منال لاشين تكتب: النهاية السوداء لـ «السلف والدين»
■ بتعليمات الصندوق باعت حكومة نظيف بنك الإسكندرية بـ11 مليار جنيه بعد أن أنفقت عليه 10 مليارات
■ طرح حصة بنك القاهرة والمصرف المتحد تمهيد لقرض من الصندوق
■ سكينة البيع كانت على رقبة بنك القاهرة لولا تدخل حاد من وزير الدفاع
■ المشير طنطاوى عرض على مبارك شراء بنك القاهرة
1- الحكومة وافقت على خفض الرواتب وخصخصة الكهرباء وإنهاء عصر الدعم حتى تحصل على ضامن لقرض البنك الدولى
«الكذب مالوش رجلين» مثل شعبى لم تسمع به الحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية، وربما يكون جهل الحكومة بذلك المثل التراثى هو أحد أسباب أنها تكذب كثيرا فى تصريحاتها وردودها، وبالطبع الكذب السياسى متوقع فى عالم السياسة، ولكن بشرط وحيد ألا يتم كشف الكذب.
ولكن الكذب فى الحكومة المصرية سرعان ما ينكشف بالجهود الذاتية للحكومة أحيانا، وبمبادرات خارجية أحيانا أخرى.
ولكن من سوء حظ حكومة المهندس شريف إسماعيل أن الجهود الذاتية تلاقت هذا الأسبوع مع المبادرات الخارجية، ولذلك وعلى طريقة الكلمات المتقاطعة يمكن أن تكمل الحروف التى أخفتها الحكومة لتظهر الحقيقة كاملة. حقيقة العلاقة بين الحكومة المصرية والبنك وصندوق النقد الدوليين، أو بالأحرى علاقة إجراءات الحكومة الاقتصادية الأخيرة وقروض المؤسستين الدوليتين، وضع ألف خط تحت الجملة الأخيرة، فنحن أمام طريق ينتهى بقرضين وليس قرضاً واحداً.
إجراءات أم تعهدات
نشر البنك الدولى وثيقة الأسبوع الماضى عن الإصلاحات الاقتصادية للحكومة المصرية، وتتضمن الإصلاحات تعهداً بخفض رواتب الموظفين بنحو 60 مليار جنيه على 3 سنوات ، ولاحظ أن الكشف عن الوثيقة جاء بعد أيام من اعتراف الحكومة حول الرواتب، فقد قالت الحكومة فى البرلمان إن إلغاء قانون الخدمة المدنية يكلف الموازنة 14.5مليار جنيه، وهو ما يكشف أن تطبيق قانون الخدمة المدنية خفض بند الرواتب بنفس المبلغ.
لم تكن الرواتب أو بالأحرى خفضها هو البند الوحيد فى وثيقة البنك الدولى فهناك بنود أخرى تمس حياة المواطن بشكل مباشر وحاسم أو بالأحرى ظالم. من بين هذه البنود خصخصة جزئية فى قطاع الكهرباء بحيث تتقلص نسبة الحكومة من 92% إلى 85%، ولكن فى مجال إنتاج الطاقة المتجددة فإن المطلوب من الحكومة أن تسمح للقطاع الخاص بإنتاج 1500 ميجا وات.
وبالطبع خفض فاتورة دعم المواد البترولية لها أولوية فى برنامج الإصلاح أو الاتفاق بين الحكومة والبنك، فى هذا الإطار وعلى سبيل المثال فإن التعهدات أو البرنامج الإصلاحى يؤدى إلى بيع الكهرباء للمواطن بـ45 قرشاً للكيلو، مرة أخرى لجميع فئات المواطنين سعر الكهرباء بعد الثلاث سنوات 45 قرشاً للكيلو.
وبالطبع فى قلب هذه الإجراءات أو التعهدات تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة
من ضمن الخطة ببعض البنود التى تشمل إجراءات تنشيط الاستثمار وذلك من خلال تحسين بيئة الاستثمار.
وهذه الإجراءات أو التعهدات كانت ضمن اتفاقية قرض البنك الدولى الذى حصلت عليه مصر بقيمة 3 مليارات دولار على ثلاث سنوات.
بالطبع سارعت الحكومة ممثلة فى وزيرة التعاون الدولى الدكتورة سحر نصر بالنفى، وبحسب نصر فإن هذه الإجراءات مطبقة فى برنامج حكومى منذ عام 2014.
