مى سمير تكتب: فضيحة جديدة للجيش الأمريكى.. 198 صورة لضرب وتعذيب المعتقلين فى أفغانستان والعراق
■ امتنعوا عن نشر بقية الصور لدواعٍ أمنية وخوفا من إثارة غضب المسلمين أو استغلال التنظيمات الإرهابية لشن عمليات جديدة ضد أمريكا
■ موقع أمريكى يكشف تفاصيل التحقيقات الداخلية للجيش وتتضمن توضيحا للعديد من الصور التى تم حجبها
العدالة فى بلاد الحريات، تتجمل كثيرا، لكن ثمة أقنعة تلعب دور البطولة فى هذا التجميل، ويكون بعضها آيلا للسقوط، لتكشف النقاب بسقوطها عن الوجه الحقيقى «القبيح» لسير التحقيقات.
ولعل الـ198 صورة التى أفرجت عنها وزارة الدفاع الأمريكية فى بداية هذا الأسبوع - من أصل ألفى صورة – تمثل فضيحة جديدة للجيش الأمريكى كونها صورا متعلقة بتحقيقات أسىء خلالها معاملة المعتقلين، من قبل القوات الأمريكية فى العراق وأفغانستان.
الخبر احتل صدارة الأخبار فى مختلف المواقع الإلكترونية، وفى هذا الإطار حرص موقع فايس الإخبارى على نشر التفاصيل الكاملة لهذه القصة التى تضع الكثير من علامات الاستفهام حول أخلاقيات الجيش الأمريكى.
1- 198 صورة
وكشفت أغلب الصور التى جاءت فى لقطات مقربة للمساجين عن كدمات وإصابات كبيرة تعرضوا لها، وعلى الرغم من عدم وضوح أغلب هذه الصور إلا أنها توضح بما فيه الكفاية الإساءات التى تعرض لها المساجين فى العراق وأفغانستان على يد الجيش الأمريكى فى الفترة من 2003 إلى 2006.
وبحسب الموقع الأمريكى فإن الصور التى تم الإفراج عنها هى أقلها قسوة من أصل الألفى صورة التى ترصد مثل هذه الانتهاكات وتم الاحتفاظ بها وإدراجها تحت فئة الصور السرية.
وبررت وزارة الدفاع الأمريكية الحفاظ على سرية هذه الصور بالإشارة إلى أن الإفراج عنها قد يشكل خطرا على الأمن القومى الأمريكى كونها قد تتحول إلى أداة للدعاية من قبل تنظيمات مثل القاعدة وداعش، وتستمر حالة الجدل القانونى بشأن هذه الصور منذ عام 2004 عندما رفع اتحاد الحريات المدنية قضية من أجل الحصول على صور انتهاكات الجيش الأمريكى فى أعقاب تسرب صور الإساءة والتعذيب التى تعرض لها المساجين فى سجن أبو غريب فى العراق.
فى هذا الإطار، أشارت تقارير إلى أن هناك أكثر من ألفى صورة ترصد قيام الجنود الأمريكان بالوقوف على جثث المساجين، وبضرب وسحل المحتجزين وكذلك تجريدهم من ملابسهم وتصويرهم عراة إلى جوار الجنديات الأمريكيات، لكن الصور التى تم الإفراج عنها لا ترصد مثل هذه السلوكيات الشاذة.
وبحسب كاترين هوكينز المستشار فى برنامج مشروع الدستور والمتخصص فى قضايا الانتهاكات الأمريكية لحقوق المعتقلين، فإن هذه الصور لا تمثل سوى 10% من حجم الصور التى ترصد الإساءات وسوء المعاملة، مضيفة أنها الأقل حدة.
وأضافت أن أغلب الصور التى تم الإفراج عنها ليست واضحة ولكنها كافية لكى تعكس حجم القبح الذى يسيطر على هذا الملف.
