د. نصار عبدالله يكتب: عندما يصبح القانون أداة للجريمة!

مقالات الرأي




عندما تسوء الأحوال المالية لشخص ما، فإنه فى حالات معينة قد ينحرف، وربما يلجأ البعض تحت وطأة الحاجة إلى الرتشاء أو السرقة، فإذا كان لديهم ميول عدوانية كامنة فإن أسلوبهم غالبا سيكون السرقة بالإكراه! وما ينطبق على الأفراد فى هذا المجال قد ينطبق على الدولة ذاتها، إذ قد تلجأ الدولة التى تواجه ضائقة ما إلى السرقة بالإكراه من مواطنيها أو من غيرهم!! ووسيلتها إلى ذلك هو القانون الذى يتحول من أداة لتحقيق العدلة إلى أداة للخروج عليها!! وفى غالب الأحيان فإن ذلك لا يتم بتوجيهات من السلطة السياسية ولكنه يتم من خلال قيام كبار مسئوليها بإغضاء النظر عما يقوم به بعض موظفيها من سرقات صارخة مخالفة للقانون طالما أن تلك السرقات تتم لحساب الدولة وليس لحسابهم الشخصى!! ...المثال الأجلى على ذلك هو الكتاب الدورى رقم 2لسنة 2009الذى أصدره المستشار ممدوح مرعى (الذى كان للأسف الشديد جدا وزيرا للعدل) وبمقتضى ذلك الكتاب أصبحت رسوم الدعاوى التى يقضى فيها بالرفض أو بعدم القبول، أصبحت تسوى على أساس الطلبات الواردة فى عريضة الدعوى وهو ما يخالف نص المادة 9 من قانون الرسوم القضائية التى تنص بوضوح شديد لا لبس فيه على أنه "فى جميع الأحوال يسوى الرسم على أساس ما حكم به" ووفقا لذلك النص فى قانون الرسوم يتعين تسويتها فى جميع الأحوال على أساس قيمة الحكم الصادر لصالح المدعى، فإذا خسر دعواه ولم يقض له بشىء مما طلب، لا تحصّل منه أية رسوم إضافية غير تلك التى سبق له أن أداها وقت رفعه للدعوى (وهذا هو ما كان يجرى عليه العمل بالفعل قبل أن يقوم وزير العدل بإصدار كتابه الدورى سالف الذكر) ..الغريب أن ما ورد فى الكتاب الدورى رقم 2 ليس مجرد تعليمات مخالفة للقانون، لكنه يمثل -فى حد ذاته- جريمة مكتملة الأركان عقوبتها الأشغال المؤقتة أو السجن طبقا لنص المادة 114 من قانون العقوبات المصرى التى تنص على أن: " كل موظف عام له شأن فى تحصيل الضرائب أو الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقا، أو يزيد على المستحق، مع علمه بذلك، يعاقب بالأشغال المؤقتة أو السجن" وقد استقر الفقه والقضاء المصريان على أنه لا عبرة بالدوافع التى قد تدفع موظفا معينا إلى طلب أو تحصيل ما هو غير مستحق، ولا عبرة كذلك بالأسلوب الذى يتم به الطلب، إذ تقع الجريمة فى كل الأحوال حتى لو كان الدافع إليها هو مجرد الرغبة الصادقة من الموظف فى زيادة إيرادات الدولة من خلال جبايتها غدرا من المواطنين، وهذا الدافع الأخير هو على الأرجح ما دفع بالمستشار ممدوح مرعى إلى ارتكاب تلك الجريمة، وهو كذلك ما دفع سائر وزراء العدل اللاحقين إلى السير فى نفس الطريق واتباع نفس النهج وهم آمنون مطمئنون إلى أن أحدا لن يقدمهم إلى المحاكمة الجنائية، وأن أحدا لن يوجه إليهم الاتهام بتحريضهم للموظفين المختصين التابعين لهم فى المحاكم المختلفة بارتكاب جريمة الغدر المنصوص عليها فى المادة 114عقوبات، وكيف يمكن أن يوجه إليهم الاتهام وهم يجلبون المال إلى خزينة الدولة حتى لو كان مالا حراما بنص القانون الذى وضعته الدولة ذاتها؟