ضامن أم مقرض
وبالطبع لم تكذب سحر نصر فى حكاية وجود برنامج إصلاحى منذ حكومة الدكتور الببلاوى، وممكن الحكومة تضيف أن البنك الدولى لا يشترط شروطاً لإقراض الدول عكس صندوق النقد، وبالمثل ستكون هذه المقولة أو الجملة صحيحة ولكنها أيضا جملة ناقصة أو نصف الحقيقة.
القرض الأخير الذى وقعت عليه مصر أخيرا مع البنك الدولى له وضع خاص جدا.لأن مصر حصلت فى هذا القرض على ثلاثة مليارات دولار إضافية فوق القروض المقررة لمصر، وذلك بحكم عضويتها فى البنك الدولى.
ولكن نظرا للفجوة التمويلية أو بالأحرى أزمة الدولار ونقص الاحتياطى. نظرا لهذا وذاك اضطرت مصر أن تطلب قرضاً بـ3 مليارات دولار وليس بمليار واحد، وحتى يوافق البنك كان له شرط إضافى، وكان شرط البنك الدولى هو الحصول على ضمانة إضافية، أو ضامن للقرض، والضامن كان شهادة من صندوق النقد عن وضع الاقتصاد المصرى والبرنامج الإصلاحى الذى تنوى الحكومة تطبيقه.
من هنا جاءت وثيقة البنك الدولى بالحديث عن برنامج الإصلاح الذى وافق البنك بسببه على القرض.
ولذلك من دواعى الخلط القول إن البرنامج حكومى.لأن هناك فارقاً بين أن تضع الحكومة برنامجا قد تغيره طبقا للظروف أو تعدل فى بنوده أو تلغى بنوداً أخرى من ناحية، وبين أن تحصل بموجب هذا البرنامج الحكومى على قرض من مؤسسة دولية من ناحية أخرى، ففى حالة القرض يتحول البرنامج إلى إلزام أو تعهد دولى، وهذا وضع خطير، خاصة أن هذه التعهدات تزيد الضغط على طبقات شعبية ومتوسطة تعانى بالفعل أشد المعاناة.
قرض الصندوق
ورغم خطورة الوضع فإن هناك المزيد من المخاطر أو الكوارث. لأن استمرار الفجوة التمويلية أو نقص الاحتياطى يدفع بالمزيد من القروض، ويظهر فى المدى المتوسط أو القريب لجوء الحكومة لقرض آخر. قرض أكبر من 3 مليارات دولار.قرض من مؤسسة دولية أخرى، على بلاطة قرض صندوق النقد، وقد أبدى الصندوق استعداده لمنح مصر قرضاً يصل لـ6 مليارات دولار، وتكرر العرض أكثر من مرة، وكانت تصريحات بعض الوزراء المعنيين عدم استبعاد إمكانية الحصول على قرض الصندوق.
ويعزز من قرب هذا التوجه وجود برلمان منتخب، ولكن ثمة خطوة استباقية مرت علينا مرور الكرام. هذه الخطوة هى الإعلان عن طرح حصص فى بنوك عامة فى البورصة.
بحسب مصادر اقتصادية فإن بنك القاهرة هو أكثر البنوك عرضة لطرح حصة منه، وبحسب نفس المصادر فإن الإعلان كان رسالة أو بالأحرى تمهيداً لخطوة قرض الصندوق.
لقد كان بيع البنوك العامة على رأس شروط صندوق النقد قبل ثورة 25 يناير، وتنفيذا لهذا الشرط باعت حكومة أحمد نظيف بنك الإسكندرية «80% من أسهم البنك»، وأنفقت الحكومة على إصلاح البنك لجعله صالحا للبيع عشرة مليارات جنيه، وباعته بعد ذلك بـ11 مليار جنيه، فى ذلك الوقت كاد سيف البيع أن يقطع رقبة بنك القاهرة، واتخذت خطوات لتجهيز البنك للبيع، ولم يوقف السخط الشعبى خطوات البيع، فمبارك لم يكن يضع الشعب فى حساباته، ولكن تدخل وزير الدفاع الأسبق المشير طنطاوى عزز الرفض الشعبى. بل إن المشير طنطاوى عرض على مبارك أن يقوم الجيش بشراء البنك.
وبعد ثورة 25 يناير وفى حكم الإخوان الأسود عاد شبح بيع حصة من بنك القاهرة مرة أخرى، وارتبط ذلك التوجه السرى بعودة المفاوضات مع صندوق النقد.
