عادل حمودة يكتب: فضيحة الغاز ثالث مرة

مقالات الرأي




1-الرئيس يكلف وزير العدل بإنشاء مركز دولى للتحكيم فى القاهرة

■ شيرمان آند سترلينج نصح بفسخ عقد ضخ الغاز وتقاضى أتعابا.. ولم تكن النصيحة سديدة ورغم ذلك وكلناه فى الدفاع عنا وخسر أولى القضايا وأيضاً تركناه يباشر القضايا الأخرى

حسب بيان رسمى مفصل على مكتب وزير العدل المستشار أحمد الزند فإن جملة المبالغ المطلوبة من مصر فى قضايا التحكيم تصل إلى 76 مليار دولار.

الرقم يثير الفزع ولو حكم علينا بنصفه أو ربعه فالدفع بالعملات الصعبة التى نعانى من ندرتها، حيث وصل احتياطى النقد الأجنبى فى البنك المركزى إلى حد شديد الحرج.

فى ديسمبر 2010 كان الاحتياطى 36 مليار دولار هبط بعد سنة إلى 24 مليارا وانهار فى سبتمبر 2012 إلى 15 مليارا ليرتفع بعد سنة إلى 18.7 مليار بعض منه ودائع تلقتها مصر من السعودية والكويت والإمارات تصل إلى ستة مليارات وطرحت الحكومة سندات دولية لتحصل على 1.5 مليار ليرتفع الدين الخارجى إلى 48 مليارا بنسبة 20% من الدخل القومى وإن كانت النسبة آمنة حسب تقدير وزيرة التعاون الدولى سحر نصر ما جعلها تقترض من البنك الدولى وبنك التنمية الإفريقى 4.5 مليار.

هل نتخيل أن ما تحت أيدينا من عملات أجنبية يمكن أن يتبخر سدادا لما تسفر عنه قضايا التحكيم؟

والتحكيم وسيلة بديلة عن القضاء يتميز حسب كتاب ياسر منصور المحامى بسرية جلساته غير العلنية ويحسم النزاع فى وقت قصير وأقل تعقيدا فى الدعوى القانونية وحكمه نهائى وإن كانت تكلفت أكثر.

وفى القاهرة مركز إقليمى خاص للتحكيم التجارى الدولى يختص بقضايا العقود التى ينص فيها على اختياره دون سواه.. لكنه.. ليس بالتأثير الذى يجب أن يكون عليه مركز تحكيم فى عاصمة مثل القاهرة.

وربما.. لذلك التصور لم يتردد الرئيس فى إرسال موافقته إلى مجلس الوزراء بدراسة إنشاء مركز للتحكيم فى القاهرة يتمتع بالحيدة والاستقلال ويجذب إليه الدول النامية رافعا الظلم الذى تتعرض إليه من الشركات المتعددة الجنسيات بما تملك من إمكانيات وعلاقات تجعل الفوز من نصيبها غالبا.

وفى مجلس الوزراء أيضا التقى رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل وعدد من مساعديه محامى مكتب شيرمان آند سترلينج ممثل الدفاع عن مصر محمد شلباية الذى خسر أولى قضايا التحكيم فى قضايا الغاز وكلفنا نحو مليارى جنيه.. وسئل عن نسبة قبول الطعن على الحكمين اللذين صدرا فكانت إجابته: النسبة لا تزيد على 5% فقط .. وعندما سئل عن الأتعاب طلب مهلة لحسابها.

وتحسب الأتعاب بالساعة.. الفريق الثلاثى الذى دافع عن مصر يبدأ بإيمانويل جيار وساعته بألف يورو وينتهى بمحمد شلباية وساعته بستمائة يورو.. وبينهما الإيرانية وياسى بنى فاطيمة وساعتها بثمانمائة يورو.. بخلاف مصاريف المحامين المساعدين والسكرتارية وأتعاب مكتب شيرمان آند سترلينج المنتمين إليه.. ووصلت تلك الأتعاب إلى 70 مليون دولار حتى الآن.

