عادل حمودة يكتب: 5 كُتّاب فى مواجهة رئيس الحكومة

مقالات الرأي



لا يجب تهديد الأمن القومى بحذاء أمين شرطة

■ الحكومة نسيت حقوق الإنسان فى بيانها القادم أمام البرلمان 

■ الشباب لن يدعموا النظام إلا بعد إلغاء الاستثناءات

عادة.. ما يوضع للمسئول الكبير مقعد مميز.. أكبر من باقى مقاعد مائدة الاجتماعات.. لكن.. قبل أن يبدأ المهندس شريف إسماعيل لقاءه بنا أزاح مقعده المميز.. واختار مقعدًا مشابهًا لمقاعدنا.

كان عددنا محدودًا على غير العادة.. خمسة كتاب بعضهم رؤساء تحرير.. مكرم محمد أحمد ووحيد حامد وياسر رزق ومحمد عبدالهادى ومحمد السيد صالح وأنا.. أما السبب فهو مناقشة مفتوحة مع رئيس الحكومة.. ربما تفيد.. أو تسد نقصًا فى برنامج حكومته الذى سيعرضه على مجلس النواب (27 أو 28 فبراير) للتصويت على استمرارها.. أو سحب الثقة منها.. وسقوطها.

وأغلب الظن أن التعديل الوزارى ليس مستبعداً بعد أن رشح للخروج مجموعة وزراء.

وعندما قلت: «إن وزير الصحة (الدكتور أحمد عماد الدين) فى ملفه كثير من الملاحظات غير اللائقة».

قال: «لو فتشنا فى تاريخ كل شخص سنجد ملاحظات مشابهة».

فى الوقت نفسه نجد حربًا خفية بين وزراء بعضهم البعض.. ربما بسبب الغيرة.. ربما خوفًا من الإقالة بعد التمتع بهيلمان السلطة.. ربما.. بسبب العدوى التى استشرت فى المجتمع كله.. وجعلت لا أحد يطيق الآخر.. فى ظاهرة مثيرة للقلق تحتاج إلى إعادة نظر.. خاصة أن المشتتين اليوم هم الذين حققوا بتوحدهم معجزة التخلص من الإخوان فى 30 يونيو.. فما الذى جرى لنا ؟.. لماذا فقدنا تماسكنا قبل أن نطمئن على سلامة الدولة من التفكك والانهيار؟.

وقد أراد شريف إسماعيل أن يسمع أكثر مما يتكلم.. لكن.. غريزتى الصحفية حرضته على أن يقول ما عنده قبل أن يتلقى ما عندنا.. ففتح نسخة أولية من برنامج حكومته الممتد من يناير 2016 إلى يوليو 2018.. وإن اكتفى بخطوطه العريضة.. تاركا التفاصيل ليضعها أمام البرلمان.

كانت رسائله الرئيسية والأساسية واضحة:

«نحن جادون فى الإصلاح وإن كانت هناك قرارات تأخرت الحكومة فيما سبق فى اتخاذها فأصبحنا فى موقف محرج علينا تجاوزه فلم نعد نملك ترف الانتظار».

«المشاكل والتحديات صعبة وتحتاج لحلها ومواجهتها إلى مجهود شاق وقرارات بعضها صعب وبعضها مؤلم».

«رضا المواطن بؤرة اهتمامنا ولن نتخذ إجراءً دون مواكبة الحماية الاجتماعية وإجراءات اقتصادية تساند محدودى الدخل».

«لا تهاون مع الفساد.. خصوصا الفساد بمفهومه الشامل.. مثل محاسبة المسئولين عن توقف المشروعات سنوات طويلة.. ما السبب؟.. نقص التمويل؟.. التقصير؟.. أم تضارب أجهزة الدولة المختلفة».

«سنشارك القطاع الخاص فى كل برامج التنمية».

«لا مفر من تطوير الجهاز الإدارى والتخفيف من حكم البيروقراطية».

أما التحديات فلا حدود لها:

معدلات سكانية مرتفعة.. معدلات نمو منخفضة.. تضخم.. بطالة.. عجز فى الموازنة.. تدهور الخدمات.. مثلًا.

والحقيقة.. أن الاقتصاد المصرى يعانى من سوء الحظ.. ضرب السياحة.. انخفاض أسعار النفط بما يهدد معونات الدول الخليجية.. وبما يقلل من إيرادات القناة.. وتراجع الصادرات.. وغياب التنسيق بين وزراء المجموعة الاقتصادية.

