محممد مسعود يكتب: حكايات خاصة عن «شبكات الدعارة».. والابتزاز الجنسى فى الوسط الفنى

مقالات الرأي



من قضية ميمى شكيب.. لاتهام غادة إبراهيم

.. الشهرة غاية، والطريق صعب، ملىء بمطبات حياتية، وظروف قهرية، كونه الطريق الشرعى، الذى حاولت كثيرات اختصاره.. وعبور بوابة الشهرة، من طرق خلفية، ملتوية، مختصرة، ومحفوفة بالمخاطر، غالبا ما يقع المتسلل إليها، بين مطرقة السمعة.. وسندان الشرف.

والحديث عن الشرف، لابد أن يكون حذرا، مع التأكيد مئات المرات، أن السيئة «لا تخص إلا صاحبها»، وأن فى كل مجال نماذج مسيئة، ترتكب جرائم مخلة بالشرف.. لذا، لا يصح تلويث مهنة، لأن أحد أبنائها- أو بناتها- وقع فى فخ الخطيئة.

أما عن الوسط الفنى، فمثله مثل جميع الأوساط، يضم الصالح والطالح، لكن غالبا ما يكون نجومه ونجماته، مواد مثيرة، لعقول غليظة، أشبه بالنظارات المكبرة، تكبر الأشياء الصغيرة.. ولا ترى الأشياء الكبيرة.. يتحدثون عن الانحلال الأخلاقى، للنجوم والنجمات، ويقعون فى الخطأ ذاته، دون أن يلوموا أنفسهم، يكونون كالخناجر فى ظهور الآخرين، بينما على أنفسهم، سكاكين تلمة، باردة، لا تجرح.. ولا تذبح.

ولسنا هنا بصدد الدفاع عن مخطئ، أو مخطئة، فالكل أمام القانون سواسية، لكننا لسنا مع تشويه وسط كامل، لأن عددا من الفنانات أو بالأحرى المنتسبات إلى الوسط- ولو شكليا- ارتمين بمحض إرادتهن، فى أحضان غريبة، لسبب ليس له أدنى علاقة.. بالفن.

الفريسة والصياد

وفى أصول المتعة الحرام، غالبا ما تتبادل العشيقة وعشيقها الأدوار، لدرجة أنك لا تستطيع أن تحدد الفريسة من الصياد، قد تكون المرأة صائدة رجال، ويقع فى براثنها سياسيون ومشاهير وأثرياء، ممن لا يتمالكون أنفسهم أمام الجمال الأخاذ.. وفى الأسرة، لا مجال للحديث عن جنسية، فجواز العبور إلى المخادع لا يشترط الهوية بقدر ما يشترط المنفعة، التى تنحصر غالبا فى التقرب من السلطة، أو تحقيق الشهرة.. أو جنى المال.

قاعدة المنفعة هى التى تحدد العلاقة وتحول مسارها من ممارسة الحب، لممارسة البغاء، فالأخيرة يلعب فيها الجسد دور السلعة، فمن يريد أن ينالها فعليه أولا أن يدفع ثمنها.. وعلى ذلك نشأت شبكات الدعارة فى تاريخ الوسط الفنى.


الرقيق الأبيض

ولعل خبر القبض على الممثلة غادة إبراهيم بتهمة، إدارة شقتين لممارسة الرذيلة، يفتح من جديد ملف شبكات الدعارة فى الوسط الفنى، غير أنه وحتى كتابة هذه السطور لم تتم إدانة غادة إبراهيم فى القضية.

غادة، قالت فى أقوالها أنها تؤجر الشقتين لأثرياء عرب، ولا تعلم بما يحدث فيهما، كونها لا تزورهما بشكل دورى، وأن البواب الذى اعترف عليها.. فعل ذلك كونه على خصومة معها، وكانت ستقوم بتغييره فى أقرب فرصة.. غير أنها نفت صلتها بفتاتين اعترفتا عليها، من أصل الاثنتى عشرة فتاة التى قبض عليهن.

لذا.. لن نصدر حكما بالإدانة على غادة، فقد تبرئها المحكمة، وترد إليها سمعتها وشرفها مثلما فعلت فى قضايا مماثلة، على رأسها قضية الفنانة الراحلة ميمى شكيب.

