منال لاشين تكتب: وكسة ساويرس
نكتة ساويرس فى اجتماع لبحث التحالف.. الملياردير يؤكد أنه لا يرغب فى مناصب وزارية والرد «أنت مين عشان تقبل أو ترفض»
■ أنفق 2 مليار جنيه على حزب المصريين الأحرار طمعًا فى السيطرة على الحكومة
■ فى الانتخابات الأخيرة حصد أقل من 11% من مقاعد البرلمان وهى نسبة لا تؤهله لرئاسة لجنة وليس رئاسة الحكومة
■ ليس أمامه سوى زعامة المعارضة ونواب بحزبه يرفضون معارضة الحكومة
فى عالم البيزنس يقولون إن الحظ خلق له ولأمثاله.. هو الملياردير نجيب ساويرس.. لم يدخل صفقة إلا وحقق أرباحا طائلة.. وهو من أهل البيزنس الذين يحققون أرباحا فى مناطق الحظر.. يقولون إن التراب فى يديه يتحول إلى ذهب وألماس.. وأن الماء يصبح بترولاً.. هذا الرجل الذى لم يعرف الخسارة إلا فى بيزنس كوريا الشمالية عرف الآن أسوأ وأكبر خسارة فى حياته.. بلغة البيزنس أنفق ساويرس كثيرًا جدا ومول مشروعًا بمليارات الجنيهات.. والعائد كان أشبه بصفر كبير.. ساويرس الذى لم يتعود من قبل على تقبل فكرة الخسارة وجد نفسه فى نوع مثير جدا للخسارة.. الصفقة هذه المرة كانت سياسية والمشروع كان حزب المصريين الأحرار.. وعلى الرغم من أن الحزب الذى أسسه نجيب ساويرس فاز بـ65 مقعدا فى مجلس البرلمان، وعلى الرغم من أن الحزب حل الأول بين الأحزاب فى عدد المقاعد رغم هذا وذاك فإن ساويرس فوجئ فى آخر المشوار بأنه خسر حلمه أو بالأحرى مشروعه السياسى، وعاد إلى نقطة الصفر السياسى.. فهو لايستطيع أن يفرض حكومة أو يشكلها من ناحية، ولا يستطيع أن يقود معارضة منظمه على الحكومة والنظام من ناحية أخرى.
عاد ساويرس لقواعده مرة أخرى، صفته التى يتواجد بها فى اللعبة هى الملياردير ورجل الأعمال نجيب ساويرس
1-مشروع العمر
لم يقبل نجيب ساويرس أن يدخل عالم السياسة بصورة مباشرة أيام مبارك.. عرض عليه من جمال مبارك شخصيا ومن بعض رجاله أن يدخل الانتخابات.. ولم يفرضوا عليه أن ينضم إلى الحزب الوطنى.. بل اختاروا له إحدى دوائر محافظة السويس.. وكان سبب اختيار المحافظة أن لساويرس مصانع وعمال وأصوات..
ولكن نجيب رفض، فالملياردير لم يقبل أن يكون مجرد نفر أو عضو أو حتى رئيس لجنة.. إنه يريد أن يدير اللعبة كما تعود دوما، وأن تكون كل خيوط اللعبة بين يديه.. هو يخطط ويصمم أهداف الحزب أو البرلمان على مقاس طموحه وأحلامه.. يضع هذا على رأس القائمة ويستبعد ذاك.. ولكن نجيب وأسرته شاركوا ببعض الأموال فى تمويل حملات بعض نواب الوطنى من باب الصداقة فى بعض الأحيان، ومن باب الحرص على عدم إذكاء غضب النظام على الأسرة فى حالات أخرى.. وبعد ثورة 25 يناير جاءت الفرصة لساويرس لتحقيق أحلامه وأهدافه السياسية.. أسس حزب المصريين الأحرار.. وفى الحقيقة لم يبخل نجيب فى الإنفاق على الحزب الوليد.. كان يريد أن يقول إن الحزب ولد عملاقا.. وسرعان ما انتشرت مقار الحزب على طول مصر وعرضها.. مقار فى أغلى وأرقى المناطق والشوارع فى مصر ومؤثثة بشكل فاخر يليق بحزب الملياردير.. ومقار أخرى فى قرى ونجوع لم يدخلها حتى الحزب الوطنى من قبل.. وكان حزب المصرى الديمقراطى قد تأسس فى نفس التوقيت ولكن شتان بين الحزبين.. فقد بدا الفقر وقلة الإمكانيات واضحا على خطوات المصرى الديمقراطى.. وظهر التفاوت المادى جليا بين الحزبين فى أول انتخابات برلمانية بعد الثورة.. دخل الحزبان الانتخابات تحت تحالف واحد.. ولكن مرشحى المصريين الأحرار كانوا أكثر حظا فى الدعاية والإنفاق والمؤتمرات.. ونجح تحالف الحزبين أن يحل ثالثا فى انتخابات البرلمان.. وحصد المصريين الأحرار مقاعد أكثر من المصرى الديمقراطى.. ولكن الفارق فى المقاعد لا يعوض الفارق الكبير فى المصروفات..
