باروخ مزراحي، فقد تم القبض عليه في اليمن ولم تستطع السلطات اليمنية استجوابه، فقد انتحل شخصية صحفي يمني وأنكر أي علاقة له بالموساد، وعندها استعانت المخابرات اليمنية بنظيرتها اليمنية، وتم إرسال "جبريل" لاستجوابه بصفته أحد خبراء المخابرات.
وقال "الثعلب" عن هذه العملية أن "مزراحي" اعترف بكل شيء فور علمه أنه ضابط مصري، لأنه يعلم جيداً أن الجاسوس المصري ونظيره الإسرائيلي "دارسين بعض كويس" على حد تعبيره.
ويذكر أنه تمت مقايضة "مزراحي" بـ65 فدائي فلسطيني نفذوا أعمال مخابراتية لصالح مصر. واستملت مصر اثنين من أهم جواسيسها لدى إسرائيل أيضاً في نفس العملية، الأمر الذي لم يُكشَف عنه إلا مؤخراً في كتاب "الجواسيس" الصادر مؤخراً في إسرائيل. الجاسوسان هما "عابد كرمان" و "توفيق فايد البطاح".
العملية الأهم في تاريخ "الثعلب" كانت عملية اختراق أحد المقرات السرية للموساد الإسرائيلي في أحد العواصم الأوروبية، وضع فيها كرسياً للرئيس السادات على طاولة الاجتماعات بالمقر كما طلب.
 سافر "جبريل" إلى العاصمة الأوربية واستأجر محلاً بجوار الشقة التي تعقد فيها الاجتماعات، استطاع تجنيد زوجة حارس العقار، بعد أن أوهمها هو وفريقه أنهم يريدون سرقة شقة بالعمارة، وهددوا بإخبار زوجها بخيانتها له بعد مراقبتهم إياها واكتشاف أمرها.
وبالفعل استطاعوا دخول الشقة وزرع أجهزة التصنت بحرفية ودقة عالية بمساعدة الفنيين الذين وصفهم "الثعلب" بأنهم "عيال فراودة"، وبعد نجاح المهمة الخطيرة التي إن كان تم اكتشافها لم يكن أحد منهم عاد إلى مصر مرة أخرى، وعاد "جبريل" إلى مصر بعد أن استطاع تسجيل 4 شرائط كاسيت لهذه الإجتماعات السرية.
استطاع بعدها الرئيس السادات تحديد الدولة الجاسوسة التي تنقل أسرار مصر إلى إسرائيل، ثم استخدمهم بعد ذلك لتسريب معلومات خاطئة. ولولا نجاح هذه العملية كان من المؤكد فشل حرب 1973.
استدراج العميلة هبة سليم 
استطاع خداع العميلة هبة سليم ذات الأصول المصرية، التي استطاعت خطيبها فاروق عبد الحميد الفقي اللواء بالجيش المصري، لنقل معلومات سرية للموساد، أخبرها أن والدها مريض واستدرجها حتى مطار ليبيا، ثم تم القبض عليها وتسليمها للمخابرات المصرية، وتم إعدامها بمصر بعد اعترافها بالتجسس لصالح إسرائيل.
وبعد الحياة الحافلة بالإنجازات والبطولات، وشغل أرقى المناصب بالدولة وجهاز المخابرات العامة المصرية، اختار "ثعلب المخابرات المصرية" العودة إلى كوم حمادة بالبحيرة، ولبس الجلباب الفلاحي مرة أخرى، وسعادة البسطاء بالحياة الهادئة إلى جانب حقول الذرة، لكنه ظل يستمد هيبته ومكانته من وطنيته وأعماله البطولية المشرفة، دون مناصب أو مواكب أو ملابس رسمية باهظة الثمن.