عادل حمودة يكتب: أزمات النواب والحكومة بدأت قبل انعقاد البرلمان

مقالات الرأي




■ معركة حول اللائحة الجديدة بين النواب والعجاتى تبدأ قبل أن تحل مشكلة أمين عام المجلس!

عند استقبال النواب الجدد أول مرة يحصلون على حقيبة بها نسخة من الدستور ونسخة من لائحة المجلس.

فى برلمان 2005 فوجئ رئيس لجنة الاستقبال اللواء عاصم جنيدى بنائب يمثل دائرة بعيدة عن القاهرة يفتح الحقيبة أمامه قائلا: الدستور موجود.. واللائحة موجودة.. لكني.. لا أجد الحصانة.. أين الحصانة؟

وكانت الإجابة التى تلقاها ذلك النائب الساذج ابتسامة ساخرة ظلت تطارده طوال خمس سنوات قضاها تحت قبة البرلمان دون أن يسأل أحد: كيف وصل إلى أعلى سلطة تشريعية ورقابية فى البلاد؟

مثل هذه العينة من النواب سنجدها كثيرا فى مجلس النواب الجديد.. بل.. ربما وجدنا أسوأ منها.. فهناك نائب متهم بالنصب.. وهناك نواب لا تزال رائحة المخدرات التى تاجروا فيها تعلق بتاريخهم.. وهناك نواب سيتحركون بإشارة من كروش الثروة التى مولتهم بما يسمى المال السياسى.. وهناك نواب لن يخرجوا عن طوع أجهزة ما صنعتهم على يدها.. لنصل فى النهاية إلى برلمان عشوائى ربما لن يكون قادرا على أن يصلب طوله.. أو ربما وجدناه نوعا من مسرح العبث.. يثير ضحكا أكثر من علاج هم.

ولن يطول الاختبار.

فور استخراج بطاقات العضوية ذهب مجموعة من نواب يمثلون محافظة قريبة من القاهرة إلى مكتب وزير العدل حاملين طلبات تعيين عدد من أقاربهم.. مسجلين سبقا فى الاستفادة لن يكونوا وحدهم فيها.

وقبل أن ينعقد المجلس بدأ الصراع بين أحزابه على رئاسة اللجان.. كما شب الخلاف بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية مبكرا بسبب تخلص وزير الشئون القانونية المستشار مجدى العجاتى من أمين عام مجلس النواب اللواء خالد الصدر وتعيين قاض من مجلس الدولة هو المستشار أحمد سعد مكانه.

وهناك أزمة قادمة بين السلطتين بسبب اللائحة الجديدة للمجلس.. فالعجاتى يصر على وضعها.. والنواب يرون أنهم الأولى بوضعها.

وفى داخل النواب أنفسهم صراعات سبقت بدء الانعقاد على رئاسة اللجان.. وتوقفت عدة تحالفات على توزيعها.. وربما.. زادت اللائحة الجديدة من عدد اللجان من 18 إلى 30 لجنة بجانب زيادة عدد وكلاء المجلس إلى أربعة.

وخلال اليوم الأول لانعقاد المجلس سيختار رئيسه ووكيلاه.. والشائع أن الرئيس سيكون من النواب المعينين.. وترشح التكهنات ثلاث شخصيات قضائية.. أحمد الزند وسرى صيام وفاروق سلطان.. والفرصة الذهبية ستكون للزند.. وهو يستحقها.. شخصيته القيادية وخبرته فى انتخابات نادى القضاة تؤكد ذلك.. ولن يكون من الصعب التصويت باختياره.. فائتلاف دعم الدولة المصرية الذى يضم 350 نائبا لن يخذله.. وإن يؤخذ على المشهد بكامل تفاصيله أن السلطة التنفيذية اختارت رئيس السلطة التشريعية لمدة خمس سنوات.. عمر المجلس.. حسب الدستور.

وسوف يكون التبرير : إن ذلك حدث من قبل عندما أختير الدكتور رفعت المحجوب بعد تعيينه رئيسا لمجلس الشعب فى 23 يناير 1984.

