منال لاشين تكتب: أول انتصار للثورة.. مبارك فقد شرفه العسكرى فى قضية «تشطيب» شقق جمال وعلاء

مقالات الرأي



■ مبارك أمر سكرتيره جمال عبدالعزيز بتزوير مستندات لإضافة نفقات التشطيب على حساب رئاسة الجمهورية بزعم أن الإصلاحات تمت للقصور الرئاسية وليست لبيوت أسرته 
■ مستند يفجر لغز ڤيللا سوزان مبارك التى باعتها لجهة سيادية 
■ قائمة الجرائم شملت ڤيللا بشارع حليم أبوسيف وشقة وڤيللا فى شارعى نهرو والسعادة بمصر الجديدة ومزارع وفيللات بمارينا وشرم

الحكاية على لسان الرئيس المخلوع مبارك، حكاها أكثر من مرة للمحيطين به، ولكن كلما زادت مدة حكمه كانت الحكاية تتغير.

تبدأ الحكاية أن السادات استدعى مبارك وقال له أن يترك الجيش لأنه سيعينه فى عمل مدنى، يقول مبارك إنه فكر أن السادات سيختاره رئيسا لحى مصر الجديدة، وبعد سنوات من السلطة يقول مبارك إنه فكر أن السادات سيختاره رئيسا لشركة مصر للطيران، وأخيرا وبعد سنوات أخرى فى الحكم يحكى مبارك أنه فكر أن السادات سيختاره سفيرنا فى لندن فى بلاد الإكسلانسات، ليس مهما أن مبارك لغته الإنجليزية ضعيفة، ولكن المهم أن مبارك لم يخطر على باله أن السادات يريده فى عمل سياسى وفى منصب نائب رئيس الجمهورية، فمبارك ظل يعيش بعقلية الموظف وفى عباءة الوظيفة، ولذلك لا يجب أن ندهش أن قضية الفساد التى أدين بها وبشكل نهائى كانت قضية موظفين، تزوير مستندات لإضافة مصروفات تشطيب وتأثيث منازل أولاده ومنزل الأسرة وهو باسم زوجته على حساب صاحب المحل أو الدولة، فالقضية التى عرفت باسم القصور الرئاسية وأطاحت بشرف مبارك العسكرى وأوسمته قضية فساد على الطريقة الرخيصة جدا، وذلك على الرغم من أنها كلفت مصر 125 مليون جنيه، ولكنها تظل عارا فى عالم الفساد والمفسدين.

لكل أنصار مبارك، لكل المدافعين عنه، لكل أعضاء (آسفين ياريس) هذا الرجل ظل وعلى مدى تسع سنوات ينفق من أموال الدولة على كل ما يخص منازل الانجال ومزارعهم وقصور شرم وبيوت الساحل الشمالى.

ليست مرة واحدة وليست «وزة شيطان» فلمدة تسع سنوات وقبل أن يدخل ابنه جمال عالم السياسة ليستولى على حكم مصر، كان مبارك الأب يستولى على أموال المصريين بانتظام لتشطيب وتأثيث بيوت نجليه علاء وجمال.

وهذا الحكم ينفى أن الفساد بدأ مع 2006 عندما دخل جمال السياسة وتحكم فى البيزنس، لأن وقائع القضية تخص مبارك فى الاساس، الرئيس الذى استغل صلاحياته التى لا حدود لها واستولى على أموالنا عاما بعد عام وبتصميم لشقق الانجال، وفى وسط هذا المناخ قرر أن يستولى ابنه على حكم مصر.

هذه القضية أو بالأحرى الحكم فيها هى أول انتصار لثورة 25 يناير، هذا الحكم النهائى يكشف تفاصيل عن طريقة مبارك فى حكم مصر، ومفهومه لمعنى الرئاسة بل استغلاله لجهة سيادية وواقعة الاستغلال للجهة السيادية تعود إلى ما قبل عام 2002

ولولا ثورة 25 يناير لما كنا عرفنا بالحكم النهائى والدليل القاطع فساد مبارك المبكر والسابق عن لعبة أو لعنة التوريث.



1- أصل الفساد

ضرب الفواتير هى عادة متأصلة ومنتشرة فى الفساد الصغير، موظف يضرب فاتورة عشان يصرف 100 جنيه أو ألف جنيه، ولا موظف آخر يدهن شقته ويضيف حساب الدهان على فاتورة دهان الشركة أو المقر الحكومى، وممكن موظف يشترى سفرة أو صالونا لابنته أو ابنه للزواج ويضيف ثمنها على حساب تأثيث مقر شركته أو فرع للوزارة أو المؤسسة.