التكلفة عالية بالقطع وإن لا تقارن بأحكام التعويضات التى صدرت والتى نخشى أن تصدر ضدنا.. لكن.. اللافت للنظر أن شيرمان آند سترلينج نصح بفسخ عقد ضخ الغاز وتقاضى أتعابا.. ولم تكن النصيحة سديدة ورغم ذلك وكلناه فى الدفاع عنا وخسر أولى القضايا ورغم ذلك تركناه يباشر القضايا الأخرى بما يثير من علامات الاستفهام ما ينافس علامات التعجب.. بل أكثر من ذلك وجدنا المكتب يكافئ محمد شلباية على خسارته القضايا بإدخاله شريكا فيه.

وعادة ما تستشير الحكومات والشركات أكثر من مكتب محاماة قبل أن تتخذ قرارا.. لكننا.. دون تردد اخترنا ذلك المكتب.. ووضعنا ثقتنا المطلقة فيها.. فكان ما كان.

وما يلفت النظر إصرار محمد شعيب رئيس القابضة للغازات (إيجاس) على أنه حقق مكاسب هائلة تحسب له ولمصر بقرار إيقاف ضخ الغاز وراح يفند ما صدر من أحكام رغم أنه اعترف لى فى حوارمعه على الهواء بأنه لم يقرأها.. لكنه.. فى النهاية ارتضى القبول بالتحقيق معه طواعية.. وأرجو من إيجاس وهيئة البترول ألا تفوتا هذه الفرصة وتقدمه إلى النيابة العامة.. فنحن لن ندفع مليارى دولار فقط وإنما تنتظرنا بسبب قراراته هو وهانى ضاحى قضايا أخرى لا نتصور أن موقفنا القانونى فيها أفضل.

وربما.. عطل التحقيق معه تنفيذ الأحكام كما سمعت من مستشار سابق له صلات قانونية دولية.. وإن كنت غير متأكد من أن التحقيق يمكن أن يعطل التنفيذ.. لكن.. التحقيق فى النهاية سيكشف ما خفى مما جرى.. وهذا حقنا.. نحن الذين سنتحمل تبعات القرار.. وإلا كانت الجهات المعنية مقصرة.. ولا نضيف اتهامات أخرى.

2-التحالف الإسلامى متعدد الجنسيات لكنه شديد الغموض

ليبيا ستسبق سوريا فى الحرب على داعش بقوات برية على الأرض

سقطت مؤسسة الاستقرار فى المنطقة العربية وقامت مكانها مؤسسات لتخويف الإنسان.. وتعليب عقله.. وتجفيف لسانه.. وتقييد ضميره.

نسف الحب والورد والشعر والحلم والتفكير بالتكفير.. وصارت حرية العقيدة جارية فى بلاط سلطان الإرهاب.. وحملت منه العنف سفاحا.

تصورنا أن رغيف الخبز نصفه عيش ونصفه حرية.. لكننا.. وجدنا ان نصفه تفجير ونصفه تهجير.

لقد وصلت تكلفة «الربيع العربى» - استنادا إلى البنك الدولى والأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية - إلى 830 مليار دولار خلال الأربع سنوات الماضية فى البورصة والاستثمار والناتج المحلى وانهيار البنية التحتية وانخفاض السياحة.. والرقم أعلنه تقرير صادر عن المنتدى العربى فى دبى.

لكن.. الأخطر من التضخم والكساد والبطالة الضحايا الذين سقطوا فى الحروب الأهلية والعمليات الإرهابية ووصل عددهم إلى مليون ونصف المليون قتيل وجريح.. بجانب الذين أجبروا على الهجرة وأصبحوا لاجئين.. وعددهم يتجاوز العشرة ملايين.. فى أضعف التقديرات.

لقد أكلت أرض النبوءات أنبياءها.. وخصبت بذور الشيطان.. ليخرج من رحمها مئات من المسيخ الدجال الذى يتكلم بلسان أولياء الله ويقتل ويذبح ويفجر على طريقة أدولف هتلر.

