احتمالات الصدام بين «السيسي» ومجلس النواب
قالت هدى الشاهد، الباحثة في العلوم السياسية، إن تنفيذ الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق المتمثل في انتخاب مجلس النواب أثار جدلاً موسعًا بشأن موازين القوى داخل النظام السياسي، وما إذا كانت ستميل لصالح رئيس الدولة أم لصالح السلطة التشريعية، أم أن قدرًا من التعادل قد يتحقق بين الطرفين؟
وأضافت خلال دراسة لها نشرها المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، تحت عنوان احتمالات الصدام: كيف تسير العلاقة بين الرئيس ومجلس النواب المصري؟، أن دستور يناير 2014 جاء ليجعل من مجلس النواب ورئيس الوزراء شريكين لرئيس الدولة في كثير من الاختصاصات التي طالما انفرد بها رأس الدولة في تاريخ النظام السياسي المصري، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- تقييد سلطات رئيس الدولة في إعفاء الحكومة (رئيس الوزراء والوزراء) من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب؛ وذلك بموجب المادة (147) التي قيدت كذلك صلاحية رئيس الدولة لإجراء أي تعديل وزاري إلا بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب؛ حيث نصت على أن "لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس".
- تقييد صلاحية رئيس الدولة بإعلان حالة الطوارئ بأخذ رأي مجلس الوزراء ثم العرض على مجلس النواب خلال أسبوع، وموافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس؛ وذلك حسب نص المادة (154) التي تنص على أنه "يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي مجلس الوزراء حالة الطوارئ، على النحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه. وإذا حدث الإعلان في غير دورة الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورًا للعرض عليه. وفي جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تتجاوز 3 أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس.
- تقييد صلاحية رئيس الدولة بالعفو عن العقوبة أو تخفيضها؛ وذلك وفقًا للمادة (155)؛ حيث نصت على أن "لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها. ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يُقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب".
- وجوب مراجعة مجلس النواب القوانين التي صدرت قبل انتخابه عن رئيس الدولة؛ وذلك في غضون خمسة عشر يومًا من انعقاد دورته الأولى، وإلا أُلغيت بأثر رجعي، إلا إذا رأى البرلمان غير ذلك؛ وذلك وفقًا للمادة (156). وتظهر أهمية هذه الصلاحية في ضوء العدد الكبير من القرارات بالقوانين التي أصدرها رئيس الدولة في غياب مجلس النواب التي قدرها المراقبون بأكثر من ثلاثمائة قانون.
فضلاً عما سبق، يتمتع مجلس النواب منفردًا بعدد من الصلاحيات، لعل أهمها من حيث ما تثيره من جدل ومخاوف لدى البعض بشأن موازين القوة داخل النظام السياسي، ما يلي:_
- صلاحية مجلس النواب لاقتراح سحب الثقة من رئيس الدولة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما تجيزه المادة (161) من الدستور لمجلس النواب بناءً على طلب مسبّب وموقّع من غالبية أعضائه على الأقل، وموافقة ثلثي الأعضاء؛ فبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة، يطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء؛ فإذا وافقت الأغلبية على قرار سحب الثقة، يُعفى رئيس الجمهورية من منصبه، ويُعد منصب رئيس الجمهورية خاليًا.
وتُجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يومًا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، وإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، عُد مجلس النواب منحلاًّ. ويدعو رئيس الجمهورية إلى انتخاب مجلس جديد للنواب خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الحل، وهكذا تسهل هذه المادة عملية الإطاحة بالرئيس في حالة حدوث أي تحالف بين عدد من الجبهات داخل مجلس النواب.
- صلاحية مجلس النواب لاتهام رئيس الدولة بالخيانة العظمى ومخالفة أحكام الدستور أو جناية أخرى، وهو ما تمنحه صلاحيته المادة (159) من الدستور لمجلس النواب بناء على تقديم طلب مسبب، والذي بإمكانه في هذه الحالة وبموافقة غالبية أعضائه وقف الرئيس عن العمل ومحاكمته أمام محكمة خاصة.
- صلاحية مجلس النواب لسحب الثقة من الحكومة؛ حيث تعطي المادة (13) من الدستور مجلس النواب حق تقرير سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم، وهو ما يترتب عليه استقالة الحكومة أو عضو الوزارة الذي سُحبت منه الثقة؛ الأمر الذي يمكّن البرلمان من الإطاحة بأي حكومة يأتي بها الرئيس دون رضا البرلمان.
