عادل حمودة يكتب: مفاجآت مريبة تستحق تحقيقًا جنائيًا

مقالات الرأي



■ محمد شعيب استعان بمكتب شيرمان آند ستراينج بعد أن قدم استشارته القانونية والمالية لشركة القلعة التى عمل بها شعيب بعد خروجه من إيجاس! ■ مستشار فى قضايا الدولة يقترح خروج مصر من اتفاقية فض منازعات الاستثمار فى واشنطن فتسقط قضايا التحكيم! ■ 7 قضايا ضدنا: 4 غاز الشرق و2 فينوزا وواحدة دماك.. المطلوب 15 مليار دولار! ■ مجلة التحكيم الدولى: مصر خسرت القضايا بسبب فسخ عقد الغاز ولم تذكر القوة القهرية بعد تفجيرات خط الغاز ■ شركة كهرباء إسرائيل وعدت المستهلكين بتخفيض سعر الكهرباء لو كسبت قضية التحكيم فكيف ستجبرها حكومة نتانياهو على التنازل عن التعويضات 1.7 مليار دولار؟

■ مكتب المحاماة يعمل بالساعة وربما لهذا السبب أطال القضايا وجاء بعدد كبير من المحامين فى جلسات الاستماع

■ أنباء غير مؤكدة عن توقيع قضايا الدولة على اتفاقية سرية للتسوية تشترط عدم استخدام مفاوضات التسوية لو فشلت فى القضايا المرفوعة!

محمد شلباية ممثل الدفاع عن مصر فى قضايا التحكيم يصبح شريكًا فى مكتب المحاماة بعد خسارة قضيتين بتعويضات مليارى دولار!

فى حفل استقبال أكاديمى قدم مستشار فى القضاء نفسه إلى أستاذة جامعية متخصصة فى الميديا على أنه خبير فى التحكيم الدولى.. لكنه.. فوجئ بها تقول بجدية لا تخلو من الحماس: عيب علينا أن نلجأ إلى التحكيم الأجنبى فى كرة القدم حتى الآن ولدينا شخصيات متميزة مثلك!.

لم يستطع الرجل أن يكتم ابتسامته.. لكنه.. سرعان ما أدرك أن ما يعرف عن التحكيم.. لا يتجاوز حدود الملاعب الرياضية.. ولا يمتد إلى قضايا المنازعات التجارية (بين شركات وشركات) والمنازعات الاستثمارية (بين الدول ورجال الأعمال) حسب اتفاقيات وقعت وصدقت عليها مصر.. مثل اتفاقية قبول التحكيم فى مركز فض منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولى (1966) واتفاقية واشنطن لتنفيذ أحكامه.

ولو كانت أستاذة الإعلام جاهلة بالتحكيم فإن الذين يغطون أخباره ويعلقون على أحكامه فى الصحف والفضائيات ليسوا فى غالبيتهم أقل جهلا.

لكن.. ما توقفت عنده متعجبا ما راح المهندس محمد شعيب ينشره من معلومات خاطئة بعد صدور حكمين ضد هيئة البترول والشركة القابضة للغازات (إيجاس) بنحو مليارى دولار بعد قرار إيقاف ضخ الغاز إلى 14 شركة إسرائيلية (على رأسها شركة كهرباء إسرائيل) الذى اتخذه بنفسه فى 19 إبريل 2012 وقت أن كان رئيسا لـ إيجاس وشاركه فيه المهندس هانى ضاحى وكان رئيسا لهيئة البترول.

