منال لاشين تكتب: حرب الـ «66.5%» تهدد البرلمان
أغلى رشوة
إذا كان المال السياسى قد لعب دورا مؤثرا فى الانتخابات، فإن الاستخدام المالى لايزال يعزف أسوأ مقطوعة برلمانية.وأحد النواب الأثرياء جدا يطمع فى رئاسة إحدى اللجان.والرجل بلا خبرة لا برلمانية ولا سياسية. ونصحه أحد الأصدقاء بفكرة جهنمية.
فقد حصل النائب على أسماء كل النواب الذين ينوون الانضمام إلى اللجنة البرلمانية التى انضم إليها. واتصل النائب بزملائه النواب ووجه لهم الدعوة للتعارف. وخلال جلسة التعارف عرض عليهم هدية تعارف. والهدية البسيطة كانت رحلة إلى إحدى المدن الشهيرة. وكانت الدعوة أو الهدية شاملة تذاكر الطيران، والإقامة الكاملة بأحد الفنادق الشهيرة، ولزيادة روابط المودة كانت السهرات جزءا من برنامج الرحلة.
النائب الثرى جدا أكد أن الرحلة قابلة للتكرار (البلد بلدكم) ولم يكتف بذلك، ولكن أكد للنواب قدرته الخارقة على تدبير لقاءات مع كبار رجال الأعمال فى البلد الشقيق.وضمان صفقات بيزنس.
وعلى الرغم من كل هذه الهدايا فإن النائب لم يحصل على تأكيد نهائى من زملائه فى اللجنة.
ولكن ما لم يعرفه النائب أن بعض النواب الذين قبلوا الهدية قرروا تغيير اللجنة التى ينتمى لها النائب هربا من الخلافات ووجع الدماغ. ولكن نائبا ممن عرض عليهم النائب الهدية وتسهيل البيزنس اعتبر العرض إهانة.
النائب حصل على قائمة النواب دون الاستعانة بالأمين العام للمجلس السابق اللواء خالد الصدر
أزمة الرئيس
البهو الفرعونى هو الكافيتريا التى تقع فى قلب مجلس النواب. وبها 16 عامودا فرعونيا تربط بين البهو والقاعة. فى هذا البهو يستخرج النواب الجدد بطاقات العضوية. وهى عملية لا تستغرق نحو نصف ساعة على الأكثر وبعد ذلك يرحل النائب على أن يعود ليمارس.ولكن نائبا واحدا قرر أن يجلس طوال اليوم فى البهو، النائب هو الإعلامى توفيق عكاشة. وقد قرر عكاشة أن يتخذ من البهو مقرا انتخابيا لحملته كمرشح محتمل لرئاسة البرلمان. عكاشة يستقبل النواب الجدد ليشرح لهم أسباب ترشحه للمنصب، وأحلامه البرلمانية.
بعد أن ينتهى الحوار الودى. يوجه النواب لبعضهم سؤالا (مين هيبقى رئيس البرلمان؟).
حتى الآن لم يحسم السؤال، بل إن محاولة البعض لإيجاد إجابات عن هذا السؤال تسببت فى كارثة. فالصراع على الرئاسة كان أحد أسباب الانفجار الذى أصاب ائتلاف «فى حب مصر». إذ اعترض بعض قيادات الائتلاف على طرح اسم النائب المنتخب الدكتور على عبدالعال كمرشح للرئاسة. والدكتور على عبدالعال هو أستاذ دستورى وكان ضمن قائمة الدستوريين العشرة الذين وضعوا مبادئ الدستور بعد ثورة 30 يونيو.النواب المستقلون فى ائتلاف دعم مصر أعجبوا باتجاه أن يأتى رئيس البرلمان من المنتخبين. وأبدوا قبولا للفكرة ولكن محاميا شهيرا من خارج الائتلاف انفجر غاضبا. وقال لبعض أصدقائه (سيبوهم يختاروا اللى هم عايزينه وأنا بعد كده هاحرقهم).
أشاهد هذا المشهد كثيرا فى أفلام الراحل العظيم صلاح أبوسيف. فى حارة أو شارع مصرى تدب الخناقة ويتبادل الجميع اللكمات والشتائم والشلاليت. مهما اختلف الأبطال والشوارع والحارات. أتذكر هذه المشاهد المصحوبة بسؤال ملح (مين بيتخانق مع مين). الآن يعاودنا السؤال ونحن نتابع خناقات التحالفات بين نواب أول برلمان بعد ثورة 30 يونيو.
