منال لاشين تكتب: أسرار البرلمان

مقالات الرأي




■ ساويرس لسيف اليزل: هنتفق على رئيس المجلس من غير ما نعرف اسمه؟

■ حتى الآن الجلسة الأولى تديرها النساء ولوبى النائبات يحتل المقدمة

أول برلمان شهدته إنجلترا كان منذ أكثر من 200 عام. وفى الجلسة الأولى طلب رئيس المجلس البرلمانى من النواب الجدد طلبا محددا. قال الرئيس من يؤيد حكومة جلالة الملكة يجلس على اليمين ومن يعارض حكومة جلالتها يجلس على اليسار. فقام معظم من جلسوا على يسار القاعة وانتقلوا فورا إلى اليمين إلى حضن حكومة جلالة الملكة. ولكن منذ ذلك الحين أصبح يسار رئيس البرلمان مخصصا للمعارضة داخل البرلمان. ويمينه مخصصا لنواب حزب الحكومة

ولا أظن أن برلمان 2015 سوف يطبق هذه القاعدة لسبب بسيط. وهو أن عدد نواب أو تكتل المعارضة لم يزد فى الغالب على عشرة أعضاء يمكن أن يجلسوا فى مدرج واحد من مدرجات قاعة مجلس الشعب. وبحسب التجارب البرلمانية السابقة لم يمنح المؤيدون فرصة للمعارضة الصغيرة للجلوس فى المدرج الأول. فقد كان نواب عز فى برلمان 2005 يتحرشون بالمعارضة بالجلوس وسط صفوفهم.

بالطبع نحن أمام معضلة بسبب غياب المعارضة البرلمانية. بعدما هرول نحو 350 نائباً للعمل تحت جناح تحالف سيف اليزل أو قائمة «فى حب مصر». فى البداية فإن رقم 400 الذى أعلنه سيف اليزل يبدو متفائلا وربما غير دقيق فى ظل عدم حسم كل من الوفد والمصريين الأحرار الانضمام للتحالف. والتحالف الجديد أكثر هشاشة من عظام رجل فى الثمانين من عمره، ويحتاج إلى مشرط جراح سياسى دقيق جدا لإجراء عملية توزيع عادلة وتوازن فى المناصب البرلمانية. هذا التوازن لا يعكس فقط الوزن النسبى للأحزاب والكتل البرلمانية، لكنه يجب أن يعكس الاختيار بذكاء سياسى يفرض الأكفأ على الأكثر عددا. ومن الذكاء السياسى أيضا ألا نكرر أخطاء الماضى، سواء فى برلمات الوطنى أو برلمان الإخوان اليتيم.

1-مفاجأة الرئاسة

المفاوضات الشاقة بين منسق «فى حب مصر» اللواء سيف اليزل ونجيب ساويرس دخلت فى مستويات أخرى قد تمثل مفاجأة. ففى اللقاء طرح ساويرس وقيادات المصريين الأحرار أزمة اختيار رئيس البرلمان من النواب المعينين، وكانت وجهة نظر المصريين الأحرار أن اختيار الرئيس من المعينين يجب أن يكون آخر سيناريو أمام النواب أو بالأحرى للتحالف البرلمانى الجديد. وأن المنطق السياسى هو البدء بالبحث عن رئيس البرلمان من داخل النواب الذين اختارهم الشعب، فإذا فشل البحث يتم اختيار الرئيس من المعينين. وهذه المناقشة دفعت سيف اليزل إلى التفكير فى البحث عن رئيس من داخل التحالف درءا للفتنة السياسية التى يمكن أن تزرعها وجهة نظر حزب ساويرس. ساويرس قال لسيف اليزل: هنتفق على رئيس المجلس من غير ما نعرف اسمه؟

والمثير أن هذا الرأى يجد صداه لدى بعض النافذين فى الدولة. فتعيين رئيس للبرلمان من النواب المعينين سيكون له أثر سلبى خارجيا. لأن خصوم مصر سيستغلون هذه الخطوة للتأكيد أن الرئيس السيسى يتحكم فى البرلمان وان العملية الانتخابية ومجلس النواب هو مجرد تمثيلية أو ديكور ديمقراطى.

اختيار رئيس من داخل البرلمان ــ رغم صعوبته ــ يجد مبررات أخرى بعد تراجع أكثر من مرشح لتولى المنصب. فالمستشار عدلى منصور لا يزال مترددًا فى قبول المنصب. وتضاؤل فرص عمرو موسى بسبب رفض العديد من النواب بعض مواد الدستور الذى كان موسى رئيسا للجنة التى أعدته. فى إطار غلبة آلهة القانون على رئاسة البرلمان تبدو فرص بعض كبار المستشارين كبيرة. والمثير أن مؤيدى تعيين رئيس المجلس يتذكرون سابقة اختيار النائب المعين الدكتور رفعت المحجوب رئيسًا لمجلس الشعب لتمرير اختيار رئيس البرلمان من المعينين، ويتجاهلون أن واحدا من أفضل رؤساء البرلمان وهو سيد مرعى لم يكن قانونيا ولا مستشارًا، لكنه كان مهندساً زراعياً.والبحث عن نواب منتخبين لرئاسة البرلمان لحق به تصرف آخر. فقد بدأ بعض النواب القياديين فى طرح اسمائهم بشكل غير مباشر من خلال بعض التقارير الصحفية. ولكن مشكلة اختيار الرئيس قد تكون أهون من مشاكل أخرى تبحث عن حلول لضمان تماسك التحالف الذى يواجه صعوبات حتى فى اسمه.

