عبدالحفيظ سعد يكتب: 25 يناير.. ثورة تورط كل المصريين فى صناعتها

مقالات الرأي



منحت الشعب حق اختيار حاكمه ومهدت لـ30 يونيو

فى يوم ما.. سنحكى لأبنائنا أو أحفادنا عن الحدث.. سنضطر أن نعصر ونفتش فى ذاكرتنا التى أكلها الزهايمر لنتذكر واقعة تربطنا بـ»25 يناير» الحدث الذى جلجل مصر والعالم، بكل ما فيه من سيئ عشناه ومازلنا نعانى منه أو خير ننتظره لثورة صنعها شعب بأكمله.

سنحكى عن قصصنا ومواقفنا مع الثورة والحدث الأهم فى تاريخ المصريين الذى لن ينسوه.. قد يخيف البعض أو يزعجه أنه لن يجد ما يحكى عنه من بطولات فى الميدان ومواجهة دخان الغاز وحكايات من التحرير.

لكن لا تخف حتى لو لم تشارك فى الهتافات والمظاهرات ولم تستنشق دخان الغاز ووجع الخرطوش.. أو حتى لو تكن معارضاً لمبارك من الأساس، أو تنتمى لمن يطلق عليهم «فلول»، ستجد ما تحكيه وترويه لأحفادك من بطولات صنعتها فى الثورة.. أنت شاركت بالفعل فى الحدث وكنت أحد ثوار يناير، طالما لم تفسد أو تنهب!

فمن لم يخرج فى المظاهرات والاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام مبارك.. اضطره الحدث الجلل فى يوم 28 يناير، عندما حدث انفلات أمنى وغابت الشرطة والدولة عن الشارع، خرج كل مصرى حتى لو لم يكن مشاركا فى الاحتجاجات، ليقوم بدور الحامى والمدافع عن بيته وشارعه وحارته ووطنه، شارك دون أن يدرى فى صناعة أهم حدث فى تاريخ مصر المعاصر، تتعاظم أهميته أمام أحداث ووقائع عظيمة غيّرت مصير ومسار الوطن، بداية من حكم محمد على لمصر واحتلال بريطانيا فى 1982، وثورتى 19 و52 حتى ما حدث من نكسة 67، وصولا لنصر أكتوبر فى 73.

وسط كل هذه الأحداث الضخمة فى مسيرة مصر، احتفظت ثورة 25 يناير بميزة، لم يحصل عليها أى حدث، سوى حادثين فى تاريخنا الحديث، الأول عقب هزيمة يوليو 67 والثانى فى حرب عقب دخول مصر حرب.

فى الواقعة الأولى، عقب النكسة أعلن عبدالناصر اعترافه بالمسئولية وتنحيه عن الحكم، وخرج وقتها ملايين من المصريين فى ميادين وشوارع مصر، يرفضون اعترافهم بالهزيمة، ويعيدون عبدالناصر للحكم، ويحصل الرئيس على شرعية من الشعب، أهلت مصر الدولة أن تتحمل الكارثة، لتستعيد عافيتها فى أيام، لتستعد للواقعة الثانية وتخوض حرب أكتوبر فى 73.

وفى الحادثتين حدث تجلى من نوع خاص لدى الشعب المصرى، عندما غابت الدولة، سواء لانشغالها بالحرب أو من واقع الهزيمة، قررت جموع الشعب، أن تلعب دور الحكومة، فوسط ملايين الجماهير التى خرجت فى الشوارع عقب نكسة 67، وتقدر وقتها بما يتجاوز 10 ملايين، لم تشهد الشوارع جرائم، رغم الفوضى العارمة من الجماهير المحتشدة ولعب كل مواطن دور الشرطى فى أن يحافظ على الأمن وهو ما حدث أيضا فى 73، ولم تسجل مصر فيها أى مخالفات، حتى ما اعتاد عليه المصريون من مخالفات فى السير والمرور، ذلك لشعور فطرى لدى المصرى وقت الشدة أن البلد فى الخطر وعليه أن يحافظ عليها.

ما حدث عقب خطاب التنحى فى يوليو وقرار العبور فى أكتوبر، تكرر بصورة مختلفة فى ثورة يناير، عندما انسحبت الشرطة حدث انفلات أمنى، تحول كل مصرى لجندى يلعب دور الشرطى فى الحفاظ على الأمن، ظل ذلك على مدار 18 يوماً.

