الحروب بين السنة والشيعة بدأت بخلافات على مسائل فقهية تحولت إلى حروب دموية

تقارير وحوارات

بوابة الفجر



"الشلخيمي" التعصب سبب فشل محاولات الصلح

 "فقيه" المسئولية تقع على السنة والشيعة




بدأ الخلاف بين السنة والشيعة، الطائفتين الرئيستين في الديانة الإسلامية، على مسائل فقهية وفتاوى مذهبية مرتبطة بالفروع أساساً، أما الأصول والعقائد فهي واحدة، حيث أن علماء كل طائفة كان لهم رأي مخالف في مسألة معينة وكل عالم تعصب لطائفته، وكانت أهم نقاط الخلاف هي العصمة، والصحابة، والتقية، وزواج المتعة، والميراث.

ومنذ ذلك الحين بدأ الخلاف بينهم، وطوال قرون مضت لم يهدأ الخلاف بين السنة والشيعة، بل وتحول الخلاف في أحيان كثيرة إلى حروب دموية أزهقت الكثير من أرواح الأبرياء، وظل الشرخ بين الطائفتين يتوسع كل يوم حتى أصبح من المستحيل إصلاحه، كما يقول متخصصون في المجال الديني، وكان آخرها ما حدث بين إيران والسعودية والذي ينذر بحرب جديدة بين السنة والشيعة.

 

بداية الخلاف

بدأ الصراع بين السنة والشيعة حول من سيكون الإمام ويحكم بعد وفاة الرسول، وهو ما جعل المسلمين ينقسمون حول الحكم بين من يدعي الحق المطلق لعلي ابن أبي طالب ابن عم الرسول، وبين من يعطي الحق لجميع الصحابة على حد سواء، وهو ما جعل كل طائفة تستل سيفها وتقاتل الأخرى حتى انفلتت الأمور واتخذت أبعاداً إيديولوجية واجتماعية وسياسية متشعبة، واختفى النقاش ليحل محله التكفير وإقصاء كل طائفة للأخرى.

 

أسباب الخلاف

تبادل أنصار السنة والشيعة، الشتم والتكفير دائما حول مسائل خلافية كبرى وهي؛ العصمة عن الخطأ، فالسنة يعتقدون أنها للأنبياء فقط، أما الشيعة فيؤمنون أنها للأنبياء والأئمة 12 من أهل البيت، وكذلك الخلاف حول صحابة الرسول، فأهل السنة يقولون إنهم كلهم منزهين ويجب احترامهم واحترام أقوالهم لأنهم السلف الصالح الذي يجب الاقتداء به، أما الشيعة فيظل حكمهم نسبياً في هذه القضية، إذ يرون أن الصحابة بشر عاديون وفيهم المخطئ والكاذب وحتى المرتد عن الدين.

كما اختلف السنة والشيعة حول التقية، أي إظهار عكس ما يفكر به الإنسان أو يؤمن به، وهي جائزة عند الشيعة، أما أكثرية السنة فيعتبرونها نفاقاً وسوء نية وخروجاً عن الجماعة، وأما المسألة التي تثير الخلاف الشديد بين السنة والشيعة فهي زواج المتعة، فهو عند الشيعة مباح بل ويزيدون أن عليه الأجر والثواب، أما شيوخ السنة فيؤكدون أنه حرام بل ويصنفونه في خانة الزنا، والمسألة الأخيرة هي ضرب النفس، فكثير من الشيعة يعتبرونه مباحاً ويخرجون في ذكرى مقتل الحسين ويشرعون في ضرب أنفسهم حتى تسيل الدماء، لكن السنة يرفضون ذلك ويعملون بالآية القرآنية التي تقول "ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة".

 

صراع طائفي قاده الصفويون ضد الأتراك

قامت الحكومة الشيعية بإذكاء الصراع الطائفي بين أهل السنة والروافض الشيعة، وأصبحت مناسبة عاشوراء من كل سنة موعداً دائماً للحرب الأهلية في العراق بين الأحياء السنية والشيعية، وأصبح القتال يتجدد سنوياً والفتنة تزداد عاماً بعد عام.

ويقتل في هذا الصراع المئات بل الآلاف وامتد القتال ليشمل قبور الطرفين فأهينت وحرقت وبعثرت، حتى هم الروافض بحرق قبر الإمام أحمد بن حنبل سنة 443 هجرية، وفتح هذا الصراع الطائفي المجال لإحياء الصراع العرقي والقبلي فاقتتل الديالمة مع الأتراك ومع العرب.

