د. نصار عبدالله يكتب: ناجى وطاهر والدستور

مقالات الرأي




من أعظم المكاسب التى تحققت فى دستور 2014 للأدباء والفنانين والمفكرين، وللمبدعين عموما هو ما نصت عليه المادة 67 من الدستور الذى ما زال لحسن الحظ معمولا به إلى الآن والذى نتمنى من الله أن يظل فى مجمله أو على الأقل أن تظل تلك المادة بالذات معمولا بها إلى أبد الأبدين، فلا تعيدنا إلى ما كان قبلها ردة من ردات الظلام التى تطل برأسها على كل بقعة من بقاع هذه المنطقة سيئة الحظ بين بقاع العالم، ونظرا لأهمية المادة سالفة الذكر فإننا نورد نصها كاملا فيما يأتى: «حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير الوسائل اللازمة لتشجيع ذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبات سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها»..والمكسب الذى تحقق للمبدعين من هذه المادة لا يتمثل فيما جاء فى فقرتها الأولى التى لم تضف شيئا يذكر إلى ما كان فى سائر الدساتير السابقة من كفالة لحرية الإبداع الفنى والأدبى، لكنه يتمثل فيما نصت عليه فقرتها الأخيرة من أنه «لا توقع عقوبات سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى»، فبمقتضى ذلك النص يمتنع لأول مرة فى تاريخنا الحديث كله توقيع عقوبة سالبة للحرية فيما يعرف بجرائم النشر اللهم إلا إذا كانت الجريمة المرتكبة متعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، حينئذ، وحينئذ فقط توقع العقوبة التى يقررها القانون سواء كانت سالبة للحرية أو حتى سالبة للحياة! لهذا السبب فقد اندهش الكثيرون من الحكم الذى أصدرته محكمة جنح مستأنف بولاق أبو العلا الذى قضى بحبس الروائى أحمد ناجى عامين وتغريم الأستاذ طارق الطاهر رئيس تحرير أخبار الأدب عشرة آلاف جنيه نتيجة لقيام أخبار الأدب بنشر الفصل الخامس من رواية: « استخدام الحياة» الذى رأت المحكمة أنه ينطوى على ألفاظ ومشاهد خادشة للحياء العام، وتساءل الكثيرون من المتابعين كيف يمكن أن يصدر حكم بالحبس رغم ما استحدثته المادة 67 من إلغاء للعقوبات السالبة الحرية؟ وربما كان الجواب على مثل ذلك التساؤل راجعا إلى أن هناك رأيين فقهيين فى النظر إلى طبيعة المخاطبين بأحكام الدستور حيث تذهب وجهة النظر الأولى إلى أن المخاطبين هم أساسا السلطة التشريعية التى يتعين أن تجىء تشريعاتها متفقة مع ما ينص عليه الدستور، وإلا قضى بعدم دستوريتها، وليس المخاطب به هو القضاء الذى يتعين عليه فى رأى أصحاب هذه الوجهة من النظر أن يطبق القوانين السارية إلى أن يدفع أى خصم فى دعوى معينة بعدم دستوريتها وحينئذ تؤجل المحكمة النظر فى الدعوى المطروحة، وتمنح الخصم الذى أثار الدفع مهلة غايتها ثلاثة أشهر لكى يقوم خلالها برفع دعوى أمام المحكمة الدستورية فإذا انقضت المهلة ولم يرفع الدعوى اعتبر الدفع كأن لم يكن واستمرت المحكمة فى نظر الدعوى وقامت بتطبيق القوانين السارية ما لم يتراءى لها أن هناك نصا فى قانون أو لائحة لازما للفصل فى الدعوى يتسم بأنه غير دستورى، وعندئذ تحيل الدعوى من تلقاء نفسها إلى المحكمة الدستورية بغير رسوم، فإذا صدر حكم بعدم دستوريته ترتب على ذلك عدم جواز تطبيقه، أما الرأى الفقهى الثانى الذى يميل إلى الأخذ به كاتب هذه السطور فهو يذهب إلى أن أحكام الدستور لا تخاطب السلطة التشريعية وحدها لكنها تخاطب كل من يتعلق بهم خطابها من الأفراد والسلطات فى الدولة، لا فرق فى ذلك بين سلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية، ومن ثم فهى ملزمة للكافة وواجبة التطبيق بذاتها طالما كان تطبيقها بذاتها ممكنا.