أحمد فايق يكتب: اللعب فى الإعلام

مقالات الرأي




■ قناة قطرية فى لندن تعرض على إعلاميين مصريين إقامة فى إنجلترا ورواتب من 30 إلى 100 ألف جنيه استرلينى فى الشهر

■ شركات عالمية تدعم برامج الفوضى وهدم الثقافة المصرية إعلانيًا بملايين الدولارات

فقدت الجزيرة سيطرتها وقدرتها على جذب المشاهدين منذ 30 يونيو 2013، لم يعد أحد يصدقها، أصبحت تخاطب فئة قليلة جدا من المشاهدين فى مصر والعالم العربى، لم تعد هذه القناة قادرة على تحريك الثورات وتفجير الشعوب، لم يعد أحد يتحمل قناة تتنفس الكذب كل دقيقة.

حاول التنظيم الدولى للإخوان المسلمين استخدام وسائل إعلام أخرى لتحل محل الجزيرة، خرجت تجارب كثيرة فى تركيا، وكلها فشلت أيضا، فلا يستطيع أحد أن يخاطب الرأى العام المصرى، دون أن يمتلك حرفية التعامل معه، وللمصريين خصوصية كبيرة، وتفضيلات فى اختيارات البرامج التى يحبونها.

لقد حاولوا استقطاب صحفيين وإعلاميين كثيرين للعمل فى هذه القنوات وفشلوا فى جمع كفاءات مهنية جيدة، وتوقف الأمر على بعض العناصر الإخوانية التى تتحدث بلغة واحدة لا يستقبلها إلا من هم مثلهم.

لقد أيقن التنظيم الدولى للإخوان المسلمين أن برامج التوك شو والبرامج الإخبارية تتراجع بشكل كبير، وترتيب برامج التوك شو فى الأبحاث أصبح فى نهاية القائمة.

سعت قطر إلى تأسيس شبكة تليفزيون جديدة وتحمل اسم «العربى» ويديرها عضو الكنيست الإسرائيلى السابق عزمى بشارة وهو من عرب 48، الشبكة تهتم أكثر ببرامج المنوعات والأفلام بالإضافة إلى جرعة الأخبار والتوك شو ويبثون من خلالها سمومهم.

لا يستطيع القطريون عمل مضمون ترفيهى مثل ما تقدمه السعودية فى شبكة قنوات إم بى سى أو ماتقدمه مصر فى قنوات سى بى سى والنهار والحياة، لذلك سعوا لجذب العمالة المصرية إلى الشبكة الجديدة، وقدموا عروضا مغرية لمعدين وصحفيين وإعلاميين حتى يعملوا معهم.

الكلام فى البداية أنهم لا علاقة لهم بالسياسة وأنهم يحضرون لمشروع قنوات ترفيهية عامة، ويبدأ جس النبض من خلال أن تطلب مهمة عمل بسيطة بالقطعة، ويحصل من يؤديها على المقابل بالدولار، والمقابل ليس كبيرا بشكل مبالغ فيه لكنه جيد مقارنة بأسعار السوق فى مصر حتى يؤدى هذا إلى إثارة شكوك البعض.

ثم يجمعون معلومات عن الشخص المستهدف ويبحثون عن سيرته المهنية، ويتصلون به لتقديم العرض، العرض ليس بسيطا بل مغرٍ لمئات من العاملين فى قطاع الإعلام المصرى، وقادر على إثارة رغبة الكثير منهم، أنت تتحدث على إقامة فى لندن مع عائلتك ومقابل مادى يبدأ من 30 ألف جنيه إسترلينى فى الشهر ويصل إلى 100 ألف جنيه إسترلينى.

صحيح أن نصف هذا المبلغ يصل إلى الضرائب الإنجليزية، لكنه مبلغ ضخم مقارنة بأى وسيلة إعلام مصرية، والأهم هو الإقامة، فهذه القنوات حصلت على ترخيص من لندن وأسست شركات فى بريطانيا، وهى بالطبع معقل جماعة الإخوان المسلمين فى الخارج، وأيضا معقل كل الهاربين من أحكام قضائية فى مصر فى فترة مبارك بسبب الفساد.