- صلاحية مجلس النواب لطلب تعديل الدستور؛ فحسب نص المادة (226) من الدستور "لرئيس الجمهورية، أو لخُمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل. وفي جميع الأحوال، يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يومًا من تاريخ تسلمه.
ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كليًّا، أو جزئيًّا بأغلبية أعضائه. وإذا رُفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالي. وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يومًا من تاريخ الموافقة؛ فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذًا من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء. وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات". وهكذا يمكن لخمسة أعضاء في مجلس النواب طلب تعديل مادة أو كثر من مواد الدستور ومناقشة طلب رئيس الدولة تعديل مادة أو أكثر وموافقة أغلبية أعضاء على ذلك الطلب.
وبالإضافة إلى الصلاحيات المشتركة، فإن رئيس الدولة هو الذي يمثلها في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها؛ وذلك وفقًا لنص المادة (151) من دستور يناير 2014، كما أنه هو المخول بدعوة الناخبين للاستفتاء في المسائل التي تتصل بمصالح البلاد العليا فيما لا يخالف أحكام الدستور؛ وذلك وفقًا للمادة (157) من الدستور.
كما يترأس رئيس الدولة عضوية عدد من المجالس القومية ذات الصفة الأمنية، لعل أهمها على الإطلاق مجلس الدفاع الوطني الذي يختص -حسب المادة (203)- بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد، وسلامتها، ومناقشة موازنة القوات المسلحة، ومجلس الأمن القومي الذي يختص -حسب المادة (205)- بإقرار استراتيجيات تحقيق أمن البلد، ومواجهة حالات الكوارث، والأزمات بشتى أنواعها، واتخاذ ما يلزم لاحتوائها، وتحديد مصادر الأخطار على الأمن القومي المصري في الداخل والخارج، والإجراءات اللازمة للتصدي لها على المستويين الرسمي والشعبي.
ووفقًا للمادة (102) من الدستور، يمتلك رئيس الدولة صلاحية تعيين نحو 5% من أعضاء مجلس النواب (البالغ عددهم، وفقًا لما حدده القانون، 568 عضوًا). وبناءً على هذه المادة، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي عليه أن يختار ما لا يقل عن 28 عضوًا في مجلس النواب المقبل من إجمالي 596 عضوًا. ويتوقع المراقبون أن ينتقي الرئيس ضمن التعيينات عددًا من الشخصيات التي لعبت دورًا سياسيًّا (رسميًّا) خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت 30 يونيه 2013.
وتابعت: على أي حال، يبدو أن نظام الحكم بموجب دستور يناير 2014، أميل إلى نظام "شبه رئاسي"، يمنح -في مقابل تقليص صلاحيات الرئيس- صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء في إدارة الحكومة والسلطة التنفيذية، وأخرى لمجلس النواب بوصفه سلطة تشريعية.
مخاوف الاختبار العملي للقوى:
ما إن بات الاختبار العملي لصلاحيات مجلس النواب في مواجهة صلاحيات رئيس الدولة وشيكًا، حتى تزايدت مخاوف بعض القوى السياسية -لا سيما المحافظة- من تناطح سلطات مجلس النواب مع سلطات الرئيس، بل واحتمالات تكبيل سلطته عمليًّا؛ الأمر الذي كشف عنه ظهور مطالب صريحة بضرورة إدخال تعديلات دستورية جديدة توسع صلاحيات رئيس الدولة بما يمكّنه من أداء دوره.
ويبدو أن تلك المخاوف كانت قد تسربت من قبل إلى رئيس الدولة؛ حيث كان قد أعرب عنها بجلاء في خطاب له ألقاه منتصف سبتمبر 2015 في جامعة قناة السويس؛ عندما أشار إلى أن الدستور "كُتب بنوايا حسنة. والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة"، مشيرًا بذلك إلى أن الدستور الذي أعدته لجنة الخمسين قد منح البرلمان (مجلس النواب) صلاحيات واسعة في مقابل الصلاحيات الممنوحة لرئيس الدولة.
ومن الجدير بالذكر هنا أن الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" كان قد كشف قبل توليه الرئاسة، خلال شغله منصب وزير الدفاع، عن عدم رضاه عن تعديلات دستور يناير 2014؛ لما اعتبره "تطفيفًا في الميزان"، على حد وصفه.