خرج الإرهاب من أرضنا حاملا رسائله المفخخة إلى الدنيا كلها.. مهددا حضارتها.. سارقا الطمأنينة من قلوب أبنائها.. فارضا السواد على سمواتها.. واضعا الملح على شفاه حكامها.

لم يكن ليكفى أن نتناول حبوب الفاليوم وننام متجاهلين اتهام الإسلام بما ليس فيه وبما لم يبشر به.. كان علينا أن نواجه ذلك بالبندقية المحشوة والكلمة الطيبة.

جاءت المبادرة من السعودية حيث هبط الوحى وشيدت الكعبة وبدأ الرسول دعوته وأتم علينا نعمته بتشكيل تحالف إسلامى عسكرى وسياسى لمحاربة الإرهاب فى كل مكان يظهر فيه.. وللرد على الأصوات النشاز التى تربط بين الإسلام والإرهاب.

يضم التحالف 34 دولة إسلامية (عربية وإفريقية وآسيوية) واختار الرياض مركزا للعمليات المشتركة أغلبها سنية ومهمتها لا تقتصر على مواجهة داعش وإنما تمتد إلى التخلص من كل التنظيمات الدينية المسلحة.

سيجسد التحالف كتلة عسكرية تتكون من الدول ذات الجيوش القوية (مصر والسعودية والإمارات وتركيا وماليزيا والمغرب والأردن غيرها) دون أن تلتقى وحداتها القتالية إلا فى العمليات إذا لزم الأمر.

ولابد أن يسبق ذلك توحيد مصطلحات الحرب وتجانس الأسلحة وتوافق القيادات وتبادل المعلومات.. فكل جيش يمكن أن يشارك يختلف عن غيره فى استراتيجياته الدفاعية والهجومية.

معنى ذلك أن التحالف يمكن أن يحارب على الأرض.. بقوات برية.. تبدأ بتحرير سوريا من المناطق التى تحتلها داعش.. خاصة الرقة.. ويمكن أن تكون ساعة الصفر فى غضون أسابيع قليلة قادمة.. والأهم سد الفراغ بعد تطهير الأرض حتى لا تمد إيران نفوذها إليها وتضع قدما فيها.

لقد استمرت غارات التحالف الدولى على داعش 16 شهرا دون طائل.. بل.. إن قوة داعش زادت بزيادة الضربات الجوية.. فقد تضاعف عدد مقاتليها فى تلك الفترة حسب تقديرات وزارتى الدفاع فى موسكو وواشنطن.

ودون مشاة على الأرض لن يكسب العالم هذه الحرب.

ولو تولت هذه المهمة قوات أجنبية فإنها ستكون قوات غازية محتلة يصعب الترحيب بها وربما دفعت قوى وطنية لمقاومتها.

والحقيقة أن التدخل الأجنبى فى سوريا بعد العراق باسم مواجهة الإرهاب أصاب المنطقة بفيروس عدم الاستقرار والازدهار.. يمكن وصفه بإيدز سياسى.. فالقوى العظمى تتحدث عن تحقيق السلام لنا بينما نجد أنفسنا جميعا فى حالة خراب ودمار.

يضاف إلى ذلك أن غالبية الدول الأوروبية تستشعر خطرا مباشرا من ليبيا أكثر من سوريا.. وحسب التايمز اللندنية فإن بريطانيا تستعد لإرسال ألف جندى من قواتها الخاصة مسلحة تسليحا راقيا لمواجهة داعش فى مناطق البترول الليبية التى تستولى عليها داعش لإعلان الخلافة فيها.. بجانب تدريب 6 آلاف من قوات الأمن الليبية.

وحسب الصحيفة ذاتها فإن بريطانيا تعمل مع إيطاليا بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة على دعم السلطة الليبية الجديدة خشية سيطرة داعش على مزيد من موارد النفط الهائلة التى تمنحها قوة مالية يصعب معها القضاء عليها.

