مى سمير تكتب: «إيزيس وأوزوريس» على الطريقة الأمريكية

مقالات الرأي



اعتمدت صناعة السينما الأمريكية على البطل الخارق، القادر على كل شىء، المعادل للسلطة الأمريكية التى سادت العالم.

الأمر قد يكون مقبولا فى الأفلام التى لا تعتمد على التاريخ، لكن.. صناع السينما الأمريكية قرروا بدورهم أن يعيدوا صناعة وصياغة التاريخ من وجهة نظرهم، فالزيف الأمريكى لا يوقفه حد أو يحدده زمان.

لذا كان من المنطقى والطبيعى أن تثار ضجة حول الفيلم الأمريكى «آلهة مصر» الذى عرض مؤخرا فى دور العرض واعتمدت قصته على واحدة من أهم الأساطير الفرعونية القديمة وهى أسطورة إيزيس وأوزوريس، وهوجم الفيلم وانتقده الكثيرون من النقاد السينمائيين وكذلك المحللين السياسيين وصناع السينما فى هوليوود الذين يطبقون ما يطلق عليه فى عالم السينما بـ«تبييض التاريخ» والمقصود هو اختيار ممثلين من أصحاب البشرة البيضاء للقيام ببطولة أفلام تدور أحداثها فى مصر أو فى الشرق الأوسط كما حدث من قبل مع فيلم «الخروج: الآلهة والملوك».

الأمر لا يتعلق بمجرد اختيار أصحاب بشرة بيضاء للقيام بدور الملوك والآلهة كما هو الحال فى فيلم (آلهة مصر) ولكن فى المقابل يتم اختيار أصحاب البشرة السمراء أو الخمرية للقيام بأدوار العبيد والخدم، مثل هذه الصورة السينمائية تطبع فى ذهن المشاهد فكرة أن الغرب هو صاحب الحضارة وبقية الأعراق لا تصلح سوى لخدمة العرق الأكثر تميزا.

يأتى هذا الجدل فى الوقت الذى أعلن فيه العديد من نجوم السينما فى هوليوود من أصحاب الأصول الإفريقية غضبهم من أكاديمية السينما فى الولايات المتحدة لتجاهلهم من ترشيحاتها لجوائز الأوسكار، فهذا العام، مثل الأعوام السابقة، لم يتم ترشيح أى سينمائى من أصول إفريقية.

مثل هذا الجدل يطرح سؤالا مهما، هل هوليوود عنصرية؟ الحقيقة وبحسب تحقيق موقع البى بى سى «مليارديرات، مفجرين، وراقصات شرقيات» فإن صورة العرب سواء فى صناعة السينما أو التليفزيون الأمريكية تؤكد هذه العنصرية التى تأتى عن قصد فى كثير من الأحيان.

الطاغية

مع احتلال أحداث الشرق الأوسط صدارة الأخبار فى مختلف أنحاء العالم، أصبح هناك اتجاه غربى للتعرض لشخصيات عربية سواء فى السينما أو التليفزيون.

ولا يمكن الحديث عن صورة العرب فى الثقافة الأمريكية بشكل عام والغربية بشكل خاص فى الوقت الحالى دون التطرق للمسلسل الأمريكى «الطاغية» المستوحى من الربيع العربى وتدور أحداثه فى إحدى الدول العربية، دولة خيالية تحمل اسم معان، تنضم لدول الربيع العربى بثورة شعبية ضد حاكمها. منذ بداية عرض المسلسل فى عام 2014، وهناك إشارات أنه يجسد ما يحدث فى سوريا من حرب أهلية، ومن الطبيعى أن يتضمن المسلسل كل الصور الذهنية التقليدية للعرب بدءًا من الانتحارى، مرورا بالمتطرف، وانتهاء بالمرأة الخاضعة للرجل والتى لا تملك الحق فى التعبير. بالتأكيد يتضمن المسلسل شخصيات إيجابية ولكنها تبدو وكأنها استثناء يؤكد القاعدة، كما أن المسلسل يؤكد على الفكرة التى تعكسها أغلب الأعمال الفنية التى تطرق للعرب وهى فكرة البطل الغربى الذى يمثل طوق النجاة، ففى مسلسل الطاغية البطل هو بسام ابن الطاغية الذى يحكم «معان» والذى عاش طوال حياته فى الغرب وتربى على الثقافة الأمريكية ويعمل كطبيب أطفال ولكنه يعود إلى وطنه من أجل حضور حفل زفاف ابن أخيه ليجد نفسه متورطا فى هذه الحرب الأهلية وبالتالى يبدأ فى لعب دور البطل المنقذ.

