أحمد فايق يكتب: موكب الرئيس.. ديكتاتورية أم هيبة دولة؟

مقالات الرأي


■ السيسى استخدم الموكب كاملا مرتين الأولى يوم تنصيبه والثانية حينما ألقى كلمته فى مجلس النواب
■ مبارك كان يسجن المصريين فى الشوارع يوم نزوله
■ موكب أوباما يصل إلى 45 سيارة وسيارته «كاديلاك ليموزين « ثمنها مليون ونصف المليون دولار
■ «أنجيلا ميركل» زارت مصنع مخبوزات وكانت تعد الفطائر بنفسها
■ فرانسوا هولاند يقضى يوماً كاملاً فى إحدى مؤسسات الخدمة العامة ويقوم بدور العامل

كان يوما مهماً، الجميع يتأهب لمشاهد العرض الأول لفيلم «أوليفر ستون» الجديد، ذهب إلى قاعة العرض فى مهرجان فينسيا، القاعة تكفى لـ2000 مشاهد، وهناك أربعة آلاف يقفون طابوراً للحصول على مقعد، لكن كل شىء منظم، أسبقية الدخول على حسب لون «البادج»، الصحفيون لهم الأولوية، والصحفيون ألوان الجريدة اليومية والوكالة لهم أسبقية الدخول عن الصحف الأسبوعية والمجلات، لكن من لا يجد لنفسه مكانا إدارة المهرجان وفرت له عروضاً أخرى.

العرض الأول للفيلم فى التاسعة صباحا، والعرض الثانى فى السابعة مساء، الأسبقية فى العرض الأول للصحفيين، والثانى للنجوم وأبطال العمل، حتى لو كان بينهم رئيس جمهورية...!

نعم لم يحضر الرئيس الفنزويلى «هوجو شافيز» العرض الأول لأنه ليس له مكان وحضر العرض الثانى، وقف على السجادة الحمراء ولم نر له أى إجراءات أمنية مبالغ فيها.

فى «جنوب الحدود» يكرم أوليفر ستون الرئيس الفنزويلى «هوجو شافيز» الرئيس الوحيد الذى قال لبوش «أنت حمار»، يتعمق الفيلم فى دول أمريكا اللاتينية جنوب حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف يتكاتف رؤساء دول فنزويلا والبرازيل والأرجنتين وبوليفيا والإكوادور ضد الغطرسة الأمريكية، يطرح الفيلم الطمع الأمريكى فى البترول الفنزويلى كجزء ثانٍ مما فعلته فى العراق، واتهامات باطلة من أمريكا ضد شافيز ورؤساء دول جنوب الحدود بأنها دول غير ديمقراطية، على الرغم من أنه لا توجد دولة فى العالم أجرت انتخابات 17 مرة مؤخرا غير فنزويلا، ومن خلال لقطات قليلة نرى كيف يعيش شافيز، وكيف يسير فى الشارع دون حراسات ويقود سيارته بنفسه، ويلعب كرة القدم مع «أوليفر ستون»، وفى أحد المشاهد يركب شافيز «دراجة صغيرة « يتذكر أيام طفولته فى منزل جدته، ويكسر شافيز الدراجة لأنها لم تعد مناسبة لحجمه وسنه قائلا لـ«ستون»: لقد كسرتها ويجب أن أدفع ثمنها....!

فى فرنسا قابلت الجراح المصرى العالمى علاء الغنيمى، فقد تم منحه أرقى وسام هناك، طلب منه رئيس الجمهورية الفرنسى أن يذهب إلى قصر الإليزيه ليقلده الوسام، قال علاء الغنيمى هذه الجائزة ليست ملكى وحدى بل يستحقها كل فريق العمل فى مستشفى باريس الجامعى، أرسل قصر الإليزيه وزيرة الصحة إلى المستشفى وألقت كلمة تكريم لعلاء الغنيمى وقلدته الوسام وسط العاملين بالمستشفى.

وبعد عدة أشهر وتحديدا فى احتفالات عيد الميلاد فوجئ علاء الغنيمى بزيارة مفاجئة من الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند إلى المستشفى، وجلس معه ساعتين، ومارس مهام موظف لمدة يوم كامل فى المستشفى.

فهناك تقليد فى فرنسا أن يختار رئيس الجمهورية مؤسسة خدمة عامة ليقضى يوماً كاملاً مع الموظفين بها ويمارس مهام عمل أى موظف بسيط.

ومن المعتاد رؤية الرئيس الأمريكى وهو يسير فى شوارع واشنطن متجهاً إلى الكافيه المفضل له بالقرب من البيت الأبيض لتناول قهوته ... كما يحرص الرئيس الأمريكى على قضاء يوم داخل إحدى المؤسسات العامة... ليس لزيارتها فقط ولكن كى يشارك فى المهام المختلفة التى تقام فى هذه المؤسسة، على سبيل المثال فى يوليو الماضى زار أوباما سجن ريو الفيدرالى بأوكلاهوما، وشارك العاملين فى السجن القيام بمهامهم بما فى ذلك المشاركة فى جلسات العلاج النفسى للسجناء... وأوباما هو أول رئيس أمريكى يزور سجناً فيدرالياً.

