عادل حمودة يكتب: وزراء وسفراء ونواب وحكايات فى شرم الشيخ "قليل من السياحة.. كثير من السياسة"
لأول مرة: أسرار لقاء الـ 85 دقيقة بين السيسى وأوباما فى نيويورك
■ الرئيس الأمريكى: أجهزة مخابراتنا ترسل إلينا بمعلومات خاطئة عن مصر
■ السيسى: قمنا من أجل حقوق المسكن والمأكل والتعليم والصحة أولاً
■ وزير الاستثمار: سايس السيارات كان يشرف على تسجيل الشركات مقابل بقشيش لبعض الموظفين
أسافر دائما إلى شرم الشيخ حاملا معى أعز ما أملك.. قلبى.. وكلماتى.
عندما يقول الكتاب المقدس فى البدء كانت الكلمة فإنه يقدم دليلا على أن الله خلق الكلمة قبل أن يخلق عناصر الحياة الأربعة.. الماء.. والنار.. والهواء.. والتراب.
ويعنى أيضا أن الكلمة سبقت السلطة.. والثروة.. والشهرة.. والشهوة.. لذلك نخافها ونخشاها.. ونتحاشى التطلع فى عينيها.
ومنذ أن تحررت شرم الشيخ من أنياب الفك الإسرائيلى المفترس وهى تحترف أحاديث السياحة.. لكنها.. لم تنس أبدا التورط فى السياسة.
وسط مجموعة من السفراء والوزراء ونواب البرلمان شهدت لحظات ميلاد العام الجديد مجددا حبل الوصال وجسور العشق بينى وبين شرم الشيخ.. مستردا كثيرا من ذكرياتى معها.. قبل أن أتحدث عن حالها.
1- نظارة السادات وغارات بيجن !
كنت المحرر العسكرى لـ«روز اليوسف» المكلف بتغطية الانسحاب الإسرائيلى من سيناء.. وذات يوم فى بداية يونيو 1980 التقى أنور السادات برئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن فى شرم الشيخ التى كانت سلطات العدو تسميها أوفيرا.. ولم يكن فيها سوى استراحة مصنوعة من الخشب لمدمنى الغوص.. بجانب مدرسة للبيئة كانت غطاء للموساد.. تطل على خليج نعمة.
بعد ساعات مطولة من المفاوضات المغلقة أجابا السادات وبيجن على أسئلة عابرة فى المطار.. لم يكن المطار مهيئا للطيران الليلى.. وفرض على الرئيس الإقلاع قبل آخر ضوء.. وفى العجلة نسى نظارته الطبية.. ومددت يدى وأخذتها.. فإذا بها فى خف الريشة.. وعندما سلمتها لواحد من أمناء الرئاسة (هو عبد الفتاح المنجورى) كشف لى: إنها مصنوعة من القشرة الخارجية لصدفة السلحفاة.
لم تمر سوى ساعات قليلة حتى أغارت طائرات الفانتوم الإسرائيلية على المفاعلات النووية العراقية على أطراف بغداد واتهم السادات ظلما بأنه كان يعلم بالمؤامرة.. لكن.. ذلك لم يكن صحيحا.
2- حضر الأمن وغابت السيور!
تطور مطار شرم الشيخ.. أصبح قادرا على إقلاع وهبوط الطائرات طوال الليل والنهار.. وبعد حادث الطائرة الروسية فى نهاية أكتوبر الماضى تشددت الإجراءات الأمنية وسدت ثغراتها.. لكن.. من ناحية أخرى أصيب المطار بحالة أخرى من الإهمال يصعب تصورها.
