منال لاشين تكتب: كواليس لقاء الرئيس ورجال الأعمال

مقالات الرأي




اللقاء استمر 4 ساعات وحضره 35 ممثلين للقطاع الخاص.. واستثماراتهم تقترب من 160مليار جنيه خلال العام الأخير

■ طالبوا بتأجيل الضريبة العقارية وخفض قروض الحكومة للبنوك إلى النصف والتعهد بعدم محاكمة أحد منهم سبق اتهامه وسألوا: صلاح دياب فين؟

كانوا نحو 35 رجل أعمال من كبار رجال الأعمال وممثلى الاتحادات والمنظمات الخاصة بالبيزنس، فى القاعة المخصصة للقائهم بالرئيس السيسى تلفتت الأعين بحثا عن رجل أعمال مهم، كانوا يتساءلون بصوت هامس ولكنه مسموع هو صلاح بيه جه؟ هو صلاح بيه لم يدع للاجتماع، وصلاح بيه المقصود هو رجل الأعمال صلاح دياب، دياب كان من أوائل رجال الأعمال الذين يدعون فى لقاءات الرئيس برجال الأعمال، وفى بعض اللقاءات كان يجلس بجوار السيسى، وكان من أوائل المتحدثين، وكان بعض الحضور فى لقاء الرئيس الأخير قد توقعوا دعوة صلاح دياب بعدما تعرض له من إلقاء القبض عليه بطريقة مهينة، واتهامه بحيازة سلاح بدون ترخيص.

صلاح دياب كان الحاضر الغائب فى الاجتماع، فخوف وغضب رجال الأعمال مما جرى لدياب كان أحد أسباب أو دوافع عقد اجتماع للرئيس مع ممثلى منظمات الأعمال.

ولكن اللقاء الذى استمر لنحو 4 ساعات امتد إلى ما هو أعمق وأشمل من حكاية صلاح دياب، وشمل كل مطالب رجال الأعمال، أو شكواهم بنص تعبيرهم، والصورة التى رسمها أهل البيزنس لأعمالهم صورة سوداء حالكة جدًا، أبرز ملامح الصورة أن شللا تامًا أصاب القطاع الخاص، المركب واقفة وبتمشى بالزق، المثير أن معظم من حضروا الاجتماع حققوا أرباحا فى التسعة أشهر السوداء الماضية، وأن استثمارات القطاع الخاص فى موازنة «2014 -2015» قد بلغت 160 مليار جنيه، ولكن لا الأرباح ولا الاستثمارات تكفى قطاع الأعمال الخاص للشعور بالأمان والرضا، فقد أكد أكثر من رجل أعمال خلال الاجتماع خوفهم من التأميم، وأعتقد أن رجال الأعمال يبالغون فى مخاوفهم بالنسبة لحكاية التأميم، ولكن يمكن رصد ثلاث قضايا أساسية سيطرت على اللقاء.

1-الضرائب والقروض

الشكوى من غموض الضرائب وتعددها كانت ملمحا مهما، وحكى رئيس اتحاد الصناعات المهندس محمد السويدى حكاية من واقع جولاته الانتخابية، سيدة عجوز تسكن فى بيت أشبه بكوخ قالت له إن الضرائب العقارية أرسلت لها ورقة، ورق قلب السويدى وزملائه فى الاجتماع لهذه المرأة، وكان بعض رجال الأعمال لديهم مطالب بتأجيل الضربية العقارية، خاصة على المنشآت الصناعية والتجارية والسياحية، ولذلك قصة هذه السيدة العجوز تصلح مدخلا، وهناك معلومة مهمة بل حاسمة، وهى أن كوخ هذه السيدة وملايين المنازل الصغيرة معفاة من الضريبة العقارية، وكل المطلوب الآن هو مجرد تسجيل كل البيوت والمنشآت الموجودة فى مصر، ولكن استخدام الفقراء لوقف أو تأجيل تطبيق الضرائب العقارية أسلوب قديم جدًا، بل إنه صاحب أول نسخة من قانون الضرائب العقارية قبل ثورة 25 يناير، وبالطبع تطرق الاجتماع أو بالأحرى رجال الأعمال لعدم وجود سياسة ضريبية واضحة، وكانت الحكومة قد تراجعت وأجلت تطبيق الضرائب فى البورصة لمدة عامين وباقٍ عدة شهور على موعد التطبيق، وبحسب رجال أعمال حضروا اللقاء فمن المتوقع استمرار تأجيل الضريبة على الأرباح الرأسمالية، أو ضريبة البورصة، ومن الضرائب للبنوك أو بالأحرى سندات وأذون الخزانة، فقد شكا أكثر من رجل أعمال أن الحكومة تزاحم رجال الأعمال فى الاقتراض من البنوك، وذلك من خلال سندات وأذون الخزانة، وقد اقترح بعض الحاضرين أن تكتفى الحكومة باقتراض نصف ما تقترضه الآن من البنوك، وكان حجم سندات وأذون الخزانة قد تجاوز التريليون جنيه هذا العام.