هنا قال شريف إسماعيل: إن المجلس التنسيقى للسياسات الاقتصادية لم يجتمع منذ عشر سنوات إلا مؤخرا.

لكنه.. عاد ليحدد سبعة محاور فى برنامج حكومته:

الحفاظ على الأمن القومى.. البنية الديمقراطية.. الرؤية الاقتصادية.. العدالة الاجتماعية.. البنية الأساسية.. الإصلاح الإدارى.. ودور مصر العربى والإقليمى.

شعر ياسر رزق بأن ما يسمع خطوط عريضة.. ثمارها بعيدة بحكم الزمن عن جيب ومعدة المواطن البسيط الذى لم يعد يطيق الانتظار.

وضرب مثلاً بالإصلاح الزراعى وتوزيع الأراضى على صغار الفلاحين فى 9 سبتمبر بعد أقل من شهرين على قيام ثورة يوليو 1952 ما أكسب جمال عبدالناصر شعبية فورية راح ينميها فيما بعد.

واقترح على سبيل المثال تقديم قروض حسنة بفترات سماح مناسبة للفقراء.

هنا.. أشار رئيس الحكومة إلى وجود برنامج متكامل للصناعات الصغيرة والمتوسطة.. ستدعم بقروض بسيطة الفائدة.

وإن أضاف: «نحن غير قادرين على تقديم الخدمات بصورة مناسبة.. الموازنة متآكلة.. والأجور متزايدة.. وفوائد الدين العام وحدها 200 مليار جنيه سنويا.. سعر الخدمة الجيدة يجب أن يغطى تكلفتها وصيانتها وتطويرها».

واستطرد: «المواطن مستعد أنه يدفع فى الخدمة الموازية أضعاف ما يدفع فى الخدمة الحكومية.. دون أن يشكو».

والمقصود: فى الوقت الذى يقبل مواطن بدفع عشرة آلاف جنيه لطفل فى حضانة لا يقبل زيادة جنيه واحد على مصروفات الجامعات الحكومية.

تكلمت عن الفضيلة الغائبة فى برنامج الحكومة.. حقوق الإنسان.. معاملة الشرطة للمواطنين بما يحرض على الإضرابات.. ويهدد سلامة البلاد.. إنهم يضحون بحياتهم فى سبيل أمن الوطن.. ونحن نحمد لهم ذلك.. لكن.. جميلهم يبدد بتصرفات حمقاء من رتب صغيرة.. ربما تراكمت فى صدرها رغبة فى الانتقام مما جرى للشرطة فى ثورة يناير.. ربما نسيت أن تلك التصرفات كانت السبب فى اشتعال الثورة لها.

«لقد قتل ثلاثة مواطنين فى أسبوع واحد بيد ضباط صغار وكان ما كان فى مستشفى المطرية.. وسبق أن اعتذر الرئيس للمحامين بعد ما فعلت الشرطة بواحد منهم فى فرسكور.. مثلا».

توقف رئيس الحكومة عند حادث مستشفى المطرية شارحًا:

«بدأ الحادث باحتكاك بين أطباء وأمناء شرطة انتهى بمحاضر فى قسم الشرطة تنازل عنها الأطباء فيما بعد.. لكن.. الشرطة استمرت فى تحقيقاتها الداخلية وانتهت إلى تقرير رفعته إلى النائب العام الذى أفرج عن أمناء الشرطة المتهمين بضمان وظائفهم.

قبل اجتماع الجمعية العامة الطارئة لنقابة الأطباء طلب وزير الصحة اجتماعا هنا فى مجلس الوزراء بحضور وزير الداخلية وممثلين للأطباء.. لكن.. ممثلى الأطباء لم يحضروا.. ولم نتوقف عن محاولات التواصل معهم.. وإن كنا لم نقبل بغلق مستشفى المطرية الذى يخدم أكثر من ألف مريض فى الساعة».

قلت: كان يجب كشف الحقيقة للرأى العام قبل دعوة الأطباء لجمعيتهم العمومية.. لكن.. لا أحد يتحرك عادة إلا بعد أن تشتعل النيران.. ولحظتها لا يتدخل أحد لإطفائها.. وإنما ليزيد من اشتعالها.. خاصة أن مصر فقدت الشخصيات المؤثرة التى تسعى للتفاوض لحل المتاعب والأزمات سلميًا قبل أن تقع الفأس فى الرأس.