هذا بالضبط ما فعله الرئيس المعزول حسنى مبارك وعلى مدى تسع سنوات، فقد أنشأت الحكومة مركزا يسمى مركز اتصالات القصور الرئاسية، وهذا المركز تابع لوزارة الإسكان، ومهمة المركز أن يقوم بصيانة القصور الرئاسية، وأن يقوم بشكل دورى بالتأكد من عدم وجود خلل فى الحمامات والاثاثات والأرضيات والحدائق، باختصار يشرف على كل كبيرة وصغيرة بالقصور الرئاسية، وتخصص الحكومة من موازنة الدولة من جيبى وجيبك موازنة سنوية لمركز الاتصال للإنفاق على إصلاح وصيانة القصور الرئاسية، قصر عابدين وقصر القبة والاتحادية وقصر المنتزه وقصر رأس التين ورأس الحكمة، وتتولى شركة المقاولون العرب المقاولة فى عمليات الصيانة أو الترميم، ولشركة المقاولون العرب أن تستعين بمن تشاء من مقاولى الباطن فى إتمام العملية.

ومن هنا جاءت الفكرة الشيطانية للرئيس المعزول وأسرته وبمعاونة جمال عبدالعزيز، فكل المطلوب هو الاستعانة بشركة المقاولين العرب ومقاولى الباطن لتشطيب وتجهيز وتأثيث منازل علاء وجمال مبارك ومكتب المحروس جمال والبيت الشخصى لمبارك، وبعد ذلك تكتب الفواتير أو تزور على أنها أعمال وإصلاحات جرت فى القصور الرئاسية، وبهذه الفواتير المزورة يتحمل المصريون إصلاحات وتشطيبات بيوت مبارك وأسرته.

ونظرا لنجاح العملية استمر التزوير لتشطيب وتأثيث مزارع علاء وجمال وبيوتهما فى الساحل.

بنص الحكم شملت عمليات التزوير أعمال بناء وليس فقط ديكورات وتوريدات أثاث، ڤيللتين ومكتبين فى مصر الجديدة بشارع حليم أبوسيف وشارع نهرو وشارع السعادة، ومزارع بجمعية أحمد عرابى، وڤيللات بمرتفعات القطامية وڤيللات بمارينا فى الساحل الشمالى فضلا عن ڤيللات شرم الشيخ.

2- 48 شاهدا

بحسب حيثيات الحكم تضم القضية 48 شاهدا، معظمهم من مقاولى الباطن الذين تولوا أعمال البناء والتشطيب والتأثيث فى بيوت ومكاتب مبارك وولديه، ولا تختلف الشهادات إلا فى اختلاف الصنف أو العملية، من ضمن الشهادات تقرأ (شهد نبيل يوسف عبدالله – شركة سيراج للإضاءة أنه فى غضون الفترة من عام 2009 إلى 2010 كلفه الشاهد الأول بتنفيذ أعمال كهربائية بمقر إقامة المتهمين الأول والثانى (مبارك وجمال) بـ «754 ألف جنيه» وتقرأ أيضا (شهد أمير زياد الصحن للأخشاب أنه فى غضون أعوام 2005 حتى 2009 تم تكليفه من قبل شركة المقاولون العرب بتنفيذ أعمال فى المقرات الخاصة للمتهمين بلغت قيمتها مليونا و200 ألف جنيه وتحصل عليها من شركة المقاولين العرب خصما من الميزانية العامة للدولة) وهكذا تتعدد الشهادات بتعدد الأعمال، من أعمال خرسانية إلى زراعة نخيل وأشجار فيكس والنجيل وأشجار أخرى وكهرباء وحديد ومعدات كهربائية واعمال ألومنيوم وعمل أرضيات ورخام وحجر فرعونى وتشطيبات ودهانات مستوردة وتركيب أحواض وسقف صناعى وشيش حصير وأطقم حمامات مستوردة وأعمال صرف صحى وسباكة وزجاج ومرايا وزجاج عاكس مستورد وبلاط قرميد وسلالم وكابلات نحاس وذلك بالاضافة إلى الاثاث المستورد والمحلى حتى أجهزة التليفون بل وتكلفة تركيبه، كله كله على حساب صاحب المحل، كله كله ولمدة تسع سنوات على حساب الدولة، تصوروا أن حتى رش الحدائق كان على حساب الدولة.

