د. رشا سمير تكتب: احرق إبداعك وودع أخلاقك!
فى مجتمع أصبح يُعانى من انفصام عقائدى يدفعه دائما للدفاع عن قيم مُزيفة لا تُفصح عن حقيقة عقيدته خشية النقد وتجنبا لوصفه بالرجعية..
فى زمان أصبح التحفظ فيه تٌهمة والألفاظ السوقية واقعية والابتذال تحول إلى حُرية رأى.. وفى وطن سقطت نُخبته فى فخ الكيل بألف مكيال ورسب مثقفوه فى امتحان التقييم الصادق.. أصبحت الكلمة خنجرا فى يد كل من هب ودب..الكل مبدعون دون قيد ولا شرط.. بالأمس قام المثقفون رافضين الحُكم الصادر ضد صحفى مغمور قرر أن يكتب رواية يدوس فيها على المجتمع بألفاظ لا يتناولها سوى البلطجية فى الأزقة والحارات.. الحقيقة أننى لست ضد أن يعبر شخص عن ابتذاله النفسى بكلمات ساقطة، ولا ضد دار نشر قررت أن تستثمر هذا الهُراء من أجل تحقيق مكاسب مادية..إلى هُنا فأنا لا أختلف معهم..فأنت حُر مالم تضر والقراءة مسئولية القارئ.
ولكن أن تقوم جريدة أخبار الأدب التى تصدر عن أكبر مؤسسة صحفية فى مصر ولها شرعية دخول كل بيت مصرى، باختيار فصل بعينه خادش للحياء العام والخاص معا كنوع من الدعاية الرخيصة..فهذه هى السقطة الحقيقية.. والسقطة الأكبر أن يقوم مجموعة من الأدباء والمثقفين وعلى رأسهم وزير الثقافة واتحاد الناشرين بالدفاع عن الكاتب والرواية لمجرد التواجد فى الصورة بحكم مناصبهم دون النظر فى محتوى الكلمات الفجة الصادمة المتردية،فهذه كارثة أخرى.
إنهم يدافعون عن الحريات وينعتون كل من يستنكر الرواية بأنه رجعى ومتخلف!.. أى حرية تلك التى تسمح لهم بالاعتراض ولا تسمح لغيرهم بممارسة نفس الحق؟!.
حين نُشرت رواية (50 shades of Grey) وصفها المتحفظون فى أمريكا وأوروبا بأنها عمل مبتذل وعلى الرغم من تجاوز عدد النسخ التى بيعت منها المائة وخمسين مليون نسخة! إلا أن النقاد ناشدوا المجتمع بنبذها واعتبروها عملاً جنسيًا مبتذلاً بلا أى قيمة أدبية، ودشنوا حملة ضد الفيلم بعنوان (#50 Dollars 50 Shades)، وهى حملة للتبرع بثمن تذكرة السينما لحملات نبذ العنف ضد الأطفال والإناث، معتبرين محتوى الرواية ليس إلا دعوة للعنف ضد المرأة وامتهانًا لكرامتها..
وبالفعل نجحت الحملة وسقط الفيلم فى مجتمع متحضر حُر..لدرجة أن والدة بطلة الفيلم الممثلة المشهورة ميلانى جريفيث رفضت أن تُشاهد الفيلم وترى ابنتها عارية فى دور مبتذل!.
تضامنا مع أحمد ناجى دشن المثقفون والشباب حملة بعنوان #احرق إبداعك.. وأنا هنا أتحدى أن يكون كل المتضامنين مع الحملة قد قرأوا الرواية..وأتحدى أيًا منهم أن يسمح لابنه أو ابنته بقراءة الرواية!.
كيف يهون على المبدع الحقيقى أن يحرق أوراق كتبها بدمه من أجل إبداع زائف..إنها رسالة سلبية نرسلها لأجيال اختلطت لديهم مفاهيم الحرية الحقيقية..إنها رسالة لا تقل فى قسوتها عن حرق المجمع العلمى ومكتبة الإسكندرية، حين أكلت نيران الجهل الإبداع الحقيقي!.
يا سادة إننا فى مجتمع عربى تلزمه أخلاقه وعقائده بالدفاع عن الإبداع الحقيقى والتصدى لكل ماهو رخيص..
من المؤكد أن الأدب قادر على تغيير المجتمع للأفضل والعكس ليس صحيحًا..
إن غزوات من يبحثون لأنفسهم عن مكان تحت الأضواء ليست بطولة حقيقية، فالفرسان لا يقتحمون المعارك على أحصنة خشبية..إنه واجب على كل صاحب قلم وفكر أن يدفع بكلماته المجتمع للأمام.
دعونا بالمثل نُدشن حملة للتضامن مع سلمى الفولى مطربة أغنية (سيب إيدى) التى سُجنت لمجرد أنها تطرقت إلى إيحاءات ولم تذكر أعضاء بعينها مثل البطل أحمد ناجى!..ودعونا بالمثل نتضامن مع غادة إبراهيم المتهمة فى قضية دعارة لأنها فى الحقيقة حٌرية شخصية، فأنت حُر مالم تضر وهى لم تُجبر أحدًا على ممارسة الرذيلة، إنه مجرد تُسهيل للدعارة فى شقة مُغلقة، بمن إذن أضرت؟!..ولماذا يرفض الآباء والأمهات أوبريت (كان فى ولد اسمه زيزو) لخالد وشادى على الرغم من أنهما لم يتلفظا لفظا واحدا خارجا، إنه إسقاط عبقرى كُتب على يد مُبدع لا يقل موهبة من أحمد ناجى!.. إن الضرر الذى أوقعه هؤلاء هو ضرر مجتمعى قد لا يستوجب الحبس ولكن بالقطع يستوجب التجاهل والحرب.. يا سادة..قبل أن تتضامنوا اسألوا أنفسكم..إلى أين تأخذون المجتمع؟.