د. نصار عبدالله يكتب: عن أسمهان والإخوان والدروز

مقالات الرأي




نادرا ما يجود الزمان بصوت مثل صوت أسمهان.. فرغم مرور أكثر من قرن على مولدها (تحديدا 103 أعوام قد انقضت على هذه الذكرى فى أواخر نوفمبر الماضى)، رغم ذلك فلم تنجب الساحة الغنائية العربية طيلة تلك الفترة إلا صوتا أسمهانيا واحدا، أما بقية الأصوات فإنها رغم ما فى بعضها من الجمال الذى لا يمكن إنكاره فإنها ليس فيها ذلك السحر الذى يجعل من الصوت البشرى شبيها بصوت الآلة الموسيقية ومتفوقا عليها كما هى الحال فى صوت أسمهان!.. فى 25نوفمبر 1912ولدت آمال الأطرش لأب من دروز سوريا هو الأمير فهد الأطرش وأم من دروز لبنان هى الأميرة علياء المنذر، وبعد وفاة الأب واندلاع الثورة فى سوريا اضطرت الأميرة ذات الصوت الجميل للهجرة إلى مصر مع أولادها الثلاثة: فريد وفؤاد وآمال، ولم يكن أمامها من سبيل لإعالة نفسها وأبنائها سوى أن تغنى فى الأفراح والحفلات الخاصة، وشاركتها ابنتها الغناء فى إحدى الحفلات ثم انتقلت للغناء فى صالات شارع عماد الدين إلى جانب شقيقها الأكبر فريد الذى كان قد بدأ يشق طريقه إلى الشهرة بالفعل، وقد حققت بدورها نجاحا مشهودا وشهرة واسعة فى وقت وجيز، وعندما استمع إليها الموسيقار الشهيرداود حسنى انبهر بصوتها ووجد فيه عوضا عن صوت مطربة شابة واعدة كان يتعهدها بالرعاية لكنها توفيت فى مطلع شبابها، وهكذا قرر بعد استئذانها أن يطلق عليها اسم المطربة الراحلة: «أسمهان»، ومن المفارقات الغريبة أن أسمهان الثانية (آمال الأطرش) قد توفيت أيضا وهى فى ريعان شبابها إذ رحلت عن عالمنا قبل أن تكمل عامها الثانى والثلاثين،بعد أن انقلبت بها السيارة قرب مدينة طلخا وهى متوجهة للاستجمام على شاطئ رأس البر..كان الحادث وما زال مريبا فقد قفز السائق من السيارة قبل انقلابها فى الترعة دون أن يصاب بأى أذى على الإطلاق وهو ما أوحى إلى الأذهان وقتذاك بأنه سائق مدرب أو أنه متحسب سلفا لما سيحدث!،.. أغرب من هذا أنه طبقا لما تذكره بعض المصادر قد اختفى بعد ذلك فى ظروف غامضة!، وقد اتجهت الشكوك حينذاك إلى عدد من الجهات والشخصيات على رأسها الاستخبارات البريطانية التى تعاونت معها أسمهان وتقاضت منها مبالغ مالية ضخمة ثم اتجهت بعد ذلك إلى المخابرات الألمانية (ربما طمعا فى مزيد من المال)..ولعل آخر ما طرح فى هذا المضمار هو ما كشف عنه القيادى الإخوانى السابق ثروت الخرباوى الذى أكد فى حديث نشرته الأهرام فى ذكرى وفاتها) أنها قد قتلت بتكليف من حسن البنا شخصيا، بناء على رغبة الاستخبارات البريطانية!، ومن الطبيعى هنا أن نفترض أن التبرير الذى قدمه حسن البنا للسائق (الذى كان عضوا فى جماعة الإخوان طبقا لما ذكره الخرباوى) هو أن أسمهان فاسقة وعدوة للإسلام وأنها قد أصبحت عميلة للألمان الكفار.. (طبعا هم كفار بدليل أنهم لم يقدموا أى دعم مالى للجماعة! أما الإنجليز فهم ليسوا كفارا لأنهم لم يتوقفوا قط عن دعم الإخوان (المؤمنين).. هكذا كان من السهل إقناع السائق الإخوانى بأنه يقتل كافرة من أعداء الله، وحتى لو تردد لأنها كانت فى صحبة صديقة لا ذنب لها (مارى قلادة) فإن هذه الصديقة ما هى فى النهاية إلا نصرانية كافرة فى صحبة درزية كافرة ولا جناح عليه إن هو قتلهما معا تنفيذا لتكليف إمامه الذى هو أدرى منه بما يعز الإسلام وينفع المسلمين !، والواقع أن صورة الدروز ليست قاتمة مشوهة فى ذهن الكثيرين من جماعة الإخوان وحدهم، ولكنها مشوهة لدى الكثيرين من المسلمين، ومما ساعد على تثبيت الصورة المشوهة أن الدروز أنفسهم رغم إيمانهم بالله ورسوله وملائكته وكتبه وإقامتهم للصلاة والصوم والتزامهم بالزكاة والحج وإيمانهم بالقدر خيره وشره، رغم ذلك فهم يفسرون القرآن الكريم تفسيرا خاصا بهم مستمدا من كتاب لهم هو كتاب «رسائل الحكمة» الذى ألفه حمزة بن على أحد المقربين إلى الحاكم بأمر الله الذى يعتبر الدروز أنفسهم أتباعا له، وبمقتضى تعاليم حمزة انشق الدروز عن الفرقة الإسماعيلية وأصبحوا طائفة قائمة بذاتها لها أحكامها المذهبية الخاصة ومن قبيلها مثلا أنهم يوجبون العدل بين الأزواج ويحظرون تعدد الزوجات!، ويفرضون على كل زوج مناصفة الآخر فى ملكيته!، فإن طلب أى منهما الطلاق دون موجب كان للآخر الحق فى نصف ملكيته! (وهو ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية المعتبرة عند باقى الفرق الإسلامية الأخرى.. ولعل هذه الاختلافات وغيرها هى ما دفعت بالبعض إلى القول بكفر الدروز وخروجهم عن الملة).. أيا ما كان السبب فى مصرع أسمهان، وسواء صحت رواية الخرباوى أو لم تصح فإن من المؤكد أن رحيلها المبكر قد أفقد ساحة الغناء العربى صوتا قلما يجود الزمان بمثله.