د. نصار عبدالله يكتب: الصول زكى رقيبا!
فى أعقاب تأميم الصحافة فى مصر عام 1960، توزع الضباط على المؤسسات الصحفية، وكان من نصيب الأخبار أن أصبح كمال الدين رفعت رئيسًا لمجلس الإدارة، حيث قام بتعيين الرائد على إسماعيل الإمبابى مديرا لمكتبه، وقد قام الأخير بتكليف الصول أحمد زكى (الذى اصطحبه معه من وحدته العسكرية) بالقيام بأعمال سكرتارية المكتب... عن الصول أحمد زكى يروى الأستاذ عبده مباشر فى كتابه: "أنا وعبدالناصر والسادات"، أنه بعد الانتهاء من المانشيت والعناوين الرئيسية كان على الأستاذ أحمد لطفى حسونة نائب رئيس التحرير المسئول أن يتوجه إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة كمال رفعت، وكالمعتاد لم يكن الرجل موجودا فى المكتب، لأنه كان يتولى مسئولية وزير العمل بجانب مسئولياته الأخرى، ولم يكن مدير مكتبه الرائد الإمبابى موجودا أيضا، لأنه حريص على أن يكون بصحبة الوزير!.. كان الموجود هو الصول أحمد زكى.. وكانت كلمات المانشيت: "الأمم المتحدة تركع".. وقرأ الصول المانشيت وقال لللأستاذ حسونة: يعنى إيه تركع؟.. ولم يفهم نائب رئيس التحرير السؤال.. وبالتالى لم يعرف ماذا يقول، وسأل نفسه: هل الصول لا يعرف معنى كلمة تركع أم أنه لا يعرف ما هى الأمم المتحدة؟.. أعاد الصول الجالس على مقعد المسئولية السؤال: يعنى إيه تركع يا أستاذ أحمد؟.. فقال له: أرجو من سعادتك الاتصال بكمال بيه وإبلاغه بالمانشيت وسؤاله عما إذا كان سيوافق أم سيطلب اختيار مانشيت آخر... قال له الصول: أنا الرجل المسئول هنا فى مكتب رئيس مجلس الإدارة.. وأنا المفوض فى الموافقة على كل ما ينشر فى الجريدة، وواصل قائلا: أريد أن أعرف يعنى إيه: تركع؟ ولم يجد الأستاذ حسونة مفرا من أن يقوم بالركوع بلا صلاة!، وقال له: الركوع هكذا يا أحمد بك.. ضحك أحمد بك كثيرا ووصل إلى حد القهقهة، وطلب منه أن يشاهد الركوع مرة أخرى! وكرر الأستاذ حسونة الركوع!!..فقال له الصول: "هايل أنا دلوقت فهمت"، فسأله الأستاذ حسونة والأسى يعتصره.. يعنى سيادتك موافق على المانشيت؟.. قال نعم، فطلب منه التوقيع بالموافقة، فوقع!!... السطور السابقة منقولة بتصرف يسير من كتاب الأستاذ محمد العزبى "الصحافة والحكم" الذى صدر ضمن سلسلة كتاب الجمهورية (عدد أكتوبر2015)، ورغم أن النسخة التى أتيح لى أن أطلع عليها ليست ورقية بل إلكترونية بصيغة P.D.F، رغم ذلك فقد شدنى الكتاب إلى حد أنى لم أستطع أن أترك جهاز اللاب توب قبل أن أنتهى من قراءته على ما فى ذلك من إجهاد، أظن أن الكتاب يستحق هذا العناء لما يطرحه بأسلوبه الشائق والممتع والأمين أيضا من وقائع ترسم فى مجملها صورة دقيقة، قدر ما هى موجعة، لطبيعة العلاقة بين الإعلام عموما والصحافة خصوصا، وبين السلطة فى مصر على مدى حقبها المتعاقبة منذ أن أممت الصحافة فى مطلع ستينات القرن الماضى إلى الآن، وهى علاقة لم تختلف فى جوهرها فى أى حقبة من تلك الحقب التى مرت بها مصر من ذلك الحين وإلى يومنا هذا، وإن تنوعت تجلياتها بين الفينة والفينةّ!.. حتى بعد أن دخلت الصحافة الحزبية والمستقلة إلى الساحة، ففى النهاية مازالت آثار تراث القمع والهيمنة التى عانت الصحافة منها طويلا، وما زالت بقايا تراث وتقاليد التقرب إلى من بيدهم دفة الأمور، ما زال ذلك كله معششا وضاربا فى أعماق الكثيرين من كبار المسئولين الصحفيين، بل فى أعماق بعض الكتاب أيضا فى منابر مهمة من الصحافة المصرية.