محمد مسعود يكتب: عندما بكى الرجال

مقالات الرأي



10 سنوات على وفاة 1033 مصريا فى العبّارة المنكوبة «السلام 98»

لم يلق تحية الوداع، ولم يملأ عينيه بصورة الأهل والأحبة، تركهم.. ليعود إليهم فى لقاء جديد، غير أن اللقاء لن يتجدد، لأنه بكل أسف.. ورغما عن إرادته، خرج ولم يعد، ولو علم بقدره، ما كان ليتنازل عن حضن أخير، يكاد يدفئه قبل أن تضربه برودة الماء وقسوة أمواجه.

مالت الباخرة، كميل حظه، أيقن أنه فى لحظاته الأخيرة، سيموت دون سابق إنذار، ليلقى ربه فى سلام، وتلقى أسرته مصيرها بعده.. فليس بعد الموت عودة، وليس على سوء الأقدار ملام.

مات.. ومات من معه، لم يبق منهم سوى حسرات فى نفوس حزينة، ودموع فى عيون مظلمة، وغضب مكتوم فى قلوب مكلومة، لأن الوالد أو الأخت أو الابن أو الشقيق، أصبح رقما فى ملفات حكومية، رقما قد تزيد فيه الأصفار أو تقل.. لكنها فى النهاية تعود أصفارا.. لا تسكن ألم فراق، أو تعوض اشتياق رحيل.

ولأن النار لا تكوى إلا من يمسكها، فالمجتمع يتعاطف مع الضحايا، يكاد أن يموت عطفا عليهم، وتتغير الصور على صفحات التواصل الاجتماعى بصورهم، ثم يمر الأمر مرور الكرام.. مجرد تعويض يصرف لأسرة المتوفى، قبل أن تعود الحياة إلى طبيعتها، فسخونة الحدث تبرد، قبل أن تبرد الجثة فى رقادها، ويتم اختزال أوجاع ذويهم وحسراتهم فى جملة مقتضبة تعبر عن حقيقة الموقف «الله يرحمهم».

فى الأسبوع الماضى، مرت الذكرى العاشرة لرحيل 1033 مصريا دفعة واحدة، فى حادث غرق العبارة المنكوبة «السلام 98» التى يمتلكها رجل الأعمال ممدوح إسماعيل، عشر سنوات بالتمام والكمال مرت، ولم يبق من ذلك اليوم سوى عناوين الفرح بفوز مصر بكأس الأمم الإفريقية 2006 فى قلب القاهرة، وحمل حسن شحاتة ولاعبيه على الأعناق، فى الوقت الذى كانت فيه النعوش تساق إلى مثواها الأخير.

خرج الآلاف فى الشوار لا ليودعوهم، وإنما للرقص والغناء حتى الصباح الباكر، للفوز ببطولة قارية غابت عن مصر لسنوات طويلة، وكأن البطولة الغائبة، أهم من شخص مات وسيغيب إلى الأبد.

وقتها.. خرج علينا المؤلف محسن الجلاد بنية كتابة مسلسل عن العبارة الغارقة تلعب بطولته الفنانة يسرا، وذهب لحضور جلسات القضية بالغردقة للشروع فى كتابة سيناريو المسلسل، قبل أن ينتهى الكلام عن العمل نهائيا، فمثلما لا يعلم أحد لماذا فكر الجلاد فى المسلسل، لم يعلم أحد لماذا لم يقم بكتابته، تخليدا -على الأقل- لذكرى القتلى الذين كتب عليهم الموت غرقا فى العبارة المنكوبة، وقد يكون تراجعه عن الكتابة نابعا من ضخامة التمويل وعدم تحمس المنتجين لإنتاجه.

فى جميع الأحوال، فإن شهداء العبارة «السلام 98»، ظلموا أحياء بقتلهم غرقا، وظلموا أمواتا بتجاهلهم وإقامة الأفراح بعد موتهم مباشرة.

والحقيقة أن الحكومات المتتالية تعتبر الضحايا مجرد أرقام تعويضات، تقدر حسب ضخامة الحادث، وليس حسب فاجعة ذويه بفقدانه.. ويبقى المجتمع فى تعاطفه المؤقت والمحدود إلى أن يبرد الحدث.

تحية لأرواح ضحايا العبارة المنكوبة الطاهرة.. وتحية لروح من يموت شهيدا دفاعا عن وطنه.