أحمد فايق يكتب: الداخلية بين عودة الانضباط والانفجار

مقالات الرأي



مجدى عبد الغفار يرفض الجلوس مع أمناء الشرطة معتبرا هذا ضعفا منه

■ أمناء الشرطة لهم تأمين صحى فى ثلاثة مستشفيات فقط ولا يتنقلون بسيارات الشرطة ولا يستخدمون استراحات الضباط

■ المد لمساعد الوزير لقطاع السجون بعد المعاش تسبب فى غضب الضباط لأنه يصادر فرصهم فى الترقى

■ الوزارة تعانى من رسوب وظيفى وعدد اللواءات يفوق من يحمل رتبة ملازم

■ القيادات لا تجلس مع الضباط الشباب مثلما يحدث فى الجيش ولا تزورهم فى سيناء إلا قليلاً 

■ ضابط يطلب مقابلة رئيس الجمهورية فأحاله مجدى عبد الغفار إلى الاحتياط


استجابت إحدى القيادات لضغوط الضباط الشباب، سافرت القيادة إلى العريش وجلس مع الضباط لمدة ساعة، ثم سمع صوت إطلاق نار فركب المدرعة وعاد إلى المطار فورا، هذه الواقعة حدثت فى عهد وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، وحتى الآن مازالوا يتحدثون عنها، يروجونها مثل الأسطورة داخل أوساط الضباط الشباب، لدى بعضهم شعور بأن القيادات تتركهم يحاربون الإرهاب وحدهم، وفى لحظة المواجهة يهربون، يستشهدون بقيادات الجيش التى تحضر بنفسها العمليات، ويخططون لها مع الضباط الشباب يعيشون فى نفس المعسكر مع بعضهم، يستشهدون بجوار بعض.

هذه القصة من وجهة نظر الضباط الشباب ولأن القضية متشابكة سأحاول تبسيطها وبهدوء، التعليمات التى تلقاها وزير الداخلية مجدى عبدالغفار من الرئيس هى عودة الانضباط إلى وزارة الداخلية، فقد تسببت الأحداث الأخيرة فى عودة الفجوة بين الداخلية والمواطنين، هذه الفجوة التى تم علاجها فى 30 يونيو، وعادت العلاقة صحية، ثم تحولت إلى صراعات وأزمات، الداخلية دخلت فى صراعات مع فئات كثيرة من المجتمع خلال الفترة الماضية الأطباء والصحفيين والمحامين والفنانين، مجموعة من الوقائع تؤكد أن هناك مشكلة كبيرة تحتاج للعلاج، وطريقة معالجة الداخلية للأمر تجعله يتأجج فى بعض الاحيان.

البيان الاول الذى صدر من الداخلية عن حادث الضرب الأحمر كان كفيلا بتفجير الرأى العام، لأنه تبرع بالدفاع عن الامين القاتل دون تحقيق، وضعه فى حالة دفاع شرعى عن النفس، ولم تتراجع الداخلية سوى بعد تحرك الرئاسة لاحتواء الموقف.

الداخلية مثل كل مؤسسات الدولة بها أورام كبيرة وأمراض لكنها تحت الضوء، والجميع يراها، والخطأ من ضابط الشرطة يساوى ألف خطأ من طبيب أو محام أو صحفى، الحلول التى استخدمت كثيرة لكنها دائما تدور بين المسكنات أو القمع، لكن الدواء لم يتم استخدامه بعد.

لقد تلقى اللواء مجدى عبدالغفار توجيها من الرئاسة بإعادة الانضباط فقام بعمل تعديلات على قانون الشرطة، لكن السؤال هنا: هل خضعت هذه التعديلات لحوار مجتمعى سواء مع ضباط الشرطة أنفسهم أو فئات المجتمع المدنى؟

لقد طلب أحد الضباط -وهو فهمى بهجت- لقاء مع رئيس الجمهورية ذهب إلى الاتحادية، ولما عرف وزير الداخلية أحاله إلى الاحتياط؟!