ولم يستمتع ساويرس بهذا النجاح فى برلمان الإخوان لسبين.. الأول أن الإخوان احتكروا كل المناصب البرلمانية وأقصوا الجميع، فأصبح نواب حزب ساويرس خارج دائرة صنع القرار فى البرلمان.. أما السبب الثانى فهو حل البرلمان بحكم من المحكمة الدستورية.. وبهذا الحكم خسر ساويرس كل ما أنفقه من مبالغ طائلة فى أول انتخابات برلمانية.
وكأى رجل أعمال شاطر لم يفقد الأمل وواصل الإنفاق على الحزب ومقاره.. يحول الخسارة إلى مكسب هائل.. وجاءته الفرصة على طبق من ذهب مع دستور ثورة 30 يونيو.. فالبرلمان قد يشكل الحكومة.. أو بالأحرى حزب الأغلبية يجب أن يوافق على حكومة الرئيس، ومن حقه أن يشكلها..
2-الاستعداد لصفقة العمر
بعد تمرير الدستور راهن ساويرس على صفقة العُمر، وبتعبير البيزنس كتب شيكًا مفتوحًا للإنفاق على الصفقة.. بغرور سياسى راح نجيب يهدد تارة بفرم الحكومة التى لم تنفذ برنامج الحزب، ويخطط علنا تارة أخرى لتشكيل الحكومة على مقاسه.. وفى سبيل صفقه العمر أنفق ساويرس أموالاً طائلة على الحزب والاستعداد للانتخابات وتوسيع قائمة أعضاء الحزب فى كل المحافظات خاصة الشباب.. وقد استتبع ذلك تواجد حزبى مكثف وأنشطة للتفاعل مع الشباب والوصول لأكبر عدد من أعضاء الحزب.. وفى ذلك الوقت وقبل الانتخابات البرلمانية بوقت طويل أغرق ساويرس مصر بإعلانات حزبه.. وأعلن الحزب عن مشروع قومى لمحاربة الفقر بقروض متناهية الصغر.. كما أن الحزب قام بتوزيع شنط أو بالأحرى كراتين الخير على فقراء المصريين قبل الانتخابات بوقت طويل.. وكان من ضمن خطط الحزب أن يعرف كل المصريين اسم حزب المصريين الأحرار على الأقل، ليس من المهم أن ينضموا للحزب.. ولكن أن يصبح حزب المصريين الأحرار مثل الحزب الوطنى أو الإخوان أو الوفد.. حزب يعرفه الجميع..
وقد تكلفت هذه الخطوة أو بالأحرى الخطة مئات الملايين من الجنيهات.. وقبل الانتخابات بدأت مرحلة أخرى للتعرف على المرشحين الأكثر حظا فى النجاح أو بالأحرى الأكثر شعبية.. واستعان الحزب بشركات وخبراء للاختيار بأسلوب علمى.. وكلفته هذه الخطوة ملايين أخرى.. واستعان الحزب بخبراء مرة رابعة لإعداد لائحة متكاملة للحزب.. ومرة خامسة وليست أخيرة بخبراء لإعداد تشريعات اقتصادية للحزب الليبرالى..
فضلا عن فاتورة تكلفة الانتخابات نفسها، وما أثير حول تطور بعض مرشحى الحزب فى تخطى سقف الدعاية الانتخابية.. كل ذلك للوصول إلى صفقة العُمر.. أغلبية فى البرلمان أو عدد حاسم من النواب يؤهله للأغلبية.