وبالطبع نال القطاع المصرفى من الشكوى جانبا مهما، ولكن بعض الحضور أشادوا بالإجراءات الأخيرة للمركزى لتوفير الدولار لتغطية الصادرات، وبالطبع طالب أكثر من رجل أعمال فى اللقاء بإلغاء سقف الإيداع على العملة الأجنبية، كما طالبوا بتعويم الجنيه أو خفض سعره تدريجيًا، والحجة دعم الصادرات والسياحة المصرية، ولكن العطاء الأخير لمحافظ البنك المركزى طارق عامر ثبت سعر الجنيه فى العطاء الخامس للمركزى بعد تولى طارق منصب المحافظ.

2-المعضلة الكبرى

وتضمن اللقاء حكاوى وشكاوى من بطء الإجراءات وخوف الموظفين وتعنتهم، وقد نتفق مع هذه الشكاوى، ولكن المعضلة الكبرى كانت فى الملف القضائى، فقد شهد اللقاء مطالبات ومقترحات مثيرة للدهشة، بعض رجال الأعمال اشتكوا من استدعاء رجال الأعمال للنيابة أو جهات التحقيق فى قضايا سبق استدعاؤهم فيها، وأكدوا أن هذا السلوك يثير قلق وفزع المستثمر المحلى والأجنبى على حد سواء، وطلب بعض أهل البيزنس ألا يتم الاستدعاء للمرة الثانية، وبالطبع تنفيذ هذا المطلب أو الاقتراح يعد تدخلاً سافراً وسافلاً فى السلطة القضائية، والأهم أن بعض رجال الأعمال يزعمون أن قضاياهم قد أغقلت أو أنه لا يوجد مخلفات أو تجاوزات فى أعمالهم أو بالأحرى بيزنسهم، وخلال الاجتماع فتح بعض رجال الأعمال ملف الأراضى، وزعم البعض أن هناك ملاحقات حكومية وقانونية لهم على أراض تم تخصيصها قبل ثورة 25 يناير، وأضاف أهل البيزنس: إن أوضاعهم القانونية سليمة، وذلك على الرغم من أنهم قاموا بتغيير النشاط من زراعى إلى سكنى، ويرفضون أن يدفعوا تعويضا أو غرامة للدولة مقابل تغيير النشاط، وللدقة فإنهم يطالبون بدفع غرامة صغيرة، وذلك على الرغم من الأرباح الهائلة والمتراكمة التى حققوها.

ولاشك أنه لا يوجد أى سند قانونى لوقف استدعاء رجل أعمال أو مواطن فى قضية أو بلاغ لمجرد أنه تم استدعاؤه فى قضية أخرى، ولكن المطلب المنطقى هو إغلاق كل ملفات التجاوزات الموجودة منذ ثورة 25 يناير، وذلك إما بحفظ البلاغ بالتصالح أو الإحالة للمحاكم، لأن استمرار وجود بلاغات وقضايا دون انهائها يمثل بالفعل عنصر قلق للمستثمر بوصفه مواطنا فى المقام الأول، والعدالة السريعة الناجزة هى واحدة من حقوق الإنسان، ولكن ربما لا تكون العدالة الناجزة فى صالح بعض رجال الأعمال، ربما تثبت العدالة الناجزة أن هناك من استولى على أراضى الدولة بدون وجه حق، أو من زور فى أوراق أو مستندات أو تواطؤ من بعض المسئولين أو دفع رشاوى، ولذلك يجب أن يفكر أهل البيزنس ألف مرة قبل الدعوة لإنهاء الملفات القانونية المعلقة.


بين مسافة السكة وفركة كعب
الطريق البرى لليمن وسوريا

لا أثق كثيرا فى الإجابات القاطعة، ولا أطمئن للأحكام الحاسمة التى لا تقبل القسمة عن اثنين. ولعل أشهر وأخطر نوع من هذه الإجابات. الإجابة على سؤال هل تشارك مصر بقوات برية فى اليمن، وفيما بعد تطور الأمر أو أضيف له تساؤلا آخر، وهل ستشارك بقوات برية فى سوريا؟

فى اليمن كانت الإجابة شبه الجماعية للمجتمع (حكومة وأهالى) هو الرفض. وأغلب الظن أن هذه الإجابة أضاعت فرصة مهمة لتعود مصر بحسم لزعامة الأمة العربية دون منافس أو منازع. أدرك بالطبع عقدة التدخل فى اليمن أيام عبدالناصر، ولكن أظن أننا بالغنا بحس نية والبعض بسوء قصد فى عقدة اليمن. فالأوضاع والظروف والحسابات مختلفة. كان وجودنا فى اليمن فى الستينيات لمساندة الأشقاء ضد الظلم والتخلف، ولكنه مهد لتأمين نظام موالٍ للنظام المصرى وذلك من خلال تأمين باب المندب.