خطورة الأمر أن العرض مغرٍ، فى وقت تعانى فيه المؤسسات الصحفية والإعلامية من أزمات مالية.

المشهد الإعلامى فى مصر أصبح مرتبكا، وأصبح العاملون بالإعلام ضحية لهذا الارتباك، فليس حقيقيا مايروج بأن كل من يعمل بالإعلام يتقاضون الملايين ويعيشون حياة سعيدة، فقط النجوم يحصلون على الملايين، وبقية فريق العمل مثلهم مثل غيرهم فى باقى قطاعات الدولة، هنا يتسلل العرض المغرى لهذه القناة القطرية، وتتسبب فى تفريغ الإعلام المصرى من مواهب حقيقية لا تجد لنفسها فرصة فى أن تطرح نفسها.

تعالوا نقرأ بهدوء شديد.. لو كنت رجل أعمال وتملك فضائيات كثيرة ولديك خلافات مع الدولة لأنك لم تدفع الضرائب المستحقة عليك، فقررت أن تحول فضائياتك فجأة إلى ساحة من المعارضة، حتى تجد طريقة للتفاوض مع النظام، أيهما أكثر ربحا لك؟ فى مصر فقط يحول بعض رجال الأعمال الفضائيات إلى مصاطب للدفاع عن مصالحهم الشخصية، يستخدمونها وسيلة للضغط على النظام لتمرير مصالحهم وصفقاتهم.

هل قرأت الحكومة أو الإعلاميون تقرير صندوق النقد الدولى، والمعروف أنه الأكثر انحيازا لرجال الأعمال، لقد قال إن تراجع الحكومة المصرية عن فرض ضريبة أرباح رأسمالية على البورصة قرار مخيب للآمال، ويحمل الطبقات الفقيرة مزيدا من الضغوط، هذا التقرير صادر عن جهة متهمة دائما بأنها تنحاز ضد الفقراء، هل تتخيلون إلى أى حد هذا القرار يؤثر على المصريين، لقد تراجعت الحكومة لأن رئيس البورصة ومعه مجموعة من رجال الأعمال شنوا حملة فى الفضائيات التى يملكها رجال الأعمال لوقف هذا القانون العادل للمصريين.

هل تعلمون أن الكثير من برامج التوك شو فى مصر تعمل لخدمة مصالح بعض رجال الأعمال، وتحولت إلى عزب خاصة للضغط على الدولة؟من يرى المشهد أيضا من هذه الزاوية سيتخذ جانب بعض وجهات النظر فى السلطة التى تعتبر الإعلام شيطانا يدس سمومه لتفريق المصريين، لكن تعالوا لنرى نفس المشهد من زاوية أخرى، الدولة لديها مبنى فيه 40 ألف عامل يتقاضون شهريا 220 مليون جنيه اسمه ماسبيرو، قنواته لا تأثير لها على الناس ولا تقوم بدورها فى تقديم إعلام محايد، لقد كانت بداية نهاية ماسبيرو على يد دولة المخلوع مبارك حينما أصدرت تعليماتها بأن توجه الكاميرات للنيل وسط غضب ملايين المصريين، لكن المشهد الأكثر مأساوية هو حينما انقطعت الكهرباء عن ماسبيرو لمدة 40 دقيقة، ولم ينتبه أحد إلى أن القنوات الرسمية لا يراها أحد وبالتالى لم يكتشف المصريون الكارثة إلا بعد فترة.

هناك نوع آخر من الإعلاميين من هواة القفز فوق الحبل، يبحثون عن مصالحهم، ويغيرون آراءهم كل دقيقة، فى بعض الأحيان يتضامن من إرهاب الإخوان وفى أحيان أخرى تجده مباركى أو سيساوى، هؤلاء ذكرونى بالمشهد الشهير فى فيلم سوق المتعة، هذا الفتى الذى يفرش لك سجادة الصلاة لو أردت الصلاة ويحضر لك كأس الويسكى والجميلات إذا أردت هذا.

