عبد الحفيظ سعد يكتب: الحور العين تسجن إسلام بحيرى

مقالات الرأي



الباحث راح ضحية تجديد الخطاب الدينى

بعد أقل من 48 ساعة من لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى والشيخ الأزهر أحمد الطيب بالفتاة الأيزيدية نادية مراد التى تعرضت للخطف والاغتصاب على يد إرهابيى داعش فى العراق.. رأت محكمة جنح مستأنف مصر القديمة، أن الباحث إسلام بحيرى يستحق عقوبة الحبس لمدة عام بتهمة ازدراء الدين الإسلامى وإنكاره وجود «الحور العين» بالجنة..

لقاء الطيب والسيسى بالفتاة الأيزيدية التى لجأت إلى مصر بعد هروبها من داعش، جاء تأكيدا على قيمة التسامح فى الدين الإسلامى ورفض الإرهاب الموجه ضد من يختلف فى العقيدة وتأكيداً على سماحة الدين الإسلامى، ومعبراً أيضا عن المنهج المصرى فى تقبل أى فكر حتى لو مختلف معك فى العقيدة.

لذا جاء حكم محكمة جنح مستأنف مصر القديمة، بمعاقبة الباحث بحيرى بمثابة صدمة، لأنه يتناقض مع دعوات تجديد الخطاب الدينى الذى ترعاه مؤسستى الرئاسة والأزهر، كمنطلق لمحاربة الأفكار المتطرفة التى تغذى الإرهاب، لكن يبدو أن البحيرى وقع ضحية الدعوة إليه.

وعلى الرغم من أن محكمة الاستئناف، خففت الحكم ضد بحيرى الصادر من جنح مصر القديمة فى 10 أكتوبر الماضى والتى قضت بحبسه 5 سنوات بنفس التهم فى القضية التى أقامها أحد المحامين ضد بحيرى، بسبب آرائه فى برنامج «مع إسلام» فى فضائية القاهرة والناس وانتقد فيها آراء شيوخ السلف وبعض آراء الأئمة مثل ابن تيمية وابن القيم، وانتقادات لصحيح البخارى، خاصة تلك المسائل التى تتعلق بأمور تتخذها بعض الجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش، كسند لتبرير عمليات القتل والاغتصاب والنهب التى يقومون بها ضد المسلمين أو المختلفين معهم فى العقيدة.

ورغم ما يعتبره البعض من وجود شطط لدى البحيرى فى طرح أفكاره والتى انتقد فيها بعض الروايات المنسوبة لصحيح البخارى، إلا أن ما طرحه من أفكار جاء فى معرض انتقاده ومحاولة ضرب الموروثات التى استند إليها داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية لتبرير أعمال القتل الوحشية أو اغتصاب السيدات باعتبارهن سبايا حرب، وهو ما تسبب فى اغتصاب الفتاة الأيزيدية وعشرات غيرها من النساء من جميع الديانات فى أرض العراق وسوريا.

وربما لا يعكس حبس البحيرى الذى بدأ تنفيذ الحكم ضده، بعد تأييده من محكمة الاستئناف، وجود توجه من الدولة أو النظام باستهدافه، إلا أنه يثير تخوفات أخرى من وجود عمليات تضييق جديدة ضد حرية التعبير، مثلما تعرض له باحثون فى السابق، مثل فرج فودة والذى قتلته تنظيمات إرهابية فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى، وأيضا نصر حامد أبوزيد من حكم بتفريقه عن زوجته باعتباره مرتداً.

كما أن تأييد الحكم بحبس بحيرى تزامن أيضا مع استئناف محكمة جنايات القاهرة يوم السبت المقبل، محاكمة الكاتب الروائى أحمد ناجى بسبب خياله فى رواية «استخدام الحياة» بتهمة استخدامه عبارات تخدش الحياء.

لذلك يعكس الحكم ضد بحيرى ومحاكمة رواية ناجى، تخوفات من وجود حالة تضييق تقوم بها خفافيش ظلام تستهدف الحرية وحرية التعبير والتى وصلت لحد استهداف مراكز ثقافية ودور نشر مثلما حدث يومى الاثنين والثلاثاء الماضيين بعد قيام شرطة المصنفات باقتحام مقر دار ميريت للنشر لصاحبها محمد هاشم وسبقها عملية إغلاق لمركزى «روابط» و«داون تاون» فى وسط القاهرة.

ربما توهم المسئولون الذين قاموا باستهداف المراكز الثقافية أو دور النشر، بحجج المصنفات الفنية أو سعوا لـ«جرجرة» خيال ناجى وآراء البحيرى فى المحاكم والسجن، أنهم يحافظون على ثوابت الدين وأخلاق المجتمع، لكنهم لا يدركون أن نفس أفكارهم التى أدت لنشأة وتغذية التنظيمات الإرهابية، وتسبب فى اغتصاب الأيزيدية نادية مراد وآلاف غيرها والتهديد بقتل وتفجير الملايين، اعتقادا منهم أنهم ينفذون أوامر الدين ويحافظون على العقيدة، فداعش قبل أن تكون ميليشيات إرهابية كانت فكرة..!