 

حروب بسبب الكوارث الطبيعية

ولم يتوقف الصراع بين السنة والشيعة حتى في الأزمات والكوارث الطبيعية ووصل إلى حد الشماتة، حيث ربط أنصار السنة على إحدى الزلازل التي ضربت إيران، وخلف عنها أكثر من 40 قتيلا في إيران وباكستان، بـ"الذنوب" في إشارة إلى أن الإيرانيين مخالفين لمبادئ الدين كما يفهمها السنة وأن تصرفاتهم كلها ذنوب، ووصف أنصار الشيعة تليقات السنة عليهم بأنهم انحرفوا عن مبادئ الدين الصحيح، وتنكروا لها، وأنهم يتبنون العنف والسيف لفرض آرائهم، كما ذكروا ما وقع لهم طوال القرون الماضية من تقتيل وتهجير على يد كل الدول الإسلامية المتعاقبة، ابتداء من الدولة الأموية وحتى العباسية والعثمانية.

 

تبادل الاتهامات

يتبادل أنصار السنة والشيعة دائماً الاتهامات حول من سبب الشرور والمشاكل، فالشيعة يتهمون السنة في البحرين بأنهم يقتلونهم ويضطهدونهم، والسنة يقولون إن شيعة البحرين كلهم عملاء للنظام الإيراني من أجل هز وحدة واستقرار منطقة الخليج لتحقيق المشروع الصفوي الكبير.

 

مؤتمرات للنقاش تنتهي بالفشل

 وفي محاولات من الدول العربية لحل الخلاف بين السنة والشيعة عقدت الكثير من المؤتمرات لتحقيق هذا الهدف إلا أنها كانت دائماً تنتهي بالفشل، وأبرز هذه المؤتمرات الذي عقد في مكة عاصمة العالم السني سنة 2008، تحت اسم "المؤتمر الإسلامي العالمي" بمشاركة أبرز علماء العالم الإسلامي من السنة والشيعة، ومعظم وزراء الأوقاف والشؤون الدينية في العالم الإسلامي ورؤساء المجالس الإسلامية العليا، وشيخ الأزهر وهاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، لكن هذا المؤتمر كان مصيره الفشل منذ البداية، فقد احتج دعاة سعوديون واعتبروا أن الحوار مع غير أهل السنة فتنة لا يجوز الدعوة إليها، ورفضوا إقامته نهائياً.

 

التعصب سبب فشل محاولات الصلح

وأكد الكثير من علماء الدين على أن تعصب الطرفين هو السبب وراء فشل المحاولات في حل الخلاف بين السنة والشيعة، حيث وصفه أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية في المغرب، بأنه شيء عادي لأن العالم الإسلامي لم يعتد بعد على الحوار وقبول الآخر والتعايش معه، وأن الاختلاف متأصل في طبائع البشر، وهو بين السنة أنفسهم وداخل الشيعة أيضا، وأن الإنسان ينخدع بأفكاره وبرؤيته الخاصة للأشياء فيقصي تصور الآخر.

 

واعتبر "الخمليشي" أن التعصب للأفكار الدينية هو أخطر أنواع التعصب لأنه يعمي، ويصبح ذريعة لارتكاب كل أنواع العنف مما يهدد مصير البشرية خاصة مع وجود كل هذه الأنواع من أسلحة الدمار الشامل.

 

"فقيه" المسئولية تقع على السنة والشيعة

وفي ذات السياق، أكد أستاذ الفقه بجامعة الملك فيصل وعضو هيئة كبار علماء السعودية، قيس بن محمد آل مبارك الحل، أن المسؤولية يجب أن تكون مشتركة وليست على واحد من الطرفين دون الآخر، فالوصول للحق يقتضي تعاونا بين الطرفين، وإزالةُ الأفكار الخاطئة ليست مسئولية المصيب وحده، وليست كذلك مسئولية المخطئ وحده.

 

إلا أن ما قاله "قيس" لم يعجب أياً من الطرفين، حيث قال بعض أنصار السنة وبعض أنصار الشيعة، إن "لا خير يرجى في الآخر" ليظل الخلاف قائماً ومفتوحاً على جميع الاحتمالات.