عبدالحفيظ سعد يكتب: رسائل المصريين الصامتة للسيسى فى الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير

مقالات الرأي




قطرات المطر.. ولفحة الصقيع المبهجة التى تشبه الأجواء فى العواصم الأوروبية.. تغريك للتجوال فى رحاب ميدان التحرير قبل أن ينتصف ليل الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير.. الميدان هادئ وخال بعد يوم قلق، خشية تحوله لمشهد دموى وعنف.. لكن أحداث اليوم كسرت كل التوقعات لتمر الذكرى الخامسة بسلام وسيولة، بصورة لم يعتد عليه الميدان الذى تركت كل شوارعه مفتوحة فى جميع الاتجاهات، لأول مرة منذ خمس سنوات فى نفس التوقيت.

وعلى عكس مشهد الفض العنيف للميدان فى ليلة 25 يناير2011، ضربت فيه قوات شرطة المتظاهرين بالغاز والعصى، وفرقتهم بخراطيم المياه.. بينما كان يرد المحتجون عليهم بالحجارة، اختفت تلك الصورة تماماً فى ليلة 25 يناير 2016.

تمر فى اتجاه الميدان وأنت قادم من ناحية شارع طلعت حرب مع اقتراب الساعة من منتصف الليل.. رجال الأمن السريون المنتشرون فى شوارع وسط القاهرة، قابعون خلف أزيائهم الشتوية السوداء، يتفحصون المارة الذين لا يزيدون على أصابع اليد. بينما يقف رجال الشرطة الرسميون بأزيائهم المعتادة، تعلو وجوههم البسمة.. وخلت أيديهم من العصى الغليظة أو الدروع الواقية.

يحمل الضابط الأربعينى عند مدخل طلعت حرب فى يده وردة حمراء.. وعلى بعد أمتار فى مدخل شارع محمد محمود، احتفظ زميله الأصغر منه سنا ورتبة بوردة زرقاء.. ويقف بجوارهم أمناء الشرطة ومعهم شيكولاتة، من بقايا الهدايا التى توزعت على مدار اليوم بين رجال الشرطة والمواطنين « الشرفاء».. بينما فى النقطة التى تتجمع فيها قوات الأمن أمام مجمع التحرير وفى الطريق ناحية جامع عمر مكرم، افترش جنود الأمن المركزى الأرض.. يضعون عليها معلبات العدس والكشرى التى جلبوها من محلات وسط القاهرة التى تضاءل روادها فى يوم ممطر، ومشحون بالخوف من أن يستغله الإخوان، ليحولوه ليوم عنف دام، كانت تخطط له قيادات التنظيم فى الداخل والخارج.

سيناريو العنف الذى سعى إليه الإخوان فى الذكرى الخامسة 25 يناير، لم يكن خافيا، عبرت عنه عدة بيانات لقيادات التنظيم، سواء بشكل مستتر كما فعل الهارب محمود عزت والذى يقوم بأعمال المرشد فى غياب المرشد.

وبث عزت الذى يعد أشد وأخطر عناصر الإخوان دموية، رسالة قبل ذكرى 25 يناير بأسبوع كامل، على موقع «إخوان سيت»، حملت رسائل دموية، يدعو فيها عناصر الإخوان للقيام بعمليات إرهابية على طريقة داعش.

وعبرت رسالة عزت المشفرة، عن نية التنظيم، باللجوء للعنف فى الفترة المقبلة كخيار لتنظيم الإخوان، غير أن عزت المعروف عنه بالتمويه والتخفى، اعتمد على أسلوب التشفير فى الرسالة التى خص بها عناصر الإخوان فى الحديث عن إمكانية إجراء لمصالحة وتراجع قيادات الإخوان عن أخطائها أو الاعتذار عن ما قاموا به.

ليطرح وسط الرسالة المكتوبة بلغة تكفيرية رفض الإخوان فكرة الاعتذار، بل ذهب إلى تأكيد أن الاعتذار الذى يدعو الإخوان للقيام به، هو «الاعتذار حتى بالعنف وإراقة الدماء».

ولجأ عزت فى الرسالة المشفرة كعادة التنظيم دائما فى حشر بطولات المسلمين الأوائل فى صراعهم على السلطة بتكفير المجتمع، مستعملا واقعة الصحابى أنس بن النضر الذى ضحى بنفسه فى موقعة أحد. وقاتل حتى اختفت معالم جسده كلها ولم يتم التعرف عليه إلا عن طريق يده.

ودعا عزت الإخوان أن يكون قدوتهم فى التحرك فى الفترة المقبلة، ما فعله أنس بن النضر، وهو القتال حتى الموت، بل أن «عزت» استند لواقعة أنس بن النضر تحديداً والتى تشبه العملية الانتحارية فى توصيفه لتحرك الإخوان، قائلا عزت: «بمثل هذا السلوك (القتال) يعتذر الاخوان، فنسأل الله أن نكون جميعا ممن يلحقون بأنس بن النضر».