هل لو طلب صحفى لقاء الرئيس يفصله رئيس التحرير؟

هل لو طلب طبيب لقاء الرئيس يحيله مدير المستشفى إلى الاحتياط؟

استخدام حق الإحالة للاحتياط نفسه عليه الكثير من علامات الاستفهام، أيهما أوقع بالإحالة للاحتياط أمين الشرطة الذى يقتل مواطنا أم الضابط الذى يستخدم حقه الدستورى فى طلب مقابلة الرئيس؟

الإحالة للاحتياط تكون مدتها سنة واحدة، ولا يجوز للضابط أن يعمل فى أى عمل آخر، هل تطلب منه فى هذه اللحظة أن يتحول لتاجر مخدرات أو إرهابى خاصة أنه لا يتقاضى راتبه طوال هذا العام.

تعديلات قانون الشرطة تتضمن مادة أنه فى حالة شكوى أحد الضباط ضد قيادته ولم يثبت صحة هذه الشكوى فمن حق القيادة إحالته للاحتياط!

وهى مادة الهدف منها إخراس أى صوت لضابط شاب فى الداخلية، فجميعنا يعرف أن هناك الكثير من مؤسسات الدولة فيها آلاف الشكاوى التى تقدم ضد القيادات، ولا يتم اتخاذ إجراءات جدية فيها لانحياز القيادات إلى بعضها البعض.

المشكلة الكبيرة التى حدثت فى الداخلية هى المد للواء حسن السوهاجى مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون، الموضوع ليس فى المد بعد المعاش بل الأزمة الكبرى فى الرسوب الوظيفى، فهناك حوالى 3 آلاف لواء ويتم إحالة 500 منهم للمعاش كل عام، وفى المقابل يدخل الخدمة فى العام فقط 2000 ضابط جديد، وهذا يعنى أن الهرم الوظيفى فى وزارة الداخلية مقلوب، وعدد القيادات يزيد على القاعدة، وبالتالى هذا يؤثر على الشرطة ويجعلها أكثر عجزا وثقيلة الحركة، وإحساس كبير لدى الضباط الشباب بأنه ليس امامهم فرصة حقيقية فى الترقى.

فى المقابل يوجد فى الجيش كليات كثيرة يتخرج فيها آلاف الضباط مثل الحربية والدفاع الجوى والبحرية والجوية والدفعات المتخصصة، وهذا جعل الهرم الوظيفى فى المؤسسة العسكرية متوازن، يبدأ بقاعدة عريضة من الضباط ويصل إلى قمة قليلة من اللواءات والقيادات.

هذا الغضب المكتوم بين القيادات فى الداخلية والضباط الشباب انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعى وكتب ضباط تعليقات بشكل واضح ينتقدون فيها الوضع.

الأزمة الثالثة هى 380 أمين شرطة يعتبرهم المجتمع أدوات قتل متنقلة، وتعتبرهم الداخلية عبئاً عليها فى كثير من الأحيان وواجهة تسىء إلى سمعتها، والغالبية العظمى منهم يعانون، نعم يعانون ولا تتعجب من كلامى، فهؤلاء هم الذين يعملون أكثر فى الشارع ويتعاملون مع المواطنين ولا توفر لهم الوزارة متطلباتهم التى أرى جزءاً كبيراً منها شرعية وحقاً لهم.

أولا أمناء الشرطة ليس لهم إلا ثلاثة مستشفيات فقط لديهم فيها تأمين صحى مشترك مع الضباط، وكل مستشفى لديه عدد معين من الكشوف للأمناء لا يزيدون، وفى المقابل متاح للضباط التأمين الصحى فى كل مستشفيات الشرطة.