لقد سعى جاهدا لإقناعنا بأن الحكمين باطلان وسينتهيان بعد الطعن عليهما رغم أنه يعرف جيدا أن أحكام التحكيم نهائية والطعن عليها يقتصر على مراجعة سلامة الإجراءات.. ويصبح السؤال: كيف يرينا وجهه ويسمعنا صوته لو لا قدر الله رفض الطعن وأجبرنا على دفع ما قضى من تعويضات؟

لكن.. الأهم.. ما الذى سنقوله للناس ساعتها بعد أن صورنا الحكمين على أنهما مؤامرة دولية ضد مصر؟.. كيف سنخفف من تلك الصدمة؟.. هل سنخرج ونعتذر أم نتوارى ونستقيل؟

إن هيئة التحكيم التى أصدرت الحكمين يرأسها خوان فرناندس أرمسكو مستشار الحكومة الإسبانية لدى المؤسسات المالية الدولية وكان على يمينه جون مارين واحد من المستشارين القانونيين لملكة بريطانيا أما عضو اليسار فهو عثمان بيراث جوزمار العميد السابق لكلية حقوق إسطنبول.. ويصعب على أحد منهم أن يضحى بسمعته العلمية وشهرته العملية مهما كان المقابل.

ومثل شركة غاز شرق المتوسط ومساهميها مكتب نورت روز بينما استعانت كهرباء إسرائيل بمكتب فريش فيلد.

وقد اطلعت بمساعدة أحد المحامين على التقرير الذى نشرته مجلة جلوبال أربيتيشن رفيو المتخصصة فى شئون التحكيم عن الحكمين وجاء فيه: إنهما بسبب فسخ العقد.. و لم تأخذ المحكمة بدفوع الجانب المصرى.. وإن قال دفاعها إن الحكم ربما يكون فيه بعض الإجراءات التى سنطعن عليها.

ولم تشر مذكرة الدفاع المصرية من قريب أو بعيد إلى القوة القهرية التى فرضتها أحداث ما بعد 25 يناير من تفجير خط الغاز أكثر من مرة.

ولو كنت من شعيب لاختفيت صامتا كما فعل شريكه فى القرار هانى ضاحى فهو الذى تسبب فى المليارات التى دفعناها (18 مليار جنيه) والمليارات المطلوبة فى قضايا أخرى ومطلوب فيها المبلغ نفسه غير غرامات التأخير.. بما يهدد القروض الأخيرة (4.5 مليار) بالضياع فى بالوعات التعويضات.. وبما يجبرنا على محاكمة كل من تسبب فى ذلك ولا نكتفى بمن اتهم بالحصول على رشوة بدلتين وعمرة وإن كنا لا نقبل ذلك أيضا.

وليس فى تلك الأرقام مبالغة فكل سنت فيها نجده على موقع شيرمان آند سترلينج.. مكتب المحاماة الذى استشاره شعيب قبل فسخ العقد وكان محامى إيجاس وهيئة البترول فى القضيتين الخاسرتين.. وهو أيضا محامى الحكومة المصرية فى قضايا تحكيم أخرى.

واللافت للنظر فى تلك الصفحة أن المكتب يذكر أنه قدم المشورة القانونية بشأن تمويل توسعات مصفاة البترول فى مسطرد.. أحد مشروعات شركة القلعة «أحمد هيكل».. نفس الشركة التى عمل بها شعيب فور خروجه من إيجاس بعد أن استعان بالمكتب فى فسخ عقد الغاز.. ما الرابط بين كل هذه الأطراف التى كنا نتصور أنها متناثرة؟.. كيف التقت معا؟.. وهل هناك مصالح مشتركة بينها؟.. وما دور فسخ العقد فيها؟.. مرة أخرى لابد من التحقيق فيما جرى.

ومكتب شيرمان آند سترلينج شركة متعددة الجنسيات.. أسسها فى نيويورك (مقرها الرئيسى) شيرمان وجون ويليام سترلينج عام 1863.. تضم 850 محاميا يعملون فى 17 فرعا خارجيا.. وتعتبر عضوا فيما يسمى نادى الحذاء الأبيض الذى يضم شركات المحاماة ثقيلة الوزن فى الولايات المتحدة.. وفى عام 2013 وصلت أرباحها إلى 820 مليون دولار.