يوم السبت الماضى تأخر إقلاع الطائرات المحدودة التى هبطت على أرضه أكثر من خمس ساعات.. بسبب عن فى سيور نقل الحقائب.. وحسب ما عرفت فإن المطار به خمسة سيور أصاب العطب مفاصلها.. بحجة أنها لم تعد تتحرك كثيرا منذ توقفت حركة السياحة.. ولم نجد مسئولا واحدا يتدخل لعلاجها.. واستدعى الأمر تدخل وزير الطيران حسام كمال نفسه.. دون أن نعرف هل عاقب المقصرين على إهمالهم ؟.. أم أنهم لا يزالون فى أماكنهم ويا دار ما دخلك شر ؟
لقد أحرق وزير الإسكان فى منغوليا نفسه عندما عجز عن تنفيذ ما وعد به.. أعلن أنه سينفذ 100 ألف وحدة لكنه لم ينفذ سوى 70% منها فأشعل النار فى نفسه علنا بمادة تجهز عليه فى الحال ويصعب معها إنقاذه.
وشهدت دبى حريقا فى طابق مرتفع من فندق العنوان القريب من برج خليفة قبل ساعات قليلة من الاحتفال بليلة رأس السنة.. ونجحت السلطات هناك فى إنقاذ الموقف دون خسائر بشرية تذكر.. وأصرت على إسعاد ملايين السياح الذين وثقوا فى كفاءتها.. ولم تخذلهم.. مؤكدة على براعتها فى إدارة الأزمة.
والحقيقة أننا عالجنا أزمة الطائرة الروسية التى تسببت فى ضرب السياحة بتعجل.. لم نفكر فى تأبين الضحايا إلا بعد أربعين يوما.. وسارعنا بنفى مسئولية الإرهاب عنها.. بخلاف فرنسا التى اعترفت بذلك فور تعرضها لهجمات نوفمبر بعد أسابيع قليلة.. بل طالبت العالم بمساندتها.. فالإرهاب نوع من السرطان الخبيث.. يمكن أن يصيب الدول مهما كانت قوتها ومناعتها.
إننا موهوبون فى تحويل المشكلة إلى كارثة.. والكارثة إلى مأساة.. والمأساة إلى مأتم.
3- الرجل الذى حافظ على أنوار المدينة
والمؤكد.. أن شرم الشيخ دفعت ثمنا غاليا.. فكل من فيها يعيش على السياحة.. وانكمش ملاك القرى والمنتجعات بعد أن انهارت نسبة الإشغال إلى ما تحت عشرة فى المائة.. ولكن.. هناك خبير فى عمله هو نصر عبداللطيف تحدى قدره وأصر على بقاء أنوار المدينة مضاءة.. لم يغلق منتجعاته وإنما افتتح منتجعا جديدا باستثمارات تقترب من أربعة مليارات جنيه.
بل أكثر من ذلك نفذ ببراعة مهرجانا للغناء على ثلاثة أيام تألق فيه كبار النجوم.. أنغام.. هيفاء وهبى.. وائل جسار.. وراغب علامة.. وغيرهم.
حسب ما عرفت فإن رئيس الحكومة شريف إسماعيل وعد بأن يقص الشريط بنفسه بحضور ثمانية وزراء.. لكنه.. اعتذر بعد أن انتهت تجهيزات استقباله.. ولم يحضر سوى وزير الاستثمار أشرف سالمان.. أما وزير السياحة هشام زعزوع فكان ينتظر كاميرات سى إن إن تصور الحفل الذى دعا إليه بجانب الأهرام.
وشعر ناصر عبد اللطيف بالقهر فسافر إلى العمرة لتهدئة أعصابه.
4- السايس الذى ينافس وزير الاستثمار
على شاطئ الخليج تحدث أشرف سالمان عن مافيا تأسيس الشركات فى هيئة الاستثمار.. إن سايس السيارات كان يحدد بنفسه وبمساعدة موظفين هناك أولويات الحضور قبل الساعة الثامنة.. قبل أن يأتى راغبو تأسيس الشركات الذين لا يعرفون السر فى موعدهم.. ليفاجأوا بأنهم فى آخر الطابور رغم أنهم كانوا أول من التزم بالموعد المحدد.
وأمام الشكاوى التى لا تنتهى قرر الوزير أن يكلف محاميا يعرفه جيدا بخوض تجربة تأسيس شركة ليعرف بنفسه حقيقة ما يحدث من انحرافات ومعوقات.
