مى سمير تكتب: التدخل الأرضى فى سوريا تقوده أمريكا وحلف الناتو .. و«الحرب العالمية الثالثة» على الأبواب

مقالات الرأي



العمليات الاستخباراتية، العقوبات الاقتصادية، تغيير الأنظمة الحاكمة، ثلاثة محاور تعتمد عليها أمريكا لتحقيق أهدافها العسكرية.

المحاور الثلاثة جاءت ضمن كتاب البروفيسور ميشيل شوسودوفسكى أستاذ السياسة والاقتصاد فى جامعة أوتوا بأمريكا «عولمة الحرب.. الحرب الأمريكية طويلة المدى ضد الإنسانية» الذى صدر مؤخرا.

ويرى المؤلف أن الأيام الحالية تشهد تصعيدا للحرب فى سوريا، فى ظل الاستعدادات لتدخل أرضى من القوات التركية والعربية، وقد تقود الحرب فى سوريا، إلى حرب عالمية ثالثة.. ليست ببعيدة عن مصر.

1- عولمة الحرب

يرى شوسودوفسكى أن عولمة الحرب، هو مشروع من أجل الهيمنة يعتمد فيه الجيش الأمريكى فى المقام الأول على عمليات المخابرات العسكرية السرية فى منطقة الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وإفريقيا، وجنوب الصحراء وأسيا الوسطى من أجل تحقيق أهداف الأجندة العسكرية الأمريكية التى تستهدف فى المقام الأول زعزعة الاستقرار فى الدول التى تسعى أمريكا لكى تتدخل عسكريا فيها. وكتب شوسودوفسكى أن أمريكا تعمل على تأجيج الحروب الأهلية فى مصر وعدة بلدان مثل اليمن، الصومال، مالى والنيجر، من خلال دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية سواء المسرتبطة بالقاعدة أو بداعش لكى تمهد لتدخل عسكرى أمريكى تحت غطاء مكافحة الإرهاب.

وأضاف أن الرأى العام يجهل إلى حد كبير الآثار الخطيرة لهذه الخطط الحربية التى يمكن أن تقود الإنسانية إلى سيناريو الحرب العالمية الثالثة.

ويؤكد شوسودوفسكى أن أمريكا لا تعمل بشكل منفرد وإنما تتعاون بشكل موسع مع الناتو من جهة ومع الموساد من جهة أخرى، وكتب قائلا «نحن لا نتعامل مع عمليات عسكرية واستخباراتية مجزأة» وأشار إلى أن على سبيل المثال فى عام 2014 عندما شنت القوات الإسرائيلية هجوما على غزة، فإن هذه العملية كانت بناء على تشاور وثيق مع الولايات المتحدة والناتو.

وأكد شوسودوفسكى أن العمليات العسكرية الأمريكية فى سوريا والعراق ما هى إلا جزء من خطة تستهدف فى المقام الأول التصعيد العسكرى الذى سيمهد إلى مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ولكن يكون هذا التصعيد بداية لمواجهة منتظرة مع روسيا.

2- الحرب العالمية الثالثة

أشار البروفيسور ميشيل شوسودوفسكى إلى أن الخطط الأمريكية للتدخل العسكرى فى سوريا قد ينتج عنها تصعيد ودمج عسكرى لأربعة مسارح متنوعة للحرب ألا وهى باكستان-أفغانستان، العراق، فلسطين، وليبيا وهو الأمر الذى يمهد لسيناريو الحرب العالمية الثالثة، كما أشار المؤلف إلى أن الهجوم على سوريا سوف يؤدى إلى تكامل هذه المسارح العسكرية المنفصلة مما سوف يسفر فى النهاية عن حروب كبرى فى منطقة الشرق الأوسط.

فى هذه الحرب، ستسعى الولايات المتحدة إلى مواجهة روسيا، وهى المواجهة التى قد تتحول إلى حرب نووية واسعة، فالأمر لا يتعلق بسوريا فقط، فالخطط الأمريكية تسعى لتصعيد تمتد آثاره لتصيب كل الشرق الأوسط، وتشعل من جديد الحرب الباردة مع روسيا.

وفى طريقها لتحقيق هذا الهدف لا تكتفى أمريكا باشتعال الحرب بالوكالة فى سوريا حيث تعددت الأطراف المتنازعة المتورطة فى الصراع، ولكنها على الناحية الأخرى تعمل على إثارة الاضطرابات وحالة عدم الاستقرار فى بقية دول العالم العربى.