والفارق بين ميمى شكيب، وغادة إبراهيم، كبير.. فالأولى كانت فنانة مرموقة، يتهافت عليها المنتجون، لها ما يزيد على مائة وسبعين فيلما سينمائيا، وقفت خلالها أمام أهم نجوم الوسط السينمائى والمسرحى منذ أن اكتشفها نجيب الريحانى، غير أنها فى الحقيقة، سليلة سرايات ونجمة من نجمات المجتمع.. منذ ولادتها فى حى القاهرة.. إلى قتلها فى نفس الحى.

بينما الثانية لم تحقق من الفن استفادة تذكر، منذ أن جاءت من حى شعبى بمحافظة الإسكندرية، مرورا بضبطها بقضية «شبكة إجلال زكى»، ربما لأنها محدودة الموهبة، أو لكونها تمثل بعلاقاتها فى وسط يعترف بالشللية، لكنها أبدا لم تصل لمكانة النجمة التى تسوِّء بأفعالها وسطاً تنتسب إليه بحكم المهنة وليس بحكم كارنيه النقابة.

لذا لم تثر قضية غادة إبراهيم أى ضجة إعلامية، وسط زخم الأحداث السياسية اليومية، والفضائح التى غلبت وغطت على فضائح السمعة والشرف، بينما كانت المفاجأة مدوية وتصل إلى حد الصدمة، ليلة القبض على الفنانة ميمى شكيب وشبكتها، فقد استيقظ المصريون على صوت بائعى الصحف فى صباح يوم من أيام يناير الباردة عام 1974، وهو يقول بأعلى صوته «القبض على شبكة دعارة تتزعمها الفنانة ميمى شكيب».

كانت صدمة فى مجتمع محافظ، يعيش فرحة وسعادة انتصار السادس من أكتوبر عام 1973، برئاسة «الرئيس المؤمن» أنور السادات، وانتشرت الشائعات أن الفنانات اللاتى قبض عليهن وراءهن عشرات القصص لسياسيين ومسئولين كبار فى الدولة، وإلا لماذا كانت هذه النعرة الكذابة فى نظرتهن بعد القبض عليهن وترحيلهن إلى سجن القناطر، فقد كانت الواحدة منهن، أنفها فى السماء، تثق على أن الأزمة مجرد زوبعة فى فنجان، وأن البراءة آتية لا محالة، وهو ما حدث بالفعل، ولكن بعد أن قضين مائة وسبعين ليلة فى عنبر النساء.

خرجت ميمى شكيب وقد أحنت القضية ظهرها، لم تكن تعلم أن المنتجين سينصرفون عنها، ودخلت فى مصحة لعلاج الاكتئاب، قبل أن تفلس وتطلب معاشا اجتماعيا، لينتهى بها المطاف.. جثة هامدة تلقى من شرفة شقتها.. والفاعل، مجهول. قصة ميمى شكيب، لم تكن إلا عبرة لغيرها، لكن للأسف، لم تعتبر بها أخريات سرن على نفس الدرب.


كيف تصنع فتاة ليل مرموقة؟

فى مجتمعات العالم الثالث، يعد «الفقر»، هو المادة الخام، لصناعة فتاة الليل، التى غالبا ما تدور فى الشوارع والميادين بحثا عن فريسة، أو تعمل لحساب قوادة تقتسم معها رزقها الحرام، وبحسب لغة البيع والشراء، فإن السلعة يزيد سعرها إذا ما كانت تنتمى إلى الوسط الفنى، حتى إن لعبت دورا صغيرا، عبارة عن مشهد واحد فى مسلسل أو فيلم، أو ظهور عابر على خشبة مسرح، وهذا ما أجادته وفكرت به الممثلة الشابة «آ.ح» التى دخلت إلى الوسط الفنى من خلال تعرفها بعدد من المخرجين وطلبت منهم الظهور فى أعمالهم، كونها وبحسب وصفها لهم «مجنونة تمثيل»، وعندما قدمت بالفعل بعض الأدوار، التقطت صورا مع أبطال هذه الأعمال، ظنوا وقتها أنها تلتقط معهم صورا تذكارية، غير أنها كانت تقدم الصور للقواد الذى يسوقها، ويطرحها كسلعة فى عالم الجسد، ما جعل سعر ساعتها يزيد على الألف جنيه، بعد أن كانت تتقاضى مائة جنيه فى الليلة بأكملها، وقد تم القبض عليها مؤخرا فى فندق على النيل بصحبة ثرى عربى، ظن أنه يواقع فنانة، غير أنها فى الحقيقة لا تمت للوسط الفنى بصلة.