وتزامن مع خطاب عزت الداعى للعنف، رسائل تحريضية أخرى من قبل الإخوان وقنواتهم، بداية من الجزيرة وصولا للقنوات الرسمية للتنظيم فى تركيا، تدعو للعنف.

وبدأ الإخوان فى تنفيذ أعمال عنف وإرهاب «نوعية» للتنظيم فى القاهرة الكبرى على طريقة داعش، خاصة التفجير الذى وقع مساء الخميس فى المنطقة السكنية بـ«المريوطية» فى الجيزة، وحمل صبغة تدل على الدموية الإخوانية فى عمليات التفجيرات بعد أن جاءت بطريقة تشبه التفجيرات التى يقوم بها تنظيم داعش الإرهابى.

وجاء تفجير «المريوطية» الذى وقع فى إحدى البنايات السكنية متعددة الطوابق عقب قيام قوات أمن بتتبع بلاغ عن وجود «وكر» للتنظيم الإرهابى، يعد فيه متفجرات وأحزمة ناسفة تستخدم فى تنفيذ عمليات إرهابية من قبل أعضاء تنظيم الإخوان، فى ذكرى 25 يناير.

التفجير الذى أوقع 8 شهداء من الشرطة والمدنيين، بالإضافة لاثنين من العناصر المجهولة، ترجح مصادر أمنية أنهما ينتميان للتنظيم الإرهابى الذى كان يعد عشرات المتفجرات فى الشقة، بغرض استخدامها فى تفجيرات فى العديد من الأماكن بالقاهرة والمحافظات المصرية فى يوم 25 يناير.

التحول الإخوانى فى العمليات الإرهابية على الأرض، بضرب مناطق يتواجد بها المدنيون، تزامن مع دعوات تحريض للعنف والإرهاب، زاد من حالة الخوف من النزول أو المشاركة فى احتجاجات قد يستغلها الإخوان، والخشية على البلد من الفوضى، بل كان كفيلا بإعادة نفس الروح لدى المصريين عندما انتفضوا فى 30 يونيو خوفا على البلد من حكم الإخوان.

الخوف الجمعى لدى المصريين على البلد وأن تضربها أحداث العنف كما يحدث فى البلاد المجاورة، دفعت الجميع أن يتخذ قراراً جماعياً غير مكتوب أو متفق عليه، بعدم الخروج فى الذكرى الخامسة لـ25 يناير، لتفويت أى فرصة للإخوان يستغلونها لإحداث عنف.. فعداء المصريين المستمر للإخوان منذ صعودهم للحكم وحتى بعد خلعهم، يفوق أى مطالب ثورية.. بل أن الرصيد الأكبر لدى السيسى والذى مازال يحمله له المصريون أنه ساهم فى خلع الإخوان من الحكم واستجاب لمطالب الثوار فى 30 يونيو.

لذلك حمل عدم وجود أى مظاهر احتجاج (سوى العشرات الذى خرجوا فى الأقاليم من الإخوان) فى الذكرى الخامسة لثورة يناير رسالة، أن الخوف من استغلال التنظيم الإرهابى، أى أحداث للاندساس فيها، يمنعهم من المشاركة فى أى احتجاجات، ليعبر عن لفظهم القوى للإخوان.

أما الرسالة الثانية، وجود وعى جمعى لدى المواطنين، سواء من الشباب والشيوخ، بضرورة إعطاء نظام السيسى فرصة لتحسين الأوضاع المعيشية وتحقيق مطالب الثورة، مع وجود تحفظات، بعودة ممارسات الشرطة، كما كانت قبل 25 يناير، تمثلت فى تقارير صادرة عن المجلس القومى لحقوق الإنسان رفعها للرئيس، عن وجود تجاوزات فى أقسام الشرطة وصلت لحد الموت تحت التعذيب، مثل ما حدث فى أقسام الأقصر والإسماعيلية و6 أكتوبر.

ويضاف إلى المطالب التى تدعو إلى تحقيق العدالة والتصدى للفساد، وسيطرة جماعات المصالح التى يقودها رجال الأعمال، واحتكار العمل السياسى من أصحاب النفوذ، مما مكنهم من السيطرة على مجلس النواب، مما يمنع تحقيق مطالب الثورة التى خرج بسببها الشباب قبل 5 أعوام وينتظرون تحقيقها الآن.. ولن تقنعهم المشاهد الضاحكة فى توزيع الورد والشيكولاتة بين الشرطة والمواطنين الشرفاء.. بينما بعض من الشباب فى السجون.. ولن يرضيهم إلا تحقيق مطالب ثورتهم حتى لو لم يخرجوا إلى الميادين..!