عبد الحفيظ سعد يكتب: قصة الإسلام فى إثيوبيا من النجاشى للإمام أحمد بن إبراهيم

مقالات الرأي



مؤرخ مسيحى فى كتاب نادر يكشف

قصة الإسلام فى إثيوبيا من النجاشى للإمام أحمد بن إبراهيم

فى العصور الوسطى ظهرت سبع ممالك للمسلمين فى هضبة الحبشة تمتعت بالحكم الذاتى

بعيدا عن تفاصيل الاحتجاجات التى تشهدها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وتقودها قبائل «الأورومو» ذوو الأغلبية المسلمة التى تعيش فى مرتفعات الحبشة، ضد قيام الحكومة باستقطاع جزء من أراضيهم لصالح إنشاء، مشروعات وتوسيع العاصمة، إلا أن هذه الاحتجاجات تفتح قصة وتاريخ المسلمين الذين يعيشون فى إثيوبيا، وتعرضهم للاضطهاد والتمييز العرقى، بسبب سيطرة عرقيتى «التيجرى» و«الأمهرة» على الحكم والمناصب القيادية فى البلاد.

وذلك على الرغم من أن المسلمين فى إثيوبيا لا يعدون أقلية، بل يتجاوز عددهم 45% من تعداد السكان فى البلد الإفريقى، مما يجعل إثيوبيا ضمن أكثر عشر دول تضم مسلمين فى العالم.

والغريب أن قصة تكوين المسلمين فى إثيوبيا أو بلاد الحبشة- ظلت مجهولة، على الرغم من سيطرتهم على حكم إثيوبيا، فى القرن الـ16 الميلادى، عن طريق حكم الإمام أحمد بن إبراهيم الملقب بـ«الأشول» الذى تمكن من السيطرة على الحكم وأعلن دولة للمسلمين وعاصمتها مدينة هرر، بعد أن انتصر على إمبراطور الحبشة.

ورغم ندرة المصادر التاريخية والأبحاث التى تتحدث بشكل مفصل عن وجود المسلمين فى إثيوبيا بصورة كثيفة، إلا أن هناك كتابا نادرا يتحدث بشكل مفصل عن فكرة تكوين المسلمين ووجوده فى إثيوبيا، وهو كتاب «الإسلام فى إثيوبيا- فى العصور الوسطى» والذى وضعه الدكتور زاهر رياض، الباحث فى معهد الدراسات الإفريقية، والذى ألف كتبا تهتم بإفريقيا مثل «استعمار إفريقيا» و«كشف القارة الإفريقية» و«تاريخ غانا»، وهو أيضا من مؤسسى معهد الدراسات القبطية.

ويتناول فى الكتاب الذى وضعه فى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، وطبع فى دار المعرفة عام 1964، سر الوجود الكثيف للمسلمين فى الهضبة الإثيوبية، بخاصة أن هذا البلد لم تدخله جيوش المسلمين، فهى تعد من الدول النادرة فى العالم التى لم تتعرض لاحتلال أو غزو باستثناء الاحتلال الإيطالى عام 1935 والذى لم يدم سوى 5 سنوات فقط.

وقصة وضع الكتابة كما يرويها المؤلف زاهر رياض تبدو طريفة، جاءت له، عندما سافر إلى إثيوبيا عام 1934، ليعمل هناك مدرساً منتدباُ للتاريخ فى المدارس الحكومية، لكنه اكتشف أنه لا يوجد تاريخ مدون لإثيوبيا، والتاريخ الذى يتم تدريسه للطلبة هناك، لا يمت لتاريخ البلد الأصلى بأى صلة وأنه تاريخ للدول الأوروبية، مما دفعه أن يبحث عن تاريخ هذا البلد، ليكتشف أن هناك قصصا عن حياة المسلمين فى هذا البلد، بدأت مع ظهور الإسلام وقيام الرسول «ص» بدفع عدد من المسلمين الأوائل للهجرة إلى أرض الحبشة، وكان بدايتهم 15 من المسلمين، ووصلوا فيما بعد إلى 125، ذهبوا واستقر بعضهم فى أرض الحبشة.

وكان سبب ذلك كما يورد الكتاب ثلاثة أسباب، منها وجود أحباش كانوا يعيشون فى مكة ويعملون فى التجارة، بالإضافة إلى العبيد الذين استقدمهم العرب من إثيوبيا، كما أن أم أيمن التى تولت رعاية وتربية الرسول بعد وفاة أمه وكان يطلق عليها «أم أيمن أمى بعد أمى»، كانت من أصول إثيوبية، وكل ذلك كما يذكر المؤلف، كانت دوافع عرفت الرسول بطبيعة إثيوبيا وأهلها، مما دفعه أن يأمر أتباعه بالهجرة إليها، كما فتح النبى عليه السلام علاقة جيدة مع ملك الحبشة النجاشى، بعد أن تبادلا الهدايا، وكانت علاقة النجاشى بالرسول أفضل مما تكون، لدرجة أنه طبقا للرواية، أنه عندما علم الرسول بوفاة النجاشى، طلب من الصحابة أن يصلوا عليه، وهو فى الأصل صلاة الجنازة على الغائب، وهو ما يغذى الرواية الإسلامية أن النجاشى ملك الحبشة دخل الإسلام.