ومستندات الصرف كانت تخلو دوما من اسم القصر الذى تم به الاصلاح أو شراء أثاث، فمستندات الصرف المزورة كانت تكتفى بأن هذه الاعمال كانت فى القصور الرئاسية، وبذلك يتم الخصم من حساب مراكز الاتصالات التابعة لوزارة الاسكان والمتخصصة فى الحفاظ وصيانة القصور الرئاسية.

3- لغز الڤيللا

بالطبع حاول محامى مبارك وأسرته فريد الديب أن يضع كل العراقيل القانونية حتى يفلت موكليه من الجريمة، مثلا نفى علم مبارك ونجليه من أن قيمة الاعمال التى تمت على المقار الخاصة من بيوت ومكاتب كانت تصرف من ميزانية الدولة، والحقيقة أن هذا الدفع أو النفى يعبر عن خفة دم الاستاذ الديب، فإذا كان التزوير تم بغير علم مبارك ونجليه فمن أين جاءت الأموال التى استخدمت لتجهيز مكاتب وڤيللات ومزارع ومنتجعات الساحل وشرم هل نزلت من السماء أم فاز بها مبارك ونجلاه فى مسابقة الحظ، ولكن هناك دفعاً مهماً جدًا ويفتح بابا للتساؤل ومستندًا مهمًا جدا فى هذه القضية فقد قرر الدفاع أن مقر رئاسة الجمهورية العقارين رقم 13 و15 بشارع الدكتور حليم أبوسيف بمصر الجديدة، غير مملوكين للسيدة سوزان صالح زوجة مبارك، ولكنهما مملوكان لجهة سيادية، وقدم الدفاع صورة طبق الأصل من عقد بيع مسجل محرر بتاريخ 17 -5 – 2011 بين الجهة السيادية والسيدة سوزان صالح) أى أن سوزان مبارك باعت لجهة سيادية العقار بعد الثورة بعد أشهر، والحقيقة أن رد المحكمة كان مفحما فى هذه النقطة.

فقد قال الحكم (المحكمة غير معنية بما آلت إليه ملكية هذا العقار وأن ما يعنيها هو الحائز الفعلى للعين وقت ادخال الاصلاحات عليه فى الفترة محل القضية) وعن المستند الذى قدمه فريد الديب أو عقد البيع قالت المحكمة فى حكمها (هذا لايبعث على اطمئنان المحكمة لأن الانفاق على عقار مقر رئاسة الجمهورية تم من ميزانية مراكز الاتصالات برئاسة الجمهورية بطرق ملتوية تماثل الأسلوب الذى تم اتباعه على المقرات الخاصة بالمتهمين، الامر الذى يؤكد أن هذا العقار لو كان مملوكا حقيقة للجهاز السيادى لما استخدمت مثل هذه الطرق غير الشرعية والانفاق عليه من مراكز الاتصالات بالرئاسة، وتأكيدا لما تقدم -ماهو معلوم للكافة- بأن العقد المقدم من الدفاع والذى يفيد بأن ملكية هذا العقار قد آلت لجهاز سيادى لم يكشف عنه الا بعد قيام ثورة 25 يناير 2011، وعندما بدأت الاجهزة الرقابية التنشط لمتابعة الفساد المالى ولذلك لم تأخذ المحكمة بهذا المستند أو عقد البيع معتبرة أنه لا يتسق مع باقى الأدلة والمستندات التى اطمأنت اليها المحكمة.

وأعتقد أن واقعة بيع الڤيللا هى لغز فى حد ذاته، خاصة أن واقعة البيع أو العقد الذى قدمه الديب فاجأ الجميع، بما فى ذلك مفاجأة أن الڤيللا كانت باسم سوزان مبارك وليست باسم مبارك نفسه، ثم مفاجأة أن يتم بيع الڤيللا أو العقار لجهة سيادية بعد أربعة أشهر من قيام ثورة 25 يناير، هذا العقد يفتح باب التساؤلات ويضاعف علامات الاستفهام، إذا كانت سوزان مبارك رغبت فى بيع الڤيللا فلماذا لم تبعها لأحد الأثرياء العرب أو المصريين؟ وهل تحتاج الجهة السيادية هذه الڤيللا تحديدا؟ وهل كانت الڤيللا مملوكة من البداية للجهة السيادية ولذلك قامت سوزان بإعادة بيعها أو ردها للجهة السيادية؟ ومتى تم البيع لسوزان مبارك وما هو سعر الڤيللا وقت البيع الأول والثانى؟ وكيف تم تقييم سعر البيع والشراء خاصة أن أحد أطراف عملية البيع والشراء جهة حكومية وإن كانت سيادية؟