وقد راقبت بعثات عسكرية أمريكية سرية ما يحدث هناك وأرسلت تقريرا إلى البنتاجون والبيت الأبيض يؤكد أن داعش ليبيا تستفيد من اتجاه الأنظار إلى سوريا فى مزيد من التمركز الصامت منتظرة اللحظة المناسبة لإعلان دولتها.. وطالب التقرير بإنزال قوات برية فى أسرع وقت.. بما يوحى بأن ليبيا ستشهد حربا عاجلة.. ربما قبل أن ينقضى الشتاء.. وفى هذه الحالة ستشكل القوات المقاتلة من بريطانيا وإيطاليا وفرنسا بجانب دعوة الولايات المتحدة للمشاركة.

فى نفس الوقت اتفق رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزى ووزير الدفاع البريطانى مايكل فالون ووزير الخارجية الأمريكى جون كيرى على دعم التحالف الإسلامى للتدخل فى سوريا.. لتقع داعش بين طرفى كماشة.

ويعد التحالف الإسلامى تأكيدا لمبدأ «الدفاع عن الذات بالذات» الذى أقرته السعودية ودعمته الإمارات فى حرب اليمن.. بجانب مبدأ آخر.. مكافحة الحرائق فى الخارج قبل أن تمتد ألسنتها فتحرق الداخل.

إن تدخل الإمارات فى اليمن مثلا لم يكن طمعا فى توسع إقليمى وإنما كان لحماية ما أنجزت من تطوير وتحديث وترقية لمستويات الرفاهية لشعبها.. يضاف إلى ذلك موقفها الثابت فى محاربة الإرهاب ودعم الدول التى تواجهه مثل مصر.. وكانت من أوائل الدول التى دعت لتوحيد الجهود للتخلص من هذه الظاهرة المؤلمة المكلفة والمعطلة والمقسمة للمنطقة والمجندة لشباب برىء خرج من صفوف البناء إلى جبهات القتال.

أما السعودية مثلا فترى أن الحرب الأهلية فى سوريا والصراع الطائفى فى العراق أسفرا عن تشدد الأجيال المسلمة من السنة فارتمت فى أحضان داعش وأخواتها.. وربما لذلك السبب فإنها ترى أن أمام التحالف الجديد مهمة أصعب.. محاربة الفكر المتطرف الذى سيولد أكثر من داعش ولو بأسماء مختلفة.. وحسب ما ذكر وزير خارجيتها عادل جبير فإن حماية شبابنا من التطرف مسئولية الشيوخ والمعلمين والمربين لنشر رسالة التسامح والاعتدال.

ويضم التحالف دولة متهمة بتمويل ودعم الإرهاب مثل قطر.. دعوة لقادتها بالتغيير.. ويضم أيضا تركيا لتنجو من تهمة شراء النفط السورى والعراقى من داعش.. لكنه.. لا يضم العراق بأغلبيته الشيعية.. ولا سلطنة عمان التى تفضل العزلة.. على أنه لم يحدد مصير القوة العربية المشتركة التى اتفق على تشكيلها فى مؤتمر شرم الشيخ.. وألغت السعودية اجتماع وزراء دفاع الجامعة العربية فى الرياض.. فهل تعنى رفضها للقوة.. أم هناك تصور للاستفادة منها؟.

وفى المقابل غضبت إيران من التحالف الجديد بسبب استبعاد سوريا والعراق منه واعتبرته موجها ضدها بعد تمرير اتفاقها النووى.

لكن.. ذلك الغضب سيزول لو نجح التحالف فى حصار الإرهاب وتقليم أظافره وحرمانه من الأموال المتدفقة إليه.

حسب ناتالى جوليه العضو البارز فى مجلس الشيوخ الفرنسى (ونائب رئيس لجنة الشئون الخارجية) فإن على التحالف منع عمليات شراء النفط والآثار من داعش وتجميد أرصدة المتورطين والتوقف عن دفع الفدية للتنظيم فى حالات الخطف.

وأضافت مفجرة قنبلة مدوية: «إن تمويل داعش لا يرتبط بتدفق الأموال من الدول الإسلامية فقط وإنما يأتى للتنظيم أموال من دول أوروبية مثل إسبانيا وسويسرا وليشتنشتاين بجانب دول إفريقية مثل نيجريا.