ومن هنا امتدت علاقة إثيوبيا بالمسلمين منذ عهد الرسول، واستمر مع العصور الإسلامية المختلفة، خاصة مع نشاط تجارة العرب والتى كانت تمر عبر الشاطئ الشرقى لإفريقيا بالقرب من إثيوبيا، وعندما تعرضت خطوط هذه التجارة للخطر على يد القراصنة اضطر الخلفاء المسلمون لإرسال حاميات على شواطئ إفريقيا لتحمى التجارة، وأدى ذلك إلى وجود تقارب بين المسلمين وأهل الحبشة، مما أغرى بعضهم بالتواجد فى هذه الأرض والتوطن فيها.

كما كانت إثيوبيا ملجأ للعديد من المعارضين للحكم الأموى، واتخذ فى ذلك جزيرة «الدهلك» والتى استعملت كمنفى للمغضوب عليهم، مثل عمر بن ربيعة الذى نفاه الخليفة عمر بن العزيز بعد مشاكله فى التعرض للسيدات من الحجيج.

وتشير بعض الروايات التاريخية أن عددا من العلويين (آل البيت) اضطروا إلى الهجرة إلى إثيوبيا، لتجنب بطش الخلفاء الأمويين ومن بعدهم العباسيين مثل هروب زيد بن الحسن بن على وبعض أنصاره من الزيدية، بعد هزيمتهم من الحاكم الأموى هشام بن عبد الملك إلى أرض شرق إفريقيا والتى جذبت العديد من المسلمين من أتباع المذهب الزيدى إلى هذه المنطقة مما جعلهم يتوسعون فى الأراضى هناك.

ولابد أن الهجرة التى رواها المؤرخون لم تكن إلا واحدة من هجرات كثيرة قصدت أرض إثيوبيا من المسلمين، خاصة أن هذا البلد كان ملجأ، اتخذه عدد من المعارضين خاصة مع قيام الدولة العباسية التى كانت تطارد بقايا الأمويين والشيعة، وتقول مصادر تاريخية إن مروان الثانى آخر خلفاء الأمويين هرب عدد من أتباعه عن طريق صعيد مصر إلى أرض النوبة ومنها إلى إثيوبيا، لذلك أغرت أرض إثيوبيا العديد من المسلمين للهجرة إليها لتمتعها بحياة هادئة، كما أن المسلمين والعرب لم يجدوا مشقة فى تعمير الصحراء والأرض حول الهضبة الإثيوبية، مما دفعهم إلى التوطن فيها.

وبدأ فى عصور الإسلام الوسطى يزيد عدد المسلمين فى جزيرة «دهلك» على السواحل الشرقية لإفريقيا والتى كانت متصلة بإثيوبيا، مما دفع العديد من القبائل الوثنية أن تدخل الإسلام، كما أن هذه الجزيرة كانت مركزا لتجارة العبيد من إفريقيا، بالإضافة للعمل فى مجال تجارة المنتجات من إثيوبيا إلى أرض العرب، مما ساعد على زيادة عدد المسلمين فى هذه المنطقة.

ويذكر المؤلف «أدت العلاقة السلمية بين المسلمين الذين عملوا بالتجارة وهاجروا إلى إثيوبيا أن تتعمق علاقاتهم بأهالى وسكان الحبشة، ما زاد من علاقات المصاهرة والتقارب بينهم باندماجهم فى المجتمع الجديد، سواء من أصحاب الديانة المسيحية أو حتى اليهودية، كما أن الوثنيين ارتبطوا بعلاقات جيدة مع الوافدين، مما دفعهم لاعتناق الإسلام سواء لوجود علاقات تجارية أو تكوين حماية لهم، فجاء نتاج هذا التزاوج جيل إسلامى جديد، مما زاد عدد المسلمين بشكل كبير فى أرض الحبشة».

ومع زيادة عدد المسلمين، ظهرت فى هضبة إثيوبية دولة ذات حكم إسلامى أطلق عليها مملكة «شوا» بفتح الشين، امتد لأكثر من 4 قرون بدأت من القرن الثالث الهجرى حتى منتصف القرن السادس، وكانت مملكة «شوا» تقع فى هضبة الحبشة الوسطى، وهى المنطقة التى يعيش فيها قبائل «الأورومو» المسلمة، وهى المنطقة التى تبنى إثيوبيا عليها السدود حاليا ومناطق التوسعات التى تقوم بها حكومة أديس أبابا، وأدت لتفاقم الاحتجاجات الأخيرة ضدها بسبب اعتراض سكانها من المسلمين.

ويذكر كتاب «الإسلام فى إثيوبيا»، أن خصوبة هذا الإقليم فى الهضبة الوسطى الإثيوبية دفعت المسلمين أن ينشئوا مملكتهم «شوا» والتى اتخذت عاصمة لها أطلق عليها فى حينها «لله»، ويعتقد أن مدينة «هرر» مركز المسلمين الآن.