الخناقة ساخنة والكلمات أو بالأحرى الاتهامات ساخنة. والكلام تحول إلى ضجيح وادعاءات.
المهم المشترك فى هذه الخناقات فى حوارى السياسة هو الهجوم الضارى على اللواء سيف اليزل ضمن إطار الهجوم على تحالف (دعم مصر) وفى قلب الهجوم نيران صديقة جدا. نيران من داخل التحالف وأخرى من أولاد العم. ومن كثرة الخلافات والتحالفات تاه المواطن وأظن أن أثرا سلبيا قد ترسب فى نفوس بعض المواطنين، فثمة أخبار وتسريبات أن الخنافة على المناصب البرلمانية وتقسيم الكعكة. وآخرون أزعجهم مستوى الخناقات فى حوارى السياسة فكفوا مبكرا عن متابعة البرلمان الذى لم يبدأ جلساته بعد.
ظهرت بداية فكرة التحالف من خلال قائمة (فى حب مصر) وهى القائمة التى اتهمها بعض المرشحين فى وقت الانتخابات بأنها مدعومة من جهات أو أجنحة فى الدولة. وبعد فوز القائمة فى المرحلة الأولى أعلنت أنها ستسعى لائتلاف واسع لدعم الدولة المصرية. وبعد الانتخابات ظهرت الحاجة الملحة لهذا الائتلاف ليس من باب دعم الدولة المصرية، ولكن لدعم البرلمان نفسه. فالبرلمان مفتت إلى درجة تهدد استمرار أعماله و58% من نوابه مستقلون بينما لم يستطع حزب الحصول حتى على ربع أصوات البرلمان.
وفى هذا التشتت فإن الدستور يمنع تجمع المستقلين فى حزب أو اندماج حزبين مثلا. لأن الدستور اشترط استمرار النائب طوال سنوات البرلمان على نفس الصفة التى ترشح عليها.
وهكذا أصبح السبيل الوحيد هو ائتلاف سياسى يضم المستقلين ويحافظ على صفتهم. وقد عرفت البرلمانات السابقة هذا الائتلاف وإن اتخذ اسم كتلة المستقلين. وكان للكتلة متحدث وممثل برلمانى فى مكتب مجلس الشعب، ولها بمقر البرلمان مقر مجهز خاص بها. وفى المقر موظفون يقومون بإنهاء طلبات النواب أو على الأقل إرسال الطلبات إلى الوزارات بدلا من (لف) النواب كعب داير على المصالح الحكومية لإنهاء مطالب أهل الدائرة.
وربما يفسر هذه القصة النجاح الكبير الذى أحزره تحالف سيف اليزل مع النواب المستقلين. فبمجرد الإعلان عن وجود مقرات للتحالف فى المحافظات ومكاتب لإنهاء طلبات النواب، بمجرد هذا الإعلان هرول العشرات من النواب المستقلين للتحالف. لأن مكاتب خدمة النواب ستوفر عليهم جهدا كبيرا. ولاشك أن هؤلاء النواب اعتبروا تحالف دعم الدولة المصرية مقربا من الحكومة. ولذلك فإن بعض النواب قدروا أن هذه المكاتب أو بالأحرى التحالف قادر على تقديم خدمات لأهالى دوائرهم.
باختصار اعتبر بعض النواب أو نسبة كبيرة منهم أن التحالف هو بديل للأغلبية أو حزب الأغلبية أو حزب الحكومة. ولذلك أقبلوا على اللقاءات التى عقدتها قيادات تحالف سيف اليزل فى المحافظات واللقاءات المصغرة التى سبقت اجتماعات المحافظات. وقد جرت معظم هذه اللقاءات فى قاعات فى فنادق شهيرة، وإن كانت فى مناطق نائية. ولا أدرى إذا كانت هذه الملاحظة محض صدفة أم تترجم رغبة قيادات التحالف فى الابتعاد عن الأعين لحين إتمام التحالف.
ولكى يحقق سيف اليزل هدفه بالحصول على ثلثى المجلس كان عليه أن يضم أكثر من 420 نائبا على الأقل.
