هيكل : إصلاح سياسات الطاقة مفتاح التحول الإيجابي في مستقبل مصر

الاقتصاد


يرى أحمد هيكل الرئيس التنفيذي لشركة القلعة للاستثمارات المالية ,أن مولد حقبة ديمقراطية جديدة في مصر يضع صنّاع السياسات أمام فرصة عظيمة لتنفيذ حزمة متكاملة من الإصلاحات الحقيقية التي تهدف إلى النهوض بمصر ومركزها الإقليمي وإرساء مبادئ العدالة الاجتماعية وسبل الحياة الكريمة لجميع المواطنين.

وأكد هيكل خلال كلمته فى مؤتمر اليورومنى ,أن مستقبل مصر والاقتصاد المصري يحجمه أربعة تحديات رئيسية في الوقت الراهن، وهي ضعف الاستثمار بشكل ملحوظ في قطاعيْ الرعاية الصحية والخدمات التعليمية، والانخفاض الشديد في إنتاجية العامل المصري مقابل الأسواق المناظرة على الصعيد العالمي، فضلاً عن الارتفاع الشديد في استهلاك الفرد من المياه بالنسبة لمساهمته في إجمالي الناتج المحلي، والحال نفسه في معدل استهلاك الفرد من الطاقة.

أوضح هيكل أنه لم يتم وضع أسعار واقعية للموارد، ويشمل ذلك موارد الطاقة بمختلف أشكالها من الغاز الطبيعي والسولار إلى البنزين والكهرباء والمياه، بسبب الاعتماد المتواصل على نظام دعم الطاقة الذي يمثل قرابة 25% من إجمالي الإنفاق الحكومي في الوقت الراهن. وأوضح كذلك أن الدولة لم توجه الاهتمام الكافي إلى تطوير المنظومة التعليمية بما يضمن إعداد الجيل القادم من القادة وتنمية السواعد التي تنهض بها الأمة المصرية.

وأضاف هيكل أن نتائج انخفاض أسعار الطاقة في السوق المصرية واضحة وضوح الشمس، حيث أن نصيب مصر الإجمالي من إنتاج البترول يربو على 42 مليون طن كل عام، بينما يتراوح الاستهلاك المحلي بين 80 و83 مليون طن سنويًا مما يجبر مصر على استيراد ما يقرب من 40 مليون طن من المنتجات البترولية كل عام، ويجعل قطاع الطاقة المساهم الأكبر في عجز الموازنة العامة.

وتابع هيكل أن الفجوة الهائلة بين أسعار الطاقة محليًا وعالميًا تفتح بابًا واسعًا لسوء الاستغلال، وهو ما نراه في صور عديدة بدءًا من ظاهرة تهريب المنتجات البترولية إلى خارج حدود البلاد، ووصولاً إلى ممارسات القائمين على الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة حيث يتيح لهم القانون أن يستفيدوا من انخفاض الأسعار المحلية وطرح إنتاجهم في السوق بالأسعار العالمية ومن ثم تحقيق فروق أرباح خيالية.

وأضاف هيكل أن الزيادة السريعة في حجم الاستهلاك المحلي ستؤدي إلى ارتفاع مساهمة قطاع الطاقة في ميزانية الدولة إلى أكثر من المعدلات الحالية التي تبلغ 16 مليار دولار تقريبًا، غير أنه لو بادرت الحكومات المتعاقبة خلال العقد الماضي بتطبيق زيادة سنوية محدودة في أسعار الطاقة (بجميع أنواعها) لا تتجاوز 10 قروش للوحدة، لتجنبت مصر الأزمة المالية الحالية وكان مستوى الدين العام صفر اليوم.

وأشار هيكل إلى أن الوضع الحالي يتطلب انتهاج إستراتيجية أكثر جرأة في تحرير أسعار الطاقة. ويجب أن يتم هذا التحرير بصورة تدريجية حتى لا تتسبب الزيادة المفاجئة في ارتفاع مستوى التضخم وأيضًا تفاقم مشكلة البطالة بسبب تعثر الكثير الشركات والمشروعات. وفي ضوء ذلك علينا أن نتخذ إجراءات تطبيق الدعم النقدي المباشر للمستهلكين من أجل تخفيف التأثير الحتمي لزيادة الأسعار، علمًا بأن تطبيق برامج إصلاح سياسات الطاقة، واستبدال الدعم العيني بالدعم النقدي المباشر حقق نجاحًا واسعًا في العديد الأسواق الناشئة مثل البرازيل والمكسيك واندونيسيا وإيران.

