افتتاح مهرجان المسرح العربي في الكويت.. غدًا

الفجر الفني

بوابة الفجر

 يفتتح في الكويت غدا مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح ويستمر حتى 16 يناير الجاري.


ويلقي النسخة التاسعة من رسالة اليوم العربي للمسرح الفنان الفلسطيني زيناتي قدسية، وهو مخرج ومعد وكاتب ورجل من رجال المسرح الفلسطيني ولد في حيفا في العام 1948، وشكل في ثمانينيات القرن الماضي مع الكاتب الراحل ممدوح عدوان ثنائيا مسرحيا وقدم عددا من الأعمال التي تتناول المأساة الفلسطينية.


وأخرج قدسية مجموعة من الأعمال الجماعية للمسرح وقام بتأسيس مسرح "أحوال" مع ممدوح عدوان وفي واختارته الهيئة العربية للمسرح لكتابة كلمة هذا العام.


وقام المركز القومي للمسرح في مصر بطباعة كلمة اليوم العربي للمسرح ويقوم البيت الفني للمسرح بتوزيعها على المسارح لإلقائها غدا في نفس التوقيت الذي تلقى فيه في افتتاح مهرجان المسرح العربي بالكويت ، تأكيدا لوحدة الأمل العربي وكرسالة سلام من المسرحيين العرب لكل العالم.
ونشرت الهيئة العربية للمسرح رسالة اليوم العربي للمسرح التي كتبها الفنان الفلسطيني زيناتي قدسية ويلقيها غدا في افتتاح مهرجان المسرح العربي، وقال فيها: "يا من تصنعون الجمال في زمن يصر فيه المتهافتون على إنتاج القبح. توقي كبير, و شغفي أكبر, لهذا اللقاء الذي دعتنا إليه الشارقة المشرقة, المدينة المنارة, مركز الذوق الفني الرفيع, ممثلة بهيئتنا العربية للمسرح, لنحج كلنا إلى واحة الثقافة والعلوم والإبداع العربي والإنساني, إلى هذا البيت, بيتِنا العربي الكويتي العريق والأصيل, بيت الأمن والسلام، هذا البيت الذي طالما جمعنا في أوقات كنا فيها أشتاتا, واحتوانا بذراعيه الحانيتين و دفء قلبه في أزمان عز فيها اللقاء، نحن الذين نشكل البقية الباقية التي ما تزال متمترسة على أسوار حصن الجمال, مدافعين عنه ببسالة قل نظيرها".


وأضاف: "من أم البدايات, أم النهايات. من رائحة الزيتون والكرمة والزعتر التي تعبق من "فستيان" أم سعد, من العاشق, العائد إلى حيفا محملا ببرقوق نيسان، من روح غسان, معلمي الأول, فاتحة وعيي و إدراكي للأشياء و الحياة. من "إجزم" قريتي الهاجعة على كتف حيفا وظلال الكرمل كفرخ حمام يستدفئ بجناح أمه، حيث الولادة، من دمشق, شامةِ الدنيا, أمِّ المدنِ و روحِ التاريخ، دمشق, ثقافتي, هواي, مرآة روحي, كل التجربة. ستة و أربعون عاماً في دمشق, وقبلها أربع سنوات في عروس الشمال "إربد". خمسون عاماً ليست شيئاً في عمر الزمن, و لكنها العمر الحقيقي لتجربتي في المسرح, و الحياة إذا شئتم. منازلة لم تتوقف يوماً, حاولت خلالها أن أمسك بتلابيب هذا الفن الصعب العصيّ, و لم أفلح. لكنني و منذ وقت مبكر أدركت أنني مقبل على خوض معركة شرسة قد تطول, و لا أدري لصالح من ستحسم نتائجها. و مع مرور الزمن و احتدام المعركة أدركت أن المسرح قضية كبرى و تحتاج رجالاً على مقاسها".


وقال الفنان الفلسطيني زيناتي قدسية في رسالة اليوم العربي للمسرح التي يلقيها غدا في افتتاح مهرجان المسرح العربي: "إذا كان للشعوب برلمانات, فإن المسرح هو برلمان الثقافة الشعبية دون منازع. و لكي يتحول المسرح في بلادنا إلى برلمان للثقافة الشعبية حقاً, فإنني مع الأصوات التي سبقتني, وبعيداً عن تكرار ما قلناه و كتبناه ونظَّرنا له منذ مائة عام و يزيد, أدعوكم للاندفاع بوعي وجرأة و حكمة نحو مسرحنا الجديد والمقاوم".


وأضاف: "مسرح جديد حر و مقاوم, بدأت إشاراته الأولى تتبدى منذ عشر سنوات. حرٌ مقاوم. لأن المسرح بطبيعته حُرّ, و منذ نشأته الأولى كان مقاوماً, و قدم آلافاً من العروض المسرحية المقاومة بمعناها الحرفي, مقاومة المحتل, الغازي, العدو, المستعمر, و في كل دول العالم هناك دائماً حضور لافت للمسرح المقاوم و إن اختلفت أساليب التعبير عن روح المقاومة من مسرح لآخر. و ما دام هناك فاشيون وديكتاتوريون, وقابليات لنشوب حروب ثنائية أو كونية, وما دام على الأرض أربابٌ يتمسكون بربوبيتهم ويعملون على تخريب العالم وتدمير أمنه عبر التاريخ, و ما دامت الآفة الإنسانية الماثلة أمامنا والمتمثلة في البعض الذي يرى العالم أضيق من أن يتسع له وللآخرين, ويريد أن يعيش وحده جاعلاً نهج حياته: "هذا كله لي".. ما دام كل هؤلاء يعبثون بحياتنا و مصائرنا, فإن المسرح المقاوم يبقى حيَّاً و يعبر عن حرية الإنسان و الشعوب و ثقافاتها".