وكان الرئيس الأمريكى باراك أوباما قد أعلن نيته لنشر كل الصور فى عام 2009، ولكنه تراجع عن قراره بعد اعتراض كبار قادة الجيش الأمريكى فى العراق، وكذلك رئيس الوزراء العراقى – آنذاك - نورى المالكى، لكن موافقة الكونجرس الأمريكى على استثناء لقانون حرية المعلومات يسمح لوزير الدفاع الأمريكى بأن يقرر ما إذا كان الإفراج عن أى صور قد يشكل تهديدا للأمن القومى الأمريكى أو لا.
ويتم تجديد تصنيف الصور كل ثلاث سنوات، وفى نوفمبر الماضى، أصدر وزير الدفاع الأمريكى آشتون كارتر قرارا باعتبار أن هذه الصور الـ 198 لا تشكل تهديدا على الأمن الأمريكى، وبالتالى تم الإفراج عنها بعد إلغاء صفة السرية عنها، لكن لايزال اتحاد الحريات المدنية الأمريكية يقاتل فى المحكمة من أجل الإفراج عن بقية الصور.
ومن جانبه أكد نورين شاه مدير برنامج الأمن وحقوق الانسان فى منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة أن هذه الصور هى مجرد جزء صغير من قصة رعب واقعية عن ممارسة الجيش الأمريكى للتعذيب.
ووفقا للمتحدث الرسمى باسم وزارة الدفاع الأمريكية، فإن الوزارة أجرت تحقيقات داخلية بشأن هذه الصور وأسفرت عن مجموعة من الإجراءات التأديبية لما يقرب من 65 عضوا بالجيش الأمريكى، تأرجحت هذه الإجراءات من خطاب توبيخ إلى السجن المؤبد.
2- القضية
وتضمنت القضية التى رفعها اتحاد الحريات المدنية ضد الجيش الأمريكى من أجل الإفراج عن جميع الصور الكثير من التفاصيل المثيرة للجدل، فقد طلب القاضى الفيدرالى الأسبوع الماضى من وزارة الدفاع الأمريكية أن تشرح أسبابها بعدم نشر بقية الصور، على أن تقدم الأسباب الخاصة بكل صورة. وشهدت قاعة المحكمة فى المنطقة الجنوبية من مدينة نيويورك تشكيك القاضى ألين هيلرشتاين فى حجج الحكومة الأمريكية بأن الإفراج عن هذه الصور قد يؤدى إلى استخدام تنظيمات القاعدة وداعش لها كوسيلة للداعية، وبالتالى فإن الدواعى الأمنية تتجاوز حق الشعب الأمريكى فى المعرفة.
وعبر القاضى عن شكوكه بأن محاولة الحكومة لإعلان أن كل الصور تشكل خطورة ماهى إلا طريقة سهلة لتجنب نشر الحقيقة، مشيرا إلى أن هذه الحجة لا معنى لها.
ومنذ 2004، يحارب الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية من أجل الإفراج عن جميع الصور الخاصة بتحقيقات الجيش الأمريكى بشأن الانتهاكات ضد المساجين فى السجون العراقية والأفغانية، وهى الصور التى ترصد حجما لا حصر له من الانتهاكات بما فى ذلك الوقوف على جثث المساجين والاعتداءات الجنسية وغيرها من أشكال الإساءة سواء الجسدية أو العقلية.
وأمر القاضى ألين هيلرشتاين الحكومة الأمريكية بتسليم الصور التى يعود تاريخها إلى عام 2005 والتى كان الرئيس الأمريكى باراك أوباما قد أعلن أن الحكومة الأمريكية ستقوم بنشرها بالكامل قبل أن يتراجع تحت وطأة الضغوط سواء من قبل الجيش الأمريكى أو الحكومة العراقية، ومع إصدار قانون يعطى للجيش الأمريكى حق منع نشر أى صور بدافع الدواعى الأمنية، لم يتم تسليم الصور للمحكمة، لكن الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية استمر فى المحاربة، الأمر الذى أسفر فى أغسطس الماضى عن إصدار القاضى ألين هيلرشتاين حكما يقضى بقيام الجيش الأمريكى بتقديم مبرراته بمنع نشر كل صورة على حدة.