وهل للمشير طنطاوى دخل أو علاقة بعملية البيع الأخيرة والتى تمت فى عهد توليه أمور البلاد؟ فالمشير طنطاوى يعتبر الرئيس الفعلى والدستورى خلال هذه الفترة، وذلك من خلال رئاسته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

كل هذه التساؤلات وعلامات الاستفهام المشروعة التى تخص لغز الڤيللا أو بالاحرى الڤيللا اللغز لاتخص قضية القصور الرئاسية، فالمحكمة استبعدت عقد البيع رافضة الاعتداد به، ولكن وجود عقد البيع فى اوراق القضية يفتح الباب لهذه التساؤلات المشروعة جدا.

4- نظرية الموظف العام

فى عام 84 حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية مواد قانون الانتخابات، وحلت مجلس الشعب، وكان المجلس هو من أجرى وقائع تسليم مبارك السلطة، ولإنقاذ مصر من الفراغ التشريعى فقد أكدت المحكمة الدستورية أن المجلس وإن كان غير دستورى فإن كل ما صدر عنه من إجراءات وقرارات تعد صحيحة ولا يصيبها البطلان، وذلك استنادا على نظرية قانونية اسمها (الموظف العام)، فإذا انتحل نصاب صفة موظف فإن ما يصدره من قرارات تبقى حكومية، وإذا ثبت أن موظفا ما حصل على وظيفته بطريقة غير قانونية فقد الموظف منصبه، ولكن تظل القرارات التى اتخذها سليمة وصحيحة، ولكن فريد الديب حاول قلب هذه القواعد التى استفاد منها مبارك يوما ما، واستند الديب إلى أن النائب العام السابق طلعت عبدالله هو من احال القضية للمحكمة، ولذلك لايجوز نظر القضية لأن تعيين النائب العام طلعت عبدالله باطل، ولكن المحكمة أخذت بنظرية الموظف العام.

بالطبع بذل الديب محاولات عديدة لإنقاذ مبارك ونجليه، بعضها كان مهما مثل مستند الديب وبعضها كان لطيفا جدا مثل حكاية جهل مبارك وولديه بحكاية التزوير المستمر لمدة تسع سنوات، وأن حكاية أن صورية المستندات لا تعنى التزوير، فالديب كان يدافع عن موكليه بأن مستندات الصرف كانت صورية ولكنها لم تكن تزويرا، وقد كان الديب يحاول بهذا الدفاع إعفاء موكليه من تهمه التزوير، لأنه يريد أن يحول القضية إلى قضية فلوس فقط وليس تزويراً فى أوراق رسمية ومحررات صرف، فلو كانت المسألة فلوس فقط لكان مبارك ونجلاه دفعوا المبالغ المالية مثلما حدث فى قضية قصور شرم الشيخ التى حصلوا عليها من حسين سالم.

وهكذا انتهت وقائع قضية الفساد الرسمى لعصر مبارك وولديه.

هكذا انتهت القضية بحكم نهائى بات ولا يجوز الطعن عليه أو نقضه مرة أخرى، حكم بثلاث سنوات سجنا، ربما قضى مبارك وولداه أكثر من ثلاث سنوات، ربما يخرج مبارك بعد الحبس الاحتياطى اليوم أو غدا وربما لا يعود جمال وعلاء للسجن.

ولكن من يوم صدور الحكم فإن مبارك فقد الكثير من القليل الذى يملكه الآن.

فقد احترام بعض أنصاره، فقد الشرف العسكرى والأوسمة، وبين هذا وذاك حققت ثورة 25 يناير أول انتصار قانونى لها، بدون محاكم ثورية وبدون محاكم سياسية، بطريق القضاء الطبيعى وبعد كل هذه السنوات مبارك فاسد استغل وظيفته وأخذ من قوت الشعب وأمواله لشقق ومكاتب ومزارع وتصييف ومشاتى أبنائه.