د. رشا سمير تكتب: حرية رأى ام ازدراء مجتمع؟!
من حق كل إنسان أن يفكر ومن حقه أن ينحاز لفكرة اختار أن تكون قضيته.
ومن حق المجتمع أيضا أن يصنع قيمة ويقدمها لأجيال افتقدت المعنى الحقيقى للقيم والأخلاق.
إذن من حق كل إنسان أن يفكر وليس من حق المجتمع أن يحجر على أفكاره.
فيظل من حق كل إنسان أن يفصح عن أفكاره بالكلمة وعن معتقداته بالموقف.
ولكن هل تنتهى حريتنا عند حدود حرية الآخرين؟ أم أن للحرية سماء رحبة لا حد لها، حتى لو جار كل منا على حقوق الآخر؟!
بالأمس كان الشاب الذى يتجرأ على التحرش بفتاة لفظا، يُساق إلى قسم الشرطة لتتم إزالة شعره بالموس تماما حتى تصبح رأسه الجرداء علامة وعبرة على تجرده من الأخلاق..بل يتم ذلك بموافقة ذويه الذين كانوا وبكل شجاعة يصدقون على عملية تقويم أخلاق ابنهم..كان التقويم رسالة الجميع..دولة وحكومة وأفرادا.
واليوم أصبحت مأساة المجتمع أنه يكيل بمكيالين.. فما تراه أنت سبًا وقذفًا أراه أنا حُرية رأى.. وماتراه أنت على أنه احترام يحسبه غيرك جُبنًا وخوفًا من المواجهة.
كنا نتابع باسم يوسف ونسقط على ظهورنا من الضحك على ايفيهاته ونكاته الخارجة وإيحاءاته الجنسية وسقطاته البذيئة بكل سرور وسعادة لأنه ببساطة كان على كيفنا!
ولكن عندما قرر التطاول بنفس الأسلوب على الرئيس الذى اخترناه طاله الهجوم ونبذه المثقفون ومزقه ضيوف الفضائيات..واليوم تأتى أبلة فاهيتا بنفس الأسلوب الرخيص لتصبح نجمة الفضائيات، وسرعان ما ينقلب عليها الجميع.. ويقرر شابان تافهان اللهو بالتطاول على جندى مسكين يعرض حياته للخطر وهما يستهزئان به وبعواطفه تحت مسمى «أصلنا كنا بنهزر»!..فيقوم ضدهما المجتمع وتتحول نكتتهما إلى كارثة..هل هى حرية أم سوء تربية؟.
وهل خروج شباب الألتراس بهتافات ضد المشير حرية رأى نابعة من ألم وحسرة على زملائهم الذين راحوا بلا ثمن أم هو تطاول على هيبة الدولة؟..هل يجب أن تحتويهم الدولة أم يجب عليها محاربتهم؟ وضعا فى الحسبان أن العنف لا يولد إلا المزيد من العنف.
وماذا عن رنا السبكى التى تُحاكم بقضية خدش حياء المجتمع بإنتاج أفلام أقل ما يُقال عنها إنها أعمال تافهة مُسفة تتدنى بأخلاق المجتمع، هل هى جناية أم حرية تعبير؟!
ويأتى إسلام بحيرى الذى يقرر أن يقرأ فى الدين الإسلامى ويُعمل عقله ليخرج مُقرا بأن الدين الإسلامى «بحسب كلامه» هو دين دموى لا يفرق أوائله كثيرا عن دواعشه؟!
هنا قام المثقفون فهاجوا وماجوا وبعدما تم الحكم عليه مصمصوا شفاههم مُمتعضين مُعترضين، ثم فر كل منهم إلى حال سبيله ليبحث عن سبوبة جديدة!.. أخيرا ودفاعا عن فاطمة ناعوت التى اتهمت المسلمين بأنهم أصحاب أكبر مذبحة دموية فى عيد الأضحى، مقتدين برجل من الشيوخ الصالحين رأى حُلما أو كابوسا ليتحول العالم من بعده الى بركة دماء!..فيعود المثقفون مرة أخرى للتكاتف وتتضرر النُخبة من الحجر على أفكار المثقفين مناشدين الرئيس، مُهاجمين القضاء.. هكذا أصبح اليوم من حق البشر أن يهاجموا ثوابت الدين حتى لو كانت الأضحية مذكورة نصا فى القرآن الكريم، فهذا مجرد اجتهاد شخصى!..
يا سادة أنا لست مع أحد ضد أحد.. أنا مع مجتمع اختلت كفة موازينه وأصبح الكيل فيه بألف مكيال..فنحن مع الشىء وإن كنا مع ضده..وما نسميه اليوم (حرية) غدا نصفه بأنه (خطيئة).. إننا نصدر صورة كريهة للأجيال القادمة، نعلمهم أن الحرية ليست إلا ازدراء للمجتمع..وأن الحق كلمة لا يُراد بها سوى باطل.
ما يضحكنا اليوم يجب ألا يبكينا غدا وما ندافع عنه اليوم لا يصح أن ننقلب ضده غدا.
فحرية الفكر والرأى يجب ألا تأخذنا إلى هاوية التدنى والابتذال والتخلف الأخلاقى..فما قيمة أن يتقدم المجتمع تكنولوجيا ويتراجع إنسانيا؟.. إن الدول التى ركزت جهودها على تطوير الأفراد هى الدول التى حققت النهضة الحقيقية، والدول التى لم تسع إلا لتطوير الشوارع والأبنية هى الدول التى بقيت للأبد فى محاولة للنجاة من دوامة الفشل.. فمتى يسعى المجتمع إلى نهضة أخلاقية حقيقية؟.