3-الخيبة الكبرى
وبحسب أصدقاء ساويرس وأنصاره داخل الحزب فإن المؤسس قد أنفق نحو 2 مليار جنيه من أمواله على الحزب.. وأن الأصدقاء والأنصار تبرعوا بأموال أخرى للتخفيف عن كاهل ساويرس.. والمشكلة ليست فى الرقم الذى أنفقه ساويرس.. فمن الممكن أن تنفق على صفقة مليارات الجنيهات أو الدولارات، ولكن تكسب من ورائها أضعاف ما انفقت.. ولكن ما حدث مع ساويرس كان وكسة وخسارة فادحة.. حصد ساويرس 65 مقعدا، وحصد المركز الأول بين الأحزاب.. وكان الحزب يستعد لإجراء مفاوضات مع بعض المستقلين للتنسيق معهم حول المواقف الرئيسية مثل اختيار رئيس البرلمان أو رؤساء اللجان أو اختيار الحكومة.. ولكن قبل أن يفيق ساويرس من صدمة ارتفاع النفقات مع انخفاض عدد النواب.. كان تحالف اللواء سيف اليزل قد سبقه للنواب المستقلين وبعض الأحزاب.. ووصل سيف اليزل إلى عدد الأغلبية.. وهو ما هدد كل أحلام وأهداف ساويرس.. وحوّل مكسبه البرلمانى إلى خسارة.. وقد تكشفت الخسارة أمام أعين قيادات الحزب فى لقاءات تنسيقية أو تشاورية مع التحالف.. فالمصريين الأحرار يصر على التعامل بأنه أكبر الأحزاب.. وأنه حزب الأكثرية.. وهذا الوضع من وجهة نظره يتيح له مكاسب سياسية.. منصب وكيل المجلس ورئاسة بعض اللجان.. وزيادة فى تضخم الذات السياسى أرسل ساويرس برسائل تواضع.. فقد أكد ساويرس أن حزبه لا يرغب أو يطمع فى أى مناصب وزارية فى الحكومة.. وهو قول أثار دهشة وغضب بعض قيادات تحالف سيف اليزل.. فساويرس لا يملك أكثر من 11% فى البرلمان بعد إضافة النواب المعينين.. وهى نسبة لا تؤهله فى ظل أغلبية التحالف إلى الطمع فى أى منصب وزارى، ولا حتى وكيل وزارة أو مدير عام فى الحكومة.. ولذلك فإن رسالة ساويرس نوع من الوهم السياسى..
4-خطر المعارضة
بالطبع لدى ساويرس بنسبة 11 % أن يلعب دورا بارزا ومؤثرا جدا فى البرلمان، وهو دور المعارضة البرلمانية.. خاصة أن لدى ساويرس عدد من النواب السياسيين والخبراء.. ويستطيع ساويرس أن يقود المعارضة فى البرلمان عوضا عن قيادة الحكومة.. وأن يجمع حوله عددًا صغيرًا جدا من النواب المستقلين الذين يمكن أن يعارضوا الحكومة وسياساتها، ولاشك أن جانبًا أو جزءًا من شخصية ساويرس يميل للمعارضة والهجوم والصخب السياسى والسخرية.. ولذلك فإن دور المعارض محبب إلى قلبه وشخصيته.. ولكن هناك مشكلة فى أن يكتفى أو بالأحرى يرضى حزب ساويرس بزعامة المعارضة.. وهو أن المعارضة ستعرض الحزب لخسارة مساحة من تأييده فى الشارع لأن غالبية الشعب المصرى ينظرون للبرلمان كسند للحكومة.. ويعتبرون المعارضة نوعًا من تعطيل الحال.. بينما ينظر بسطاء من المصريين للمعارضة كجزء من منظومة المؤامرة على مصر.. ولذلك لم يكن للمعارضة تحت القبة معجبون أو أنصار أكثر من الشعب خاصة فى الدورة الأولى للمجلس.. وسيصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لمعارضة بعض المشروعات التى طرحها الرئيس السيسى الذى لايزال يتمتع بتأييد وشعبية بنسبة 85%..
ولذلك فإن بعض نواب حزب ساويرس لا يرحبون بفكرة زعامة المعارضة.. خاصة النواب الذين انضموا للحزب للترشح على قوائمه.. وبعضهم ينتمى للحزب الوطنى.. ويرغب فى دعم الحكومة، وليس معارضتها.. ولذلك وقع ساويرس فى مأزق خطير وتضاعفت خسائره تحت القبة.. فقد خسر حلم زعامة البرلمان وتشكيل الحكومة.. واندفاعه لزعامة المعارضة قد يأكل من شعبيته ومؤيديه فى الشارع.. وقد يهدد تماسك هيئته البرلمانية تحت القبة.. ولذلك فإن الطريقة الوحيدة لتقليل فاتورة الخسائر هى الشراكة.. فالمشروع السياسى لساويرس لم يحقق أى أهداف إلا بمشاركة آخرين تحت القبة.. والدخول فى عباءة تحالف يمنحه بعض المناصب البرلمانية.. مناصب تعوض خسارته السياسية من ناحية.. وتسمح له بمساحة من اللعب مع الحكومة من ناحية أخرى.. سياسيا دخول حزب ساويرس للتحالف سيكون دخول الخاسرين.. ولن يستطيع أن يفرض شروطه أو يحقق أهدافه.. ولكن بلغة التكلفة والبيزنس عدم دخول ساويرس التحالف سيكون خسارة فادحة.. لأنه لم يعوض ساويرس عن الفاتورة الضخمة التى دفعها للحزب منذ التأسيس.. حزب ساويرس أو بالأحرى أهدافه وأحلامه تقف فى لحظه فارقة جدا.. لحظة قد يعود فيها ساويرس لنقطة الصفر أو المربع واحد.. وهو مربع اعتمد فيه ساويرس على التواجد والتأثير داخل مصر على مكانته كرجل أعمال دولى وكبير.