والحقيقة أن المحجوب كان مرشحا لتولى رئاسة الحكومة.. لكن.. الوفاة المفاجئة للدكتور فؤاد محيى الدين الذى كان سيرشح رئيسا لمجلس الشعب غيرت خطة الرئيس حسنى مبارك وعندما واجه اعتراض بعض النواب على وجود معين على رأس البرلمان قال ساخرا: ما كل النواب معينين.. فى إشارة خفية إلى تزوير الانتخابات لصالح النواب الذين ترضى عنهم السلطة التنفيذية.

وفيما بعد.. خاض المحجوب الانتخابات رافضا التعيين مرة أخرى.. كما أن خلفه الدكتور فتحى سرور الذى استمر رئيسا لمجلس الشعب نحو عشرين سنة كان يخوض الانتخابات فى دائرته السيدة زينب دون تردد.

وخلال أول أسبوعين من بدء المجلس سيكون عليه مراجعة القوانين بقرارات التى أصدرها رئيس الجمهورية حسب نص المادة 156 من الدستور التى وضعت أكثر من عقدة فى منشار عندما ذكرت نصا:

إذا حدث فى غير دورة انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه.

وإذا كان مجلس النواب غير قائم يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس الجديد فإذا لم تعرض أو تناقش أو عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ما يترتب عليها من آثار.

ويصل العدد إلى 494 قانوناً بقرار.. والرقم كبير.. يصعب عرضه ومناقشته وإقراره فى أسبوعين.. ولم تكن تلك المدة القصيرة عقدة متعمدة فرضها الدستور.. فواضعوه حددوا ستة شهور لتنفيذ خارطة الاستحقاقات السياسية (اختيار البرلمان وانتخاب الرئيس).. مما يعنى أنه لم يكن متوقعا وجود لتلك القوانين بقرارات التى يصدرها الرئيس.. لكن.. جاء انتخاب الرئيس سابقا على اختيار البرلمان.. مما فرض عليه سد الفراغ التشريعي.. كما أن مدة الستة شهور طالت واقتربت من العامين بسبب الفشل فى وضع قوانين محكمة لممارسة الحقوق السياسية.. وبسبب الطعن على قانون تقسيم الدوائر الانتخابية.

ولو تأملنا تلك المادة الدستورية الحرجة سنجد أنها تقصر القوانين بقرارات على حالة الضرورة وفى عدم وجود برلمان.. لكنها.. شملت قوانين جنائية وضريبية ووظيفية مما يجعل عدم إقرارها يعنى انهيارا دستوريا.. لذلك.. فالحكمة تقتضى علاج المأزق ببراعة متناهية تكاد تقترب من جراحات الليزر.

ويحاول بعض ترزية السلطة إقناعنا بأنه مادام البرلمان كان غائبا فإننا ننسى ما صدر فى غيبته من قوانين بقرارات وعفا الله عما سلف.. والتبرير مخالف لنص المادة الدستورية التى وضعت لمجلس نواب غير قائم.. والعبث بذلك اللغم سينفجر فى وجوهنا.. فسوف يجرى الطعن على القوانين بقرارات دستوريا.. بل يمكن القول أن ذلك قد بدأ.. فقد تلقت المحاكم التى تنظر قضايا البلطجة طلبا بإحالة المادة (375 مكرر) إلى المحكمة الدستورية.. وكانت تلك المادة قد أقرت فى وقت حكم المشير حسين طنطاوى.. وسيتكرر طلب الطعن على قوانين أخرى يحاكم بها متهمون جنائيون وإرهابيون لو لم تقرر القوانين المعروضة بطريقة سليمة.

والطريقة السليمة تفترض عرض القوانين على النواب لتجرى مناقشتها وإقرارها.. لكن.. المدة المحددة لا تسمح.. فما الحل؟

هناك من يقول : أن على المجلس الموافقة على كل القوانين مرة واحدة.. فى 15 دقيقة لا فى 15 يومًا.. خاصة أن الأغلبية جاهزة على ما يبدو للتنفيذ.. والتصور مؤسف.. والتفكير خاطئ.. فلو حدث ذلك فإن المجلس سيوصف بأنه بصمجى على حد وصف الدكتور شوقى السيد.. كما أن إقرار القوانين يكون مادة مادة.