على الرغم من مرور أكثر من ستة أشهر على الحكم، إلا أن وزارة الدفاع الأمريكية لم تقدم أى تبريرات بشأن منع هذه الصور، وفى ديسمبر الماضى تقدم محامى الحكومة الأمريكية بمذكرة تتضمن ما ذكره البنتاجون فى السابق بشأن الضرورة الأمنية لإبقاء هذه الصور سرية وبعيدا عن أعين الشعب.
وأضافت هذه المذكرة أن تنظيم داعش استغل الانتهاكات الأمريكية عندما قام بإعدام عدد من الرهائن وهم يرتدون بدلا برتقالية شبيهة ببدل المعتقلين فى سجن جوانتانامو، وكان هذا السجن محورا لأحد الموضوعات التى نشرت فى مجلة تنظيم داعش التى تحمل اسم «الهام». وأضافت مذكرة الحكومة الأمريكية أن تنظيم القاعدة وداعش قد يستخدمان هذه الصور لإشعال المشاعر المعادية للولايات المتحدة الأمريكية وتشجيع مؤيديهم من أجل شن هجمات ضد الجيش الأمريكى والمسئولين الأمريكان، كما تقدم محامى الحكومة الأمريكية بمذكرة أشار فيها إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية قد راجعت بالفعل هذه الصور فى عام 2012 وأصدرت قرارا بضرورة بقائها سرية.
لكن القاضى ألين هيلرشتاين لم يأخذ بهذه المراجعة وطلب من وزارة الدفاع الأمريكية الاستجابة لطلبه بإجراء مراجعة جديدة للصور وتقديم مبررات المنع الخاصة بكل صورة من أصل ألفى صورة.
كما أكد القاضى أنه أصدر بالفعل قرارا بالإفراج عن عدد من هذه الصور من قبل أثناء منتصف الغزو الأمريكى للعراق، وأضاف أنه لا يرى اختلافا فى الوضعين على الرغم من تصاعد التهديد من قبل تنظيم داعش فى الوقت الحالى.
ومع تأكيد القاضى أنه لن يغير موقفه، أصبح أمام الجيش الأمريكى خياران، الأول الاستئناف أو الانصياع لأمر القاضى الذى اقترح أيضا استعراض الصور فى جلسة مغلقة.
وألقت قضية صور تعذيب المساجين فى العراق وأفغانستان الظلال على قضية أخرى شائكة وهى تعذيب المعتقلين فى سجن جوانتانامو فهناك تسجيلات فيديو سرية لعمليات التعذيب توضح إجبار المساجين، الذين دخلوا فى إضراب عن الطعام، على الأكل بالقوة، وقد وصفت هذه الصور بأنها من الممكن أن تشعل الغضب بين المسلمين فى مختلف أنحاء العالم، فى هذا الإطار تضغط مجموعة من المنظمات المجتمع المدنى الأمريكية من أجل الإفراج عن هذا الفيديو.
3- الانتهاكات
ولم تفلح الصور التى أفرج عنها الجيش الأمريكى فى كسب رضاء الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية وغيره من المنظمات المدنية التى تكافح منذ أكثر من عقد من أجل الكشف عن ممارسات الجيش الأمريكى غير الأخلاقية.
ولا تكشف الـ198 صورة عن حجم الانتهاكات الحقيقية للجيش الأمريكى، كما حدث مع صور سجن أبو غريب والتى ظهرت فى عام 2004.. وعلق الدكتور فنست لا كوبينو المدير الطبى لمنظمة أطباء حقوق الإنسان أن غالبية الصور تعكس إصابات غير محددة وأنه من المستحيل تحديد ما إذا كان المعتقلون قد تعرضوا لسوء معاملة أو لا بدون الكشف عن السجلات الطبية لهؤلاء المعتقلين.