وقال: "ليس شرطاً أن يكون هناك احتلالاً أو غزواً عسكرياً أو مستعمراً لننشئ مسرحاً مقاوماً. ففي فترات السلم العالمي, تبدو حاجة البشر لمسرح مقاوم ماسَّة و ملحة. وكأن هذا الهدوء و الاستقرار الظاهري والاسترخاء المريب تختفي وراءه نُذُرُ التفجرات المباغتة والحروب المدمرة. وما سعي الدول المحموم لامتلاك الأسلحة بمختلف أنواعها, والصراع المعلن والخفيّ على حيازة أكثرها فتكاً وتدميراً تحت مسمى التوازن الاستراتيجي, إلا تهيئة واستعداداً لهذه التفجرات المباغتة. ولذلك, فإن المفكرين و المثقفين و العلماء و الشعراء و رجال المسرح في مختلف أنحاء العالم, حين يواجهون القبح بالجمال واليأس بالأمل, وحين ينتصرون للإنسان من أجل حريته وكرامته الإنسانية وحقه في الماء والطعام والمسكن اللائق والصحة والتعليم والحب وإبداء الرأي والدفاع عن حقه في الوجود.. حين ينتصرون لكل هذا, إنما هم ينتمون بشكل أو بآخر إلى الثقافة المقاومة, العلوم المقاومة, الشعر المقاوم, والمسرح الجديد الحر المقاوم.. البعيد عن التقليدية المتزمتة و المرتهنة لمفاهيم لم تعد قادرة على مواكبة متطلبات العصر. مسرح متحرر من ظلامية الغول الذي ينشب أظفاره ليشد التجربة الإنسانية برمتها إلى الكهوف المظلمة.. مسرح جديد حر, نقيض للحداثات المزيفة وغير الأصيلة و الطارئة, و التي أحدثت اختراقات مهولة في حياة البشر على كل المستويات".

وقال الفنان الفلسطيني زيناتي قدسية في رسالة اليوم العربي للمسرح التي يلقيها غدا في افتتاح مهرجان المسرح العربي: "أرجو أن لا أُفهم بأنني أدعو للانغلاق والانقطاع عن ثقافات العالم و منجزاته الإبداعية. على العكس, أنا من قرية صغيرة من قرى الجليل في فلسطين, لكنني أؤمن بأن العالم قريتي. و أنتمي لأسرة صغيرة, و لكنني أؤمن بأن البشرية أسرتي, و بأنني جزء لا يتجزأ من هذا النسيج الإنساني الرائع. و أؤمن أن على رأس واجبات الإنسان واجباً يدعوه إلى الاهتمام بمشاكل و قضايا العالم, و إلى التفكير فيها و التعبير عنها بنفس الحرارة و الولاء الذي يتناول فيه مشاكل وطنه و ذاته".
وأضاف: "قد يقول قائل: هل فرغنا من مشاكلنا نحن حتى نولي وجهنا نحو مشاكل العالم؟. لا لم نفرغ بطبيعة الحال. بل إننا غارقون في المشاكل والأزمات والكوارث حتى الأذنين، لكننا لا نبتعد عن أنفسنا حين نقترب من العالم كله. ولن نكون مبدعين حقيقيين قادرين على الدفاع عن قضايانا الإنسانية العادلة دون أن ندرك المفهوم السويَّ لكلمة "نحن". لأن "نحن" هذه, ليست في التحليل النهائي لها سوى سكان هذا الكوكب جميعاً. وأنت وأنا إنما نبحث مشاكلنا نحن حين نوجه خواطرنا على المشكلة الإنسانية بأسرها، وإنني أرحب كل الترحيب بمثاقفة إنسانية تكفل لي تمايزي وخصوصيتي الثقافية والروحية, ولا تلغي هوية الأصل أو تعمل على مسخها و تحويلها إلى كيان تابع ذليل. مثاقفة محكومة بشرطيّ الحرية والتكافؤ".
وقال: "نحن اليوم نصعد الدرجات الأولى في سلَّم القرن الواحد والعشرين, ولدينا من الطاقات البشرية والعقلية والإبداعية والمالية ما يمكِّننا من خلق مسرحنا الجديد. لم يعد أمامنا خيارات. و لا نملك رفاهية الوقت. وعلينا أن نكمل ما بدأناه بوعي وجرأة و تصميم أشد. فكما أن المسرح الحي النابض نقيض البدايات الفاترة, عدو الإيقاعات الميتة, كذلك الحياة, لا تزدهر بالتمطي والاسترخاء. والحرية وسعادة البشر لا تتحقق بالكسل و التثاؤب, إنما تعمر الحياة وتزدهر بالتحديات والمواجهة وقوة الإراد. و أنتم أهل لهذه المواجهة".