بدا واضحا.. أن كرامة المواطن قضية ملحة فرضت نفسها على الحوار.. فتحدث محمد السيد صالح عن ضرورة إعلان أسماء المعتقلين وكشف حقيقة الاختفاء القسرى.

وواصل مكرم محمد أحمد مضيفا: «الحكومة لا تملك فائضًا ماليًا للخدمات وبرنامجها صعب ويحتاج وقتًا طويلاً حتى يشعر به الناس لكنها تملك أن تطمئنهم بالتزامها بحقوق الإنسان.. عليها أن تصدر إعلانًا مسبقًا تتعهد فيه بصيانة كرامة البشر.. وربما شيدت نصبًا تذكاريا يدعم ذلك.

«الشعب تغير.. يجب أن تدرك الحكومة ذلك.. لن تضمن استمرارك لو لم تواجه تجاوزات الداخلية.. لا يمكن أن يعلق مصير وطن بأكمله فى حذاء ضابط شرطة.

وكان رأيى: إن هناك طابورًا خامسًا من الإخوان والكارهين للنظام يسارعون باستغلال مثل هذه المواقف.. لكن.. الحقيقة.. نحن الذين نعطيهم الفرصة للاصطياد فى المياه العكرة.. وتحويل الأزمة العابرة إلى كارثة مزمنة.

واستطرد مكرم محمد أحمد: «ولابد من حل أزمة الحكم مع الشباب.. اخرجوا المسجونين منهم لأنهم هيخرجوا هيخرجوا.. الشعب اختلف.. والمجموعات الحاكمة للأمن العام وفى مقدمتها الشباب يجب إطفاء حرائقها كى لا يستفيد من احتقانها نصف مليون إخوانى.. طابور خامس.. يعرف كيف ينفخ فى الشرر».

«لتكن هناك يافطة فى كل قسم بوليس بحقوق الإنسان.. وكسب الشباب يبدأ بتكافؤ الفرص فى جميع مؤسسات الدولة.. فى القضاء والنيابة والخارجية والشرطة وغيرها.. لا محسوبية.. ولا طبقية».

«ولا نريد أن نغرق الناس فى بحار كبيرة من التوقعات دون أن يحصلوا على أشياء صغيرة مباشرة يشعرون بها».

وتدخل رئيس الحكومة: «لن نعد الناس بآمال لن تتحقق.. ليست هذه طبيعتى أو طبيعة حكومتى.. ليس لدينا وقت نضيعه.. ونريد تحقيق نتائج سريعة.. ونعرف جيدًا أن علينا إعطاء الأمل للناس ولكن على أسس حقيقية.. نريد أن نشعرهم بأن هناك أشياء يمكن أن تتحقق».

«نحاول الحفاظ على الأسعار ونزيد من منافذ بيع السلع الرخيصة ويساعدنا فى ذلك القطاع الخاص».

«ولو كانت السياحة فى أزمة فإننا نشترى أجهزة أمنية متطورة للمطارات وسمحنا لخبراء الأمن فى العالم بزيارة منافذنا الخارجية واستجبنا لكل ملاحظاتهم».

لكن.. وحيد حامد فجر فضائح المطارات.. مؤكدا أن «السياحة تبدأ منها.. فوضى القادمين والمغادرين.. تجاوز الموظفين قواعد التدخين.. تسول عمال النظافة.. وغيرها من الملاحظات المحرجة».

وطالب وحيد حامد بتجنيد من لم يصبهم الدور فى مشروعات التنمية.. وعلق شريف إسماعيل قائلا: «تصدق زوجتى تحدثت معى فى هذا الشأن صباحا».

أتاح العدد الصغير من الكُتاب فرصة أكبر ليقولوا ما عندهم.. وحرص رئيس الحكومة على تسجيل الملاحظات.. واحدة بعد الأخرى.

وعندما سألته: لماذا لا تتكلم للإعلام؟

أجاب: عندما يكون عندى ما أقول فالسكوت أحيانا من ذهب.

وكان تعليقى: لو كان السكوت من ذهب فلماذا خلق الله الكلام؟