بالفيديو والصور.. "أبراج الهواتف المحمول".. طاعون يفتك بصحة أبناء الأقصر
بخطى ثابتة، وقلب مرتجف، وعقل متذبذب، تحسبا للمجهول الذي سوف أقابله بسبب ما رواه الاهالى من الفزع والرعب من المعاناة التي يعانيها أهالي المنطقة، وسط بؤرة من الأمراض المزمنة، بسبب شجع أحد الأهالي (النازحين)، إلى المنطقة رغبة في الثراء السريع حتى وصلت إلى نقطة البداية.
3 كيلومترات تبعدها منطقة العوامية عن مدينة الأقصر، شرقا، والتي يقطن بها قرابة 5 الآف مواطن، يحوطها بجميع الجوانب (قلاع) تبث الأمراض، منها السرطان والصرع وغيرها من الأمراض، التي توغلت في أجساد الصغار والكبار.
طرقت الباب عدة مرات ليستقبلني طفلا في العقد الثاني من عمره، يبدو علية ملامح المرض، هزيل، خامل لا يبدو في حيوية من هم في عمره، ليجيب بلعثمة "أتفضل يا أستاذ"، لأنطلق في رحلة البحث عن المجهول، ولإمساك أول خيوط الحقيقة الكامنة وراء حاصد أرواح زهرة شباب وأطفال المنطقة.
أشار إلي بتمتمة، "الحمد لله على كل حال، كنت فين وبقيت فين"، لتتجاذب والدته أطراف الحديث، لتروى قصة معاناة غاشتها الأسرة كبيراً وصغيراً، محاولة منهم لتجاذب روحه بعد أن كاد المرض أن يفتك بها.
بداية الرحلة مع المرض
بينما كنت العب مع أصدقائي خلال اليوم الدراسي، سقطت على الأرض وفقدت وعى، دون سابق إنذار، لتبدأ قصتي مع "الكيماوي"، ورحلة مطاردة أمل العودة إلى الحياة، لتدفع أسرتي كل غال ونفيس، لمدة عامين كاملين، قطعت الطريق من الأقصر إلى القاهرة، أعد الخطى وأحسب الأمتار والتي شهدت استعادة صحتي وعافيتي تقريبا، بعد أن فتكت اللوكيميا وأنهكت جسدي، على خضوعي طوال العامين لجلسات متكررة للعلاج الكيماوي، مشيرا إلى أنه ليست الحالة الوحيدة بالمنطقة، بل هناك العديد منهم، مصابين بذات المرض وأمراض أخرى، بسبب وباء زرعه أحد الأشخاص وسط المنطقة دون الاهتمام بأي حياه أو طفولة بريئة.
حاصد البراءة
أنهيت سريعا حواري معه بعد أن رفض ذكر أسمه، ليشير إلى شيء ملاصق لمنزلة، بل يحتضنه، يشرأب وسط منازل المنطقة، بطوله الفارع، وقوائمه الحديدية، وكابلات سميكة، لتبث موجات كهرومغناطيسية، لأشاهد بجواره طفلة صغيرة مدت يدها لتصافحني، بابتسامه بريئة تعلو شفتيها، تخطف أنظار الحاضرين بشقاوتها، محاوله جذب انتباهي بتمتمة غير مفهومة لصغر سنها.
شيماء حمدي بغدادي، هذا الاسم الذي علمته من والدها الذي يعمل بمرفق الإسعاف، طفلة لم تكمل عامها الثاني بعد، صاحبت إصابتها بانسداد في المريء مع وجود ناور بين المريء والقصبة الهوائية منذ ولادتها، والذي بينه الأطباء، أن سبب الإصابة، نتيجة تعرض والدتها إثناء فترة الحمل، لجرعة مكثفة من الموجات الكهرومغناطيسية الزائدة.
الموت علينا حق ولا عزاء للفقراء
"هو عشان ملناش ضهر يبقى يدوسوا علينا، وحياتنا ملهاش تمن"، هكذا أستهل حمدي بغدادي، والد الطفلة حديثه حول كفاحه من أجل أنفاذ حياة أبنته من بين فكي الموت، ليقول في اليوم الرابع من ولادتها، خضعت إبنتى لعملية جراحية، أثر اكتشاف إصابتها بانسداد بالمريء مع وجود ناور بين المريء والقصبة الهوائية، حسب التقارير التي أوضحها الطبيب المعالج.
وتابع أن الطبيب طالب منى، العديد من الفحوصات والتحاليل الطبية للوقوف على مرض إبنتى، مستفسرا في البداية ما إن كانت زوجتي تمت لي بصلة قرابة أم لا، حتى يكون سبب المرض الجينات الراثية التي تنشط من زواج الأقارب، لأُجيب بالنفي، مشيرا إلى أن سبب الإصابة جرعة زائدة من الموجات الكهرومغناطيسية.
