بالصور.. «المستعمرة» مدينة الإنجليز المهملة منذ قرون تصارع من أجل البقاء

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


على شاطئ النيل تقطن مبانيها في سكون وهدوء، وبصوت أمواج النيل الصافية تغرد عصافيرها على الأشجار الشاهقة والشامخة منذ أكثر من مائة عام، فتهتز أوراق أشجارها لتحكي تراثها، وتتباهي أنها مازالت صامدة وباقية حتى الآن، فمبانيها التي لم تمتد يدًا  على مدار هذه العقود أن تبدل معالمها كان أحد أسباب بقاءها.

«المستعمرة» هكذا تعرف وسط أهالي قرية «دهتورة» مركز زفتي بمحافظة الغربية، فيتوارث الاسم من جيلًا إلى آخر حيث يروى عنها قصصًا وحكايات أسطورية من الآباء والأجداد، فهي مدينة أنشئها الاحتلال البريطاني في السنوات الأولى من دخوله لمصر، على مساحة تتخطى الخمسين فدان، من أجل إقامة عيون مائية تشبه القناطر الخيرية، أطلق عليها "قناطر زفتي" نسبة لاسم المركز التابع لها، والتي تعرف شعبيًا بـ  "الخمسين عين" حيث تسعي في التحكم بمياه النيل شمالًا.

ثار الشعب ورحل الاحتلال، تاركًا مدينته التي عاشوا بها لسنوات طويلة كما هي بمحتوياتهم لم يأخذوا منها شيئًا، وبدلًا من أن تقوم الدولة بحفظ هذه المحتويات تملكها من الصدأ بعد وضعها بمخازن لما يتم فتحها منذ سنين.

قام محرر "الفجر"، بجولة داخل المدينة الأثرية، حيث تخبئ الأشجار الشاهقة جمال المنازل الصغيرة ذات الدوريين والمبنية على الطراز القديم، كما تظهر الصور دفن  أغلب النوافذ تحت الأرض بسبب ارتفاع منسوب الأتربة، في ظل إهمال حكومي، هذا فضلًا عن قيام وزارة الري باستغلال مبنيين بها لموظفي هندسة ري مركز "زفتي" بدلتا مصر.

فيما تظهر الأبراج العسكرية، على مداخل المدينة، والتي كان يقطن بها الجنود المسئولين عن تأمين المشروع والعاملين به، والتي أصبحت خالية على عروشها.  

كما يوجد بالمدينة، جميع أنواع الفاكهة والخضروات، حيث يقوم المسئولين عن تأمينها بجمعها بشكل مستمر، هذا فضلاً عن موظفي هندسة الري الذين يحرصون على التنزه بالمدينة برفقة أبناءهم وحصد ما يطيب لهم من الفاكهة.

ويروي أحد أفراد الأمن، قائلًا: "أعمل هنا منذ أكثر من ثلاثون عامًا حيث روى لي أجدادي أن "المستعمرة" أنشاءها الاحتلال الإنجليزي، وقطن بها حتى رحيله من مصر، حيث كان يستيقظ المهندسين فجر كل يوم للعمل على بناء عيون المياه".

ويضيف فرد الأمن: وبعد انتهاء المشروع ظل أغلب المهندسون متواجون فيها لمباشرة أعمال الصيانة، حيث قاموا ببناء منطقة مكملة تابعة للمدينة خارج أسوارها، هذا بالإضافة إلى معسكر للقوات الإنجليزية والذي تحول لمعسكر لقوات الأمن المركزي حتى الآن، والمسئول عن تأمين "الخمسين عين". 

ويقول الحاج محمد السيد: "عملت بهندسة الري بالمدينة لأكثر من أربعون عامًا، وأعلم كل كبيرة وصغيرة بداخلها، كما أنها أصبحت جزء منها ومازالت أحرص على زيارتها حتى بعد خروجي على المعاش".

ويضيف "السيد"، أن هذه المنازل المغلقة بها الكثير من المعدات التي كان يستخدمها مهندسي الإنجليز في المشروع، حيث تم تخزينها بعد انتهاء العمل ومازالت موجودة حتى الآن.

وأوضح "السيد"، أن بعض المسؤولين عن هذه المدينة يقومون بفتح المخازن من وقت لآخر وبيع أجزاء من المعدات، مبررين ذلك "ملهاش لازمة إحنا بنبيعها للخردة".

واختتم: "هذه ثروة قومية تهمل وتهدر، داعيًا الحكومة للتحرك وتحويلها لمدينة أثرية تساهم في زيادة الدخول القومي للسياحة المصرية".

أما الحاج حامد أبو علي، أحد أبناء القرية، فيقول إن "جدتي كانت تروي لي عن مضايقات  جنود الاحتلال للأهالي خلال الذهاب لعملهم فجر اليوم، حيث كان يجبر سكان القرية للمرور في الظلام من باطن البحر حتى لا يشاهدهم جنود الاحتلال، قائلًا "ممكن يفضلوا يتسولوا عليكم طول النهار".

ويضيف أبو علي: "أحكي لأبنائي دائمًا عن هذه المدينة وعراقتها وأعيد لهم ما رواه لي آبائي وأجدادي، فنسلمها لأبنائنا"، مؤكدًا أنه يخشى من أن يأتي يوم وتهدم هذه المدينة.

الجدير بالذكر أن القليل من أهالي القرية على دراية بتاريخ وأهمية المدينة، فهم دائمًا ما يحرصون على زيارتها باستمرار، ودائمًا ما يتساءلون إلى متى ستظل الدولة في تجاهل  للأماكن الأثرية.