لذلك لم يكن مشهد الثورة فى ميدان التحرير فقط ولا الميادين التى اكتظت بالثوار المطالبة بسقوط مبارك، بكل فى كل شارع وكل حارة، خرج الناس العاديون وهم يحملون أدواتهم من «يد مكنسة» وقطعة خشب مهملة، ليشارك جيرانه وأصحابه يدافع عن وطنه الصغير عندما شعر بالخطر، عبر فطرة مدفونة فى جينات المصريين تظهر وقت الشدة، فيتحول الشعب كل الشعب.

لذلك كانت 25 يناير ثورة، شارك فيها كل الشعب، سواء المعارض أو المؤيد، لأنها أخرجت أجمل ما فى المصريين فى روح لم يعتادوا عليها عندما تجمعوا رغم اختلافاتهم فى الأفكار والتوجهات فى قلب الميدان، فى مشهد انحنى له كل العالم شرقا وغربا احتراماً له، وقف مبهورا بما يفعل المصريون على الأرض وفى الميدان، ليس فقط بالشعارات المرفوعة فى المطالبة بحقوق مشروعة فى العيش والحرية والعدالة، بل لما سطروه على الأرض، عاشت فيها البلد بلا نظام، لكن كان الشعب كان هو النظام، عندما استرد وعيه أملا فى تحقيق حلمه، وشعر بأن وطنه فى خطر.

صحيح أن الثورة حدث فيها اعوجاج عندما سعت جماعة الإخوان للاستحواذ على مصر وتضعها خدمة لأغراض تنظيمها، عادت نفس الروح التى كانت فى يناير مرة أخرى لتحشد المصريين فى كل شارع وميدان فى مشهد 30 يونيو، لتعيد مرة أخرى البلد قبل أن تختطفه عصابة الإخوان.

ومن هنا كانت ثورة 25 يناير ملهمة لـ30 يونيو، استمدت منها نفس الروح، لذا لم تكن فقط مجرد انتفاضة على النظام، لأنها أخرجت فى حينها أجمل من فى الشعب المصرى من تسامح وتكاتف وخوف على الوطن شاهدنه سواء فى روح الثوار فى الميادين أو الذين تبرعوا أن يحموا شوارعهم.. هذه الروح أعادت الثقة مرة أخرى فى نفوس المصريين وجعلتنا نتذكر كلمة «الشعب المصري» الذى صار صاحب القرار، والملهم.

خلقت يناير الروح التى دفعت المصريين إلى أن يخشوا ميليشيات الإخوان بعد أن كسروا تشكيلات مبارك والعادلى وحطموا أوهام الوريث جمال فى حكم مصر، متوهما أنها عزبة سيرثها عن أبيه. لذا كانت يناير الملهمة لإعادة الروح للشعب، عرفته أنه صاحب هذه الأرض بعد أن تصور الجميع أنه انطفأ ولن تقوم له قائمة وسيرضى بما هو مرسوم له، وهو الوهم الذى وقع فيه جمال مبارك وحاشيته ومن بعده الإخوان وميليشياتهم.

لذلك خلقت ثورة يناير شرعية جديدة لمن يحكم، مثلما خلقت ثورة 19 ضد المحتل شرعية لدستور 1922 ودفعت لشرعية وجود حياة حزبية وتعددية مكنت المصريين فى المشاركة فى حكم بلادهم فى تعاقب الوفد والأحرار الدستوريين.

ومثلما كانت ثورة 1952 الشرعية التى استمد منها عبدالناصر بناء عهد جديد مكن المصريين أن يحكموا أنفسهم منفردين لأول مرة منذ آخر عصور الفراعنة منذ الأسرة الثالثة، مثلما كانت ملحمة أكتوبر 73 التى منحت أنور السادات الشرعية، جاءت 25 يناير بشرعية جديدة يكون فيها الشعب صاحب الحق فى أن يختار من يحكمه، لذا لم يكن عبثا أن تتضمن ديباجة دستور 2014، لتضع ثورة يناير ومعها تابعتها 30 يونيو، كجزء من التاريخ الذى خلقه الشعب بنفسه، وأنهى ديكتاتورية مبارك وأوهام نجله وقضى على مطامع الإخوان.

ومن هنا ستظل يناير «ثورة الشعب» بمثابة الشرعية التى سيستمد أى حاكم من مبادئها «العيش والحرية والعدالة» شرعية خطابه وستفرض وجودها فى أى دستور، رغم أنف كل متربص بها، حتى تحقق أهدافها عندما تسمح له الظروف، ونعالج أخطاء الماضى، هو ما يدركه كل عاقل فى هذا البلد، قد يتصور البعض أن هذا مجرد خيال الشعراء ورومانسية الحالمين.. لكن عليهم أن يدركوا أن الخيال صار حقيقة فى 25 يناير قبل خمس سنوات.