وربما.. كان أفضل تصرف.. أن نختار القوانين الرئيسية «جنائيا واقتصاديا» ونقرها فى المدة القصيرة.. لنضمن حدا مناسب من الاستقرار.. ليكون من حق المجلس بعد ذلك تعديلها لو شاء.

أو ربما كان هناك طرق أخرى للعلاج لم أتوصل إليها فى مناقشات استمرت ساعات مع نواب منتخبين وقضاة عاملين ومستشارين قانونيين.

على أن ذلك لن يمنع لجوء الدفاع فى غالبية القضايا المعروضة إلى المحكمة الدستورية للطعن وطلب الإفراج عن المتهمين وغالبيتهم من قيادات الإخوان مما يثير التوتر والقلق.. خاصة أن نظر قضاياهم طال بسبب عدم توافر قاعات محاكم مناسبة وآمنة.. وكان علينا الإسراع ببناء قاعات إضافية عاجلة.. وننتظر ذلك من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.. الوحيدة القادرة على الإنجاز فى زمن قياسى.

لكن.. مهما نسب إلى البرلمان الجديد فإن وجوده حقق خطوة نهائية فى الاستحقاقات الدستورية.. كما أنه سيكون مدرسة لأجيال جديدة من النواب.. وفرصة للأحزاب الضعيفة أن تقوى.. وأن تدرب أعضاءها على الخبرة التشريعية والشعبية وألا تستسهل الطريق وتشترى نوابا بأرخص الأسعار كما حدث.

حاكموهم بتهمة تغريم مصر 18 مليارًا فى قضايا الغاز والبقية تأتى


■ وزير البترول يفشل فى تسوية نزاعات التحكيم مع الخصوم فى لندن قبل 3 أيام من صدور الأحكام

حدث هذا الأسبوع ما حذرت منه قبل أكثر من سنة دون أن يسمع أحد.

يوم الجمعة الماضى (4 ديسمبر) قضى مركز تحكيم غرفة التجارة الدولية فى جنيف بعد جلسات استماع فى باريس استمرت ثلاث سنوات تقريبا بتغريم الشركة القابضة للغازات (إيجاس) والهيئة العامة للبترول مليارا و76 مليون دولار (16 مليار جنيه) لشركة كهرباء إسرائيل و288 مليون دولار (ملياران ونصف المليار جنيه) لشركة غاز شرق المتوسط.. بالإضافة إلى الفوائد ومصاريف التحكيم.

وجاء الحكمان بأقل من المطلوب بسبب مادة فى عقد تصدير الغاز إلى إسرائيل وضعها وزير البترول وقتها المهندس سامح فهمى تفرض ألا يزيد التعويض على 20% من العقد بأى حال من الأحوال.

كانت الشركة الأولى قد طالبت بتعويض 3.8 مليار دولار وكانت الشركة الثانية قد طالبت بتعويض 1.5 مليار دولار عن قرار إيقاف ضخ الغاز من مصر الذى أصدره المهندس محمد شعيب (رئيس إيجاس) والمهندس هانى ضاحى (رئيس هيئة البترول) فى 19 إبريل 2012.. فى أعقاب طرد السفير الإسرائيلى فى الشهر السابق.. وقد ترك الأول منصبه ليتولى منصبا فى شركة طاقة التابعة لمجموعة القلعة (أحمد هيكل) عقب خروجه مباشرة.. وأصبح الثانى وزيرا للنقل فيما بعد.

وكنت قد طالبت علنا بمحاكمتهما عما فعلا.. فقد فضلا على ما يبدو إرضاء السلطة القائمة على حساب المصلحة العامة.. وطالبت أيضا بتوضيح ملابسات القرار.. هل جرت مداولات قبل اتخاذه؟.. هل جرت مراجعة المسئولين الكبار فى الدولة وقتها: المشير حسين طنطاوى (القائم بسلطة الرئيس) والدكتور كمال الجنزورى (رئيس الحكومة) والمهندس عبدالله غراب (وزير البترول)؟.. هل صدر القرار بموافقتهم؟

ويمثل التعويض الذى حكم به للشركتين ما لايزيد على 25% من التعويضات المطلوبة عن كميات الغاز التى كانت تضخ قبل قرار إيقافه.. فلا تزال هناك قضايا أخرى تطالب بمزيد من مليارات الدولارات.

