د. رشا سمير تكتب: عندما يصرخ الآباء فى وجه الأبناء.. أنتوا طالق!
عندما تنفصل عُرى علاقة المُحبين تنهزم المشاعر.. عندما تسقط الأحاسيس تحت أقدام الحقيقة البغضاء يتمزق التفاهُم.. عندما تتحول كلمات الغزل إلى معركة للتراشق بالكلمات تنزوى الأحلام.. وعندما تتغلب الأزمات فى لحظة قاسية على عُمر من الذكريات تحدث الكارثة.. الطلاق.
ويبقى السؤال: هل تنتهى حياة المرأة أو الرجل بالطلاق؟
ربما كانت تلك النهاية الميلودرامية هى النتيجة الطبيعية للطلاق فى الماضى، أما اليوم فقد اختلف الوضع واختلفت الأسباب فتعددت النهايات.. ولكن مهما اختلف الزمان يبقى الخاسر الوحيد.. هو الأبناء!.
فى الماضى كان الطلاق أبغض الحلال واليوم تحول إلى المشهد الأخير فى التطور الطبيعى لأى زواج!.
فى الماضى كان الرجل، رجلا بحق يحمل شهادة ميلاد ذكورته فى تصرفاته.. رجل استطاع أن يتحمل مسئولية بيته وأبنائه وزوجته.. رجل لا يرضى على كرامته إلا أن يكون شهما، محترما، قويا.. رجل يحنو ويربت ويُهدهد ويحتوى ويسمو فوق المشاكل بحنكة ربان السفينة.
واليوم.. انكسرت الصورة وتبددت المفاهيم.. حين تخلى الرجل عن مسئولياته وكيانه وبالتالى تخلى عن خانة «ذكر» فى بطاقته الشخصية!.
وعليه تحول الحمل فى شخصية الأنثى إلى نمرة شرسة تُشهر مخالبها فى وجه المشكلات التى تواجهها بدلا من احتوائها.
إذن اختلطت الأدوار.. وتفاقمت المشكلات.. فضاقت حالة الاستيعاب عند الزوج والزوجة.. ليصبح الطلاق هو الحل الوحيد.
وأحيانا يقع الطلاق عقب تلك الحالة من الصمت والملل والهدوء العاصف.. فربما لا يشتبك الطرفان ولا يختلفان، ولكن تنتابهما حالة من الرتابة تنتهى بجُملة الختام:
«أنا زهقت ومش قادر أكمل»!.
ينجو الطرفان بنفسيهما.. ويذهب كلٌ منهما فى اتجاه ليبحث لنفسه عن حياة جديدة.. عن تعويض معنوى لسنوات من الخلاف والملل.. عن شريك جديد أو حب قديم!.
والحقيقة أنه لا يدفع ثمن تلك النهاية سوى.. الأبناء.. الأبناء الذين لا يحميهم قانون الأسرة والطفل، ولا ينصفهم المجتمع، ولا يحتويهم الأهل.. فالصراع لا يُولد من شظاياه سوى الضحايا والمعركة لا تخلف وراءها سوى الدمار.. عاصرت قصصا كثيرة، تحول فيها الأب بعد الطلاق إلى وحش كاسر لا يميز بين انتقامه من زوجته وانتقامه من أبنائه.. فالرجل فى حالات كثيرة يقرر الانتقام من السيدة التى لفظت الحياة معه فى صورة أبنائه!، فيقوم فى لحظة غضب بتطبيق نظرية لى ذراع الأم بتجفيف منابع الإنفاق على أبنائه، وهو بكل أسف السلاح الوحيد الذى يتصور الأب بعد الانفصال أنه يمتلكه لكسب معركة الانتقام من شريكة حياته، ويظل للأبد يذكرهم بقصته الطويلة فى التضحية وكونه الشمعة التى تحترق كل يوم من أجل أن يعيشوا فى بذخ!.
والحقيقة أن تلك الطريقة تُضعف أواصر علاقته بأبنائه الذين يدركون فى لحظة أنه ليس سوى (البنك) الذى يمول وينفق ويمن.. لكنه لا يجيد فن حياكة المشاعر التى تجيده الأم ببراعة.
فالمعنى الحقيقى للأبوة هو أب يحتوى ويشارك ويُضحى دون أن يتغنى بفداحة التضحية كلما واتته الفرصة.. أب يتجرد من كل أحلامه فقط ليحتوى أحلام أبنائه ويحقق طموحاتهم.
لكن وللأسف.. كم أبا يستوعب تلك المشاعر ويفهمها؟!
وعاصرت أيضا قصصا أخرى قررت فيها الأم عقب طلاق أرهق مشاعرها وحطم أنوثتها، أن تنتقم من ضعفها الذى أدى إلى انكسار العلاقة أو أن تبحث عن حياة أخرى بعيدا عن كونها الطرف الوحيد المُجبر على التضحية فى علاقة الزواج الفاشل.. فرأيت أمهات تتخلى عن أمومتهن بالزواج أو بالانزلاق فى قصص حب جديدة مثل المراهقات تاركين أبناءهن فى منتصف الطريق.
ورأيت أمهات تترك الأبناء للزوج وتفتح باب المنزل لتهيم على وجهها بحثا عن حياة جديدة وكيان جديد وربما حب جديد.. وهنا يتحول الأب إلى أب وأم.. ومن الطبيعى أن يخفق فى الامتحان، فيبحث عن زوجة جديدة.. وبدخول طرف ثالث فى العلاقة، تتفاقم المشكلات وتسقط المزيد من الجدران فتتصدع الحياة تماما.
فى كل الأحوال، تتمزق الأسرة ليسقط الأبناء فى هاوية الاضطراب النفسى والاكتئاب، فيدفعون فاتورة لم يسعوا إليها، ويندفعون إلى طريق لم يختاروه.
متى نسمو بمصالح أبنائنا فوق مصالحنا؟.. ومتى نُقر ونعترف بأن الأبناء فقط هم من لهم الحق فى اختيار شكل الحياة بعد الطلاق.