من جانبه أكد القائد العسكرى جارى روس المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية فى بيان رسمى للبنتاجون أن الوزارة أجرت محاكم عسكرية لـ26 جنديا وضابطا أمريكيا من أصل الـ65 شخصا الذين تعرضوا لإجراءات تأديبية بشأن الانتهاكات التى ترصدها هذه الصور.
الصور هى فى حقيقتها جزء من تحقيقات عسكرية داخلية أجريت فى الفترة من 2004 إلى 2006، وتم الإفراج عنها فى ظل الضغوط التى تتعرض لها وزارة الدفاع الأمريكية بسبب القضية المرفوعة ضدها من أجل الإفراج عن هذه الصور من قبل الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية.
وعلق جميل جعفر النائب القانونى لمدير الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية أن الكشف عن هذه الصور قد طال انتظاره، ولكن هذه الصور تؤكد أن على الجانب الآخر هناك قدر كبير من الصور الأخرى التى تم حجبها، وأضاف أن الصور التى لاتزال سرية هى أكبر دليل على خطورة الانتهاكات الأمريكية التى وقعت فى مراكز الاعتقال.
واستعرض موقع فايس تفاصيل هذه التحقيقات الداخلية التى أجراها الجيش الأمريكى بين الأفراد المتورطين فى هذه الانتهاكات، وقد تضمنت هذه التحقيقات بعض تفاصيل الصور التى تم حجبها والتى تصف أشكال الإساءات المختلفة التى تعرض لها المعتقلون على يد الجيش الأمريكى.
فى إحدى الصور، يقوم ثلاثة جنود فى قاعدة عمليات سانت مير فوريورد فى العراق بالتصوير مع ثلاثة معتقلين كان يبدو عليهم علامات الإرهاق من التعذيب والإساءات، وفى صورة أخرى التقط جندى أمريكى صورة له أثناء تصويبه للمسدس على رأس أحد المعتقلين الذى كان مقيدا ومعصوب العينين. وتتضمن صورة أخرى جثة لمعتقل أفغانى يعود تاريخها لعام 2004، ويعتقد أن هذا المعتقل هو إرهابى مسئول عن تفجير أسفر عن مقتل وإصابة عدد من الجنود الأمريكان. وفى أكثر من 12 صورة، تصف التحقيقات الداخلية قيام الجنود الأمريكان فى أفغانستان بضرب وسحل المعتقلين المقيدين وتوجيه المسدسات إلى رؤوس وظهور المعتقلين.
وحصل الموقع الإخبارى على وثائق خاصة بتلك التحقيقات الداخلية بالجيش الأمريكى والتى وصل عددها إلى 203 تحقيقات، وقد وضعت وزارة الدفاع الأمريكية ثلاثة معايير مختلفة لتصنيف صور هذه الانتهاكات، الفئة الأولى لصور تحتاج لتفسير بسبب حجم الفظائع التى تتضمنها، الفئة الثانية، صور من المرجح أن تطلب تفسيرا لتضمنها إصابة أو إهانة، والفئة الثالثة لصور تطلب تفسيرا عاما. وفى ظل الهجوم الحاد الذى تعرض له الجيش الأمريكى بعد الكشف عن هذه الصور، صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع بأن إدارة أوباما حريصة على ضمان توفير معاملة آمنة، قانونية، وإنسانية للأفراد الذين يتم احتجازهم من قبل الولايات المتحدة فى سياق الصراعات المسلحة. ولكن المؤكد أن وعود أوباما لا قيمة لها والدليل أن أوباما هو نفسه من وعد أكثر من مرة بإغلاق معتقل جوانتنامو والذى يتم فيه احتجاز المشتبه فى تورطهم فى أعمال إرهابية دون محاكمة ولأجل غير مسمى، وهو المعتقل الذى شهد انتقادات شديدة، وعلى الرغم من هذا الوعد إلا أن أبواب جوانتنامو لاتزال مفتوحة.