وبحسب شوسودوفسكى فإن إدارة أوباما عندما زعمت أن حكومة الرئيس السورى بشار الأسد كانت وراء الهجوم بالأسلحة الكيماوية الذى تعرضت له إحدى الضواحى فى دمشق منذ عدة أعوام على الرغم من عدم وجود أى دليل يربط بين الهجوم وبين القوات الحكومية السورية، قد كشف عن نية البيت الأبيض لتصعيد لا حدود له فى سوريا، وأن هذا التصعيد ليس وليدًا لتطورات الأوضاع فى سوريا وإنما وليد لتخطيط وتحضيرات أمريكية.

وبحسب مقالة نشرت فى لوس أنجلوس تايمز يعود تاريخها إلى أغسطس عام 2012، زعم شوسودوفسكى أن التحضيرات من أجل تحذير زائف بوجود أسلحة كيميائية فى سوريا قد بدأ منذ أكثر من عام عندما قام الجيش الأمريكى بإرسال وحدات من فرق القوات الخاصة لتدمير ما تصفه الإدارة الأمريكية بأسلحة الدمار الشامل.

هذه العمليات العسكرية السرية كان الهدف منها فى حقيقة الأمر تمهيد الأرض لإعطاء إيحاء بامتلاك سوريا أسلحة دمار شامل، هذه الحادثة هى واحدة من أكبر الدلائل على رغبة أمريكا فى تصعيد المواجهات العسكرية فى سوريا وتحويلها إلى نقطة ارتكاز تنطلق منها الحرب العالمية الثالثة.

ويضيف شوسودوفسكى فى كتابه أن المخططين العسكريين فى الولايات المتحدة، الناتو، وإسرائيل رسموا لهذا التدخل العسكرى فى سوريا منذ سنوات، وأكد أن الحلفاء الإقليميين لأمريكا وعلى رأسهم السعودية، قطر وتركيا يعملون على تدعيم الجماعات المسلحة فى سوريا، وبعض هذه الجماعات هى المسئولة عن الهجمات الإرهابية البشعة ضد السكان المدنيين. كما أكد أن إسقاط الضحايا المدنيين يلعب دورًا مركزيا فى العقيدة العسكرية الأمريكية، فلايوجد أكثر من ملاءمة من مقتل ضحايا أبرياء كمبرر كاف للتدخل الأمريكى.

وبحسب الكتاب فإن عملاء المخابرات البريطانية العسكرية، المخابرات المركزية الأمريكية، والموساد، إلى جانب القوات الخاصة الغربية قد اندمجوا فى قوات المتمردين بسوريا منذ البداية. وتم تنسيق الهجمات الإرهابية الكبيرة مع كبير المتعاقدين العسكريين الأمريكان المدربين تدريبا عاليا وعملاء المخابرات الغربية.

وتوقع المؤرخ الأمريكى أن التدخل العسكرى الأرضى فى سوريا قد يمتد إلى مناطق أوسع فى الشرق الأوسط وآسيا وقد يصل إلى شمال إفريقيا، ويمتد من شرق البحر المتوسط إلى الحدود الأفغانية والباكستانية مع الصين التى ستجد نفسها غارقة فى الاضطرابات الناتجة عن هذه الحرب الإقليمية الموسعة.

3- الدفاع الجماعى

قد يكون التدخل العسكرى الدولى - الأرضى - فى الحرب السورية بمثابة البداية الفعلية لحرب عالمية ثالثة، تستخدم فيها الأسلحة النووية، خاصة أن استمرار حلف الناتو - رغم انتهاء نظيره حلف وارسو منذ عام 1991 - لم يعد أمرا مفهوما ولابد من وضع نهاية له.

وتدق طبول الحرب فى الوقت الحالى فى ظل الاستعدادات التركية، عضو حلف الناتو، لغزو جارتها سوريا، وهى الاستعدادات التى تدعمها دول من الخليج العربى بما فى ذلك المملكة العربية السعودية أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية فى العالم، وقد قامت تركيا بنشر جنودها وأسلحتها بالقرب من الحدود الشمالية لسوريا تمهيدا لعملية الغزو.