تخصصت فى المعاملات التجارية واشتهرت بتمثيل رجل الصناعة الأشهر هنرى غورد وقويت علاقتها مع عائلة روكفلر وسيتى بنك ودويتش بنك وساعدت بعد الحرب العالمية الثانية شركات ألمانية مثل سيمنس وديلمر وكرايسلرعلى إعادة الهيكلة.

وفى الولايات المتحدة تقدم المشورة المالية لشركات استثمارية وصناعية مؤثرة مثل ميريل ليتش وفيرفاكس وداو.

المؤكد أنها شركة لها خبرتها ولها سمعتها.. لكن.. أين كانت الخبرة والسمعة وقت أن نصحت شعيب بفسخ عقد الغاز؟.. هل فى نصيحتها ما يثير الريبة؟.. مرة أخرى نطالب بتحقيق يكشف خبايا ما حدث.

إن أتعاب هذه الشركات تحسب بالساعة ونحن نتعامل معها منذ أكثر من ثلاث سنوات وفى كل جلسة كان يحضر من جانبها عدد كبير من المحامين فكم ساعة استهلكناها؟ وكم مليون دولار دفعناها؟ وهل شاركها أحد فى أتعابها؟.

وبسبب الوجبة الدسمة التى نالتها من مصر قررت فتح مكتب لها فى القاهرة يقود تأسيسه إيمانويل جلاد مسئول التحكيم الدولى ورئيس مكتب باريس.. وكان جلاد ممن تولوا قضايا مصر فى التحكيم الدولى هو وياس بانيفانتى الشريك فى الشركة ومعهما محمد شلباية المتوقع أن يرأس مكتب القاهرة.

وشلباية تخرج فى حقوق القاهرة وحصل على أكثر من ماجستير فى القانون الدولى الخاص والتقاضى والتحكيم وفض المنازعات من السوربون وأكسفورد.

مثل شلباية إيجاس وهيئة البترول فى أربع قضايا تحكيم مرتبطة بفسخ العقد وفيها طلب تعويضات بثمانية مليارات دولار.. ومثل إيجاس فى قضية رفعتها الشركة المصرية الإسبانية (سيجاس) أمام غرفة التجارة الدولية فى باريس ومثلها أيضا فى قضيتين رفعتهما شركة فينوزا الإسبانية.. وتتعلق هذه المنازعات بعجز إيجاس عن توريد الغاز وبخلافات حول عقد يتعلق بمصنع تسييل الغاز فى دمياط وفيها تعويضات بسبعة مليارات جنيه.. ومثل شلباية الحكومة المصرية فى قضية تحكيم رفعها حسين سيجوانى المسئول عن شركة دماك العقارية فى نزاع حول سحب أراضٍ منه.

ما يزيد من علامات الدهشة ويضاعف من مبررات التحقيق أن شلباية فى اليوم الذى خسر فيه قضيتى الغاز أصبح شريكا فى مكتب شيرمان آند سترلينج بعد أن كان موظفا فيه.. فى سابقة فريدة من نوعها أن يكافئ مكتب محاماة أحد أفراده لخسارته قضايا وليس لكسبها.. ألا يلفت ذلك النظر ويفتح الباب لتساؤلات لا نهاية لها من حقنا معرفتها فنحن فى النهاية من تحملنا تكاليف المكتب وأتعاب شلباية وتعويضات الخسارة.

لا أنكر أن القضايا صعبة.. لكن.. شلباية نفسه السبب فى صعوبة بعضها.. فهو الذى نصح بفسخ العقد.. وكان الفسخ رصاصة انتحار أطلقت علينا.. فهل كان يعلم بما سيترتب على الفسخ؟.. هل أراد أن يأتى بقضايا لمكتبه ليثبت جدارته وإخلاصه له وليصبح شريكًا فيه فيما بعد؟.

وحسب الدستور فإن قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة تنوب عن الدولة فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى.. والنص يضعها دون سواها فى مواجهة قضايا التحكيم، ليكون السؤال هل ضاعفت من خبرتها وطورت من أساليبها لمواجهة تلك القضايا المختلفة التى تنظر فى بلاد غريبة بمصطلحات قانونية أجنبية؟.