لقد خذلت سياسات الطاقة في مصر الجميع، وفقاً لحديث هيكل، وبالتالي لم يعد ممكنًا بأي شكل من الأشكال أن نستمر على هذه الوتيرة. وقد أدى فشل هذه السياسات إلى أزمات طاقة من البوتاجاز إلى السولار والكهرباء والبنزين، بقدر ما أدى إلى تضاؤل الاستثمار في تطوير قطاع الرعاية الصحية والنهوض بالمنظومة التعليمية وتوفير فرص العمل الجديدة.

وبسؤاله عن الدور الذي تقوم به شركة القلعة لمساعدة مصر في التغلب على هذه المعوقات، أوضح هيكل أن شركة القلعة قامت بضخ استثمارات جديدة بقيمة 4 مليار دولار منذ 25 يناير 2011، ويشمل ذلك ترتيب حزمة تمويل بقيمة 3.7 مليار دولار لإقامة معمل تكرير متطور يهدف إلى تقليل واردات السولار بمعدل 50% عن المستويات الحالية، وتوفير أكثر من 300 مليون جم سنويًا إلى خزانة الدولة، بالتوازي مع منع انبعاث ما يقرب من ثلث انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكبريت في مصر.

بالنظر إلى المستقبل أوضح هيكل أن شركة القلعة انتهت من تحديد عدد من الفرص الواعدة التي تركز زيادة الكفاءة وتطوير البنية الأساسية لمنظومة الطاقة، معربًا عن تفاؤله من إمكانية ضخ ما يقرب من 4 مليار دولار جديدة في السنوات المقبلة.

لا يرى هيكل أن التمويل يمثل أبرز التحديات في المرحلة الراهنة، حيث يوجد قنوات عديدة لتوفير التمويل عبر ما يسميه الثلاثي القوي . ويضم هذا الثلاثي صناديق الثروات السيادية الخليجية، ووكالات ائتمان الصادرات الآسيوية والأمريكية والأوروبية، ومؤسسات التمويل التنموية (من بينهم مؤسسة التمويل الدولية IFC، ومؤسسة الاستثمار الألمانية DEG، والمؤسسة الهولندية للتنمية FMO، والبنك الأفريقي للتنمية AfDB، وبنك الاستثمار الأوروبي EIB، والبنك الأوروبي للتنمية EBRD، والبنك الإسلامي للتنمية، والوكالة الفرنسية للتنمية PROPARCO). وأشار هيكل إلى أن هذه المجموعة من المؤسسات الدولية ساهمت في تمويل العديد شركات منها القلعة لإقامة مشروعات عملاقة في قطاع البنية الأساسية مثل معمل التكرير الجديد بقيمة 3.7 مليار دولار أمريكي.

المشكلة لا تكمن في التمويل. التمويل متاح. ولكن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الحكومة الجديدة المنتخبة بشكل ديموقراطي والجهات الإدارية التي تقود دفة الوطن في هذه المرحلة يتمثل في الجمود والبيروقراطية والخوف والرهبة. وتساءل هيكل لو أن أحد المسئولين أمضى نهاره أمام جهات التحقيق على خلفية اتخاذ قرار مشروع وقانوني، هل من المنطقي أن نتوقع منه منح توقيعه على أوراق مشروع جديد؟

لقد ورثت حكومتنا تركة هائلة من أزمات القدرة على صناعة القرار، ويجب أن يتصدر أولوياتها معالجة هذه الأزمة عبر حماية المواطنين الأمناء الذي يتخذون القرارات المشروعة التي تصب في مصلحة الوطن بغير خوف أو مساومة.

اختتم هيكل موضحًا أن مصر دولة غنية بالموارد، وأن حب العدالة وروح الابتكار هي أبرز سمات الشخصية المصرية، غير أن الجمود أصابنا على مدار أجيال عديدة، ليس بسبب عدم وجود حلول لمشكلاتنا وإنما يلام عليها غياب الإرادة لتطبيق هذه الحلول وجعلها مشروع وطني يدعمه غالبية المواطنين.