لكن.. ذلك كله لا يمنع من وصف التحالف بالغموض.. وتعانى من هذا الغموض دول أعلنت السعودية أنها شريك فى التحالف مثل إندونيسيا وباكستان وانضم إليها وزير الدفاع الأمريكى آشتون كارتر متطلعا إلى معرفة المزيد عما يدور فى ذهن الرياض بخصوص هذا التحالف.

الكل ينتظر تفاصيل أكثر حتى لا يؤثر التشويش الحادث على التحالف طبقا للمبدأ الشهير: «تكلم حتى أعرفك .

3-مظاهرات الإخوان فى بريطانيا

ما لم ينشر فى تقرير بريطانيا عن الإخوان

■ كل ملفات الجماعة فى أرشيف الوثائق غير مباحة للنشر و«جنكيز» يعبر عن مخاوفه من رفع قضية ضده تشوه سمعته.
 ■ جهات مصرية قدمت ملفاً عن جرائم الجماعة سلمها السفير أشرف الخولى.

فى الساعة العاشرة و53 دقيقة من يوم الخميس 17 ديسمبر الجارى قدم رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون لبرلمان بلاده بمجلسيه «العموم واللوردات» تقرير مراجعة نشاط جماعة الإخوان الذى تكلف عشرة ملايين إسترلينى.

عرض التقرير فى دقائق معدودة ضمن موضوعات أخرى فى نهاية الجلسة الأخيرة للبرلمان بعد أن تأجل نشره ستة شهور كاملة.

لقد طلب كاميرون التقرير فى إبريل 2014 لمعرفة كل ما يمت للجماعة بصلة.. جذورها.. أصولها.. أيديولوجيتها.. وأنشطتها.. واشترط أن يكون التقرير سريا وإن قرر أن تكون نتائجه علنية.

أعد التقرير جون جنكيز السفير البريطانى السابق لدى السعودية وتشارلز فار المدير العام لمكتب الأمن ومكافحة الإرهاب فى وزارة الداخلية الذى كان عليه رصد شركات الإخوان وحجم ثرواتهم المالية والمنظمات السياسية والخيرية والإعلامية التابعة لهم.

سافر جنكيز إلى 12 دولة والتقى ممثلين عن الحكومات والحركات الإسلامية والزعماء الدينيين والباحثين والمعلقين المستقلين.. وحصل على معلومات ووثائق سرية من أجهزة الاستخبارات محلية وأوروبية وعربية.. بجانب ما استخرجه من مواد منشورة على شبكات الإنترنت.

استكملت المراجعة فى يوليو قبل الماضى فى تركيز مكثف على نشاط الجماعة فى بريطانيا وأجزاء من أوروبا والمنطقة العربية خاصة مصر التى شهدت تطورات حادة بدأت بوصول الجماعة إلى الحكم وانتهت بإسقاطها ومحاكمة قادتها.

لكن.. التقرير يبدأ بتأسيس الجماعة عام 1928 بدعوة حسن البنا إلى ما وصفه بالإصلاح الدينى للمسلمين تمهيدا لدولة الخلافة.

فى ذلك الوقت نظمت الجماعة نفسها فى خلايا سرية معتمدة على برامج تعليمية وتدريبات عسكرية وحافظت على مدى أكثر من ثمانين سنة على طبيعتها المركزية التى يتحكم فيها مكتب الإرشاد ويطرد من العضوية كل من يتمرد على تعليماته واوامره مهما كان.

لكن.. التقرير لم يقترب مما سبق نشره عن دور المخابرات البريطانية فى تأسيس الجماعة بتمويل لا يزيد على 500 جنيه قدمت لمرشدها الاول من شركة قناة السويس أثناء عمله فى الإسماعيلية.

حلت الجماعة بقرار من عبد الناصر فى 1954 واعتقل أعضاؤها ولكن السادات بعد عشرين سنة عاد للتحالف معها مما أدى إلى توسعها وتمددها إلى النظام السياسى والنقابات المهنية والتنظيمات الطلابية.. وطورت شبكة سرية واسعة من الشركات والمؤسسات التجارية والجمعيات الخيرية.