أما اليوم فإن التدخل البرى لإنقاذ اليمن ومضيق باب المندب من الغزو الإيرانى. فنحن أمام حرب عربية ضد المد الإيرانى. وكان يجب أن نذهب مع أشقائنا العرب فى الإمارات والسعودية لليمن لأسباب عديدة. ليس فقط كتطبيق عملى لعبارات (مسافة السكة) أو (فركة كعب). وليس فقط ردا لجميل أشقاء عرب وقفوا مع مصر فى محنتها بعد 30 يونيو. أشقاء ساندونا فى لحظة عصيبة تخلى عنا الكثير. وتآمر على مصر دول وحكومات. وليس فقط لأن غيابنا بريا فى اليمن أحدث شرخا فى علاقات عربية حميمة لا يجب أن يصيبها شرخ، أو يتعكر صفوها. ليس لهذا أو ذاك فقط.

ولكن حسم الحرب فى اليمن لصالح العرب هو مصلحة مصرية وطنية بحتة. وبدون حسم حرب اليمن لصالح العرب ستظل منطقة قناة السويس مهددة كشريان ملاحى، وأكبر منطقة تنمية واستثمار فى مصر خلال العقود المقبلة.

مرة أخرى أدرك عقدة اليمن، وأترك حسابات الحرب للعسكريين، ولكننى أتحدث عن السياسة والتاريخ، تاريخيا فإن تأمين مصر ومصالحها وأمنها تم دوما من خلال خارج الحدود. وكلما انكمشت مصر داخل حدودها تضاءلت مكانتها عربيا ودوليا.

سياسيا فإن الجلوس على مائدة المفاوضات يجب أن يسبقه وجود فى ميادين القتال. سياسيا مصر صاحبة أقوى جيش فى الوطن العربى لا يجب أن تتأخر فى نجدة الأشقاء. ولا يجب أن تتراجع فى التواجد فى إعادة ترتيب المنطقة فى أخطر لحظة يعيشها الوطن العربى. ثم نشكو أو نصرخ فيما بعد بأن ثمة مؤامرة لإضعاف مصر. أو إخراجها من المعادلة الإقليمية.

اليمن ليست قضية أو هم الخليج العربى فقط. ولكنها قضية مصر. فضلا على أن قيادة أو زعامة الوطن العربى تتطلب بالبديهة أن تكون مصر مهمومة بهموم الأشقاء، ومتواجدة فى مناطق الصراع سياسيا، وفى بعض الأحيان عسكريا.

وقد تصور البعض أن ملف التدخل البرى فى اليمن أغلق على جراحه. وأغلق معه باب التساؤلات الحرجة. ولكن سرعان ما وجدنا أنفسنا أمام نفس السيناريو وكأن التاريخ يعيد نفسه. تصورنا أننا نسير فى طريق مختلف فإذا بنا نواجه نفس السؤال، وننتظر الإجابة ولكن فى بلد آخر أو هم عربى آخر. الآن يطاردنا السؤال الخطير فى سوريا. هل تشارك مصر فى حرب سوريا أو بالأحرى فى التحالف العربى؟ وإلى أى مدى ستصل مشاركتنا فى سوريا؟ وهل تشارك مصر بقوات برية فى سوريا؟

هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات عميقة، وإن كانت سريعة. لأن إجابات هذه الأسئلة سيتوقف عليها دور مصر فى شكل خريطة الوطن العربى، وبالمثل دورها الإقليمى.

أرجو ألا نتسرع بإجابات قاطعة حاسمة، إجابات تؤثر فيها العقد التاريخية القديمة. إجابات تخلط بين الحذر من الزج بنا فى معركة. وبين التراجع عن درونا فى المعركة.إجابات لا تقف أسيرة الماضى رغم أننا ننشد بناء مصر الجديدة. لا يجب أن نترك أنفسنا مقيدين بقيود تاريخية تعوقنا عن التحرك للأمام. والأخطر أنها تعوقنا عن التحرك الصحيح والمنطقى فى لحظة لا تتحمل الأخطاء.

إن مصر الجديدة يجب أن تعى دورها العربى والقيادى. إن مصر الجديدة يجب أن تطبق مقولة الرئيس السيسى قبل انتخابه (مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا ومش هتنسى اللى وقف معاها واللى وقف ضدها).

ونحن فى قضية اليمن تناسينا من وقفوا معنا. وأخشى أن نظل واقفين عند هذه النقطة والعالم حولنا يتحرك ويخطط للمستقبل. وأول خطوة للتخطيط للمستقبل هى تولى مسئوليتنا فى الحاضر دون التقيد بعقد الماضى.

فكروا أكثر من مرة فمستقبل مصر وزعامتها للعرب ودورها فى المنطقة يمر بمطبات عديدة عبر اليمن وسوريا وربما غدا ليبيا.

فكروا عميقا وكثيرا حتى لو بدت الإجابة على السؤال بديهية فى المرة الأولى. لأننا دفعنا ثمنا مهمًا نتيجة للاكتفاء بالتفكير مرة واحدة فى الإجابة عن سؤال هل تشارك مصر بقوات برية فى اليمن؟

وأظن أننا سندفع ثمنا غاليا إذا تسرعنا فى الإجابة عن سؤال هل تشارك مصر فى حرب سوريا؟