والغريب أنه كما يقول المؤرخ دكتور زاهر رياض، فإن هذه المملكة ظلت مجهولة فى تاريخ المسلمين، ولا أحد يعلم عنها شيئا، ولم يذكر تاريخها أو أى صلات بينها وبين الدول الإسلامية فى الشرق أو فى مصر سواء الطولونيين أو الفاطميين أو الأيوبيين، أى ذكر، ولم يعرف عنها أى معلومة إلا فى عام 1926، عن طريق وثيقة كشفها عالم إيطالى شيرولى، ومكنه احتلال إيطاليا لإثيوبيا أن يستكمل بحثه عن مملكة المسلمين المجهولة فى أرض الحبشة.

وتكشف هذه الوثيقة أن مملكة «شوا» كانت دولة متقدمة بمفهوم ذلك الوقت فكان فيها قضاة، وكان أشهر حكامها ينتمى لقبيلة مخزوم، ولقب باسم المخزومى، كما كان للنساء فى هذه الدولة وضع خاص، وصلت لحد قيادة الجيوش وتوجيه السلطان.

ولا يعرف بالضبط أين قامت دولة «شوا» فى هضبة إثيوبيا، لكن يوجد جزء قديم فى هضبة الحبشة الوسطى يطلق عليه «شوا» ويقع فى جنوب جبل دروسال التى يطلق عليه الآن «تارمابار»، وهو إقليم متسع على سهل الصومال إلى المنطقة التى تمد الجزء الأوسط من النيل الأزرق، وهى المنطقة التى تعد الرافد الرئيسى لمياه نهر النيل.

وبجانب مملكة «شوا» نشأت فى إثيوبيا سبع ممالك إسلامية أخرى، يتحدث عنها المؤرخ الإسلامى ابن فضل الله العمرى، وهى مملكة «أيفات» والتى انتزعت الصدارة والقيادة من مملكة «شوا»، التى كان غالبية أهلها شافعية المذهب، أما المملكة الثالثة فهى مملكة دوار وكانت تتبع المذهب الحنفى، وهو نفس المذهب الذى كانت تعتنقه إمارة «أرابينى» الإسلامية الإثيوبية، والمملكة الإسلامية الخامسة هى «هدية» بكسر الهاء، وكانت نشطة فى تجارة الرقيق، بالإضافة إلى مملكة «شرخا» بالإضافة لمملكة «بالى» فى الجنوب الغربى من إثيوبيا، وأخيرا مملكة «دارة» وهى أصغر ممالك المسلمين فى إثيوبيا فى العصور الوسطى.

وكانت العلاقة بين ممالك المسلمين فى العصور الوسطى وإمبراطور الحبشة الذى كان يلقب بـ«النجاشى» جيدة وكان يتولى تعيين ولاة مسلمين، مثل قيامه بتعيين والى لممكلة «أيفات» رجل اسمه عمر، وهو من نسل عقيل بن أبى طالب.

ومن هنا يتضح أن المسلمين فى إثيوبيا كان له استقلالهم الخاص فى الهضبة الوسطى، وتمتعوا بحكم ذاتى، وكان يتولى حكمهم أمراء منهم، وذلك تحت حكم الإمبراطور، والذى كان يتخذ من مدينة « أكسوم» مقراً لحكمه، فى الجزء الشمالى من الحبشة، وكان يعين حكام المسلمين، وهو ما ذكره المقريزى فى كتابه «الإلمام» بأن للمسلمين كانت لهم سبع ممالك فى أرض الحبشة كل مملكة منفردة وبها الجوامع والمساجد ينادى فيها بالأذان».

ووصل الحال أن تمكن الإمام أحمد بن إبراهيم، والذى كان قائدا فى جيش الملك «أبون» فى مطلع القرن الـ15، وتمتع بشعبيه كبيرة، وحكيت عنه الأساطير، وهو ما مكنه من أن يقوم بثورة ضد الإمبراطور، ويتمكن فى عام 1940 من السيطرة الكاملة على حكم إثيوبيا ويعلن نفسه إمبراطورا لأرض الحبشة، وهو ما زاد من اعتناق الإثيوبيين للإسلام وزاد عددهم بشكل كبير فى إثيوبيا، ولكن أدى تدخل إمبراطور بلغاريا وإرساله قوة حربية لمساندة ابن الإمبراطور «أبون» إلى أن يتمكن بعد 12 عاما من الانتصار على الإمام أحمد بن إبراهيم، وطرده من مملكته.

وبعد هذا العصر بدأ نفوذ المسلمين يقل، ويعانون من اضطهاد خاصة مع توسع الإمبراطور فى علاقاته بالدول الاستعمارية الأوروبية خاصة البلغاريين والإسبان، الذين نصحوا إمبراطور إثيوبيا بأن يمنع أى صعود مرة أخرى للمسلمين فى بلده، حتى لا يمثلوا خطرا على حكمه، ومن هنا بدأ النفوذ السياسى والاقتصادى يقل للمسلمين فى إثيوبيا، وربما هذا يفسر تزايد احتجاجاتهم الأخيرة ضد الحكومة فى إثيوبيا، بعد استقطاعها أراضيهم.