وأغلب الظن أن مقرر دعم مصر اللواء سيف اليزل وقيادات التحالف أخذهم الطمع السياسى. فلو اكتفوا بائتلاف المستقلين فقط لما تعرضوا لنيران الأصدقاء والأعداء معا. ولكن سيف اليزل وضع أمام عينيه هدف الوصول إلى ثلثى النواب. ومن يملك الثلثين يملك المجلس. فهو يستطيع تغيير الدستور والرئيس معا. ومن يملك ثلثى المجلس يستطيع أن يسقط العضوية عن أى نائب أو يمنع عنه إسقاط العضوية. ولذلك كانت فرحة سيف اليزل وقيادات دعم مصر خرافية يوم الخيمس قبل الماضى. فقد حضر لقاء التجمع الخامس 400 نائب وإن لم يوقع كلهم على طلب الانضمام أو اللائحة الداخلية لتحالف دعم مصر. ولاشك أن المشهد صدم آخرين ودفعهم لإعادة النظر فى مسانده تحالف سيف اليزل. وربما تفسر الجملة الأخيرة أو بالأحرى هذه المخاوف جزءا من أزمة سيف اليزل أو التحالف، ولكنها لا تنفى أن هناك أسبابا أخرى لمحاولة هدم التحالف على رأس سيف اليزل. فقد اعترض بعض النواب على 4 بنود فى اللائحة الداخلية للتحالف، والأهم والأخطر اعترضوا على توزيع المناصب البرلمانية الوكيلين ورؤساء تسع عشرة لجنة برلمانية ومكاتبها والمتحدث باسم التحالف تحت القبة.
وفجأة ودون رجوع لنواب حزبه خرج محمد بدران رئيس حزب مستقبل وطن ليعلن على الهواء مباشرة انسحاب حزبه من التحالف. ولاشك أن هذا الإعلان ربك قيادات تحالف دعم مصر، ليس لأن بدران لديه 51 نائبا، ولكن لأن حزب مستقبل وطن تدور حوله تساؤلات حول علاقته أو بالأحرى قربه من بعض مؤسسات الدولة. ولذلك بدا لقيادات التحالف أن ثمة خيانة أو نيرانا صديقة تضرب تحالف دعم مصر. وذهب البعض أن ثمة أمرا صدر من جهة مجهولة بالإجهاض سياسيا على سيف اليزل. وقد ترسخت هذه الفكرة أكثر عندما صعد النائب مصطفى بكرى هجوما على سيف اليزل وهدد بالانسحاب من دعم مصر. وحاول سيف اليزل (لم الشمل) ولكنه فشل فى التواصل مع محمد بدران، وهو الأمر الذى آلمه نفسيا. فقد شعر الرجل أن كل جهوده لبناء تحالف برلمانى مساند للدولة لم يقدر. وأن هناك من يتعمد إهانته فضلا عن إزاحته من التحالف.
فى ظل الخناقة فى حوارى السياسة، وشماتة المصريين الأحرار فى سيف اليزل، ودخول الوفد فى محاولة لكسب كعكة التحالف. فى ظل محاولات بناء تحالفات جديدة، وفى ظل الصراع على منصب الوكيل أو رئيس لجنة. فى ظل هذا وذاك فإن مستقبل مصر على المحك.
وحين أقول على المحك فأنا أقصد الكلمة حرفيا. فوسط هذا التشتت والخناقات فى حوارى السياسة. فإن كل مهام البرلمان على كف عفريت.
هناك أكثر من 450 قانونا تحتاج إلى إقرارها فى 15 يوما بعد بدء البرلمان. بعض هذه القوانين بدأ الطعن على بعض موادها أمام المحكمة الدستورية. وإذا لم تقر هذه القوانين فإن السقوط سيطارد معظم إجراءات ما بعد 30 يونيو.
هناك أيضا مهمة منح الحكومة الثقة. هذه المهمة التى قد تستغرق شهورا فى ظل هذه الحالة. حالة الخلافات والخناقات وتوالد التحالفات. فمهمة تشكيل الحكومة فى البرلمانات التى لا تملك أغلبية تستغرق شهورا ومفاوضات وصفقات.
قبل هذا وذاك هناك الجهاد الأعظم الذى قد يشل البرلمان تماما. وهو اختيار رئيس البرلمان والوكيلين ورؤساء اللجان. هذه المهمة البديهية قد تتعرض للشلل التام فى ظل تشتت أو سقوط تحالف سيف اليزل. ولذلك فإن محاولات أو هدف التخلص من سيف اليزل قد ندفع ثمنه غاليا. لست مع تحالف يضم الأحزاب الكبرى ويطمس هوية البرلمان. لست مع زواج تحالف دعم مصر بكل الأحزاب تحت القبة. لست مع حلم تحالف الثلثين. ولكن بدون أغلبية وفى ظل صراع المصالح والمال تحت القبة فإن البرلمان قد ينسف خارطة الطريق بدلا من أن يكملها. لست مع أن يضحى النواب والسياسيون بأحلامهم وطموحهم السياسى فى برلمان مصر. ولكن يجب أن يتذكروا جيدا أن أى خناقات فى حوارى السياسة تدمر البرلمان وتهدد مصر. ولذلك يجب أن تنتهى الحرب الأهلية البرلمانية وأن يقف تحالف دعم الدولة عند حدود الأغلبية. فمن الأفضل التركيز فى هذا الهدف بدلا من الرهان على الثلثين. والذى أثبتت خلافات الأسبوع الماضى أنه رهان خطر وقد يطيح بالتحالف أو على الأقل برأس التحالف.