ثانيا يعمل الأمناء وفقا لنظام غير طبيعى فهم يعملون يوماً كاملاً و48 ساعة راحة، أو ثلاثة أيام عمل و4 ايام راحة، لكن عليك أن تتوقف كثيرا أمام هذا النظام العجيب فهناك مثلا أمين شرطة يعيش فى بنى سويف أو سوهاج ويعمل فى القاهرة مطلوب منه أن يسافر إلى القاهرة كل ثلاثة أيام ويعمل 24 ساعة متواصلة، أى أنه يضيع يوما فى المواصلات ويوماً آخر فى النوم، ويوماً ثالثاً فى العمل، وهى معادلة تجعله شخصاً لا يجيد التعامل مع الآخرين، فلا يوجد إنسان طبيعى يتحمل العمل 24 ساعة متواصلة.

الأغرب أن أمناء الشرطة ليس من حقهم استخدام استراحات الشرطة فهى حق أصيل فقط للضباط، وليس من حقهم التنقل بسيارات الشرطة، فيضطرون للتنقل عبر المواصلات العامة والميكروباصات والتاكسيات ووفقا لدخلهم فإنهم فى معظم الأحيان يستخدمون سلطتهم فى التنقل مجانا.

بالتأكيد الأمناء ليسوا أبرياء ويوجد بينهم المرتشى والقاتل لكن ينقصهم الحد الأدنى من المعيشة والمعاملة الكريمة من القيادات والتعليم الجيد والتأمين الصحى المحترم حتى تستطيع محاسبتهم بشكل كامل.

هناك عشرات من الحلول التى قدمتها الكثير من المؤسسات والمنظمات، منها استكمال تعليم أمناء الشرطة وتحويلهم إلى ضباط ميدانيين مثلما يحدث فى أمريكا، وتحويل كلية الشرطة إلى أكاديمية للبحث الجنائى، ويتعلم ضابط الشرطة التحقيق بنفسه مثلما تفعل المباحث الفيدرالية الأمريكية، فمنظومة الشرطة تتكون من ضباط البحث الجنائى والضباط الميدانيين الذين لهم صلاحيات محددة فقط فى المرور وضبط النظام فى الشارع ومواجهة الحوادث الطارئة، لكن القضايا الكبرى تتولاها المباحث الفيدرالية، والأمن المركزى ما هو إلا قوات مكافحة شغب، مجدى عبدالغفار ليس وزير داخلية ضعيف أو يخشى الموت.. لقد زار المقاتلين فى سيناء أكثر من مرة لكن القيادات لديه لا تفعل هذا.

لست خبيرا أمنيا ولا أدعى ذلك، لكن مصر كلها تحتاج إلى أن نستمع للآخر، وهذا المقال ليس هجوما على أحد أو انتقاصا من مجهود أحد أو محاولة للهدم، بل دعوة لجميع الأطراف أن تستمع إلى بعضها البعض، الضباط لديهم مشاكل والأمناء أيضا، والمصريون يعانون أيضا بسبب هذا، والوزير والقيادات يريدون للوزارة أن تعود إلى الانضباط، لكن هل تعود إلى الانضباط على طريقة حبيب العادلى؟

فتتحول طاقة الغضب داخل الوزارة إلى الانفجار فى وجه الوزير نفسه والقيادات أو تتحول إلى تصرفات قمعية وتعسفية تجاه المواطنين فى الشارع.

إن الشرطة هى أداة تطبيق القانون وهى الادارة الرئيسية للعدل والعدالة وإذا انصلح حالها انصلح حال الوطن كله، وإذا فسدت غرقت معها مصر.

إن ممارسات بعض أعضاء الشرطة القمعية تسىء إلى دم شهداء الإرهاب من ضباط وافراد قدموا أنفسهم فداء للوطن، واختصار الشرطة فى مجموعة من الممارسات القمعية والتعسفية هى أيضا تسىء إلى دم الشهداء لأننا بفضل هؤلاء نعيش على أرض الوطن آمنين.