واستند شعيب وضاحى فى قرارهما على استشارة قانونية من مكتب محاماة شيرمان أند سترلينج.. والمثير للدهشة أنه نفس المكتب الذى تولى الدفاع عن إيجاس وهيئة البترول فى قضيتى التحكيم.. والأكثر دهشة أنه يمثل الحكومة فى قضايا تحكيم أخرى مرفوعة من مستثمرين فى شركة غاز شرق المتوسط مما يمثل نوعا من تضارب المصالح.. فمصالح الشركات المصرية (إيجاس وهيئة البترول) هنا تختلف عن مصالح الدولة المصرية.

والمؤكد أن مكتب شيرمان أند سترلينج مكتب محاماة كبير وشهير.. فقد سبق أن كسب قضية جوردوفسكى (الذى كان يملك أكبر شركة طاقة فى روسيا) ضد حكومته بعد القبض عليه وسجنه عشر سنوات بتهمة التهرب من الضرائب.. وحصل على تعويض 10 مليارات دولار.. أكبر تعويض فى تاريخ التحكيم.. فما الذى جرى للمكتب لكى أفتى لنا بما أضر.. وخسر قضايا تولاها لنا.. بجانب ترك قضايا أخرى فى حوزته ؟.. هل كل ما كان يهمه الحصول على أتعاب 4 قضايا دون النظر إلى مصالحنا؟

أكثر من ذلك سبق أن كسب ذلك المكتب قضية تحكيم ضد مصر.. هنا يجب التوقف لمعرفة السر فى اختياره والإصرار عليه.. خاصة أن هيئة قضايا الدولة طبقا لدستور 2013 المسئولة وحدها عن القضايا المرفوعة ضد الدولة فى الداخل والخارج.

وكانت حجة المكتب فى إيقاف تصدير الغاز إلى إسرائيل أن شركة غاز شرق المتوسط لم تسدد فواتير متأخرة عليها.. ولم تكن الحجة على ما يبدو مقنعة.. فبعد ثورة يناير تعرض خط الغاز لتفجيرات متعددة.. كما أن الجانب المصدر لم يلتزم بضخ الكميات المتفق عليها 2 مليار متر مكعب سنويا لشركة كهرباء إسرائيل وحدها مما أدى إلى ارتباك فى الحسابات.

وحسب ما عرفت فإن زبائن الغاز المصرى (14 شركة إسرائيلية) وافقوا فى 2012 على تعليق العقد بسبب ظروف مصر.. لكنهم.. فوجئوا بالإلغاء.

وفى ذلك الوقت رفضت جهات مؤثرة إلغاء العقد وقابل المسئول عنها أحد المساهمين فى شركة غاز شرق المتوسط.. ولكن لم يؤخذ بكلامه.

وسوف تطعن إيجاس وهيئة البترول على الحكم خلال 6 أسابيع أمام المحكمة التجارية فى لوزان (سويسرا) لإلغائه.. وربما.. لا تكون النتيجة فى صالحنا.. فهناك من يعتبر إجراء الطعن مجرد إجراء شكلى لحفظ ماء الوجه.. أو لتعطيل دفع المبالغ المطلوبة.. وغالبا.. ما سيأتى محامو شركة كهرباء إسرائيل وشركة غاز شرق المتوسط إلى القاهرة.. ويودعون صورة من الحكمين فى قلم المحضرين فى المنطقة التى تقع فيها إيجاس وهيئة البترول لإصدار صيغة تنفيذية لهما.. حسب قانون المرافعات فى مصر.

وحسب ما ذكره محمد شعيب فى برامج توك شو يوم الأحد فإن مركز القاهرة للتحكيم مختص بالدعوى ولا ولاية لمركز جنيف فى نظرها.. موحيا بأن هناك مؤامرة كونية ضد مصر.. مصرا على أن الحكمين سيجرى إلغاؤهما.