لقد حافظت قضايا الدولة على مكتب شيرمان آند سترلينج بعد أن تحمس له شعيب وضاحى ولكن بعض قياداتها تصورت فى يوم من الأيام أنها يمكن أن تسافر إلى واشنطن وتلغى اتفاقية فض منازعات الاستثمار ويا دار ما دخلك شر.

وأغلب الظن أن الجانب المصرى فى قضايا الغاز سيواصل التفاوض ليصل إلى تسوية قبل صدور أحكام أخرى فى القضايا المعلقة.. وقد انفردت فى الأسبوع الماضى بخبر لقاء وزير البترول طارق الملا مع عدد من مساهمى شركة غاز شرق المتوسط فى لندن قبل صدور الأحكام الأولى بثلاثة أيام ونقل الخبر عنا دون إشارة إلى مصدره ولكن لم تصل المفاوضات إلى شىء يذكر.. كما أن ما صدر من أحكام سيزيد من تشدد المساهمين ويرفع من سقف مطالبهم.

وغالبا ما تسبق مثل هذه المفاوضات اتفاقيات سرية تنص على عدم استخدام مفاوضات التسوية فى التحكيم إذا ما فشلت المفاوضات.. ولست متأكدا أن الجانب المصرى الممثل فى هيئة قضايا الدولة المنوط بها حسب الدستور التسويات قد وقع مثل هذه الاتفاقية.. وإن كنت أجنح إلى أنه وقعها.

وفى مثل هذه الاتفاقيات تستهدف السرية الابتعاد عن الإعلام حتى لا يمثل النشر ضغوطا على أطراف التفاوض.

وربما صحت معلوماتى التى تشير إلى أن الطريق إلى مفاوضات التسوية بدأ منذ نحو السنة.

لكن.. قبل أن نصل إلى تسوية هل يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تعفى مصر من قيمة الحكم الذى صدر لصالح شركة كهرباء إسرائيل (الحكومية) لتتنازل عن مليار وسبعمائة مليون دولار حسب ما أشيع فى الصحف المصرية؟.

لقد صرح نتانياهو بأن الأمن والطاقة ملفان مهمان بين مصر وإسرائيل يجب الحفاظ عليهما.. وأرسل من جانبه مبعوثا إلى القاهرة فور صدور حكم التعويض لشركة الكهرباء فى بلاده بعد أن هددت حكومة شريف إسماعيل بتجميد فرص استيراد الغاز الإسرائيلى.

لكن.. ذلك كله لا يعنى التنازل عن التعويض وإلا دفعته الحكومة الإسرائيلية لشركة الكهرباء وهو أمر يشبه المستحيل، تسقط بعده الحكومة هناك.

وشركة كهرباء إسرائيل رغم أنها شركة حكومية فإنها لا تهدف إلى الربح وتحدد سعر الكهرباء التى تنتجها كل ثلاثة شهور ولا شك أن قيمة التعويضات ستدخل فى حساباتها لتخفض سعر الكيلو وات ليفجر تنازلها عن الحكم ثورة من الغضب بين المستهلكين المضارين.. خاصة.. أنها - على حد قولها - خسرت أربعة مليارات دولار بسبب توقف ضخ الغاز المصرى.

ربما ستكون هناك وسيلة أخرى تعوض بها إسرائيل مصر.. لكن.. لا أحد توصل إليها بعد.

ليست هناك مؤامرات كونية ضد مصر.

إن القوى ليس قويا بنفسه وإنما قوى بضعف الآخرين.. والفائز ليس بارعا دائما بقدر ما غيره أغبياء.. وعندما نطعن القلب بخنجر لماذا نلوم الأطباء لو فشلوا فى العلاج؟.

الجبل لا يعرف الشموخ ولا الكبرياء إلا فى وجود السفح.