الآن وبعد ثورتين يعود الإعلان عن بيع حصص فى بنوك عامة، والأرجح أنها بنك القاهرة والمصرف المتحد مرة أخرى، وذلك فى خطة استباقية لتفاوض مستقبلى مع صندوق النقد. أو بالأحرى لتوفيق أوضاع الاقتصاد المصرى مع شروط الصندوق.لحظة التفاوض على قرض آخر، ولكن هذه المرة التفاوض مع صندوق النقد، وتجربتنا مع الصندوق هى وضع برنامج يسمى إصلاح الاقتصاد، وهو اسم مهذب أو حركى لتنفيذ شروط الصندوق.شروط طبقها الصندوق مع مصر ودول أخرى عديدة، وعلى رأس هذه الشروط مزيد من انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادى، ومزيد من الشركات العامة وحصص البنوك للبيع، ومزيد من تخفيض الدعم وتقليص الرواتب.
ربما تحقق شروط الصندوق تحسنا فى المؤشرات الاقتصادية.. زيادة فى الاستثمارات الأجنبية وارتفاعاً فى معدل النمو. مجرد أرقام ومؤشرات.
ولكن بناء مصر الحديثة بعد ثورتين لا يحتاج إلى روشتة الصندوق، لأن نجاح المجموعة الاقتصادية فى حكومة نظيف لم يحم حكومة مبارك ولا نظامه.
نحن لا نحتاج إلى إعادة إنتاج نظام مبارك الاقتصادى.أو بالأحرى مصر لا تحتمل إعادة سياسات وتوجهات نظام مبارك. سياسة تحميل الفقراء وبقايا الطبقة المتوسطة مزيداً من الأعباء، ومزيداً من تقليص الخدمات العامة.
مصر الحديثة تحتاج إلى نظام اقتصادى يضمن تنمية شاملة، وليس مجرد نمو.نظام اقتصادى يحافظ على ثروات مصر خاصة البنوك، ولا يفرط فى هذه الثروات بدعوى الخصخصة أو تنشيط البورصة.
نظام اقتصادى لا يتحرك تحت ضغط أزمة الدولار.لأن ضغط الأزمة الاقتصادية كان وراء قرض البنك الدولى، أو بالأحرى اللجوء لضمانة صندوق النقد، ويجب أن نفكر أن هناك طريقاً اقتصادياً آخر.توجه اقتصادى يقطع الطريق على اللجوء لقرض الصندوق.نحتاج إلى التفكير بعمق أكثر وأن نستخدم ذكاء بعض المسئولين فى حل اقتصادى، بدلا من استخدام ذكائهم فى الترتيب لقرض آخر والبدء فى تنفيذ شروط المقرض قبل الإعلان عن القرض.
مؤتمر «اتحاد المصارف» شعاره
عندك بنك.. تبقى مواطن
اتحاد المصارف العربية هو منظمة تابعة للجامعة العربية. حلم أعضاء الاتحاد من البنوك العربية هو حلم كل عربى. أعضاء الاتحاد يحلمون بالوحدة العربية على طريقتهم. فى مؤتمر الاتحاد بشرم الشيخ، والمؤتمر عقد بشرم لدعم السياحة فى مصر.
الحلم العربى عبر عنه رئيس الاتحاد الأستاذ محمد بركات. حلم التكامل بين البنوك العربية لتحقيق التنمية فى الوطن العربى، وأضاف رئيس البنك الأهلى هشام عكاشة أمنية تفصيلية أن تتعامل البنوك العربية مع بعضها بدون وسيط.فالبنوك العربية الثرية تضع استثماراتها فى البنوك الأجنبية، وتقوم البنوك العربية الأخرى باقتراض هذه الأموال من البنوك الغربية، وفى الحالتين يستفيد الأجانب من العرب.
مؤتمر الاتحاد اهتم فى دورته بقضيتين وهما المشروعات الصغيرة ومحاربة الإرهاب.
عندك بنك
عندك بنك سؤال يستخدمه المصرى للتعبير عن سؤال هل تتعامل مع بنك؟ أو عندك حساب بنكى؟
وإجابة هذا السؤال هى بالضبط مفهوم التعبير الاقتصادى الشمول المالى.أن يتاح للجميع الوصول للخدمات المصرفية بسهولة وبأسعار معقولة، وهذا المفهوم بعيد عن الوطن العربى، بنفس الدرجة التى يغيب فيها المفهوم عن مصر.يقول بركات إن 18% فقط من سكان الوطن العربى يملكون حسابات مصرفية، ويضيف أن النسبة تبلغ 43% فى الدول النامية، وعن الحالة المصرفية قال هشام عكاشة إن عدد المواطنين الذين يملكون حسابات فى مصر 8 ملايين مواطن، خمسة ملايين منهم عملاء لدى البنك الأهلى، وبشفافية كاملة أضاف عكاشة أن نصف حسابات عملاء البنك الأهلى تبلغ 1000 جنيه أو أقل، ومع ذلك يرى عكاشة أن هذه الحسابات الصغيرة تعزز تعاملات المواطن المصرى مع البنوك، وبالمثل يرى عكاشة أن التحول فى صرف رواتب الموظفين من خلال البنوك بدأ يؤدى إلى زيادة تعامل المواطنين مع الخدمات المصرفية.