وذات يوم فاجأ المكتب المختص بوجوده.. وجلس يتابع ما يجرى.. ويصحح ما يحدث.. بل.. أكثر من ذلك اختصر خطوات التأسيس.. واعتمد نظام فاست تراك.. أو الطابور السريع مقابل ألف جنيه.. فكان أن تضاعف عدد تأسيس الشركات من 500 شركة رأسمالها 9 مليارات إلى 1100 شركة رأسمالها 18 مليار جنيه.
أصبح الوقت اللازم لتأسيس شركة لا يزيد على تسعين دقيقة ولو وافقت وزارة العدل على اعتماد التوقيع الإلكترونى فإن الوقت ينخفض إلى النصف.
إن الفساد مهما صغر حجمه كفيل بهروب مليارات تريد أن تفتح بيوتا.. لكن.. أغلب الموظفين لا يعلمون.
وكما سمعت من رئيس حكومة سابق فإن فى كل مكان مافيا خفية تحكمه.. فى الجمارك.. والاستيراد.. وتجارة العملة.. وأراضى البناء.. بل.. فى دولة الميكروباص المستقلة.
5- مسئول رغم أنفه فى حكومة الإخوان
ويمتلك أشرف سالمان شجاعة من نوع خاص تجعله قادرا على المواجهة.. وقد حدث قبل أيام من ثورة 30 يونيو أن عرض عليه الوزير الإخوانى يحيى حامد رئاسة هيئة الرقابة المالية.. لكنه.. رفض.. على أنه عرف أن محمد مرسى وقع قرار تعيينه دون استشارته مما أوقع يحيى حامد فى حرج.. فطلب منه أن يلتقيا ليقنعه بقبول المنصب تجنبا للحرج.. والتقيا بعد منتصف الليل.. ولكن.. سالمان أصر على موقفه.. فإذا بحامد يطمئنه بأن 30 يونيو سيمر بسلام.. ولن يسقط نظامهم.. مضيفا: إنهم على صلة ساعة بساعة مع الأمريكان.. وهم يطمئنونهم ويساندونهم ولن يقبلوا بغيرهم.. على أن سالمان لم يتراجع قائلا: أنا أدير شركة استثمارية قطاع خاص وليس لى فى السياسة ولا أريد أن أترك مكانى.
نفس الموقف حدث مع وزير الشئون القانونية حاتم بجاتو.. فقبل أيام قليلة من ثورة يونيو التقى برئيس الحكومة هشام قنديل الذى أكد له أنهم سيكنسون المتظاهرين مهما كان حجمهم.. مضيفا: الأمريكان معنا
لقد نسى الإخوان أن للشعوب إرادة تفوق سطوة القوى العظمى أحيانا.
6- باترسون: مرسى لم يكن يحكم
ويتذكر أحد الحضور أنه استضاف السفيرة الأمريكية آن باترسون فى بيته.. ولم تتردد وسط مجموعة من الشخصيات السياسية المصرية فى الاعتراف بأن محمد مرسى لم يكن رئيسا قويا.. بل كان دمية فى يد أربع قيادات إخوانية على رأسهم المرشد محمد بديع وأمين التنظيم خيرت الشاطر.
وتذكرت أننى كنت أغطى الرحلة الأخيرة لوزير الخارجية السابق نبيل فهمى فى واشنطن ودعيت فى بيت السفير محمد توفيق لعشاء حضرته آن باترسون وعرفت ليلتها أنها نصحت الإخوان بقبول انتخابات رئاسية جديدة.. ولأنهم سيديرونها وهم فى السلطة فإن نسبة بقائهم فيها تزيد على تسعين فى المائة.. لكن.. خيرت الشاطر رفض.. مؤكدا أنهم سيدافعون عن وجودهم بأرواحهم.. وأن من سينتزع السلطة منهم سيدفع ثمنا غاليا فى وجود عشرة آلاف انتحارى مستعدون للتفجير والتفخيخ.