ومن أشهر الأفلام الأمريكية التى تعرضت للعرب فى الفترة الأخيرة، الفيلم الشهير «القناص الأمريكى» الذى عرض فى نهاية عام 2014 ورشح لخمس جوائز أوسكار وفاز فى النهاية بجائزة الأوسكار لأفضل مونتاج صوتى. الفيلم الذى لعب بطولته برادلى كوبر مأخوذ عن مذكرات القناص الأمريكى كريس كايل والتى حملت عنوان «قناص أمريكى: السيرة الذاتية لأهم قناص فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية».

تدور أحداث الفيلم عن القناص فى الجيش الأمريكى والذى قام باغتيال 255 شخصا أغلبهم من العرب والمسلمين أثناء الغزو الأمريكى للعراق. أحد النقاد علقوا على الفيلم بأنه لا يقدم أى شخصية مسلمة إيجابية ويعتمد على فكرة واحدة وهى البطل الأمريكى فى مواجهة العربى المسلم الشرير. والجدير بالذكر أن جريدة الدايلى ميل البريطانية قد نشرت تقريرا أشارت فيه إلى أن تنظيم داعش قد استحدث وحدة قتالية تضم مجموعة من القناصين من وحى هذا الفيلم، فى مفارقة تعكس كيف ألهم البطل الأمريكى التنظيمات الإرهابية كى تطور من إمكانياتها.

بالعودة إلى تقرير BBC عن صورة العرب فى الثقافة الغربية، يرسم الموقع صورة تاريخية لهذه الصورة الذهنية التى تتحرك داخل دائرة مفرغة عن العربى المتوحش والمرأة الخاضعة التى لا تجيد سوى الرقص، ومنذ عصر السينما الصامتة فى هوليوود نلتقى بهذه الصورة فى عدد من الأفلام، بدءا من فيلم كليوباترا 1917 والذى لعبت بطولته ثيدا بارا أول ممثلة فى تاريخ السينما العالمية تقدم شخصية الملكة كليوباترا قبل فيفان لى أو إليزابيث تايلور، مرورا بفيلم الشيخ 1921 بطولة رودولف فالنتينو الذى يقدم صورة عربى رومانسى يقع فى غرام امرأة بريطانية، وفى نهاية الفيلم يتضح أن هذا العربى الرومانسى هو فى الأصل بريطانى.

ولا يتطرق تقرير BBC لسلسلة طويلة من الأفلام التى صنعتها هوليوود واعتمدت على صورة نمطية سلبية للعرب، فالسينما الأمريكية لا تفتقر لصورة الإرهابى العربى، مثل فيلم «أكاذيب حقيقية» عام 1994، وفى هذا الفيلم لا يوجد أى تبرير لماذا يريد العربى فى هذا الفيلم تفجير الأمريكان وكأن كونه عربيا كفيلا بإقناع المتلقى أنه إرهابى.

صورة العربى غير المتحضر والمستعد للقتل، نراها أيضا فى أفلام الكارتون، مثل فيلم «علاء الدين» الذى أنتجته شركة ديزنى فى عام 1992، ويبدأ بأغنية لا تخلو من العنصرية حيث يشرح علاء الدين كيف أنه يعيش فى مكان غير متحضر وبربرى حيث يقطع الشخص أذن الآخر لمجرد أن شكله لا يعجبه، ولكن فى النهاية هذا المكان المتوحش هو وطنه.

أما المرأة العربية فى الثقافة الغربية فهى تتأرجح بين صورة المرأة المغطاة التى لا يظهر منها شىء أو الراقصة الشرقية التى تتلاعب بمشاعر الرجل، ومن أشهر الأعمال الفنية الحديثة التى تقدم هذه الصورة المسلسل الأمريكى الشهير «هوم لاند» أو أرض الوطن، والعمل مقتبس من مسلسل إسرائيلى بعنوان «أسرى الحرب»، الإعلانات الترويجية لهذا المسلسل تتضمن صورة شهيرة لبطلة المسلسل الممثلة كلير دينس، وتلعب دور ضابطة أمريكية فى وحدة مكافحة الإرهاب، وترتدى وشاحا أحمر يغطى جزءا من شعرها وهى تتوسط مجموعة من النساء العربيات المغطيات بالكامل برداء أسود لا يكشف وجههن.

وتتجسد تلك الصورة للمرأة العربية فى العديد من الأفلام الأمريكية القديمة مثل «الليالى العربية» 1942، «على بابا والأربعين حرامى» 1944، ومن أشهر الأفلام الأمريكية التى صورت بالكامل فى القاهرة فى الخمسينيات من القرن الماضى فيلم «وادى الملوك» عام 1954 بطولة روبرت تايلور وإلينور باركر، وبالتأكيد تضمن الفيلم مشاهد لراقصة شرقية ترقص فى أحد المقاهى فى وسط النهار، وقد لعبت الراقصة المصرية الشهيرة سامية جمال دور هذه الراقصة، كما لعبت سامية جمال فى العام نفسه بطولة الفيلم الفرنسى «على بابا»، ولم يختلف الفيلم الفرنسى عن نظيره الأمريكى فى تقديم الصورة النمطية للعربى.

