البقية فى حريتكم

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر



■ إسلام بحيرى فى السجن وفاطمة ناعوت تنتظر
 ■ الفاسدون خارج السجون وأدباء بضاعتهم الخيال ينتظرون الحبس

كل يوم سيقضيه الباحث إسلام بحيرى، فى السجن لقضاء عقوبة الحبس سنة، بتهمة ازدراء الأديان، هو عقوبة بحق مصر بالكامل، مفكريها وأدباءها والحالمين بوطن الحرية والعدالة، ليس لأن إسلام على حق حين عبر عن رأيه فى بعض الشخصيات، لكن لأن بلدًا يسجن فردًا بتهمة التفكير، لا يستحق أن يثور من أجل الحرية ولا يستحق أبناؤه المطالبة بالخبز، لأن «العيش والحرية» لا يتجزآن.

1

لا أمل فى إنقاذ إسلام بحيرى، من البقاء سنة كاملة وراء قضبان السجن، مع المجرمين واللصوص، ومنتهكى الأعراض والمتحرشين، والمسئولين الفاسدين، بعدما أيدت محكمة جنح الجمالية، أمس الأول، حكم الحبس بحق الباحث بتهمة ازدراء الدين الإسلامى.

اعتبرت المحكمة أن إسلام تعدى على أئمة الإسلام بوصفه لهم بالتخلف والعته والسفه، بجانب قوله إن كتب التراث الإسلامى هى سبب وجود ظاهرة الإرهاب فى العالم، فضلا على لعن المتهم ثوابت الدين وتصريحاته المشككة فى الأحاديث النبوية، وأئمة المذاهب الأربعة، وتعمد إعطاء المعلومات المغلوطة للجماهير والتشكيك فى الثوابت الدينية وإهدار ثوابت علم الحديث ومصادره، دون امتلاكه أى سند صحيح.

ولو كان الإمام أبوحنيفة، حياً، لكان مصيره السجن مع إسلام، لأنه مارس نفس الممارسات التى تعتبرها المحكمة تهمة تستحق العقاب، حيث كان يدعو إلى إعمال العقل فى النظر ويرد الأحاديث المنسوبة إلى النبى كذباً ــ إذا شك فى مصدرها أو قائلها ــ وهو نفس الأسلوب الذى استخدمه جميع الفقهاء وكبار جامعى الأحاديث مثل ابن حنبل والبخارى ومسلم صاحبى الصحيحين.

2

القاضى الذى أصدر الحكم وزميله الذى أيده، كلاهما، يعرفان مواد الدستور المرتبطة بقضايا حرية الرأى والتعبير والتفكير، والتى تم الاحتفاظ بها رغم تعديل وتغيير الدستور عدة مرات فى نحو نصف قرن، حيث تؤكد المواد من 64 إلى 67 أن حرية الاعتقاد مطلقة وحرية الفكر والرأى مكفولة.

ومنح الدستور أيضاً لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، ونص على أن حرية البحث العلمى مكفولة، وتلتزم الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها، أما حرية الإبداع الفنى والأدبى فهى مكفولة أيضاً، وتلتزم الدولة برعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.ووجه الدستور القضاة والنيابة العامة بأنه لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى.

هذه المواد الموجودة فى الدستور المصرى، موجودة أيضاً فى أعتى دساتير ديمقراطيات العالم، حيث تحمى الرأى والتفكير والبحث هناك، لكنها غير قادرة فى الوقت نفسه على إنقاذ الأدباء والمفكرين والكتاب والباحثين، من السجن، أو القتل أحياناً فى مصر.

يسرع رجال النيابة العامة والقضاة بحماسة غريبة فى معاقبة باحث مهمته التقليب فى التراث لفحص الوقائع وانتقاد الأشخاص والأفكار، ويعتبرون مهمته التى يحميها الدستور، جريمة تستحق الجزاء، رغم أن مواد القوانين أو الدستور، كاملاً لا تنص على حماية الفقيه الإسلامى، ابن تيمية، أو أحد الصحابة، لأن التقييم والنقد نشاط علمى وليس سلوكاً معيباً، وإلا لكان من الواجب إلغاء الدراسات العليا التى يلتحق بها آلاف الطلاب سنوياً فى أقسام كليات الآداب والدراسات الإسلامية.

3

تنتظر الكاتبة الصحفية، فاطمة ناعوت، نفس مصير إسلام، حيث عاقبتها محكمة أخرى بالسجن 3 سنوات، بنفس التهمة (ازدراء الأديان)، إثر تدوينة، نشرتها فى أكتوبر 2014 على «فيسبوك»، قالت فيها: «كل مذبحة وأنتم بخير»، فى إشارة إلى الأضحية، وحددت محكمة جنح مستأنف الخليفة، 31 مارس المقبل، لنظر استئناف الحكم لوقف تنفيذه. وصف ناعوت للأضحية بـ«مذبحة»، لم يجرح المحامى الذى قدم بلاغاً ضدها، ولم يهدف من وراء القضية إلى الدفاع عن الإسلام، لأن الدفاع عن الدين وسيلته الوحيدة الرد بحكمة وبالكلمات الحسنى، ومواجهة الحجة بالحجة، لكنه أراد الانتقام منها بسبب آرائها السياسية، حيث يتجه عدد كبير من المحامين الإسلاميين للانتقام من معارضى جماعة الإخوان، إلى المحاكم مستغلين شطط البعض فى التعبير عن الرأى، للإيقاع بهم فى السجن.