2-على الطريقة الإخوانية

من ضمن الاعتراضات المستمرة والعابرة للاجتماعات اعتراض خاص باسم تحالف سيف اليزل (دعم الدولة المصرية). وأهم اعتراض انه يشبه طريقة تفكير الإخوان. لأن اسم التحالف الحالى يضع غير المنضمين له فى مواجهة أو عداء الدولة المصرية، كما انه يحتكر الوطنية، مثلما حاول الإخوان احتكار الإسلام بتعبير (الإخوان المسلمين). سيف اليزل أبدى مرونة فى التخلى عن اسم التحالف لصالح أفضل اسم يقترح من شركاء التحالف. وهناك اقتراح بالاستعانة بخبير تسويق سياسى لاختيار اسم معبر وجذاب للتحالف.

برلمان الإخوان استدعى مرة أخرى فى المناقشات أو بالأحرى المفاوضات. وذلك من خلال الحديث عن تقسيم الكعكة البرلمانية. ووضع مقترحات لهيئة مكتب المجلس (الرئيس والوكلاء) ورؤساء اللجان وهيئات مكاتب اللجان التسعة عشر. فهناك بعض الأسماء المؤهلة داخل المصريين الأحرار لرئاسة بعض اللجان. خاصة داخل لجان المجموعة الاقتصادية. لأن المصريين الأحرار يركز فى دراساته وتشريعاته على الجانب الاقتصادى. كما أن المصريين الأحرار أعد لائحة داخلية للمجلس متكاملة بحسب الدستور الجديد.

بالمثل فإن هناك نوابا مستقلين تماما ولديهم خبرة وكفاءة لتولى رئاسة بعض اللجان. وخير نموذج هو النائب المخضرم كمال أحمد. وهناك نواب سابقون داخل كتلة فى حب مصر جديرون بتولى مناصب فى المجلس وعلى رأس هؤلاء النائب المخضرم علاء عبدالمنعم. ولذلك فإن المشاركة لا المغالبة يجب أن تغلب على تشكيل هيئات لجان المجلس.

3-تكرار الأخطاء

من رئاسة المجلس إلى اللجان حيث تؤدى فكرة الانفراد بمعظم اللجان إلى تكرار بعض أخطاء أو بالأحرى خطايا برلمانات. خلال المفاوضات السرية فإن هناك 3 نواب من رجال الأعمال مرشحون من قبل التحالف لرئاسة لجان برلمانية. واللجان هى الاقتصادية والخطة والإسكان. ومن أشهر هؤلاء المرشحين المهندس محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعة. وقد كان من بين الانتقادات العنيفة الموجهة لبرلمان ما قبل ثورة 25 يناير ترؤس رجال أعمال أو بالأحرى بعض كبار أهل البيزنس لجان الاقتصادية والإسكان والخطة والموازنة. فهذا الوضع يعكس تزاوجا بين السلطة والثروة. وقد كان توغل رجال الأعمال فى مجلس الشعب من مظاهر الزواج الحرام بين السلطة والثروة. ولكن قلة عدد النواب المؤهلين لرئاسة اللجان قد تعزز فرص أهل البيزنس فى رئاسة لجان.

ومن ضمن تكرار الأخطاء التنافس بين بعض لواءات الشرطة على رئاسة لجنة حقوق الإنسان. وقد كانت من ضمن عجائب أو بالأحرى فضائح مجلس ما قبل الثورة اختيار ضابط أمن دولة سابق متهم بالتعذيب وكيلاً للجنة حقوق الإنسان فى أول دورة لإضافة اللجنة بمجلس الشعب.

4-النائبات قادمات

من بين أفضل خصائص هذا البرلمان عدد النائبات. وإجرائيا فمن الجلسة الأولى للمجلس قد تشهد جلوس أصغر نائبة على المنصبة وهى النائبة (نهى خالد) مستقبل وطن وعمرها 25 عاما وشهور. ولكن ليس من المؤكد حتى الآن أن ترأس الجلسة نائبة لان الدكتورة آمنة نصير قد لا تكون أكبر الأعضاء سنا. وتنص اللائحة الملغاة على أن يترأس الجلسة الأولى أكبر الأعضاء سنا ويعاونه أصغر عضوين. وفى حكايات البرلمانات السابقة أمثلة طريفة. ففى مجلس الشعب عرضوا على النائبة فادية كامل رئاسة الجلسة الأولى، فرفضت وأصرت على أنها ليست أكبر الأعضاء سنا.