7- لأول مرة ما جرى بين السيسى وأوباما
لكن.. أهم ما عرفت فى دردشة السياسة على شاطئ شرم الشيخ تفاصيل الاجتماع المغلق الذى جرى بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما والرئيس عبد الفتاح السيسى على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة فى عام 2014.
كان اللقاء يوم 26 سبتمبر فى فندق والدورف ستوريا مقر إقامة أوباما وحسب التعليمات التى كتبت للوفد المصرى فإن التجمع فى بهو فندق نيويورك بالاس مقر إقامة السيسى فى الساعة الثانية عشرة والربع.. ولكن فوجئ الوزراء الثلاثة المرافقون للسيسى (وزير التموين خالد حنفى ووزير الاستثمار أشرف سالمان ووزير البيئة خالد فهمى) أن باقى الوفد سبقهم إلى مقر اللقاء بدعوى أن الموعد المحدد فى فندق أوباما وليس فى فندق السيسى.. على أن ذلك لم يمنعهم من الاتجاه إلى فندق أوباما القريب وتحملوا مطرا نزل فوق رءوسهم.
كانت كاميرات التصوير قد انتهت من التقاط اللقطات التذكارية قبل أن يتمكن الوزراء الثلاثة من دخول اللقاء بواسطة شخصية أمنية مهمة لذلك لم يظهروا فى تلك اللقطات التى ضمت شخصيات أخرى.
ورغم أن المدة المحددة للقاء كانت عشرين دقيقة إلا أنه استمر ساعة وثلث الساعة.. وبدا واضحا أن أوباما يجلس فى مقعده مسترخيا لامباليا بينما صامتا ينظر إلى المائدة التى أمامه.
تحدث أوباما قائلا: إنه لا يعرف ما يجرى فى مصر.. واعترض على محكمة محمد مرسى.. وأحكام الإعدام.. وما يعانى منه النشطاء.. وذكر بعضهم بالاسم.. مثل محمد سلطان وأحمد ماهر.. بجانب ما تتعرض له حرية التعبير من تقلص.
وتحدث السيسى معبرا عن شكره للمقابلة.. مطالبا أوباما بأن ينظر الأمريكيون إلينا من منظورنا وليس من منظورهم.. مضيفا: إن العلاقات بين مصر والولايات المتحدة علاقات استراتيجية يجب أن يجرى الحفاظ عليها بغض النظر عن وجود حاكم هنا أو حاكم هناك.
واستطرد: لقد قمنا من أجل حقوق الإنسان.. إن هذه الحقوق تبدأ بحقوق السكن والتعليم والعلاج والطعام والعمل والزواج وغيرها من الحقوق الأساسية.. دون أن ننسى التركيز على الحقوق الأعلى مثل حق التعبير.
استأذن وزير الخارجية جون كيرى فى الانصراف لارتباطه بموعد سابق.. وانتبه أوباما لما يسمع.. واعتدل فى جلسته قائلا: إنى لا أجلس إلى جنرال وإنما إلى رئيس يستوعب مشاكل بلاده.. شكرا لأنك غيرت فكرتى.
ونظر أوباما إلى سامنتا باور مندوبة واشنطن فى الأمم المتحدة مضيفا: إن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تقدم لنا معلومات خاطئة عمَّا يجرى فى مصر ويبدو أن علينا معاقبة المسئولين عنها.
واستطرد: إن العلاقات بين بلدينا ستظل على رأس أجندة سياستنا الخارجية فمصر دولة مهمة بالنسبة لنا.
وطالب أوباما بأن يجلس القانونيون الأمريكيون مع نظرائهم المصريين للمساعدة فى حل مشاكل بعض النشطاء المحبوسين مثل محمد سلطان دون أن يكون ذلك نوعا من التدخل فى السيادة المصرية.
ومن جانبه طلب السيسى منه أن يتولوا هم إصدار البيان المناسب عن اللقاء ووافق أوباما بعد أن اقترح ضم وزير الخارجية سامح شكرى إلى لجنة صياغة البيان. فعلا.. غابت السياحة عن شرم الشيخ وحضرت السياسة.