ويصل التقرير إلى وجود الإخوان فى السلطة خلال عامى 2011 و2013 قائلا: إنهم لم يظهروا ما يكفى من الاعتدال السياسى والالتزام بالقيم الديمقراطية وفشلوا فى إقناع المصريين فى كفاءتهم ونواياهم الحسنة فكان فشلهم ذريعا.

ومنذ الخمسينيات على الأقل أسست الجماعة شبكة دولية داخل وخارج العالم الإسلامى وأصبحت أوروبا قاعدة شديدة الأهمية لتناميها وتلقت منظماتها دعما ماليا من دول خليجية لم تجد فى المد الناصرى ما يريح.

وفى الستينيات والسبعينيات قدم التواجد (لم يقل التنظيم) الدولى للجماعة الوسائل اللازمة لإعادة تجميع صفوفها للتعافى من النكسات التى أصابتها فى مصر.

والجماعة محظورة فى كثير من دول العالم الإسلامى وإن يعترف بها فى تونس والأردن وتعترف حماس بأنها الفرع الفلسطينى لها.

وحاليا تقوم الشبكة الدولية الأوسع نطاقا للجماعة بمجموعة واسعة من الوظائف.. الترويج للفكر الإخوانى.. تجميع واستثمار الأموال.. وتوفير الملاذ الآمن للأعضاء الهاربين من بلادهم دعما لمواصلة نشاطهم.

وانتقل التقرير إلى تقييم استخدام الجماعة للعنف فى مصر وفروعها الخارجية.. فوجد ما وصفه بـ«علاقة معقدة وظرفية فى منطقة يعد فيها العنف أمرا شائعا».. والمقصود أنه طالما العنف لغة فى بلد ما فما الذى يمكن الإخوان من ممارسته؟.

لقد وافق البنا على استخدام العنف كأداة سياسية مساعدة وشنت الجماعة هجمات واغتيالات ضد أهداف وشخصيات مصرية ومصالح بريطانية ويهودية.

وجاء سيد قطب إلى مركز الصدارة فى الجماعة متأثرًا بتجاربه الشخصية فى الأربعينيات داخل مصر وفى الولايات المتحدة وفى السجن خلال حكم عبد الناصر فأخضع الجماعة لأفكار الإرهابى الهندى الباكستانى أبو الأعلى المودودى مؤسس الجماعة الإسلامية، وروج للتفكير الذى يسمح للمسلمين بالتكفير ووصم المخالفين بالردة وأفتى باستخدام العنف المفرط فى السعى إلى تحقيق المجتمع الإسلامى المثالى.

فى بعض الأحيان أعيد تفسير سيد قطب من قبل قيادات فى الجماعة لكن أفكار العنف لم تتبرأ منها الجماعة بشكل علنى.. ولاتزال هذه الأفكار تحظى بتأييد العديد من الشخصيات الإخوانية بما فى ذلك قادتها فى مصر.. ليظل العنف منهجا لتكوين الجماعة.

ودافعت الجماعة على جميع مستوياتها مرارا عن هجمات حماس ضد إسرائيل بما فى ذلك استخدام المفجرين الانتحاريين وقتل المدنيين.. بل أكثر من ذلك فإن التنظيم فى مصر ساهم فى تمويل حماس وترتبط قياداته ارتباطا وثيقا مع قيادات التنظيم فى الأردن وحماس.. بل وهناك روابط واسعة من الشركات التابعة للإخوان فى المنطقة كلها.

وبررت شخصيات بارزة فى الإخوان الهجمات التى تعرضت لها قوى التحالف فى العراق وأفغانستان، وانتقد أعضاء فى التنظيم خاصة فى الدول غير الإسلامية هجمات 11 سبتمبر ووصفوها بأنها ملفقة من الولايات المتحدة لشن حرب على المسلمين.