اللجنة المعلقة
لجنة الخطة والموازنة من أهم لجان البرلمان. فهى اللجنة المسئولة عن الموازنة وقوانين الضرائب والجمارك والحسابات الختامية للحكومة والمحليات. وكان أمين التنظيم ورجل الحزب الوطنى القوى المهندس أحمد عز قد أصر على استمرار توليه اللجنة المهمة حتى بعد توليه أمانة التنظيم.
وخلال الاجتماع الأخير لائتلاف «فى حب مصر» تم ترك هذه اللجنة دون اقتراح للأسماء أو اسم نائب واحد يتولى رئاسة هذه اللجنة، وبرر قيادات التحالف برغبتهم فى انتظار النواب المعينين ربما تحمل القائمة أحد الخبراء لهذه اللجنة. وكان النائب الدكتور على مصليحى قد أعلن عن رغبته فى رئاسة إحدى اللجان الاقتصادية ومن بينها لجنة الخطة والموازنة.
ولكن بعض الخبثاء برروا ترك تحالف دعم مصر لهذه اللجنة بدون اقتراح لرئاستها لسبب آخر. وهو ترك رئاسة هذه اللجنة مفتوحة لأحزاب أخرى. وذلك لمد جسور الحوار بين التحالف من ناحية، وحزب المصريين الأحرار من ناحية أخرى. فعلى الرغم من رفض المصريين الأحرار الانضمام للتحالف وتبادل الاتهامات بين الفريقين. رغم هذا وذاك فإن حصول المصريين الأحرار على رئاسة لجنة الخطة والموازنة سيعد مكسبا كبيرا للحزب.لأن حزب ساويرس يركز على التشريعات الاقتصادية والإصلاح المالى. ولذلك يهتم برئاسة هذه اللجنة. وحتى لا تتزايد الصدامات بين الائتلاف وبين المصريين الأحرار.فقد ابتعد (دعم مصر) عن تسمية مرشح لرئاسة لجنة الخطة والموازنة. والتى يتردد فى كواليس (دعم مصر) أن المصريين الأحرار كان متسمكا برئاسة هذه اللجنة.
أزمة الصعيد
تاريخيا فإن منصب وكيل البرلمان عن العمال كان يذهب لنائب صعيدى. ولذلك كان أحد شروط النواب المستقلين من الصعيد للانضمام لدعم مصر هو وجود وكيل مجلس من نواب الصعيد. وقد عزز هذا الطلب أسهم النائب مصطفى بكرى لمنصب الوكيل، ولكن نواب الصعيد اختلفوا على ترشيح بكرى.
بعض نواب الصعيد طالبوا بإجراء انتخابات داخلية على منصب الوكيل الصعيدى داخل تحالف دعم مصر. وبذلك يكون اختيار الوكيل معبرا عن إرادة الصعايدة.
وحاولت بعض قيادات التحالف من (بحرى) إقناع النواب الصعايدة بالتخلى عن منصب الوكيل.
نواب بحرى أكدوا أنه يجب إعلاء قيمة الكفاءة والخبرة البرلمانية فى اختيار منصب الوكيل، خاصة أن وكيل المجلس يتولى ملفات ساخنة جدا ومهمة جدا. وعلى رأس هذه الملفات رئاسة لجنة القيم. وهى اللجنة التى تتولى التحقيق فى تجاوزات النواب.
وبالمثل يتولى الوكيل رئاسة لجنة الرد على بيان الحكومة. وظهر فى قائمة الترشيحات على منصب الوكيل فى اجتماع تحالف دعم مصر النائب المخضرم علاء عبدالمنعم.
وظهرت أيضا دعوات داخل التحالف لاختيار نائبة ونائب قبطى لمناصب قيادية داخل المجلس، بينما تمسكت بعض النائبات باختيار وكيل من النائبات.