وبمجرد أن تقوم تركيا بهذا التدخل العسكرى الأرضى، سيكون من المتوقع أن تتحرك سوريا وحليفتها روسيا للقيام بضربة مضادة ما سيؤدى إلى اشتعال الوضع وتحويلها إلى حرب نووية، وهذا التصور ليس خيالا أو مجرد تحليل وإنما هو قراءة للواقع والاتفاقيات والنصوص التى يتضمنها تأسيس حلف الناتو.

وبحسب اتفاقية تأسيس حلف الناتو وبالتحديد المادة الخامسة التى تحمل عنوان «الدفاع الجماعى»، فإن هذه المادة تعنى أن أى هجوم على دولة من أعضاء حلف الناتو يعد بمثابة هجوم على كل أعضاء الحلف، وفى عبارة أخرى إذا تحركت سوريا أو روسيا، وهذا أمر طبيعى، من أجل الرد على العدوان التركى، فإن اتفاقية حلف الناتو تجبر الدول الأعضاء على الدفاع عن تركيا من أى اعتداء سورى أو روسى مهما كان مبرر هذا الهجوم أو أنه أتى كرد فعل على الاعتداء التركى.

هل تقف روسيا مع حليفتها السورية أم تتخلى عنها؟ إجابة هذا السؤال هى التى ستحدد شكل هذه الحرب، وإن كان خيار وقوف روسيا على الحياد مستبعدا خاصة أن التقارير الروسية تؤكد أن المقاتلات الروسية تستعد لاستقبال القوات الأرضية السعودية والتركية التى تستعد للتدخل فى سوريا.

انحياز روسيا لسوريا، يعنى ببساطة إمكانية دخولها فى مواجهة عسكرية مع حلف الناتو، وهى المواجهة التى يمكن بسهولة أن تتحول إلى حرب نووية قد تقضى على المنطقة العربية بأكملها وتمتد آثارها لتشمل كل الحضارة الإنسانية، كما دخلت إيران فى مضمار هذه الحرب بإعلانها استعدادها لتقديم خدمات عسكرية من أجل مساعدة سوريا بشكل مباشر من أجل التصدى لأى تدخل عسكرى أرضى داخل حدودها من قبل دول أخرى.

هذا الوضع المتأزم، يلقى على الساحة بسؤال مهم، لماذا ظل حلف الناتو قائما على الرغم من انتهاء الحرب الباردة واختفاء حلف وارسو؟

وبحسب الصحفى والمؤرخ التاريخى إريك زيوس، فإن جورج بوش الأب الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت، 1990، قد أبلغ أحد نظرائه فى حلف الناتو بأنه لا يفكر على الإطلاق فى وضع نهاية للحلف، وذلك على العكس من تصريحاته وتأكيداته للرئيس الروسى فى ذلك الوقت ميخائيل جورباتشوف. واستمرار الناتو منذ التسعينيات هو استمرار للكذبة الأمريكية بانتهاء الحرب الباردة، التى يبدو أنها تشهد جولة جديدة فى سوريا، وهى المعركة التى قد تكون الأكثر دموية فى تاريخ العالم.

ومن المتوقع أن تتصاعد أى مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة وروسيا من جهة أخرى إلى حرب نووية، خاصة أن كلا الجانبين غير مستعد لإعلان هزيمته، وكل منهما لديه الآلاف من الأسلحة النووية الجاهزة للاستخدام فى أى لحظة، وكل منهما يتبنى عقيدة عسكرية ترتكز على العمل على تدمير الأسلحة النووية للعدو. القانون الذى أقره الكونجرس الأمريكى تحت عنوان «قانون الوقاية من العدوان الروسى» ما هو إلا نتاج عشرين عاما من التحضيرات الأمريكية بمساعدة حلف الناتو من أجل الوصول إلى تلك المرحلة التى تبدأ فيها أمريكا وحلفاؤها فى مواجهة الصين وروسيا عسكريا، خاصة أن تصعيد الحرب فى سوريا سوف تمتد آثاره إلى الحدود الصينية.

والمؤكد أن تركيا لن تفوت هذه الفرصة الذهبية، فكل الجنون والشر الذى يسيطر على الغرب منذ عام 1991 قد تم تلخيصه فى صورة المسدس الذى تصوبه تركيا فى اتجاه سوريا، ويرى الكاتب الأمريكى، أنه على الرغم من الجنون والهوس الذى يعانى منهما أردوغان، إلا أنه فى حقيقة الأمر ليس هو من يضع يده على الزناد وإنما حلف الناتو.