وقام العام الماضى رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون بزيارة «أوكسفم» وهو اتحاد دولى يضم 17 مؤسسة تعمل فى أكثر من 94 دولة من أجل مكافحة الفقر والظلم، وحرص كاميرون على عقد اجتماعات مع العاملين فى الاتحاد والمشاركة فى أعمالهم.

واشتهر كاميرون بحرصه على الاندماج مع الشعب البريطانى، وفى عام 2007 وأثناء حملته الانتخابية حرص كاميرون على قضاء يومين فى ضيافة عائلة مسلمة للتعرف عن قرب عن طبيعة حياة المسلمين فى بريطانيا، وكتب مقاله الشهير تحت عنوان «ماذا تعلمت من الإقامة لدى عائلة مسلمة».

وحرصت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على الاندماج وسط الشعب الألمانى، خاصة أثناء حملاتها الانتخابية وهناك صور شهيرة لها وهى تعمل داخل أحد مصانع المخبوزات الألمانية إلى جوار العمال وذلك فى عام 2006.

ومنذ الثلاثينيات من القرن الماضى، بدأت الحكومة الفيدرالية الأمريكية فى تصميم سيارات خاصة لموكب الرئيس، حيث يتم إضافات طلبات خاصة بالاتصالات والتأمين، وفى الفترة الأخيرة أصبح الموكب الرئاسى الأمريكى يعتمد على نوعية من السيارات شيفروليه كودياك ويصل سعرها 300 ألف دولار، وكاديلاك ليموزين، ويصل ثمن السيارة الواحدة من الكاديلاك ليموزين إلى مليون ونصف المليون دولار وقد يصل عدد السيارات التى يضمها الموكب 45 سيارة.

وفى روسيا يستخدم الرئيس فلاديمير بوتين سيارة مرسيدس مصنعة خصيصا له، وعادة يحرص على استخدام نفس السيارة أثناء زياراته الرسمية، حيث يتم نقل السيارة بطائرة مخصصة كما حدث فى قمة المناخ السابقة التى عقدت فى باريس.

وفى فرنسا يستخدم الرئيس فرانسوا هولاند سيارة سيتروين DS5، وفى البرازيل السيارة الرئاسية هى نسخة مصممة خصيصا من السيارات الفورد فيوجين، وتحمل اسم «الفيوجين الرئاسية»، ولكن فى المناسبات الخاصة كيوم تسلم السلطة أو الاحتفال بعيد الاستقلال يستخدم رئيس البرازيل سيارة رولز رويس يعود إنتاجها لعام 1952.

يمكن أن تشاهد صورة السيسى وهو يقود دراجته منفردا ستنبهر بها، ستشعر أنك أمام رئيس وسط المصريين، لكن إذا اتسع الكادر ستجده وسط الحراسات الخاصة، هو نفسه الكادر الذى تشاهد فيه أوباما وهو يمشى من البيت الأبيض إلى الـ»كافيه» المفضل له، لكن إذا اتسع الكادر ستجد عشرات من الحراسات الخاصة يحيطونه من كل جانب، المشهد واحد لكل الرؤساء فى العالم تقريبا، لكن الأهم الزاوية التى يتم تصويره فيها.

مبارك خرج عن كل الأصول حينما حوّل نزوله إلى الشارع للعنة على المصريين، فقد حوّل شوارع القاهرة إلى سجن كبير، فكل الشوارع كانت تغلق له قبلها بأربع ساعات، وبعدما تنتهى زيارته بساعتين على الاقل، أحيانا كانوا يغلقون الشوارع رغم أنه كان ينتقل بالطائرة.

لقد ظهر عبد الفتاح السيسى فى موكب فخم وهو يلقى كلمته فى مجلس النواب، لقد كان موكبا كبيرا أثار انتقادات الجميع، كان يريد أن يقول إنه نجح فى تحقيق الاستحقاق الأخير من بيان 30 يونيو، أراد أن يقول إن مصر أصبحت دولة قوية لا تخشى أحدا، الرسالة كانت خارجية أكثر منها داخلية.

لكن.. لقد مررنا بسنوات من القمع والديكتاتورية التى جعلتنا نشعر بالحساسية المفرطة تجاه هذه النوعية من المشاهد، لن نستطيع تحمل أحد المطربين يغنى باسم الرئيس أو آخر ينافقه بقصيدة شعر.

لقد فقدنا المئات من الأرواح حتى يصبح للشعب الحق فى اختيار رئيسه.