ولا تنبع مخاوف رئيس الدولة من غلبة كفة ميزان مجلس النواب بصلاحية المجلس المتعلقة بمراجعة التشريعات التي أصدرها خلال الفترة السابقة ومن قبله الرئيس الانتقالي (المستشار عدلي منصور) فقط، بل يغذيها أيضًا المطالبات المنتظرة من بعض النواب بمراجعة العقود السيادية التي أبرمت مع دول أجنبية أو هيئات دولية بواسطة القوات المسلحة أو جهات حكومية أخرى خلال الفترة الماضية؛ وذلك كله من دون سند قانوني.
وأضافت: انعكاسًا لتلك المخاوف، تعالى الجدل بشأن تعديل الدستور؛ حيث يمكن التمييز فيه بين اتجاهين رئيسيين: الاتجاه الأول مؤيد لإدخال تعديلات على دستور يناير 2014 تعزز صلاحيات رئيس الدولة وتقوي مركزه في مواجهة سلطات الدولة الأخرى، لا سيما السلطة التشريعية، ويتزعمه شخصيات سياسية وإعلامية بارزة، حتى إن هذا الاتجاه تضمن مرشحين حزبيين ومستقلين لعضوية مجلس النواب، فاز بعضهم فعليًّا وأصبحوا نوابًا منتخبين. وعلى ضوء هذه المؤشرات يتوقع بعض المحللين أن يستجيب مجلس النواب للرئيس إذا أراد تعديل الدستور.
أما الاتجاه الثاني، فيعترض على تعديل الدستور من منطلق عدم تطبيقه على أرض الواقع، وخاصةً أن مجلس النواب لم يتم تشكيله بعد. وداخل هذا الاتجاه، تبنت مجموعة من الشخصيات العامة فكرة إعداد وثيقة «حماية وتفعيل الدستور» وهي وثيقة فكرية تستهدف فتح قنوات الحوار حول الدستور الحالي وشرح أهميته وأسباب رفض تعديله، تقوم على أربعة محاور:_
أولها- أهمية هذا الدستور والمكتسبات المضمنة فيه مع مقارنة بالدساتير السابقة. ثانيها- انعكاسات هذا الدستور على حياة الناس، ثالثها- تحرير الالتباسات المضمنة في نظام باب الحكم. رابعها- تفعيل الدستور، بحيث يتم فور الانتهاء من الوثيقة إرسالها إلى مؤسسات الدولة الرسمية والحيوية، فضلاً عن فتح حوار مجتمعي حولها مع المواطنين وشرح أهمية الحفاظ على الدستور تمهيدًا لجمع توقيعات منهم تطالب بأهمية تفعيل الدستور لا تعديله.
خلاصة القول: يعتبر بعض المراقبين أن الحكم المسبق على دستور لم يطبق، وافتراض أنه عقبة أمام رئيس الدولة، تفكير غير صحيح؛ وتكفل مواد الدستور للرئيس التمتع باختصاصات كافية لممارسة دوره، وتضمن تحقيق التوازن بين صلاحياته في مقابل صلاحيات مجلس النواب؛ حيث منح الدستور رئيس الدولة حق حل المجلس ووضع ضوابط لذلك.
وفي المقابل، أعطى مجلس النواب حق اقتراح سحب الثقة من رئيس الدولة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ووضع ضوابط لذلك. ولأن الأمر يتعلق بأرفع منصب في الدولة، فإن الدستور نص على أنه إذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، اعتبر مجلس النواب منحلاًّ، ويدعو رئيس الدولة إلى انتخاب مجلس جديد للنواب، ليعالج بذلك الدستور هذه المسألة بما يجعل مجلس النواب يفكر جديًّا ويتأنَّى في طرح الثقة بالرئيس.
وبخلاف عدد النواب الذين يتم تعيينهم من جانب رئيس الدولة، ووفقا لنتائج الانتخابات واستحواذ قوائم حزبية تدعم الرئيس؛ تبدد المخاوف السابقة بشأن صلاحيات رئيس الدولة؛ وذلك بفعل تقويض تكهنات البعض بصعوبة تشكيل حكومة ائتلافية، وتناقص احتمالات تشكيل جبهة معارضة عريضة داخل مجلس النواب تكون بمنزلة حائط صد أمام قرارات رئيس الدولة، بل إنها قد تمثل الظهير السياسي له داخل البرلمان لتكون بمنزلة الحزب الفعلي للرئيس.