4

كاد رسام الكاريكاتير إسلام جاويش، أن يسقط فى أيدى أعداء الحرية، حيث ألقت الشرطة القبض عليه منذ أيام، وقال له، ضابط المصنفات الفنية: «أنت بترسم رسوم مسيئة بها إسقاط سياسى»، ولم يكن قول الضابط هو التهمة الموجهة إلى جاويش فى المحضر، إذ تم إطلاق سراحه فى النهاية، بعد أن تناولت وسائل الإعلام العالمية خبر القبض عليه، فى فضيحة مصرية لم تعد مستغربة.

وإسلام شاب برىء للغاية، لا يهوى البطولة الزائفة، إذ قال فى تعليقه على واقعة القبض عليه،: «لا أكن للرئيس السيسى ولا أى شخص بعينه عداوة، وعندما أنتقد أقوم بعملى بشكل ساخر دون أن تتضمن رسوماتى سبابا أو إهانة، والتزم بالقواعد المهنية وانتقد الشخصيات بشكل ساخر، وهذه هى حرية الرأى والتعبير المكفولة فى الدستور».

أما الرئيس الذى تم اتهام إسلام بتناوله فى رسومات موقع «كلمة»، فقال فى مداخلته مع الإعلامى، عمرو أديب، للتعليق على الواقعة التى «قلبت مصر»: «أنا مش زعلان من إسلام ولا غيره، والله ما بزعل من حد»، فى إشارة كررها الرئيس عدة مرات حتى لا يتطوع أى شخص لمحاولة الانتقام من ناقديه، بأى شكل.

5

وصل حد الترصد للأدباء والمبدعين لمستوى اتهام صحيفة بأنها تنشر مقالا يخدش الحياء العام وينال من قيم المجتمع وهى التهمة الموجهة إلى الروائى أحمد ناجى، ورئيس تحرير جريدة أخبار الأدب، وطارق الطاهر، الذى نشر جزءاً من رواية ناجى تحت عنوان «استخدام الحياة»، ورغم أن المحكمة برأت الطاهر وناجى، إلا أن أثر التهمة سيظل يلاحق أى روائى أو مسئول نشر.

تهمة الطاهر وناجى «خدش الحياء العام» لم يوجهها طابور المحامين مدعى حماية الأديان والأخلاق لآلاف الراقصات فى حفلات الزفاف وفى صالات الفنادق، رغم أنه عمل قائم فى الأساس على خدش الحياء، لكن تحريك الراقصات أجسادهن لم يزعج أحداً، بينما أقلقهم خيال الأديب، الذى تحيا كلماته بين دفتى كتاب.

تحمى الدولة الراقصات وتمنحهن ترخيصاً للعمل، ومن قبل، ساهمت فى تأسيس فرقة للفنون الشعبية، ومنحت أبطالها الأوسمة واعتبرتهم سفراء لمصر وجزءا من قوتها الناعمة، وهو أمر تستحق عليه التقدير، ولكن نفس الدولة تهدر أى نعومة لقوتها حين لا تفرض نفس الحماية على الأدباء والمفكرين، القادرين على استعادة هذه القدرات.

6

لم تلفت الأحكام التى تنهال على رءوس أصحاب الرأى، نظر أى عضو بلجنة الخمسين التى وضعت الدستور، حيث فسرت المحاكم مواده، بالتناقض التام مع مقاصد المشرع الدستورى، الذى اعتبر حرية الرأى مطلقة، لا يمكن تقييدها بأى قانون أو لائحة.

أما النواب الذين أقسموا على الدستور، فلم يفزع أحدهم من مصادرة الحريات، بحكم قضائى، وهو إجراء يكشف أن السلطات القائمة على تنفيذ الدستور تتناقض فى فهمه وتطبيقه، فلم يتقدم أى منهم بمشروع قانون أمام المجلس ينتصر فيه للحرية التى طالبت بها الثورة فى ميدان التحرير، ولم يتم ضبط أى من أعضاء المجلس متلبساً بالدفاع أو القلق على الحرية.

7

يتفق المجتمع والحكومة والسياسيون على اختلافهم فى أمر واحد، هو ضرورة، وأد الحريات ومحاصرة الكلمة وكتم الضحكة الساخرة، كل على طريقته، كان حكم جموع المواطنين المؤيدين للرئيس السيسى، بمنع ظهور باسم يوسف، أقوى من رغبة بعض أجنحة السلطة فى إسكاته، كانوا يتقبلون منه السخرية من الإخوان والسلفيين وأنصارهما، ويضحكون معه، لكنه حين مس «بطل 30 يونيو»، انزعجوا وغضبوا، وتمنوا أن تسقط صاعقة تخرس باسم، فسكت.