وبعيدًا عن الإجراءات فإن هذا البرلمان يضم أكبر عدد من النائبات والنسبة الأكبر فى تاريخ البرلمان. حيث وصل العدد إلى 78 عضوة. وذلك بإضافة النائبات اللاتى سيتم تعيينهن بقرار من الرئيس السيسى. وقد دفع هذا العدد النائبة الشابة نشوى الديب إلى تكوين لوبى نسائى تحت القبة وهذا اللوبى عابر للأحزاب والتحالفات.

وعلى الرغم من هذا العدد من النائبات فإن صراعات الرجال على الكعكة أبعدت النائبات عن الترشح للمناصب الكبرى. فحتى الآن لم تتضمن المفاوضات تعيين نائبة فى منصب وكيل المنصب. وذلك على الرغم من وجود سوابق راسخة من الدكتورة آمال عثمان إلى الدكتورة زينب رضوان. وعدم اختيار نائبة لمنصب أحد وكلاء المجلس سيمثل تراجعا فى حقوق المرأة تحت القبة. وحتى الآن فإن المرأة تلعب فى منطقة وكلاء هيئات اللجان وليس رئاستها. وربما تحمل الأيام المقبلة أو بالأحرى جلسات المفاوضات القادمة حظوظا أفضل للمرأة.

5-أزمة الرجل الثانى

كان مجلس الشعب يختار وكيلين فقط، ولكن الآن فإن لمجلس النواب اختيار أكثر من وكيل للبرلمان. ووكيل المجلس هو الرجل الثانى فى البرلمان ويترأسه ويدير شئونه فى غياب الرئيس بالسفر أو بالمرض. ولذلك فإن منصب الوكيل يمثل نقطة مفصلية فى المفاوضات. خاصة بالنسبة لقيادات الأحزاب أو التحالفات وهناك أسماء مطروحة مثل عماد جاد ومصطفى بكرى وفى حالة اختيار رئيس من المعينين، فقد يدخل فى قائمة الترشيحات أيضا اللواء سامح سيف اليزل. وعلى الرغم من انتماء بكرى للصعيد فهناك عدة منافسين صعايدة لبكرى على هذا المنصب. وتاريخيا ففى الغالب كان يتم اختيار أحد الوكيلين من نواب الصعيد. وعندما رشح مبارك الدكتورة آمال عثمان كأول امرأة اعترض بعض نواب الصعيد، ولكن كمال الشاذلى أفحمهم بأن آمال من أسيوط وهى صعيدية أبا عن جد. والمثير أن هذا الانتماء أقنع النواب. عدد الوكلاء أيضا محل مناقشات خلال المفاوضات الجارية. فزيادة العدد قد تسمح باستيعاب بعض الخلافات وتسهل الأمر للوصول إلى تحالف أكبر وأقوى.

6-ضربة الحكومة

على الجانب الآخر فإن للحكومة نصيبا مهما فى شعبية البرلمان. لأن الدولة هى صاحبة القرار فى إذاعة الجلسات على الهواء مباشرة أو عرض الجلسات مسجلة وتخضع للحذف بحجة الوقت. وخلال الأسابيع الماضية جرت مناقشات على أعلى مستوى تنفيذى حول هذه القضية. وتدرس الحكومة عدم عرض الجلسات كاملة على الهواء مباشرة. لكن ثمة تحذيرات من هذا الاتجاه. فالتجارب البرلمانية السابقة أثبتت خطورة هذا الاتجاه. لأن بعض النواب يزايد فى الفضائيات على الحكومة ويزعم انه هاجم وزيرا أو الحكومة كلها وقال (كيت وكيت) وذلك اعتمادا على أن الجمهور لم يشاهد الجلسة. من ناحية أخرى، فإن عرض الجلسات كاملة على الهواء يعد حقا أصيلا للناخبين، لأنه يمكن الناخب من متابعة أداء نائبه. ولكن الأشهر الأولى فى المجلس تشهد فى الغالب انفلاتا أو تجاوزا فى أداء بعض النواب. وذلك لقلة الخبرة البرلمانية من ناحية، والحماس الزائد لدى بعض النواب من ناحية أخرى. فالنائب يريد أن يرى أبناء دائرته كلماته وصولاته تحت القبة. ولذلك من الصعب التنبؤ بتوابع عرض الجلسات على الهواء على صورة المجلس لدى المصريين. وربما لهذا السبب لم تحسم الحكومة موقفها حتى الآن من هذه القضية. واعتقد أن على النواب أن يفكروا جيدا ومليا قبل التحمس أو الإصرار على عرض الجلسات على الهواء مباشرة.