واقعة «آ.ح»، لم تكن الأولى أو الأخيرة، فالحكايات كثيرة، وجميعهن يتمسحن فى الوسط الفنى، مثل الممثلة «ح»، التى تتشابه قصتها مع الممثلة الأولى، لكنها لم تدخل بوابة الفن من عالم الليل، بينما دخلته محبة بالفعل، لكن صعوبات الطريق، جعلتها تقدم تنازلات لأشخاص وعدوها بتقديمها لمنتجين كبار ومخرجين يكتشفونها، وعندما وقعت الفريسة فى شباك صيادها، وحصل منها على ما أراد وأكثر، تخلى عنها، وطردها، فوجدت أن طريق الفن أكثر وعورة مما ظنت، ويحتاج إلى مصاريف ضخمة حتى يتثنى لها شراء ملابس غالية تتناسب مع الشكل الذى تريد أن تطرح نفسها به، فقدمت نفسها كفنانة أيضا لبعض الأثرياء العرب، قبل أن يقبض عليها كسلفتها فى فندق خمس نجوم.. والاثنتان الآن نزيلتان وزميلتان فى سجن القناطر.. تتشابه ملابسهما مع حكايتهما مع الفن والبغاء.

يتحدثون عن الانحلال الأخلاقى للنجوم والنجمات ويقعون فى الخطأ ذاته دون أن يلوموا أنفسهم.. يكونون كالخناجر فى ظهور الآخرين بينما على أنفسهم سكاكين باردة لا تجرح.. ولا تذبح

لن نصدر حكما بالإدانة على غادة فقد تبرئها المحكمة وترد إليها سمعتها وشرفها مثلما فعلت فى قضايا مماثلة على رأسها قضية الفنانة الراحلة ميمى شكيب


حكايات الابتزاز الجنسى

النماذج ليست كلها مسيئة، بل بها نماذج مشرفة، نجمات شابات كن يستطعن أن يخطون طريقهن نحو النجومية، لكن ..النجومية تحتاج إلى صبر وجلد، وشخصيات تستطيع أن تتحمل الرذالات، لذا.. هناك من قررن الابتعاد عن الوسط الفنى نهائيا بعد تعرضهن للابتزاز الأخلاقى، وبكون الأدوار التى تسند إليهن لها ثمن عليها أن تقتطعه من جسدها.

من بين هؤلاء النجمة الشابة «ش» التى بدأت حياتها الفنية بنشاط ملحوظ، وشاركت نجوما كبارا أعمالهم، غير أن أحلامها اصطدمت بصخور مخرج عجوز، متزوج من عجوز مثله، طالبها مباشرة بأن تستلم عقدها من الشركة المنتجة وتجىء إلى أحضانه مباشرة.. فهذا هو المقابل الوحيد، الذى يطلبه، وبدوره سيقدمها جيدا وستشارك فى أغلب أعماله.

النجمة «ش» قابلت طلبه برد لم يكن غريبا عليه «أنت راجل وسخ وابن ........»، وذهبت على الفور إلى النقابة التى تتبعها، وحكت لهم حكايتها مع المخرج المتصابى، وعلى الفور خاطبت النقابة جهة الإنتاج، التى كانت قد صرفت للمثلة الشابة «ش» مقدم التعاقد، فعرضت الأمر على المخرج الذى قال: «أنا مش عايزها فى المسلسل دى بتاعة مشاكل»، وعلى ذلك دفعت الشركة المنتجة أجر الفنانة الشابة كاملا حتى لا يتعرض المخرج للفضيحة.. وبدأ المخرج تصوير مسلسله وما إن انتهى منه كانت الفنانة الشابة «ش» قد عقدت العزم للتخلص من حياتها الفنية، والبحث عن مهنة أخرى تعيش فيها بشرفها.