وأضاف تجاذبت منه أطراف الحديث لأؤكد أن السبب هو مجاورتي لمحطة تغذية تابعة لأحدى شركات المحمول لتقوية الإرسال، والتي يتبعها أحدى عشر برج بالمنطقة، ليؤكد بذلك صحة الإصابة بالمرض، والذي أصاب ابنته في مهدها.
وأشار إلى أنه طالب الطبيب المعالج بإعطائه تقرير طبياً رسمياً يثبت سبب الإصابة، ليمتنع عن ذلك، خوفا من الدخول في "سين وجيم".
عايز حق بنتى
اتجهت إلى المسئولين لتقديم شكوى رسمية، من أجل أغلاف تلك المحطة، وإزالتها من المنطقة، وطرقت العديد من الأبواب، المحافظ والسكرتير العام، أستجديها في بحث مطلبي، حتى وافق المحافظ محمد بدر، وأصدر قراره على الفور بإزالة المحطة بتاريخ "16أبريل من العام الماضي، بعد تقديم الأدلة والمستندات التي تفيد عدم قانونية الإنشاء، لتتوقف عن العمل لبضعة أشهر، لتعود إلى العمل مرة أخرى نوفمبر الماضي، ضاربة بقرار المحافظ عرض الحائط، لأتقدم بشكوى أخرى، ليصدر قراره الثاني بإزالتها نهائياً نهاية العام الماضي، وسط تقاعس الجهات المنفذة.
شيماء والطبيب وغرفة العمليات
خمسة عشر مرة غاصت أدوات الجراحة جسد إبنتى الصغير، بينما أشعر في كل مرة من المرات أن الطبيب يفتح قلبي دون تخدير، في ظل ذلك الجسد الذي لم تصبه شائبة من شوائب الحياة، هكذا روت والدة شيماء، مشاعرها أثناء ذهابها في كل مرة إلى الطبيب لتخضع لعملية جراحية، لتوسعة المريء كل 21 يوماً.
وتابعت "تعبت وقرفت ومحدش سامع صوتنا ولا عايز يحلوا مشكلتنا، إحنا بشر وجوزي حاله على قده"، مشيرة إلى تكبدهم العديد من الأموال لتخضع أبنتهم للعلاج، لتعيش بصورة طبيعية كمثيلاتها من الاطفال.
الفتك بصحة الإنسان
وفيما يتعلق بالأضرار الصحية الناتجة عن تواجد أبراج الهواتف المحمول داخل المناطق السكنية، أكدت الدكتورة ناهد محمد، وكيل وزارة الصحة بالأقصر، عدم وجود آية أبحاث أو أدلة طبية تؤكد أن تلك الأبراج عامل رئيسي في الإصابة بأية أمراض.
فيما أشار مصدر طبي، رفض ذكر اسمه، إلى انتشار بعض الإمراض مثل السرطان والصرع والأمراض المزمنة، بالمناطق السكنية المتواجد بها تلك الأبراج الخاصة بشركات الهواتف المحمول، مؤكدا كونها السبب الرئيسي لانتشار تلك الإمراض، لما ينبعث منها من موجات كهرومغناطيسية تؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان المعرض لها.
أكد محمود الهوارى، محامى المتضرر، على عدم وجود قانون بالدستور المصري يٌجرم إقامة أبراج الهواتف المحمولة داخل المناطق السكنية، موضحا أنه بتاريخ 13 أغسطس لعام 2000 أصدر بروتوكول الاشتراطات الخاصة بتركيب محطات الهاتف المحمول الأساسية"ماكروسيل"، بالتعاون بين الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات والمعهد القومي للاتصالات ووزارة الصحة والسكان ووزارة الدولة لشئون البيئة.
وأضاف: "تقدمنا بشكوى رسمية إلى النيابة العامة، باسم والد الطفلة شيماء، مطالبا بإزالة محطة التغذية التابعة لأحدى شركات المحمول الملاصقة لمنزله، ولاستراحة محافظ الأقصر، لتضرر أسرته صحياً من الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة منها، فضلا عن عدم استيفائها كافة الأوراق الرسمية، وتشغيلها دون الحصول على التراخيص اللأزمه من الجهات المعنية".
منظمات حقوقية تطالب بتعويضات وإزالة الأبراج
فيما طالب بركات الضمراني، مدير مركز حماية لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان، المسؤولين بضرورة العمل على اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الاحترازية اللازمة، من اجل العمل على إزالة تلك الأبراج التي تهدد حياة المئات، مشيرًا إلى أنه يجب تعويض هؤلاء عن الأضرار الصحية التي نتجت لهم بسبب تلك الأبراج، موضحًا أن كافة المواثيق الدولية ترم تركيب الأبراج بداخل التجمعات السكنية والمأهولة.