د. رشا سمير تكتب: وزارة «أن تكونًا مواطنًا مصرياً»
لو استطاعت الدول التخلص من كل مشاكلها..ولو استطاعت الحكومات أن تتغلب على كل أزمات مواطنيها..ولو استطاع المواطن أن يتحدى كل الصعوبات التى تواجهه فيستقبلها بابتسامة..لأصبح من الممكن بعد هذا وذاك أن نبحث لأنفسنا كدولة عن الرفاهيات التى قد تكون سببا فى إسعاد كل من أشقاهم الدهر وأوهنتهم الثورة.. وذلك أسوة بما حدث فى دولة الإمارات الشقيقة بإنشاء وزارة للسعادة وأخرى للتسامح.. لكن وبكل أسف ولأن الدولة المصرية لا تمتلك الإمكانيات المادية لتستحدث وزارة السعادة، كما لا يمتلك مواطنوها سعة الصدر لاستحداث وزارة للتسامح لأنها بالتأكيد الفضيلة الغائبة.. لكن ماذا لو قررنا أن ننظر للموضوع بشكل أكثر إيجابية بدلا من إطلاق النكات، وتحويل الأمر لمجرد مزحة فى برنامج أبو حفيظة.
وما المانع فى أن تكون هناك وزارة للسعادة فى مصر..ولكن بمنظور آخر.. ولماذا لا يبحث رئيس تلك الوزارة عن مفهوم أبسط لإسعاد المواطنين.. إن أسباب سعادة فئة كبيرة من المصريين فى أشياء قد تبدو سهلة التحقيق إلى حد كبير، وأقرب إلى التنفيذ من كل المشروعات الكبرى التى تحتاج عشرات السنين كى تتحقق.. هناك فئة تتمنى لو كان لهم سقف صلب ينامون تحته لأنهم يسكنون العشش..وهذا شاب يتمنى لو امتلك المال الضئيل ليستطيع منح والدته ثمن جلسة غسيل الكُلى..وهناك سيدة بسيطة تتمنى لو كان لها دخل يسمح لها بتعليم أولادها حتى لا يقعوا فى فخ الجهل مثلها..وهناك شباب مجتهدون لديهم اختراعات مهمة ولا يجدون من يبيع لهم تلك الاختراعات التى أحيانا ما تكون مفيدة جدا للدولة..وهناك فتاة بسيطة تبحث عن عمل لتعول أخواتها وتضطر إلى بيع نفسها حين تُوصد جميع الأبواب فى وجهها..وهناك مواطن كل أحلامه لو امتلك كُشكًا ليعول أسرته.. خُلاصة القول.. من يسمع هؤلاء؟ ولماذا لا تكون هناك وزارة لتوصيل أصواتهم.. تماما مثل البرامج الرمضانية التى كانت تمنح البسطاء جنيهات الدهب.. لن أنسى طالما حييت «أم إبراهيم» تلك السيدة العجوز الضريرة التى تعيش فى عشة فى إحدى المناطق العشوائية وذهب إليها أحد الإعلاميين فقابلته وعلى وجهها ابتسامة، وطلب منها أن تتمنى عليه أى شىء..فكان طلبها الوحيد هو مروحة كهربائية!.. وبعد أسبوع عاد إليها الإعلامى وفى يده المروحة ليجدها قد توفيت.. نعم، توفاها الله وهى راضية ممتنة لأنها لم تجد غيره ليحنو عليها.. إن تقاعس كل الوزارات جعل السعادة هى أبسط مطالب المواطن الغلبان الذى أعيته الحيل، وأرهقته الأزمات.. فلو استطاعت الدولة أن تستحدث وزارة لتحقيق أحلام المواطنين البسطاء وفى المقابل تُصبح مسئولية هؤلاء أن يردوا الجميل للدولة بخدمة المجتمع.
كيف؟ بمُحاكاة بشكل أو بآخر ما يُسميه المجتمع الأمريكى (الخدمة المجتمعية)..
وهى باختصار دفع المواطنين للاعتذار وتحمل أخطائهم بتقديم خدمات للمجتمع..فالمواطن الأمريكى الذى يقوم بكسر إشارة المرور أو قتل كلب بسيارته أو استعمال موقف السيارات الخاص بالمُعاقين أو القيادة بدون رخصة أو تحت تأثير الكحول.. يكون عقابه بأمر من القاضى أن يقوم بخدمة المجتمع فى أى شكل من أشكاله ولعدد ساعات تحددها المحكمة..مثلا بجمع القمامة، أو دهان الحوائط المخربة.. وتصليح الأرصفة وتعليم الأطفال فى دور الأيتام..وتنظيم المرور فى الشوارع..
ماذا لو؟.. ماذا لو استطعنا بالمثل أن نطبق تلك التجربة على المجتمع المصرى الذى يحتاج إلى كل يد لتبنى؟.
ماذا لو استطعنا أن نمنح الحُلم ونبنى مجتمعنا ونزرع فى وجدان شبابنا الهوية والانتماء.
فالشباب الذى قام بعد الثورة بطلى الجدران وتنظيف الشوارع، شعروا فى خضم الحُلم بأن هذا الوطن أصبح ملكا لهم..والمواطن الذى قرر بعد تنحى مبارك أن يحترم إشارة المرور، هو مواطن تحمل المسئولية لشعوره بالانتماء.
ما أسهل أن تُطبق لائحة عقوبات مماثلة فى مصر..وما أسهل أن تتم الاستفادة من أطفال الشوارع فى أعمال بسيطة لخدمة مجتمع يشعر أفراده بمعنى كلمة الوطن..
إن تحقيق الحُلم لأى مواطن مُرتبط ارتباطا لصيقا بخلق هوية له.. دعونا نستحدث وزارة يكون مُفادها أن تحتويك مصر فى مقابل أن تدفعها للأمام.. دعونا نستحدث وزارة يكون عنوانها...أن تكون مواطنًا مصريًا.