ولا يتسم هذا الكلام بالدقة فمركز القاهرة مختص بالنزاع بين شركات مصرية.. شركة غاز الشرق وشركة إيجاس مثلا.. فإذا دخل طرف إسرائيلى انتقل التحكيم إلى جنيف.. وهو ما حدث بعد أن دخلت شركة كهرباء إسرائيل مطالبة بتنفيذ الاتفاقية الثلاثية (غاز الشرق وإيجاس وكهرباء إسرائيل) والدليل على ذلك أن كهرباء إسرائيل طالبت بتعويض على الكميات التى كانت تستوردها وليس كل الكميات المصدرة من مصر.

ويعرف خبراء التحكيم أن أحكامه لا يطعن على منطوقها وإنما على سلامة الإجراءات التى اتبعتها هيئة التحكيم.. وقد تشكلت الهيئة حسب مصدر فى وزارة البترول من رئيس وهو مستشار قانونى للدولة الإسبانية فى المحافل الدولية (مثل البنك الدولى) أما عضو اليمين فمستشار لملكة بريطانيا وكان رئيسا لمحكمة متخصصة فى اسكوتلاندا ويشغل عضو اليسار منصب عميد كلية الحقوق فى استنبول والثلاثة لهم مؤلفات يعتد بها فى قضايا التحكيم ويصعب عليهم تسييس أحكامهم.

وحسب المصادر نفسها فإن وزير البترول التقى بعدد من المساهمين المضارين فى لندن يوم أول ديسمبر الجارى ولم يصل معهم إلى تسوية.. لسبب بسيط أنهم كانوا يعلمون بأن الحكم سيصدر بعد 3 أيام.. والحقيقة أن فكرة التسوية التى طرحت منذ نحو العام لم تصل إلى نتيجة لعدم قدرة أحد من المسئولين المصريين عن الملف فى اتخاذ قرار يمكن أن يحاسب عليه.

ولم تكن التسوية بدعة فنحو 80 % من قضايا التحكيم تصل إلى تسوية قبل الحكم فيها لتوفير الوقت عند الطرف المستفيد.

وطبقا لقانون الإفصاح سارعت شركة كهرباء إسرائيل بإبلاغ البورصة فى بلادها بالحكم الصادر لصالحها.. وتعد هذه الشركة شديدة القوة لأن مالكها هو اتحاد العمال فى إسرائيل الهستدروت.. التنظيم النقابى القوى الذى يؤثر فى بقاء أو استمرار الحكومة هناك.

ويملك رئيس الحكومة الإسرائيلية الحق فى تعديل أى قانون يتعلق بالأمن القومى فى بلاده.. وكان من الممكن الضغط على الشركة فى التنازل عن التحكيم حرصا على علاقته بمصر فى مجالات شديدة الأهمية.. ولكن ذلك كان ممكنا قبل صدور الحكم.. ولو شاء نتانياهو التدخل الآن فعلى حكومته دفع التعويض المطلوب للشركة.. وهو أمر مستحيل وإلا سقطت حكومته.

والحكمان الصادران فى جنيف لا يمسان الحكومة المصرية ولا يرتبان حجزا على ممتلكاتها فى الخارج.. فهما صادران عن تحكيم تجارى (شركات ضد شركات) وربما بسبب إفلاس إيجاس وهيئة البترول تقبل شركة كهرباء إسرائيل وشركة غاز شرق المتوسط بتسوية أقل من ما قضى به التحكيم.

لكن.. القضايا الأخطر التى تهددنا لو صدر فيها حكم ضدنا بالحجز على حسابات الدولة وممتلكاتها وسفاراتها فى الخارج فهى القضايا المرفوعة فى مركز فض المنازعات الدولية فى واشنطن (أكسل) العضو بالبنك الدولى.. وأمام لجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى (يونيسيرال) فى لاهاى (هولندا) من مستثمرين مساهمين أجانب فى شركة غاز شرق المتوسط وقعت دولهم مع مصر اتفاقية حماية الاستثمار.