«ش»، لم تكن الوحيدة التى تعرضت للابتزاز الجنسى، بينما هناك فنانة شابة أخرى شاركت فى عدد كبير من الأعمال، يبدأ اسمها بحرف «الدال»، ورغم أنها فى الأصل طبيبة لكنها عشقت الفن ودخلته بعلاقات والدها مع بعض المنتجين والمخرجين، وما إن مات والدها، حتى كسر ظهرها، ولم يعد هناك من يردع هذه النوعية عنها، خاصة أنها ذات شخصية رقيقة، لا تستطيع أن تواجه.. وكونها حرة لا تجيد الغوص فى بحر اللذات المحرمة.

حاولت والدتها أن تلعب الدور الذى كان يلعبه والدها قبل وفاته، ونجحت فى ذلك بنسبة بسيطة ودرأت عنها كثيراً من المضايقات، غير أن القدر لم يكن رحيما بها، ولحقت الوالدة بالوالد وانكسرت النفس بعد الظهر، واختفت عن الأضواء عاماً كاملاً قبل أن تعود.. فى مهنتها الأصلية كطبيبة.

ليس معنى ذلك أن من تكمل الطريق تقدم التنازلات، بينما تكون أكثر قوة وحدة وصلابة عن غيرها، وتستطيع إيقاف المتعدى عند حدوده، والحقيقة أن هذه النوعية من المخرجين قليلون للغاية لدرجة أنهم لا يعدون على أصابع اليد الواحدة، لكن أفعالهم قد تحول مسار فتاة من الطريق الصحيح إلى طريق الرذيلة

إيجار الشقة.. وبيع الجسد

«ع»، ممثلة مغمورة، لكن ابنتها تعمل فى الفن، منذ صغرها، ولم يكن أجرها وأجر ابنتها الزهيدان كافيين لها لأن تعيش حياة كريمة، فقررت أن تسكن فى شقة فوق سطوح عمارتها «على طريقة فؤاد المهندس ورجاء الجداوى فى فيلم البيه البواب»، وتؤجر شقتها الواسعة ليتم تصوير الأعمال الدرامية بإحدى شركات الإنتاج الحكومية.

ولأن خرابات الغلابة لا تخلو من عفاريت الإنس، فإنها وقعت فى براثن مسئول عن الإنتاج بالشركة «م»، عرضت عليه الأمر فوافق على الفور مؤكدا أنها تستاهل كل خير وأنه أيضا يستاهل جزءا من الخير.. عرضت عليه نسبة من الإيجار اليومى، لكنه قال «ايجار الشقة.. مقابل أن تكونى عشيقتى»، بكت ولطمت وولولت فى بيتها ولم تعرف ماذا تفعل، فنصحها المقربون بأن تشكوه لرئيس مجلس الإدارة، فإنه لن يتستر على فساده ولن يرضيه الابتزاز الذى مارسه المسئول الإنتاجى ضدها، وعندما ذهبت إليه طردها لأنها فى ساعة ضيق حكيت روايتها لصحفى، سأل بدوره عن القصة، فطلبوا منها نفيها تماما، وتكذيب الصحفى، حتى تعود للعمل.. وعادت للعمل من جديد.. واستأجرت الشركة شقتها من دون أن تبيع جسدها.. فكل ما باعته.. هو الصحفى الذى وقف إلى جوارها فى محنتها.


ضحايا السلطة

ليس كل من اتهمت فى قضية آداب فى الوسط الفنى مذنبة، وإنما بعضهن وقعن فى براثن السلطة فى النظام السابق، من خلال تلفيق قضية آداب لكل من حنان ترك ووفاء عامر، تبين بعدها أنها كانت فضيحة موجهة لتغطية آثار حادث الأقصر الإرهابى الذى راح ضحيته عدد كبير من السياح الأجانب فى مصر.

لكن الفضيحة التى نسجها ضابط فى جهاز سيادى– وقتذاك– فشلت وظهرت براءة الفنانتين من التهمة شكلا وموضوعا، ولم تغط الفضيحة على الحادث الأساسى الذى عجل برحيل وزير الداخلية حسن الألفى.. ليحل محله حبيب العادلى.

وهناك قضية أخرى أقل أهمية عرفت باسم قضية «الكومبارس» التى اتهمت فيها الفنانة عايدة رياض وكانت متزوجة– وقتذاك– من الفنان محرم فؤاد، وحصلت على البراءة، لكن وقع الطلاق بينها وبين الفنان الراحل بعدها بعام واحد.