ولم يختلف الوضع كثيرا فى الأفلام الأمريكية الجديدة عن الأفلام الكلاسيكية، وهناك قائمة من الأفلام الأمريكية الحديثة التى لم تتخل عن الصورة التقليدية للعرب فى هوليوود ومن أشهرها فيلم «حرب شارلى ويلسون» الذى عرض فى عام 2007 بطولة النجوم توم هانكس وجوليا روبرتس، ويتضمن الفيلم مشهدا شهيرا لتوم هانكس الذى يلعب دور سناتور أمريكى يحاول تمويل المقاومة الأفغانية بالسلاح أثناء الغزو السوفيتى فى الثمانينيات ويحاول إقناع مسئول مصرى بمساعدته، ولكى يقنع المسئول المصرى يقوم بدعوته على عشاء خاص حيث تقدم له راقصة شرقية عرضا خاصاً له.

وفى فيلم بابل الذى لعب بطولته براد بيت عام 2006 ودارت أحداثه فى 4 أماكن مختلفة بأنحاء العالم، تتعرض سائحة أمريكية فى المغرب لطلقة نارية أطلقها طفل صغير كان يلعب بالبندقية مع شقيقه، وإن كان هذا الفيلم حاول بقوة الخروج عن نمطية الصورة العربية بالتركيز على مشاعر الخوف التى أصابت الطفل الصغير الذى لم يكن يقصد إصابة السيدة الأمريكية، ولكن على الرغم من ذلك فإن الصورة التى يقدمها الفيلم للمغرب التى شهدت تصوير الفيلم تتضمن تلميحات واضحة أن المكان غير متحضر.

أيضا فى فيلم «جلاديتور» أو المبارز للمخرج الشهير ريدلى سكوت ومن بطولة النجم الأسترالى راسل كرو يتم تصوير العرب فى دور الجنود المتوحشين الذين يعاملون البطل بقسوة، وفى المقابل فى فيلم «المومياء» عام 1999 كانت أغلب الشخصيات المصرية فى الفيلم شخصيات تبعث على الضحك والسخرية.

وعلى الرغم من ذلك لا يمكن إنكار أن بعض صناع السينما الأمريكية تحرروا من تلك الصورة النمطية، وهناك أمثلة على ذلك مثل فيلم «تركوا فى الخلف» عام 2014 للنجم نيكولاس كيدج وهو من نوعية أفلام الخيال العلمى الذى يصور اختفاء عدد كبير من البشر من على وجه الأرض فى نفس الوقت، وعلى متن طائرة حيث يختفى أيضا عدد من البشر وتتجه أنظار الاتهام إلى العربى الوحيد المتواجد على الطائرة والذى يرد عليهم ساخرا إن الإرهابيين العرب لم يصلوا بعد إلى هذا القدر من التقدم التكنولوجى ويسخر منهم لسطحية تفكيرهم، فليس كل العرب إرهابيين كما تصور الأفلام الأمريكية.

وفى فيلم جودى فوستر «خطة الطائرة» عام 2005 تختفى ابنة البطلة أثناء تواجدها معها على متن الطائرة وتشك البطلة فى مسافرين عرب ولكن يتضح فى النهاية براءتهم.

الجدير بالذكر أن الأفلام والمسلسلات الأمريكية فى الفترة الأخيرة أصبحت تشهد مزيدا من الانفتاح والتغيير فى تقديم صورة العربى، بل إن البعض منها يركز على نفاق السياسة الأمريكية فى التعامل مع الشرق وعدم صحة الصورة التى يتم تصديرها لوسائل الإعلام. على سبيل المثال فى إحدى حلقات المسلسل الأمريكى «فيب» والذى يتناول تفاصيل حياة نائبة الرئيس الأمريكى، يتضمن أحد المشاهد إشارة إلى أن السياسى الأمريكى عندما يتعامل مع الصراع العربى الإسرائيلى عليه أن يبدى تعاطفا مع الجانبين مع الحرص أن يكون يكون تعاطفه أكبر مع الجانب الإسرائيلى حتى لو كان الأخير هو المخطأ.

وفى الجزء الثانى من فيلم «الحب والمدينة» عام 2010 والمأخوذ عن مسلسل شهير يحمل نفس الاسم، سافرت بطلات الفيلم لقضاء إجازة فى الإمارات، وفى نهاية الفيلم تكتشف البطلات أن تحت العباءة التقليدية التى ترتديها المرأة العربية هناك امرأة تعشق الموضة وعلى أعلى درجة من الثقافة.