وهناك نوع ثالث يريد تقديم شىء إيجابى ومختلف وهذا النوع لا يجد محطة تتحمس له أو معلن يرعاه، فالمعلنون يرعون فقط البرامج التى تدافع عن مصالح رجال الأعمال، إذا طالب برنامج توك شو فى مصر بعمل ضرائب تصاعدية أو ضريبة أرباح على البورصة فلن يجد معلنا يرعاه فالبرنامج يهدد مصالحه بشكل مباشر.

فى نفس الوقت تتعمد الدولة فى بعض الأحيان ترك المشهد مرتبكا، يحاولون الاستفادة منه، المعلومة غير موجودة، والحقيقة غائبة، والسجن ينتظر كل من يقترب لمؤسسات بعينها.

اللعب فى الإعلام ليس فقط من رجال الأعمال والقطريين ومؤسسات الدولة، هناك أيضا بعض المنتجات العالمية التى تفضل وضع إعلاناتها على برامج الفوضى، فهؤلاء يشجعون نمطا خاطئا من الإعلام ولأهداف لا يعرفها إلا هم أنفسهم.

النهار وسى بى سى فى مواجهة الإعلام القطرى ومليارات إم بى سى

هل تتذكرون كيف تم تدمير سوق الكاسيت فى مصر؟

لقد دخلت بعض الشركات الخليجية ودمرت أجور النجوم رفعتها لأربعة وخمسة أضعاف، تم القضاء على منتجين كبار يستطيعون صناعة نجوم مثل نصر محروس وطارق عبدالله ومحسن جابر، انتهى عصر المنتج الصنايعى ليبدأ بعده عصر أموال بلا حساب، لقد أصبحت بعدها صناعة الكاسيت خاسرة، وضاعت الثقافة والهوية المصرية وسط هذه الخسارة، نفس السيناريو حدث مع السينما والدراما، ويوما بعد يوم تفقد مصر قدرتها وقوتها الناعمة.

إن ظهور شبكة تليفزيون النهار وشبكة تليفزيون سى بى سى مؤخرا فى المشهد من خلال حفلتين لتقديم المحتوى الجديد أعطى أملا كبيرا بالحفاظ على الهوية المصرية.

النهار ستنتج 30 فيلما دفعة واحدة وسى بى سى ستنتج 18 فيلما، النهار وسى بى سى تشتريان المسلسلات المصرية فى مواجهة عنيفة مع إم بى سى التى تدفع أجورا مضاعفة.

النهار تصر على تقديم محتوى مصرى وسى بى سى أيضا وسط محاولات عنيفة لضرب الثقافة المصرية.

هل تعلم أن الوليد بن طلال وقع عقدا مع شركة ديزنى بجلب كل أفلام الكارتون بشرط ألا يتم عمل دوبلاج مصرى لها؟

هل تعلم أن القطريين وقعوا عقودا مع شركات هوليوود الكبيرة يحتكرون فيها حقوق أفلام الأطفال فى الشرق الأوسط بشرط عمل دوبلاج لها بالخليجى أو بالسورى.

لماذا يكرهون اللغة المصرية؟

لأنهم لا يريدون للهوية المصرية أن تسود، فقد حكمت مصر العالم العربى كله بأغانى أم كلثوم وأفلام إسماعيل ياسين وأداء فاتن حمامة وخطابات جمال عبدالناصر.

كانت مفاجأة كبيرة فى ظل أزمة السيولة الكبيرة التى تعانى منها القنوات المصرية أن تخرج النهار بمحتوى جديد وتجدد شاشاتها تقريبا بالكامل، وأن تتمسك سى بى سى بمحتواها المتميز، لقد عدنا إلى عصر الصنايعية، والصنايعية هنا هما علاء الكحكى ووليد العيسوى فهل يصمدان فى مواجهة أموال قطر وإم بى سى؟