وخلال المؤتمر طرحت أفكار عديدة لزيادة نسبة المتعاملين مع البنوك فى مصر والوطن العربى. مثل استغلال انفجار المحمول وربط شراء المحمول ودفع الفاتورة بفتح حساب بنكى، واقترح رئيس بنك الاستثمار العربى الأستاذ هانى سيف النصر عدة اقتراحات فى ذلك الملف، وقال سيف النصر إن على البنوك أن تقدم تسهيلات لجذب المواطن للتعامل مع البنوك، واقترح سيف النصر تبسيط إجراءات فتح الحساب، وقال إن مصرفه خفض الأموال اللازمة لفتح الحساب ليصل إلى مائة جنيه، وانتقد مبالغة بعض البنوك فى زيادة الأموال لفتح الحساب.
ولاشك أن هناك أسباباً وجيهة جدا لزيادة نسبة المتعاملين مع البنوك.على رأس هذه الأسباب حماية المواطن من النصب وإتاحة أموال لتمويل مشروعات التنمية، والأهم منع تسرب أموال الإرهاب خارج القطاع المصرفى، وتحقيق الشمول المالى أو رفع نسبة المتعاملين مع البنوك يحقق كل هذه الأهداف بحسب بركات، وقد أشار هشام عكاشة إلى تجربة مصرية لبناء علاقة بين البنوك وتلاميذ المدارس والجامعات، واستعرضت مدير المعهد المصرفى الدكتورة منى البرادعى التجربة بتفصيل أكبر، وكشفت أن المبادرة وصلت إلى أكثر من مليون مواطن.
بنوك لراحتك
تناول المؤتمر الذى استمر لثلاثة أيام قضايا مصرفية فنية ومتخصصة، ولكن الجلسات لم تخل من الفكرة الرئيسية، وهى جعل البنوك فى خدمة المواطن فى مصر والوطن العربى. من لبنان استعرض نائب حاكم مصرف لبنان «البنك المركزى» د. سعد عندارى تجربة مهمة، وهو تقديم قروض صغيرة للتعليم بفائدة 3% ولمدة 15 سنة، وذلك لإتاحة الفرصة لتعليم أفضل للشباب، وأضاف سعد أن مصرف لبنان يجتمع كل فترة مع سيدات الجمعيات النسائية، والسبب للتأكد من عدم وجود تمييز ضد المرأة فى قروض البنوك. اقتراح آخر من الجلسات لصالح النساء. الاقتراح بأن تقدم البنوك قروضاً صغيرة لإنشاء الحضانات، وأن تقدم البنوك قروضاً صغيرة لإنشاء مطاعم الوجبات الجاهزة لمساندة المرأة العاملة، وكانت هذه الاقتراحات فى إطار مناقشة زيادة حصة المشروعات الصغيرة من قروض البنوك.
وكالعادة كشفت المناقشات أن كل العرب سواء فى هذه القضية 1.8%من هذه المشروعات فقط لديها فرصة للحصول على تمويل من البنوك، وبحسب الأرقام أيضا هناك 17 مشروعاً لكل ألف مواطن، بينما يبلغ المعدل العالمى 42 مشروعاً لكل 1000 مواطن، ولا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية فى ظل هذه الأرقام أو حتى مجرد الحلم، ففى الصين تمثل المشروعات الصغيرة 84% من صادرات الصين، ولكن رغم الأرقام العربية المحبطة.فإن ثمة تجارب أو أخباراً سعيدة. من تونس والمغرب تجربة ناجحة للمشروعات الصغيرة وهى المشروعات العنقودية، ومن مصر مبادرة الرئيس السيسى بتخصيص 200 مليار جنيه للمشروعات الصغيرة، وتخصيص 20% من قروض البنوك للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفى الحالة المصرية سيؤدى هذا التوجه إلى تنشيط الاقتصاد، وزيادة نسبة المتعاملين مع البنوك، ولكن فى مصر وكل بلدان الوطن العربى يجب أن يرفع الجميع شعار عندك حساب بنكى تبقى مواطن، ويجب ربط معظم الخدمات الحكومية بفتح حساب بنكى أو بالتعامل من خلال البنك، وهذا الشعار يترجم توصيات مؤتمر اتحاد المصارف العربية.