هناك قضية واحدة فى واشنطن بمليار ونصف المليار دولار.. رفعها المساهمون الأمريكيون.. والثانية فى لاهاى رفعها المستثمرون البولنديون والألمان بنفس القيمة تقريبا.. والأحكام فيهما تنفذ طبقا لاتفاقية نيويورك (لتنفيذ الأحكام فى منازعات الاستثمار الدولي) التى وقعت عليها مصر.. ومن المتوقع أن تصدر الأحكام خلال 3 شهور فقط مما يعنى أن فترة التحرك للتسوية خانقة.

والغريب أن رافعى القضايا أرسلوا إنذارات إلى مصر قبل 6 شهور من اللجوء إلى التحكيم حسب الاتفاقية ولكن لا أحد فى مصر اتصل بهم أو طالب بالتفاهم معهم أو تهدئة خواطرهم أو السعى إلى حل وسط معهم.. إلا بعد أن أوشكت الفأس أن تقع فى الرأس.. وعندما سئل وزراء مختصون عن الأمر كانت إجابتهم لا شأن لنا بالموضوع.

كانت هناك ثقة هائلة فى نفوس المسئولين عن الملف بأنه لا أحد سيلجأ إلى التحكيم وعندما فوجئوا بأربع قضايا تساءلوا عن المخطئ وإن لم يفتحوا تحقيقا أصبح لا مفر منه الآن.

وحسب تقارير صحفية غربية فإن إجمالى التعويضات التى طلبت من مصر تصل إلى 8 مليارات دولار.

وحسب البيان الصادر عن إيجاس وهيئة البترول فإنهما تلقيتا تعليمات حكومية بتجميد استيراد الغاز من الحقول الإسرائيلية إلى حين استبيان الموقف القانونى بشأن الحكمين الصادرين ضدهما قبل أيام.

والبيان متسرع وخاطئ.. وينسب إيجاس وهيئة البترول إلى الحكومة.. ويثبت أنهما تتبعانها.. وكان الأجدر إنكار الصلة حتى لا تصاب الحكومة بأذى الحكمين.. وكان المناسب أن تنتظر الحكومة وصول نسخة من الحكمين إليها قبل أن تتورط فى التعليق.

هنا.. أيضا.. نجد قلبا لتصرف تجارى وتلبيسه ثوبا سياسياً.. خاصة أن الشركات التى استوردت الغاز من مصر غير الشركات التى ستصدر الغاز إليها.. ولا صلات مباشرة بينها.. وربما وجدت شركات إنتاج الغاز الإسرائيلية (وبعضها يحمل جنسية أمريكية) فى تركيا سوقا مناسبة وقريبة بعد الحصار الروسى عليها خاصة فى مجال الطاقة.

وحسب ما عرفت فإن شركة ديلك المنتجة للغاز الإسرائيلى وقعت خطاب نوايا مع شركة دولفينتوس المصرية (علاء عرفة) لشراء كميات إضافية من حقل ليفنتيان عن طريق خط الغاز المصرى وردت شركة غاز شرق المتوسط التى تمتلك الخط بالنفى إلا أن علاء عرفة صرح بأنه قابل أحد المساهمين فى الشركة ووقع معه عقدا ومرة أخرى نفت الشركة.

والخوف أن تشعر شركة فينوزا الإسبانية بالقلق من التصريحات الحكومية التى تجمد الحديث عن ترك شركات خاصة تستورد الغاز من إسرائيل.. وكانت شركة فينوزا قد تنازلت عن قضية التحكيم التى رفعتها ضد مصر (قيمتها 7 مليارات دولار) بعد السماح لها باستيراد الغاز من إسرائيل وإسالته فى المحطة التى تملكها فى إدكو قبل تصديره إلى بلادها التى تعتمد عليه فى إنتاج الكهرباء.

ولابد من معالجة الأحكام بحكمة لكى لا نعطى صورة سيئة للمستثمر الأجنبى الذى ندعوه لضخ أمواله فى مصر.

وربما كانت النصيحة الأخيرة ألا نتجاوز فى الكتابة عن الأزمة بما يستفيد منه الخصوم فى قضاياهم التى لا تزال قائمة وتحت النظر.

فليس بالشتائم نحل المشاكل.