واختتم التقرير هذا الجزء المعقد بأن الجزء الأكبر من الإخوان يفضل فى كثير من الأحيان التغيير التدريجى غير العنيف على أساس أن المعارضة السياسية سوف تختفى عند تحقيق الأسلمة الكاملة.. لكنهم مستعدون لاستخدام العنف والإرهاب (من وقت إلى آخر) إذا كان التدرج غير فعال.

والنتيجة: إنه لم يكن من الممكن التوفيق بين هذه الآراء وادعاء الجماعة فى مصر بأنها التزمت باستخدام الوسائل السياسية السلمية للمعارضة ونبذ كل أشكال العنف على مدار تاريخها.

كان جون جنكيز مسئولا مباشرة عما تقدم من التقرير ليأتى دور تشارلِز فار فى رصد مفصل لتطور الجماعة وأنشطتها وأيديولوجيتها فى بريطانيا.

لقد وجد أن المنظمات المرتبطة بالجماعة فى بريطانيا (وفى أماكن أخرى من أوروبا) تأسست قبل خمسين سنة وتتألف أساسا من المنفيين والطلاب فى الخارج وعملت هذه المنظمات فى بريطانيا بشكل وثيق مع نظيرتها من الجماعات ذات الفكر المشابه فى جنوب آسيا التى استمدت فلسفتها من المودودى كما أنها تعتبر نفسها حركة إسلامية واحدة.

فى مرحلة مبكرة لم تكن هذه المنظمات نشطة سياسيا فى بريطانيا فقد اعتقد العديد من أفرادها أنهم سيعودون إلى بلادهم الأصلية فتجنبوا الانخراط الاجتماعى والسياسى مع دول غير إسلامية وكان ذلك وفقا لنصيحة شهيرة من حسن البنا فقد اعتبروها دولا فاسدة.. فاسقة.. وكانت أولوياتهم تجنيد وتثقيف أعضاء جدد من مجموعات الدراسة لدعم الجماعة فى العالم العربى.

فى أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات وضعت الجماعة والتنظيمات التابعة لها استراتيجية جديدة للعمل الداخلى فى البلدان الغربية وحشدت منظمات الجيل الثانى نفسها من خلال ما يجرى فى فلسطين والعراق وإن عجزت عن الحصول على دعم السلفيين المتشددين الذين عادوا إلى بريطانيا.. بعد القتال فى أفغانستان.. وهم يصفون الإخوان بأنهم جماعة غير فعالة.

فى التسعينيات أسست الجماعة والجماعات التابعة لها منظمات تمثل واجهة لها وتبدو وكأنها منظمات بريطانية فلم ترتبط هذه المنظمات بالإخوان بشكل علنى وظلت العضوية فى الجماعة سرية.. لكن.. لعدة سنوات شكل الإخوان المنظمة الجديدة التى تعرف باسم المجتمع الإسلامى فى بريطانيا وسيطرت على جمعية المسلمين فى بريطانيا وفرضت عليها نشاطا سياسيا بما فى ذلك الترويج للمرشحين فى الانتخابات البرلمانية والمحلية.. وتعاونت مع الشرطة فى إخراج أبو حمزة المصرى الداعية السلفى المتشدد من مسجد فى شمال لندن لتشارك فى إدارته منذ لحظتها.

فى عام يونيو 2013 وصلت بريطانيا قيادات إخوانية تركت مصر واعتبارا من يوليو 2014 أدارت الجماعة منصاتها الإعلامية من لندن وحصلت على دعم جماعات ضغط وحركات احتجاج مثل حركة رابعة وحركة المصريين البريطانيين للديمقراطية.

وكانت الجماعات التابعة للإخوان فى بريطانيا قد جمعت كثيرًا من التبرعات من خلال شبكة معقدة من الجمعيات الخيرية المرتبطة بهم وصنفت جمعيات منها على أنها جمعيات إرهابية مثل الجمعية الخيرية البريطانية.. وترتبط هذه الجمعيات بجمعيات إخوانية آخرى مؤثرة فى أوروبا.

ولا ينسب التقرير للجماعة حادثًا إرهابيًا واحدًا ضد بريطانيا لكن ذلك لا ينفى أن كثيرا من أفكارها وخططها تتعارض مع القيم البريطانية ومع مصالحها الوطنية وأمنها القومى.

