د. رشا سمير تكتب: قصر العينى الفرنساوى.. نظرة تتبعها حسرة!

مقالات الرأي



لو كانت المتاجرة بآلام البشر مشروعة لأصبح تٌجار المحن فى مصر من كبار رجال الأعمال.. ولو كان غياب الضمير شرط من شروط التأهل للقيادة لأصبح معظم المسئولين فى مصر زعماء بدرجة امتياز.. ولو كان صوت الأنين قادرا على توليد الطاقة لحُلت أزمة الكهرباء فى بيوت معظم الفقراء والمحتاجين..

الحقيقة أن تزييف الضمائر وغش النفوس مرض من الجائز أن يُبتلى به المجتمع كله ولكن لا يجوز أبدا أن يُبتلى به الأطباء ولا المستشفيات.. فالتعامل مع الألم والداء على أنه محنة وابتلاء هو أقل ما تقدمه الإنسانية لأى مريض يفتك بجسده المرض..

وصلتنى رسائل عديدة من أطباء وموظفين يعملون بمستشفى قصر العينى الفرنساوى، أطباء يعتصرهم الألم وهم يرون المرضى يموتون كل يوم بين أيديهم وهم غير قادرين على إسعافهم..

إنه الصرح الطبى الذى تم إنشاؤه لخدمة المرضى بأجر مستطاع.. وتم ضخ مبالغ مالية ضخمة لخروجه على أحسن مستوى.. ومن عام 1995 وحتى الآن تفاقمت المشاكل والديون، وتحول المكان إلى مقبرة دفن جماعية.

بحسب تصريحات د.نبيل عبد المقصود مدير المستشفى الحالى، إن المشكلة الموجودة داخل المستشفى حاليا هى مالية بحتة، وأنه تسلم المستشفى منتصف عام 2014 بلغت ديونه 200 مليون جنيه، لافتا النظر إلى أن عدد الموظفين داخل المستشفى 5000 موظف، يتم دفع رواتبهم من المستشفى وليس من وزارة المالية!.

كما صرح بأنه قام بتخفيض الديون من 200 مليون إلى 130 مليون جنيه، موضحا أن وزارة المالية تحملت مديونية الكهرباء والمياه التى وصلت إلى 40 مليون جنيه (ليه عاملين شلالات فى المدخل والا بيستحموا فى الميدان!).

وأشار إلى أن المستشفى يدفع رواتب من 13 إلى 15 مليون جنيه، مؤكدا أن دخل المستشفى فى الشهر 17 مليون جنيه والمالية تستفيد بـ 2 مليون جنيه منها (طب ما نقفلها أوفر!).

وهنا يطرح السؤال نفسه: كيف تم تعيين كل هؤلاء؟ وهل يحتاجهم المستشفى بحق أم أن معظمهم مجاملات ومحسوبيات؟ وكيف تتم ترسية المناقصات، هل تتم بشكل قانونى؟ ولو كانت الإجابة بنعم.. فلماذا يشكو الأطباء من عطل الأجهزة المتكرر، مثل جهاز قياس غازات الدم الذى تعطل لأكثر من شهر ولا حياة لمن تنادى؟ ولماذا يتم إرسال المرضى إلى معامل التحاليل الموجودة بالمنطقة لعدم توافر الخدمة بالمستشفى؟ وكيف يُدفع المرضى للذهاب إلى الصيدليات المحيطة بالمستشفى لخلو صيدلية المستشفى من معظم الأدوية؟ وكيف تضخمت ثروة محال بيع المستلزمات الطبية المحيطة بالمستشفى بسبب عدم وجود تلك المستلزمات بالمستشفى؟!

هالنى حجم الشكاوى التى وصلتنى والمعلومات التى توصلت إليها بسؤال العاملين بالمكان.

هيئة التمريض تقوم بعمل وقفات احتجاجية كل أسبوع للحصول على حقوقهن المادية، حتى إن مدير المستشفى استدعى الأمن الوطنى للممرضين فى آخر وقفة وكأن تلك أصبحت لغة التفاهم الوحيدة فى الدولة!.

إنها عصابات داخل المكان تبتز وترتزق وتتستر على فساد للتربح على جثث المرضى الذين لو امتلكوا المال للعلاج لكانوا من زوار منتجعات الاستشفاء فى لندن وكندا مثلهم مثل باقى حيتان الدولة.. أين ضمائركم يا سادة؟

إن المريض الذى لا يمتلك المال، يموت ويتم تكفينه ودفنه دون دمعة واحدة يذرفها المسئولون بالمستشفى.

تعيين القيادات من غير ذوى الخبرة هو أكبر فساد يحدث داخل ذلك المستشفى، والأطباء يخشون التحدث أو الاعتراض وكأنهم فى مملكة الشيطان!.

كما أن الإهمال الإدارى وعدم محاسبة المخطئ يظل هو دائما الأرض الخصبة للفساد كى ينمو ويترعرع.

إن المستشفى التابع لأكبر جامعة فى الشرق الأوسط وهى جامعة القاهرة يحتاج إلى نظرة موضوعية وعملية بتر سريعة لاستئصال الفساد..

وأنا هنا أقوم فقط بتوصيل أصوات العاملين والأطباء والمرضى إلى السيد رئيس جامعة القاهرة.. عله يقرر التدخل لإنقاذ أرواح المرضى التى تُزهق كل يوم بدم بارد.

المرض يا سادة وحده كافٍ لقصم ظهر الغلابة، والرحمة هى الباب الوحيد الذى يلجأون إليه.. ورحمة الله دائما هى فوق عدالة البشر.

ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.