أما فى مصر فقد استخدمت الجماعة أسلوبا انتقائيا للعنف والإرهاب.. وأشارت البيانات المنشورة على منصات الإعلام المرتبطة بها إلى تحريض مباشر على العنف والإرهاب.. أدى إلى تورط بعض مؤيديها فى اشتبكات عنيفة مع قوات الأمن.

ويشير التقرير استنادا إلى وسائل إعلام ودراسات أكاديمية ذات مصداقية بأن قلة من أنصار الإخوان فى مصر شاركت جنبا فى أعمال عنف .. هنا نجد وصف القلة.. كما نجد وصف أنصار الإخوان لا أعضاء فى جماعة الإخوان.. لينجو التقرير من مأزق وصف الجماعة بإنها إرهابية.

لقد ذهب بنا التقرير إلى النهر ولكننا عدنا بنفس العطش الذى ذهبنا إليه.. فكل ما فيه غائم رمادى غير حاسم من الطقس والسياسة البريطانية وإن جاء التقرير رغم ذلك خطوة مؤثرة.. أفزعت الجماعة هناك.. مما يعنى أنه أصاب وإن لم يقتل.

وحسب الجارديان (شبه القطرية) فإن محامى الإخوان سوف يطعنون على التقرير أمام المحاكم البريطانية وسيقوم بهذه المهمة الممثل القانونى للجماعة شركة «آى تى إن» للمحاماة بعد نشر التقرير، كما يتوقع فتح استجواب فى البرلمان حول موقف الحكومة البريطانية من الإسلام السياسى.

وقد عبر جنكيز لدبلوماسى مصری عن مخاوفه من رفع قضية ضده ويبدو أن هذه المخاوف أثرت على تقريره.

ولعل وصف كاميرون أعضاء الجماعة بأنهم متطرفون محتملون وإن لهم علاقة غامضة بالتطرف سيفتح باب جهنم عليهم.. فقد قررت حكومته مراقبة أنشطتهم فى بلاده ولن تمنح تأشيرات زيارة لأعضاء الجماعة أو المرتبطين بها وسبق أن أدلوا بتصريحات متطرفة، كما ستركز حكومته على مجالات إنفاق الأموال فى شركاتهم التجارية وجمعياتهم الخيرية.

وحسب الجارديان أيضا فإن خبراء الإرهاب فى بريطانيا يشرعون الآن فى شن حملة جديدة على الإخوان بعد أن أعلنت الحكومة أن تنظيمهم طريق العبور للجماعات الجهادية الإرهابية.

وسوف يتابعون ويحللون كل ما يكتبه الإخوان أو أنصارهم باللغتين العربية والإنجليزية خاصة بعد أن حذر كاميرون من أنهم يؤمنون بالمجتمعات الغربية منحلة وغير أخلاقية مما يعنى أنهم سينقلبون عليها لو حققوا مشروعهم السياسى وهو الوصول إلى الخلافة.

ويعتقد الإعلام البريطانى أن الإمارات والسعودية ومصر مارست ضغوطا على بريطانيا لخروج التقرير متوافقا مع وجهات نظرها فى الجماعة التى تعتبرها إرهابية وتحظر نشاطها فى بلادها.

وكانت جهات مصرية قد أعدت ملفاً بجرائم الإخوان حمله إلى بريطانيا سفيرنا فى ذلك الوقت أشرف الخولى.

ويدعم ذلك قول كاميرون : إننا سوف نستمر فى الاستشارة ومشاركة المعلومات وتحليلها مع الحكومات المختلفة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لاتخاذ مزيد من القرارات وردود الفعل المناسبة.

والمعروف أن بريطانيا لديها ملفات لا نهاية لها عن الجماعة لكنها كلها تقريباً ممنوعة من النشر العام للوثائق.

لكن.. مهما كانت الانتقادات التى وجهت إلى التقرير فإنها تكون انتصارا للدبلوماسية العربية فى أكبر دولة تأوى الجماعة وتوصف عاصمتها بأنها لندنستان.